أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - امجد ابراهيم - الماركسية غريبة على ثقافتنا حالها حال الرأسمالية















المزيد.....



الماركسية غريبة على ثقافتنا حالها حال الرأسمالية


امجد ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 4858 - 2015 / 7 / 6 - 23:12
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


رسل مينز (*)
مقدمة لابد منها : قبل ثلاث عقود ونصف ، في شهر تموز من عام 1980 ، اجتمع عدة آلاف من الناشطين جاؤوا من مختلف جهات الكون للاشتراك في " لقاء بلاك هيلز الدولي من اجل البقاء " الذي اقيم في منطقة التلال السود وهي محمية هندية تقع في داكوتا الجنوبية. جاء هذا اللقاء ردا على موافقة الحكومة الفيدرالية على قرار شُرع تحت ضغط لوبي صناعات الطاقة ، والذي جعل من منطقة التلال السود ( وهي منطقة مقدسة لدى القبائل الهندية ) منطقة مخلاة – اي غير صالحة للعيش – وذلك من اجل انشاء مركزا صناعيا للغاز وبناء مفاعلا نوويا وما يتطلبه ذلك من تمديد لخطوط الضغط العالي.
شارك رسل مينز ( وهو من مؤسسي حركة الهنود الامريكان التي دعت لهذا اللقاء ، وهي حركة راديكالية تأسست عام 1968 ... ) في هذا اللقاء حيث القى خطابا ارتجاليا اراد من وراءه اعادة تصويب مسار الحركة النضالي ، مدللا على ان الرأسمالية والماركسية لا يختلف موقفهما عمليا ازاء هذا المشروع الذي هو اصل البلاء الذي حل بالمنطقة.
قد يجد البعض في عنوان هذا الخطاب استفزازا لمشاعره او لمنظومته الفكرية ، فيضرب صفحا عن قراءته ، اما اذا تجرأ وأقدم على ذلك ، فستكون قراءته (وهذا ليس اتهاما) قراءة متحاملة او في احسن الاحوال متربصة ، وتلك سجية انسانية ليس من السهولة التخلص منها! ما اود قوله انني توقفت عند هذا الخطاب لما يحمله من معان وهواجس انسانية عميقة ، فهو يدعونا ( وهي دعوة لا تشيخ ابدا ) ، كبشر ، لان لا نكون علة خراب هذا الكون بل ان نكون مندمجين - ليس بالمفهوم الفرنسي على اي حال! - في ايقاعه الخالد وان لا نكون ضربة نشاز فيه ... ان إعادة رسم " خارطة " فهمنا لهذه الكون وإدراك موقعنا فيه ، ضرورة تتطلبها ، على الاقل ، فرضية استمرار الحياة على وجه البسيطة. اما انانيتنا المفرطة ، والمُفًرٍطًة بكل شيء ، فما هي إلا سلوك سوف لا يترك وراءه سوى الخراب! كما يجدر بنا القول ان العنوان لم يضعه الخطيب ، بل ذاك " الواحد " الذي اخذ على عاتقه تسطير الخطاب على الورق ( والذي كما يبدو استنتجه من الافكار الواردة فيه ) لكي يصبح نصا مقروءاً. وأخيرا استرعي انتباه القارئ الكريم الى ان هذه الترجمة هي لخطاب ارتجالي ، ولذلك قد يجد فيه نوعا من عدم الترابط احيانا ، ولكن تبقى افكاره متماسكة ويشد بعضها بعضا.
يتوجب علي ان ابدأ خطابي هذا بالقول : انني اكره الكتابة.
هذه العملية هي ، بحد ذاتها ، تجسيد لمفهوم اوربي عن " شرعية الفكر " ؛ فما تحمله الكتابة من اهمية يمثل رفضا تاما للكلام. اما ثقافتي ، ثقافة اللاكوتا ، فهي ثقافة شفهية ذات تقاليد عميقة الجذور ، ولذلك تراني ارفض الكتابة.
انها احدى طرق العالم الابيض لتحطيم الشعوب غير الاوربية ، عبر فرض نظام تجريدي ينهض على حساب لغة الخطاب الشفهي والعلاقات المباشرة بين الافراد.
فما تقرؤونه هنا هو ليس ما كتبته ، بل ما قلته ، حيث قرر احدهم اعادة نسخه. وحينما وافقت على هذا الأمر ، فلأنها الطريقة الوحيدة ، على ما يبدو ، التي من خلالها نتواصل مع عالم البيض عبر وريقات جافة عديمة الحياة تسمى كتابا.
لكن ليس مهما في نهاية المطاف ان وصلت كلماتي الى البيض او لم تصل. فقد اثبتوا سابقا عبر تاريخ طويل بأنهم ليسوا اهلا للاستماع ، ولا النظر ، انهم لا يعرفون سوى القراءة ( طبعا هناك من يمكن استثناءهم ، ولكن هذا الاستثناء ما هو إلا توكيد لهذه القاعدة ).
ربما يصيبني شيء من القلق على بعض هؤلاء الهنود الامريكان ، من طلاب وآخرين ، الذين بدءوا يتأوربون من خلال الجامعات ومختلف المؤسسات التي ينتمون اليها. لكني اعترف من جهة اخرى ان هذا الهم يبقى متواضعا في النهاية. وربما يستطيع البعض ان يعمل على غرس عقل ابيض في رأس حمراء البشرة ؛ لكن يبقى الموضوع محض اختيار شخصي ولا يعنيني امرهم شيئا ان كانوا كذلك. فهذا جزء من سيرورة طويلة الامد للإبادة الثقافية مازال ينتهجها البيض ضد الهنود حتى يومنا هذا.
ان انشغالي الاكبر في الواقع يتعلق بالهنود الامريكيين الذين اختاروا مقاومة هذه الابادة ، لكنهم ضلوا عن الطريق الذي يجب ان يواصلوا السير عليه.
]...[
( لعلكم لاحظتم انني استخدم مصطلح هنود امريكا بدلا عن الامريكيين الاصليين ، او السكان الاصليين ، او الامريهنديين حينما اشير الى شعبي. هناك بعض الجدل بخصوص هذه المصطلحات ، وبكل صدق ، فإنني في هذه النقطة بالذات ، ارى انها قضية سخيفة. اولا ، لان مصطلح هنود امريكا كما يبدو ، ليس من اصول اوربية – وهذه هي الحقيقة. ولكن جميع المصطلحات اعلاه هي مصطلحات من اصول اوربية ؛ والطريقة الوحيدة غير الاوربية في الحديث : هي الحديث باللاكوتا او ، على وجه الدقة ، الاوغلالا او البرولي ..الخ وأيضا بلغة الدينه (نافاخوس) ، ميكوسوكي ومئات اخرى من لغات تحمل اسماء القبائل).
( هناك خلط وعدم وضوح بخصوص كلمة هندي ايضا ، فهناك اعتقاد خاطئ يرجع هذه الكلمة الى بلد يسمى الهند. حينما جنحت سفن كريستوف كولومبس نحو سواحل جزر الكاراييب ، حينها لم يكن كولومبس بصدد البحث عن بلد يدعى الهند. فقد كان الاوربيون يطلقون على هذا البلد اسم هندوستان في عام 1492. ويمكنكم الرجوع الى الخرائط القديمة. اما كولومبس فقد اطلق على ابناء القبائل الذين التقى بهم اسم " انديو " ، وهي في الايطالية ( ان ديو ) ، والتي تعني " من الله ").
يتطلب الامر بذل جهد كبير من قبل كل هندي امريكي حتى لا يتأورب. والجهد الضروري المبذول من أجل تحقيق هذا الهدف لا يأتي إلا من خلال العادات التقليدية ، تلك القيم التي حافظ عليها الاجداد. وهذا يتطلب انشاء دائرة ، وخطوط بكل الاتجاهات وعلاقات بينية ؛ وهو مما لا تجود به صفحات الكتب ولا حتى الف كتاب. فليس هناك من اوربي قادر ابدا على اتقان اللالوكا مثل ابن اللالوكا ، او الهوبي مثل الكائن الهوبي. حيث لا تستطيع شهادة الماجستير في "الدراسات الهندية" او في " التعليم " اوفي اي قسم كان ، ان تجعل من شخص ما كائنا بشريا من فئة محددة ، وليس في استطاعتها ان تمنح احدا المعارف المتعلقة بالعادات التقليدية. انها لا تستطيع شيئا سوى ان تجعل منك اوربيا ، وبالتالي انسان غريب.
اتمنى ان اكون واضحا بخصوص موضوعة محددة.
حينما اتحدث عن الاوربيين ، او عن " روحية او عقل اوربي " فأنني لا اعتقد اصلا بوجود نتاج ثانوي للثقافة يمكن اعتباره سيئا من جهة ( والذي هو نتيجة لتطور امتد لألوف من السنين لثقافة اوربية ذات صبغة ابادية " جينوسايد " ورجعية ) ، ومستجدات تقدم ثقافي ثوري يمكن اعتبارها حالة جيدة من جهة اخرى.
اشير هنا الى النظريات الماركسية والفوضوية و" اليساروية " بشكل عام. فانا لا اعتقد بان هذه النظريات تستطيع الانفصال عن باقي التقاليد الفكرية الاوربية ، بل هي في الواقع تكرار ابدي لها . وهي ظاهرة قديمة.
فنيوتن على سبيل المثال قام " بتثوير " الفيزياء والعلوم الطبيعية عبر تقليص الكون الفيزيائي وجعله مجرد معادلة رياضية خطية. وقد فعل ديكارت نفس الشيء مع الثقافة ، وكذلك الامر في السياسة مع جون لوك ، وادم سميث في الاقتصاد. فكل واحد من هؤلاء " المفكرين " استولى على قسم من الحياة الانسانية والروحية ، جاعلا منه محض رمز ، او فكرة تجريدية.
هكذا واصلوا المشوار من حيث النقطة التي توقفت عندها المسيحية ؛ وعملوا على علمنة الدين المسيحي ، او " دنيووه " كما يحلو للمثقفين القول. وبهذا يكونوا قد افسحوا في المجال امام اوربا لان تكون اكثر فاعلية وحزما في فرض نفسها كثقافة توسعية. فكل ثورة من هذه الثورات الثقافية اصبحت وسيلة لانطلاق العقلية الاوربية نحو آفاق ابعد ، ولكي تستطيع من ثم ان تنتزع روح هذا الكون المعقد الرائع وتضع بديلا عنه سلسلة منطقية مجردة ، واحد ، اثنان ، ثلاثة = جواب!
تلكم هي " الفاعلية " حسب الادعاء الاوربي. فكل ما هو ميكانيكي يكون تام الكمال ؛ وهذه على ما تبدو هي الحالة الفاعلة - او بالأحرى ، كل ما يجعل من النموذج الميكانيكي ساري المفعول – سيعتبر مناسبا ، حتى وان لم يكن كذلك بشكل واضح.
ولهذا السبب فان " الحقيقة " تتغير سريعا لدى العقل الاوربي ؛ لان الحلول الناتجة عن هذا المنطق لا تكون سوى وقتية ومرحلية ويتوجب باستمرار التخلي عنها لحساب حلول ستكون هي الاخرى ذات مفعول مؤقت ، مبقية بذلك هذا النموذج الميكانيكي على قيد الحياة.
فليس هيجل وماركس سوى ورثة لأفكار نيوتن ، ديكارت ، لوك وسميث. فهيجل – حسب قوله هو – قد انجز عملية عَلمنة اللاهوت ، و " دنيو " الافكار الدينية التي عبرها تمكن الاوربيون من ادراك الكون. ثم جاء ماركس فأعاد وضع فلسفة هيجل بعبارات " مادية "، وهذا ما يجعلنا نعيد قول ماركس – بحسب قوله ايضا – بأنه ابطل تماما صفة القداسة التي كانت تتحلى بها اعمال هيجل. ومن هنا اعتبر البعض انها اصبحت مصدرا كامنا للثورة في اوربا.
يستطيع الاوربيون بلا شك ان يروا في ذلك نوعا من الثورة ، ولكن الهنود الامريكيين لا يرون فيها سوى معضلة اوربية ابدية تدور بين " الكينونة " و " الملكية ".
] ... [
الكينونة هي افتراض فكري. الملكية فعل مادي.
انطلاقا من تقاليدهم ، يجهد الهنود الامريكيون من اجل ان يكونوا الافضل ضمن المستطاع. ويرجع الفضل في جزء من هذه السيرورة ، في الماضي او الحاضر ، الى رفض الإثراء وحيازة الاشياء. فالكسب المادي هو مؤشر على مقام كاذب ومصطنع عند الشعوب التقليدية ، فيما هو يمثل " برهانا على فاعلية النظام القائم " عند الاوربيين.
لدينا هنا رؤيتان متعارضتان اتجاه العالم ، حيث تتموضع الماركسية بعيدا وبشكل معاكس للرؤية لدى الامريهنديين.
ان حصيلة هذا الامر مثيرة للاهتمام ، لأنها ليست مجرد جدل فكري محض. فالعادات المادية الاوربية تجعل من الكون موضوعا دنيويا ( اي تنزع منه قدسيته) وهي تُماثِل تلك العملية العقلية التي تسمح بتجريد الاخر من صفاته الانسانية.
فمن هو هذا الخبير في تجريد الاخر من انسانيته ؟ ولماذا؟
ان الجنود يتدربون ويتعلمون فعل ذلك ( اي تجريد الاخر من صفاته الانسانية ) ، قبل ان يمضوا الى الحرب. كذلك يفعل القتلة حينما يقترفون فعل القتل. كما ان حراس معسكرات الاعتقال يقومون بنفس الفعل ازاء سجنائهم. وهذا ما تقوم به الشرطة ايضا. وما يفعله رؤساء العمل حينما يرسلون عمالهم الى مناجم اليورانيوم او الى مصاهر السباكة.
يتوجب ان تجد هذه الخدعة تطبيقا لها من قبل كل واحدة من هذه المجاميع ، لكي يصبح القتل مقبولا في نهاية المطاف ، او القيام بسحق إنسانية الاخر على اقل تقدير.
تقول احدى الوصايا العشر لدى المسيحيين " لا تقتل ابدا ". ليس البشر على اية حال ، وهو ما يضمره ذلك القول. هنا تأتي الحيلة لكي تحول البشر الى لا بشر. ويصبح الانتهاك للوصايا التي يدينون بها عملا فاضلا.
وحينما يتم تجريد الكون من بعده القدسي ( الميثولوجي ) ، يمكن حينها العمل بنفس المنطق فيصبح تدمير الارض عمل صالح. فكلمات من مثل " التطور " او " النمو " لطالما استخدمت كمفاتيح سحرية ، حالها حال "الانتصار" او "الحرية" التي استخدمت من اجل شرعنة كل المذابح التي خلفها منطق ( وحشنة ) الانسان.
وكمثال على ذلك ، يتحدث المستثمر في قطاع البناء عن " تنمية " الاراضي ، عندما يفتتح مَحْصَبا لاستخراج الحصى. في مثل هذه الحالة ، فان هذه التنمية تعني التدمير المستمر والدائم للمكان المعني. لكن بهذه الطريقة يكون المنطق الاوربي قد اغتنى بأطنان من الحصى ! يمكن مع هذا المنطق استغلال اراض اخرى لكي نستطيع ان " نتطور " بفضل بناء مزيد من الطرق. ولكن ، حسب هذا المنطق الاوربي ، ستكون النتيجة هي منح الكون بكليته الى هؤلاء المجانين في النهاية الامر.
ان القضية التي تستدعي مزيدا من الاسف هي عدم شعور الاوربيين بأي خسارة على ما يبدو ، لان فلاسفتهم تنقصهم لمسة روحانية حقيقية. فليس هناك من مكسب (مادي) لهذا الذي يرغب بتأمل جمال جبل او بحيرة او اي كائن حي اخر. لان الرضى او الاشباع يقاس هنا ضمن شروط الكسب المادي. هكذا يصبح الجبل كوما من الحجارة ، وماء البحيرة سائلا لتبريد المعمل ، وهكذا ايضا يتم إرسال الناس الى طواحين الارشاد والتوجيه التي يسمونها " مدارس ".
العالم يدفع ثمنا باهظا عن كل حقل من حقول التطور.
لنأخذ على سبيل المثال موضوعة الطاقة التي تستخدم لتدوير عجلة الماكنة الصناعية. قبل نحو قرنين من الزمان كان العالم يستخدم الخشب - وهي مادة قابلة للتجدد طبيعيا - كمصدر للطاقة عمليا ، مثلما تستخدم للتدفئة وللطبخ ايضا. ثم جاءت الثورة الصناعية ، فأصبح الفحم هو الوقود المسيطر ، في حين اصبحت الصناعة ضرورة اجتماعية بالنسبة لأوروبا.
هكذا اصبح التلوث مشكلة المدن الكبرى ، عدا عن انهم لم يتركوا مكانا في الارض لم يبقروه من اجل استخراج الفحم. ثم ، أصبح البترول لاحقا مصدر الطاقة الرئيس ، حيث شهدت معدات انتاجه تحديثا كبيرا عبر سلسلة من " الثورات " العلمية. لكن من جهة اخرى فقد تضاعف التلوث بطريقة مأساوية. واليوم ، لا احد يعرف ما هو الثمن الذي سندفعه بيئيا نتيجة لهذا الاستخراج المتزايد للبترول على المدى البعيد.
يستطيع الرأسماليون ان يطوروا مجالات استخدام اليورانيوم بإيقاع معين يسمح لهم بتحقيق ارباحا دائمة وبأعلى وتائر ممكنة. وهذا هو ديدنهم الوحيد : ان يحققوا اعلى الارباح من مختلف الاتجاهات ، وكذلك الربح في عامل الزمن ...
في المقابل كان الماركسيون ( يقصد هنا الدول الاشتراكية ) يمتلكون رغبة جامحة لتطوير الطاقة النووية بأسرع وقت ممكن ، تحت حجة انها الطاقة الاكثر " فاعلية " مما هو متاح تحت ايدينا من مصادر اخرى للطاقة. وهذا جزء من قيمهم التي يؤمنون بها. ولكنني في نهاية المطاف اجد صعوبة كبرى في رؤية ميزة واحدة يمتاز بها احدهما على الاخر. وهنا لا يسعني إلا ان اجدد القول بان الماركسية ظلت جزءً لا يتجزأ من تلك التقاليد الاوربية. فهي تكرار للنغمة ذاتها.
سيكون باستطاعتنا استنتاج قاعدة منهجية تقول ، انكم لا تستطيعون الحكم من الناحية الواقعية على منهج ثوري اوربي انطلاقا من قاعدة الحراك الذي يخلقه في بنية السلطة والمجتمع الاوربيين فقط ، بل لا يمكنكم الحكم إلا عبر النظر الى ما يخلفه من نتائج على حياة غير الاوربيين.
الواقع ان الثورات الاوربية ، تاريخيا ، لم تخدم سوى تعضيد ذلك الميل الاوربي لتصدير الدمار الى الشعوب الاخرى ، وللثقافات الاخرى وصولا الى تدمير البيئة. وأنا اتحدى اي كان ان يجد مثالا واحدا لا تكون نتائجه كذلك.
ضمن هذا السياق طالبنا ، كشعب هندي امريكي ، بالانضمام الى هذه العقيدة الاوربية الثورية " الجديدة " التي تسمى الماركسية ، معتقدين بأنها سوف تطيح بتلك الآثار السلبية للتاريخ الاوربي التي كبلت وجودنا. لقد انتقلت السلطة من يد الى اخرى ، وكان يتوجب ان يستفيد من ذلك الجميع.
ولكن ماذا يعني هذا الامر حقا؟
نحن نعيش ، في هذه اللحظة ، على اراضي محمية ، اي فوق تلك الرقعة التي جعل منها المجتمع الابيض " موقعا وطنيا مهملا / مذبحا للتضحية ".
وهذا يعني ان هناك مستودعا ضخما لليورانيوم ، حيث تسارع ثقافة البيض السائدة الى الاعلان عن حاجتها لهذا المعدن باعتباره مصدرا للطاقة. اما بالنسبة للصناعات الإستخراجية فسوف تحسن طرائقها من الاستخراج الى المعالجة النهائية لهذا المعدن ، بضمنها التخلص من النفايات عبر دفنها في نفس البقعة.
ولما كانت هذه النفايات ذات نشاط اشعاعي ، فإنها سوف تجعل من تلك المنطقة غير قابلة للسكن ابدا. وهذا ما تعتبره الصناعات الاستخراجية وكذلك المجتمع الابيض الذي خلق تلك الصناعات ، ثمنا " مقبولا " للدفع من اجل تنمية مصادر الطاقة.
من جهة اخرى ، نراهم يخططون من اجل سحب كل المياه الجوفية التي تحتويها هذه البقعة من جنوب داكوتا ، ضمن اطار خطة التطوير الصناعي ، وهذا يعني جعل المنطقة غير صالحة للحياة تماما.
نحن في طريقنا لمواجهة نفس المشكلة في مقاطعة نافاخو وهوبي ، وسيكون هذا هو مصير تشيين وكراو ومناطق اخرى على قائمة الانتظار. فهناك 30% من مناجم الفحم موجودة في الغرب الامريكي وما يقارب النصف من احتياطي اليورانيوم ايضا تقع كلها في مناطق الهنود ، وهذه قضية ذات اهمية قصوى. لأننا نرفض ان نتحول الى " منطقة مضحى بها وطنيا ". كما نرفض ان نتحول الى " شعب مضحى به وطنيا ".
ان كلف هذا التطور الصناعي لم تعد مقبولة من قبلنا. فاستخلاص اليورانيوم هنا والتضحية بكل الثروة المائية هو استمرار فعلي للإبادة الجماعية لا اكثر ولا اقل.
لنفترض اننا في مقاومتنا الان لهذا الإفناء ، سوف نبدأ بالبحث عن حلفاء ( ونحن نمتلك ذلك ). ولنفترض ايضا اننا اتخذنا من الماركسية الثورية حليفا ، وكما هو ظاهرها : فان هدفها الاكبر هو ليس اقل من الاطاحة بالرأسمالية الاوربية المسؤولة عن هذا الذي يهددنا وجوديا. وكما يبدو فان هذا التحالف يصب في خدمة مصالح الهنود الامريكان ، لان الرأسماليين هم الذين يريدون جعلنا " منطقة مضحى بها وطنيا " كما يذكرنا الماركسيون دوما.
نعم ، هذه حقيقة ، اذا ما نظرنا لها من زاوية معينة ، ولكن كما قلت سابقا ، انها لعبة خداع.
ليس للماركسية الثورية من هدف اخر سوى متابعة جعل هذه الصناعة التي تدمرنا جميعا اكثر تطورا تقنيا. ]اما اجتماعيا[ فان طموحها لا يتجاوز قضية اعادة توزيع منتجات هذه الصناعات – او بقول اخر ، النقود – بين اوسع قطاع من الناس. وإذن فإنها تقترح اخذ الثروة من الطبقة الرأسمالية وإعادتها الى الطبقة الدنيا ، ولأجل ان يكون ذلك ممكننا ، يتوجب الحفاظ على النظام الصناعي.
لقد شهدت الاساليب والنظم المتعلقة بتطوير بنية المجتمع الاوربي تغيرا ملحوظا ، ولكنها ، اقول مرة اخرى ، لم تجد لها انعكاسا على طبيعة علاقة هذا المجتمع مع الهنود الامريكان ولا مع الآخرين من ذوي الاصول غير الاوربية ، حيث بقت على حالها ، ولم تشهد تلك العلاقة اي تغيير يذكر.
فنحن مازلنا نعيش في نفس الواقع كما كان عليه الامر عند انتقال السلطة من يد الكنيسة الى ايدي المستثمرين الاغنياء خلال ما سمي بالثورة البرجوازية. فقد شهد المجتمع الاوربي تغيرا ليس طفيفا ، ولكن سلوكه ازاء ذوي الاصول غير الاوربية بقي ذاته.
لنعود لكلام سبق وان قيل : ان الماركسية الثورية ، حالها حال اي مجتمع صناعي اخر ، تبحث عن قدرة الناس على " عقلنة " سلوكهم وفق الشروط التي تفرضها الصناعة ، من اجل الوصول الى اعلى درجة من التصنيع وأقصى قدرة على الانتاج. وهي عقيدة تحتقر بعمق التقاليد الروحية للهنود الامريكيين ولثقافاتنا وطرق عيشنا.
لقد سبق لماركس ان اطلق علينا تسمية مجتمعات " ما قبل الرأسمالية " وكذلك " البدائية ". اما قوله " ما قبل الرأسمالية " فهي تعني بنظره وبكل بساطة ، بأننا سنكتشف الرأسمالية وسنصبح رأسماليين في نهاية المطاف ؛ وعليه فنحن متخلفون اقتصاديا حسب رأي الماركسية. وعليه فان الطريقة الوحيدة المتاحة امام الهندي الامريكي لكي يساهم في الثورة الماركسية هو ان يصبح عاملا ، او " بروليتاريا ". لقد كان ماركس واضحا جدا بخصوص تحقق هذه الثورة التي لا يمكن ان تقع من دون نضال " البروليتاريا " ضد الطبقة المهيمنة ، وضرورة وجود نظام صناعي باعتباره شرطا جوهريا لنجاح المجتمع الشيوعي.
من ناحيتي ، فانا اؤمن بأن الموضوع لا يتعدى عن كونه محض كلمات ان كانوا : مسيحيون ورأسماليون وماركسيون ، فهم جميعا " ثوريون " حسب اعتقادهم ، وليس هناك احد من بينهم لا يود الحديث عن الثورة ؛ إلا ان الهدف الحقيقي ، هو الاستمرار على النهج ذاته. فهم يفعلون كل ما هو ضروري من اجل ان تبقى الثقافة الاوربية مزدهرة حتى يستطيعوا ان يشبعوا نهمهم اللامحدود.
من ناحيتنا ، كهنود امريكيين ، ومنذ لحظة اتخاذنا الماركسية منهجا ، ساهمنا في التضحية بمقدراتنا ، ولم تكن تلك الخطوة سوى عملية انتحار ثقافي صريح. كل ذلك ، من اجل ان نصبح " متطورين " ومتأوربين ". ولكن بالرغم من هذا اتساءل احيانا ، الست متشددا بعض الشيء؟!
للماركسية تاريخ طويل ، فهل يؤكد هذا التاريخ مخاوفي ام ينفيها؟
عبر معاينتي لسيرورة التصنيع في الاتحاد السوفيتي منذ عام 1920 ، استطيع القول بان الماركسيين تمكنوا خلال ستين عاما ان يفعلوا ما لم تستطع فعله الثورة الصناعية الانجليزية إلا خلال ثلاث مائة عام. كما لا يفوتني ذكر ان الاراضي السوفيتية كانت مسكونة من قبل اناس قبائليين ، جرى التضحية بهم لأجل بناء المصانع ، تحت عنوان " المسألة الوطنية " كما تحدث عنها السوفييت سابقا : وهي مسألة تدور حول معرفة ما اذا كانت هذه القبائل تمتلك حق البقاء ؛ والحال انهم كانوا قد قرروا بان التضحية بهذه القبائل على مذبح تصنيع البلد يعتبر ثمنا مقبولا.
وها انا انظر الى الصين فأجد الامر عينه ، وأدير نظري نحو فيتنام فأراهم يفرضون نفس المنهج التصنيعي على اناس قبائليين ، فيجري ترحيلهم عن مناطق سكناهم الجبلية.
كما رأيناهم حينما وقع مركزا نوويا تحت ايديهم كان قد تركه الجيش الامريكي ، فما الذي فعلوه ؟ هل قاموا بتفكيكه ؟ كلا ، بل استخدموه لمصلحتهم.
وها هي الصين تجري تجربة تفجير نووي ، وأطلقت مشروعا لبناء معجلات نووية ، كما اطلقت برنامجا فضائيا يهدف الى استعمار واستغلال الكواكب الاخرى على نفس المنهج الاوربي في استعمار واستغلال كوكبنا بأسره. ويتواصل هذا الامر بنفس النغمة ، ولكن بإيقاع اسرع هذه المرة.
لقد سمعت العلماء السوفييت يقولون بأنه حتى اذا نضب مخزون اليورانيوم ، فإننا سنجد البديل. انها معلومات مثيرة للاهتمام. فهل يمتلكون حقا اي فكرة عن ماهية هذه البدائل ؟ كلا ، على الاطلاق ، لكنهم يؤمنون بقدرات العلم بكل بساطة!
كما سمعت بعض الماركسيين يقولون بان تدمير البيئة والتلوث بما فيه التلوث الشعاعي سيستمر ، وهم مقتنعون بذلك. لكن السؤال الذي يطرح نفسه : هو هل يعرفون طرقا للسيطرة على ذلك ؟ من المؤكد انهم لا يمتلكون اية فكرة ، لكن لديهم ايمان بالعلم فقط. هذا النوع من " الايمان " هو بمثابتة دين بالنسبة للأوربيين. فقد اصبح العلم دين بالنسبة للرأسماليين والشيوعيين ؛ فهما ( الرأسماليون والشيوعيون ) جزء لا يتجزأ من الثقافة الاوربية نفسها ولا ينفصلان عنها.
من الناحية النظرية والعملية فان الماركسية والرأسمالية تفرضان على الشعوب غير الاوربية التخلي بشكل تام عن قيمهم وعاداتهم وعن هوياتهم الثقافية. لكي تنتهي (هذه الشعوب) في نهاية المطاف لان تكون معتمدة كليا على العلوم الصناعية وعلى هذه المؤسسات.
انا لا اعتقد بان الرأسمالية هي المسؤول الوحيد جوهريا عن الوضع الذي اصبح فيه الهنود الامريكان بموضع من يمكن "التضحية به وطنيا ". الواقع ، انها ترجع الى تلك التقاليد الاوربية . تلكم هي الثقافة الاوربية ، وهي بذاتها المسؤول الاول.
اما الماركسية فما هي إلا استمرار لهذه التقاليد ، وهي ليست حلا. فهي حليف لهذه الايدولوجيا ، بل هي حليف لنفس تلك القوى التي اعلنت بوضوح تام ، باعتبارنا " خسائر مقبولة ".
هناك طريق اخر يمكن انتهاجه.
نعم هناك الطريق التقليدي لاكوتا ، وطريق الشعوب الهندية الامريكية. وهي الطرق القائلة بان البشر لا يمتلكون الحق في تدمير الارض ، حيث توجد قوى اخرى تقع ابعد مما يستطيع العقل الاوربي استيعابه. كما يتوجب على الانسانية ان تكون على انسجام مع التوازن الطبيعي ، وإلا فان الطبيعة سوف تأخذ على عاتقها ازالت اسباب الاختلال.
ان هيمنة البعض وقيم عدم التكافؤ ( وهي غطرسة اوربية بامتياز ، حيث تقودهم الى الاعتقاد بأنهم فوق كل الاشياء) لا تقود إلا الى الخراب. ولكن في نهاية المطاف ، تقود الى اعادة اصلاح كبرى تعيد وضع هؤلاء المتغطرسين في اماكنهم بما يسهم في اعادة الاحساس اليهم بالأشياء كما هي في الواقع ، والى تذوق الاشياء كما هي في الطبيعة بعيدا عن سيطرتهم ابدا. وبهذا يعود للعالم اتساقه المفقود.
ليست هناك حاجة الى نظريات ثورية لفهم هذا الامر ؛ لأنه يقع ابعد مما يستطيع الناس السيطرة عليه. ان المجتمعات التقليدية في مختلف انحاء العالم تدرك ذلك جيدا ، وهي في غنى عن تطوير نظريات كبرى بخصوص هذا الموضوع.
تبقى النظرية مجرد خيال ، وخبراتنا هي الواقع
ان جوهر الايمان الاوربي – بما فيه ايمانهم بالعلم – يمكن فهمه باعتباره اعتقاد مطلق بان الانسان هو الرب. ومع ذلك فان اوربا مازلت في بحثها الدائب عن مسيح منقذ ، ان كان بصفة عيسى المسيح الانسان ، او كارل ماركس او ألبرت انشتاين.
اما هنود امريكا فهم يعرفون جيدا ، ان هذا المنطق ما هو إلا هراء محض. حيث يبقى الانسان اضعف المخلوقات ، انه من الضعف الى درجة لا يقوى بها على البقاء من دون ان تمنحه بقية المخلوقات لحومها طعاما له. فالبشر لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة إلا عبر عقلهم ، لأنهم لا يمتلكون مخالب ولا انياب كما هو حال بقية الحيوانات التي تستخدمها للحصول على غذائها. لكن العقلانية يمكن ان تصبح لعنة حينما يتناسى ويخل البشر بالنظام الطبيعي للأشياء الى درجة لا يمكن لأي كائن اخر الوصول اليها.
فالذئاب مثلا لا تنسى مقامها ودورها ابدا في هذا النظام الطبيعي ، بينما يمكن ان يتناسى هنود امريكا الان ذلك ان كان الامر مناسبا. اما الاوربيون فقد كان تناسيهم لهذا الدور منهجيا.
نحن نصلي شكرا وعرفانا للظباء ولجميع المخلوقات التي تحيط بنا ، لأنها سمحت لنا بتناول لحومها كغذاء لنا ؛ بينما يروق للأوربيين اعتبار لحوم هذه المخلوقات امتيازا لهم ، فما هذه الظباء إلا مخلوقات ادنى شأناً. فهم في نهاية الامر يعتبرون انفسهم جوهرا إلهيا ، من خلال تلك العقلانية وتلك العلوم المهيمنة. فالرب ( يعني الانسان في العقل الاوربي) هو الكائن الاسمى ، وكل ما تبقى فهو في درجة ادنى.
ان التقاليد الاوربية جميعها ، ومن ضمنها الماركسية ، مهيأة لتحدي النظام الطبيعيي الذي يحكم وجود كل الاشياء. فالأرض جرى اغتصابها ، ويُسخر من قوى الطبيعة ، وهذا الامر لا يمكن ان يدوم الى الابد. فليس هناك نظرية تستطيع تحدي هذه الحقيقة البسيطة : ان ارضنا الام سوف تثأر ، وبيئتنا سوف تثأر كذلك ، وان المعتدين مآلهم الى زوال. فالأشياء سترجع ، لا محالة ، الى نقطة انطلاقها الاولى.
هذه هي ثورة.
انها نبوءة شعبنا ، شعب الهوبي ، وكذلك بقية الشعوب. لقد حاول هنود امريكا قول ذلك الى الاوربيين منذ قرون ، ولكن كما قلت سابقا ، فأن هؤلاء برهنوا ولمرات عديدة على انهم غير مستعدين للإصغاء الى ما يقوله غيرهم.
لكن السنن الطبيعية ستسود ، وسيختفي المعتدون ، بنفس طريقة موت الظباء نتيجة لكسرها قوانين التوازن في منطقة ما حينما تكتظ بها تلك المنطقة لفرط اعدادها. انها قضية وقت ليس إلا ، قبل ان تقع ما يدعوه الاوربيون ب " كارثة عالمية كبرى ". انها قضية وجود ( بقاء على قيد الحياة) بالنسبة لهنود امريكا كما هو الامر بالنسبة لبقية المخلوقات.
والبقاء يعني ، جوهريا ، المقاومة. والمقاومة لا تعني القيام بانقلاب والاستيلاء على سلطة ، بل تعني انه من الطبيعي ان نرفض الإفناء. فنحن لا نريد الاستيلاء على مؤسسات البيض ، بل نريدها ان تختفي. وهذه هي الثورة.
كان الهنود الامريكيون دوما على وفاق مع هذه الحقائق التي تمثل نبوءاتنا وتقاليد اسلافنا. فنحن نأخذ معارفنا من كبارنا ومن الطبيعة وقواها العابرة. وحينما نجتاز تلك الكارثة ، سنستمر ، نحن هنود امريكا ، نحيا على هذا الكوكب. ولست مهتما بمعرفة شيء سوى ان هنود امريكا سيعيشون ؛ وسوف يتم استعادة التوازن. وهذه هي الثورة.
اود الان ان اكون شديد الوضوح اتجاه نقطة معينة ، ربما لم استطع توضيحها سابقا ، لان الكثير من الاشياء يجري خلطها بكل بساطة هذه الايام ، لذلك سأعيد التوكيد عليها بقوة.
حينما استخدم تعبير " اوربيون " فأنني لا اعني بكل تأكيد لون البشرة او الاصول الجينية. بل اؤشر على حالة ذهنية ورؤية معينة عن العالم باعتبارهما نتاج لتطور الثقافة الاوربية. وهذا ينطبق ايضا على هنود امريكا او على اي مجموعة اخرى تنتمي لأي ثقافة كانت. فليس هناك ما يمنع ان يعتنق احد الهنود الامريكان تلك القيم وذاك المنظور الذي انتجته ثقافة العالم الاوربي. وهؤلاء هم من يسميهم البعض " تفاحا " ، احمر المظهر وابيض اللب (...) ولكن في النهاية هم " مخلوقات بشرية " ، ولا اعتقد ان لنا الحق في ان نسميهم بغير ذلك.
ان الذي اود ان يكون في صدارة الاهتمام ليس الموقف الرسّي ، بل الموقف الثقافي. فكل من يمجد ويدافع عن الثقافة الاوربية ومنظورها الصناعي هم اعدائي. وبالمقابل ، فان كل من يقاومهم ويناضل ضدهم هم حلفائي وحلفاء لهنود امريكا. ولست معنيا ، لا من قريب ولا من بعيد ، بلون بشرتهم.
فالشيوعيون الفيتناميون ليسوا " قوقازا " ( اي ليسوا منحدرين من الرس الابيض ) لكن عقليتهم اصبحت مماثلة لعقلية الاوربيين. وهذا ينطبق على الشيوعيين الصينيين وعلى اليابانيين الرأسماليين او على البانتو الكاثوليكيين (...). وهكذا ، فليس في قولنا هذا بعدا عنصريا ، بل هو تحليل لأسس ومبعث حيوية ثقافة ما.
قد تقول الماركسية بأنني " قومي الثقافة "!
بدءً انا اعمل مع شعبي ، شعب اللاكوتا ، لأننا نمتلك نفس النظرة الى العالم ونقتسم نفس المخاوف. ومن ثم ، فأنني اعمل مع الامريهنديين التقليديين ، وهنا ايضا ، نحن نتشاطر الرؤية والمخاوف نفسها. ومن بعد ، فان عملي يكون مع اي كائن ( مهما كانت معاناته قليلة جراء اضطهاد الاوربيين له ) يقاوم هيمنة الاوربيين الثقافية والصناعية. وهذه الفئة تشمل كل اولئك الذين يناضلون ضد المعايير المهيمنة للثقافة الاوربية ان كانوا من الايرلنديين او الباسك ، حيث تخطر على بالي هذه الاسماء الان ، وهناك بالتأكيد الكثير مِن مَن يمكن العمل معهم.
انني اعمل من اجل شعبي ومن اجل مجتمعي ؛ وهذا ما يتوجب ان تفعله الشعوب الاخرى التي لا تشاطر الاوربيين وجهات نظرهم.
] ...[
خلاصة القول ، ان الماركسية هي اخر طريق انصح بانتهاجه ؛ فهي غريبة عن ثقافتي حالها حال الثقافة الرأسمالية والمسيحية. وأود القول في الاخير ، انني لا انصح بانتهاج اي ايديولوجيا مهما كانت.
لقد حاولت سابقا ، بطريقة ما ، ان اكون " قائدا " ، بالمفهوم السائد لدى الاعلام الابيض ، في مرحلة كانت حركة الهنود الامريكان ماتزال تنظيما شابا. وكان خطأ لا يمكن تكراره. فليس في استطاعة احد ان يعمل لمصلحة الجميع مهما كان راغبا بذلك. وسوف لا اترك الفرصة لأعدائي لاستغلالي بهذه الطريقة.
لست قائدا ، وما انا إلا وطني من اوغلالا لاكوتا. وهذا ما يهمني ان اكون عليه. وأنا سعيد جدا ان اكون كما انا.

(*) ولد رسل مينز في 10/11/1939 وتوفي في 22/10/2012. احد ممثلي قبيلة لاكوتا-اوغلالا للهنود الامريكان. كان ممثلا مشهورا ، وقد ساهم في العديد من الافلام والمسلسلات. ساهم في التوقيع على جميع الاتفاقات مع الحكومة الاتحادية التي لم يجري احترامها ابدا ، باعتباره ممثلا عن شعبه ومطالبا بملكية الاراضي الواقعة في الشمال الغربي من الولايات المتحدة ( نبراسكا، داكوتا الجنوبية والشمالية، مونتانا، ويومنغ).
عام 1968 تأسست حركة الهنود الامريكان ، التي سرعان ما اعتنقت الفكر الماركسي اللينيني ، وكان مينز احد قادتها ، لكنه ترك صفوف الحركة بعد هذا التحول ... ساهم في العديد من الحركات والفعاليات الاحتجاجية وكان احد اشهر قادتها. في عام 1974 ترشح لأول مرة لرئاسة قبيلة اوغلالا ، ضد ديك ولسن الذي ربحها ولكن اعترض على النتائج لوجود تزوير فيها ، وقد حكمت المحكمة بصحة ادعاء مينز وبطلان الانتخابات. عام 1977 انشأ المكتب الاستشاري للمعاهدات الخاصة بالهنود الامريكان لدى الامم المتحدة ، كما ساهم في تأسيس العديد من المؤسسات البديلة وإنشاء محطة راديو كيلي ومركزا صحيا ...



#امجد_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- داعش وحكومة الانقاذ الوطني؟!
- المنوفوبيا
- اوهام الامبريالية في السيطرة على الفوضى
- خطاب الامس هل سيجد صداه غدا!
- صورة طبق الاصل : هل تحتاج داعش لمن يبرر لها وجودها؟؟
- ورقة انصارية ثانية : يوم وقوعه في قبضة الجيش
- ورقة انصارية
- القوى الديمقراطية وماراثون الانتخابات!
- حينما يتسرب - التبرير - من بين سطور النقد !!
- قراءة في ورقة الحزب الشيوعي العراقي المقدمة للسمينار النقابي
- من وحي السمينار النقابي اليساري
- وقفة مع الحزب الشيوعي العراقي في لقائه مع المالكي


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - امجد ابراهيم - الماركسية غريبة على ثقافتنا حالها حال الرأسمالية