أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - وكان للأطفال كرامة العظماء














المزيد.....

وكان للأطفال كرامة العظماء


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 13:36
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



صوته لم أسمعه من قبل، ليس فيه ذكورة أو أنوثة، شجن رقيق من الزمن البعيد قبل العبودية، يسرى كضوء الفجر، لا يطأطئ الرأس ولا يقبل الظلم، كنت أعيش فى صحراء مكتظة بالبشر، رجال ونساء يرتدون وجوها أنيقة وأحذية لامعة، والأغلبية بلا أحذية ولا وجوه، القلوب تحجرت والضمير مات، أمشى فى الظلمة بكشافى الصغير، أعرف أنه ينتظرنى فى نهاية الطريق، ستزل قدمى من التعب وطول المسافة، سأسقط وأشد نفسى من مخالب القدر وأنهض، سأسقط وأنهض ولن أعرف اليأس أبدا.
سمعت صوته وسط عواصف التراب وانفجارات الإرهاب، وانقطاع الماء والكهرباء، الحر فى شهر يوليو والناس صيام، الأعصاب مشدودة والشوارع مسدودة والأنفاس مخنوقة، تتخفى السماء وراء أعمدة الصحف والدخان، الناس يسيرون كالنيام، حالة وسطية بين النوم والموت، منطقة هلامية رمادية، يتغنى الزعماء بالوسطية، نقطة الصفر فى الحبل المشدود، انعدام الرؤية باسم التوازن، لا ندرى والله أعلم، لا مدنية ولا دينية، لا شك ولا يقين، لا حقيقة مطلقة وكل شيء نسبى.
فى طريقي مستشفيات ومحاكم وسجون، شباب وشابات لهم عيون العجائز، طوابير الأمهات الواقفات أمام الباب أو جالسات على الأرض من شدة الإنهاك، فوق صدورهن أطفال نائمون فى غيبوبة كالموت، أو يترنحون على أقدام صغيرة حافية، تدوس عليها الأحذية الجلدية للسادة الأطباء والمحامين والسجانين، الداخلين والخارجين، مات شاب من الضرب فقال الطبيب الشرعي: نوبة قلبية والوفاة طبيعية، مات طفل فى عملية ختان فقال الطبيب للأب: لا أحد يموت بغير إرادة الله، ماتت فتاة فى عملية إسقاط الجنين، فقال الجراح للأم: الله يحرم الإجهاض.
وقال الزوج العلماني للقاضي: ليس هناك خيانة زوجية مطلقة وكل شيء نسبى، وقال السلفى العجوز إن زواجه بالطفلة القاصر مشروع بأمر الله، وأعلن الزعيم الشيوعي بعد انفجارات الإرهاب الأخيرة أنه أخطأ فى تدعيم الإخوان وجل من لا يخطئ.
وقال الفنان الشهير لحبيبته: أحبك إلى الأبد والله يشهد، صدقته الفتاة، ثم حملت وأنجبت بعد تسعة أشهر طفلهما له أنف الأب الذى أنكر وقال ليس ابني، قالت الأم: أنظروا إلى الأنف، قالت المحكمة: لا ننظر إلى الأنوف بل إلى الأوراق والشهادات، قالت الأم: كان الله شاهدا علينا، قال القاضي: شهادة الله ليست بملف القضية إحضرى ورقة المأذون؟ قالت الأم: وهل الورقة أكبر من الله؟ ألا ترددون الله أكبر بمكبرات الصوت من فوق المآذن كل لحظة؟
قال القاضي، لا نعترف إلا بالدليل المادي هاتى نتيجة "الدى إن إيّه" رفض الأب أن يرضخ للتحليل، فالرضوخ إهانة للرجولة، أصبحت الألسنة تنهش الأم ولا أحد يمس الأب، ثم صعدت روح القاضي للسماء، وجاء قاض من شباب الثورة يؤمن العدل، نظر للقضية بالعقل، أمامه اعترافات الشهود تثبت أن الأب كان يعيش مع الأم فى بيتها، وكان بينهما حياة الزوجين المشتركة، يسافران معا فى الإجازات، يزورهما الناس فى الاحتفالات، التقطت لهما الصور معا، حملت منه وأنجبت طفلهما، توافرت دلائل ثبوت النسب بالفراش، لكن الأب استمر فى إنكار أبوته للطفل، ولم يقدم الدليل على انعدام العلاقة الزوجية بينه وبين الأم، كما إمتنع عن الخضوع لإجراء تحليل البصمة الوراثية لبيان ما إذا كان الطفل ابنه ومن مائه أم لا، الأمر الذى يثبت أن الطفل هو إبنه، وتكون دعوى الأم قد أقيمت على سند صحيح من الواقع والشرع والقانون، لهذا تستجيب المحكمة لطلب الأم وتثبت نسب الطفل لأبيه.
أطلقت الأم والنساء الزغاريد، وكان الطفل يتابع القضية منذ مولده حتى تعلم النطق، كانت قضايا النسب والنفقة والرجعة والعدة والحيض والنفاس وكل أمور النساء، تستمر العام وراء العام، وتسقط مع الزمن أو موت الأم، وحين سمع الطفل قرار المحكمة انتفض من فوق صدر أمه وصاح معترضا: لن أحمل إسم أبى الندل.
ضجت المحكمة بأصوات مندهشة: أيتكلم الطفل فى المهد؟ هل عاد المسيح إبن مريم لينقذ العالم من الفساد؟ وأصوات أخرى غاضبة اتهمت الطفل بإزدراء الذات الأبوية العليا وإنكار المعلوم من الدين.
صوته طفولى عذب، ليس فيه رجولة ولا أنوثة، فيه كرامة وعزة النفس، يمسح عنى تراب الطريق ومشقة السفر، أعود طفلة تجرى على الشاطئ، أجمع فى يدى زهرات الياسمين، ينتشر عبيرها فى الكون، وتشرق الشمس فى يوم جديد، وفى الليل يظهر القمر بضوئه الفضي، يصغر حجمه ويصغر ويختفي ثم يظهر من جديد، وأسأل أمي: هل يعيش القمر والشمس للأبد؟ تضحك أمي وتناديني من الشاطئ البعيد فأسبح إليها كالسمكة، وتعود ذاكرتى إلى أوراقي التى بعثرها الريح، كنت أكتب على وجه القمر وأنسى الزمن، تفوتنى مواعيد الأكل والشرب والنوم، تمنحنى الكتابة الاكتفاء والاستغناء، وكان للأطفال كرامة العظماء.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يملك الشرف الرجال وتدفع ثمنه النساء
- أسئلة الأطفال المحرمة وتجديد الفكر الدينى
- تقتل الموت وتنتصر الكتابة
- المسكوت عنه فى السلوك؟
- وضحكت الطفلة بدموع كالبكاء
- الوجه الآخر لنيلسون مانديلا
- منذ اكتشف الرجل -الإسبرماتوزوم-
- إنه الدم -2-
- بشائر صوت الكروان
- لم يعد يراها
- من وراء ظهرها فى فراشها؟
- فتيات الصين والثورة الثقافية
- الإبداع والثورة والحدس باللا معقول
- ثقافة الخرافة فى تونس
- زينة وهدى ودموع التماسيح
- الثورات والتحرر من اللامعقول
- تاريخ الشعوب غير المكتوب
- جبل الثلج تحت الماء
- ثلوج النرويج ونساء العالم
- داعش ومخ الإيبولا


المزيد.....




- “احلى اغاني الاطفال” تردد قناة كراميش 2024 على النايل سات ka ...
- إدانة امرأة سورية بالضلوع في تفجير وسط إسطنبول
- الأمم المتحدة تندد بتشديد القيود على غير المحجبات في إيران
- الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام مبنى المحكمة الجعفر ...
- عداد الجرائم.. مقتل 3 نساء بين 19 و26 نيسان/أبريل
- هل تشارك السعودية للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون؟
- “أغاني الأطفال الجميلة طول اليوم“ اسعدي أولادك بتنزيل تردد ق ...
- استشهاد الصحافية والشاعرة الغزيّة آمنة حميد
- موضة: هل ستشارك السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون للمرة الأ ...
- “مش حيقوموا من قدامها” جميع ترددات قنوات الاطفال على النايل ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - وكان للأطفال كرامة العظماء