أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - الإبداع والثورة والحدس باللا معقول














المزيد.....

الإبداع والثورة والحدس باللا معقول


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4766 - 2015 / 4 / 2 - 17:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"لا يسير الثوار تحت أقواس النصر" "هذا مثل قديم حكيم، يعنى أن المتمردين المبدعين الذين يغيرون نظام العالم لا يقطفون ثمرة كفاحهم بل ينزفون الدم والروح فى المعركة، وإن نجوا من الموت تتربص بهم القوى المسيطرة لسحلهم وإقصائهم عن الحكم". لم تحدث ثورة فى التاريخ دون أن تسبقها تضحيات هذه العقول المبدعة الثائرة الشجاعة، وعلينا التنقيب عنهم وتدريس أعمالهم للأطفال والكبار.
لم يتطور التعليم فى بلادنا ليقدم الأفكار الجديدة التى تفتح العقول وتنمى المواهب. كتبت من قبل عن الطفلة "حنين" التى اعتبرت مريضة نفسيا وهى بصحة جيدة بل تتمتع بالذكاء الخارق، وعندنا الملايين منها، ولكن لا أحد يهتم بهم ولا نعثر عليهم إلا بالصدفة البحتة ويتصور الكثيرون منا أن العبقرية منحة تهبط من السماء على القلة المميزة من الرجال، وقد قسم أرسطو (384 - 322 ق.م) الموجودات فى المجتمع اليونانى إلى قسمين: الأول الأشخاص وهم الأسياد الرجال الملاك. والثانى الأشياء وهم العبيد والنساء والماشية. ارتفع الاسياد إلى مصاف الآلهة وامتلكوا العقل والعبقرية، أما العبيد والنساء فكانوا أجسادا بلا عقول. ولعبت ثورات العبيد والنساء دورا فى تحريرهم، لكن المرأة ظلت ناقصة العقل فى نظر رجال الدين والعلم منهم "سيجموند فرويد" الذى تصور أن الأنا العليا ضامرة عند المرأة، وبالتالى تنتج الأطفال وليس الأفكار. وتقدمت العلوم بفضل المبدعين والمبدعات ولم تعد العبقرية تتعلق بالجنس أو الطبقة أو الدين أو الهوية، بل أصبحت صفة انسانية يتمتع بها الاطفال جميعا ولم يعد الاحساس (أو الحدس) منفصلا عن العقل أو الوعى، بل أصبح هو "الوعى الاعلى" حين يتحول اللا وعى إلى وعى، ولم تعد العبقرية لحظة عشوائية او ضربة حظ إذا توافرت لديهم الجينات والبيئة والتربية السليمة تفاجئ الانسان فيقفز من الماء مثل أرشميدس صارخا "وجدتها وجدتها" إنها الرؤية الناتجة عن تراكم خبرات الحياة بخلايا الجسم والمخ، منذ الولادة حتى الموات، إنها صبر طويل وعمل منظم دقيق، يفرضه الانسان (أو فريق العمل) نفسه من أجل تحقيق حلمه الابداعى.
هناك عوامل متعددة تقتل العبقرية مثل القيود السياسية والدينية التى تمنع الحرية وتشيع الخوف من الاختلاف عن الآخرين والقيود الاقتصادية التى تفرض الفقر والأعمال الجسدية على الفقراء والنساء، مثل دعك المراحيض ومسح التراب المتراكم على الشبابيك وغسل الصحون، وتقشير البصل والثوم وغيرها من أعمال تقوم بها الآلات الحديثة، ويقود الإبداع إلى الثورة وهدم النظام القديم، وبناء نظام جديد أكثر حرية وعدالة وكرامة، وهى تشبه عملية الهدم والبناء داخل الجسد الحي، كالدوامات فى البحر والهواء مثلها فى المجتمعات الحية، تحدث الطفرات والثورات، تهدم النظام القديم وتبنى النظام الجديد، وتستمر الحياة المتطورة إلى الأمام. هناك مسافة من الزمن بين الهدم والبناء أو بين النظامين القديم والجديد، يغلب عليها العشوائية أو الفوضى، وهى فترة خطيرة فى حياة الفرد أو المجتمع تشبه الجحيم فى رسالة "أبى العلاء المعرى" أو الكوميديا الإلهية لـ"دانتى". كأنما الانسان المبدع يسبح فى البحر من شاطيء قديم معروف إلى شاطئ آخر مجهول، يتخيل المبدع أو يتنبأ بالحدس أنه سيكون أكثر جمالا وعدالة.
وبين الشاطئين مسافة مظلمة غويطة قد يجتازها الإنسان المبدع بشجاعته وثقته بنفسه ومهارته وإصراره ويصل إلى الشاطئ الآخر أو النظام الجديد، وقد يغرق الانسان المبدع فى هذا الخضم المظلم إن لم يكن مسلحا بالصفات السابقة ويصبح مريضا نفسيا أو مجنونا، وهنا الفرق بين العبقرية والجنون، فالعبقرى مجنون عاقل شجاع ثائر يهدم النظام القديم ويبنى النظام الجديد الأفضل، لكن المجنون يهدم ثم يغرق فى خضم الفوضي.
نشأت نظرية "الفوضى" أو علم اللا متوقع، من هذا الخضم المظلم بين الشاطئين، بعض العلماء الجدد تصوروا أن نظام الكون سوف يتبدد تدريجيا ليغرق فى الفوضى وأن الكمال لأى نظام مستحيل لكن هناك سؤالا ليست له إجابه: كيف يمكن لتدفق الطاقة اللا منظمة أن تمد الحياة بنظامها الدقيق فى الكون وداخل مخ الإنسان؟ قد تبدو الإجابة بديهية، فالعبقرية نتجت عن النظام الدقيق والتنسيق الكامل بين خلايا المخ، ونتجت أيضا عن الانفلات من النظام إلى الفوضى من أجل بناء عقل جديد أكثر تطورا وذكاء، وهذا يحدث أيضا فى الطفرات والثورات الاجتماعية.
وأصبح الإبداع الفكرى مثل الثورة الاجتماعية جهدا جماعيا، تقوم به فئات شعبية متعددة أو فرق مختلفة التخصص فى الطب والبيولوجيا والرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الكون والموسيقى والنحت والكتابة. وأصبح الحدس باللامعقول واللا متوقع ضروريا لتصحيح التوقعات الموروثة والثورة على المعقولات المألوفة فى العلوم والفنون والأديان وغيرها من فروع المعرفة.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الخرافة فى تونس
- زينة وهدى ودموع التماسيح
- الثورات والتحرر من اللامعقول
- تاريخ الشعوب غير المكتوب
- جبل الثلج تحت الماء
- ثلوج النرويج ونساء العالم
- داعش ومخ الإيبولا
- الاشتراكيون فى لندن وغاندى
- مقطوعات الرؤوس والوجوه
- اللا محسوس أخطر الأنواع
- الخوف من حرية العقل والمرأة
- من يذكر زينب فواز وأروى صالح؟
- النساء المقاتلات فى جبال كردستان
- الثورة الثقافية. وزوجتك
- الثورة الثقافية فى مصر والصين
- هل تتعلم النساء المصريات الدرس؟
- إدانة الأم المقتولة وتبرئة القاتل
- جهل الطب النفسى بجهاد النكاح
- الكاتبة رفيقة العمر «8»
- السيدة الأولى والتحولات السحرية


المزيد.....




- أسرة عبد الحليم حافظ تقاضي مهرجان موازين المغربي بعد ظهوره ب ...
- شكوك بعد تقرير استخباراتي أمريكي حول نتائج الضربات على المنش ...
- مسلم، تقدّمي، وابن مهاجرين... زهران ممداني يقترب من منصب عمد ...
- كنيسة مار إلياس.. بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي ...
- كيف حال قرار بريطاني دون أن تصبح دبي جزءاً من الهند؟
- السيارات الكهربائية في إسرائيل: قنبلة موقوتة أكثر فتكًا من ا ...
- إلزام الطلاب الأجانب بالعمل في الريف.. حل لأزمة نقص الأطباء؟ ...
- عاجل| أردوغان: التوتر العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل عرض ...
- ترامب يعلن موعد استئناف المحادثات النووية مع إيران
- ميزر صوان.. السلطات السورية تلقي القبض على -عدو الغوطتين-


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوال السعداوي - الإبداع والثورة والحدس باللا معقول