ابراهيم الحريري
الحوار المتمدن-العدد: 4855 - 2015 / 7 / 3 - 01:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
النازحون ( 6 )
" ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان... " !
لا اتذكر , بالضبط . اين قرات هذه العبارة الرائعة , العميقة , المنسوبة الى السيد المسيح , في اي انجيل , في اي اصحاح . لكنها تعبرعن فهم عميق للأِنسان , و عن حاجاته , الروحية خصوصا , التي تكونت عبر تاريخ طويل من التحول من المملكة الأقرب الى الحيوان , المشغول بتلبية حاجاته الأولية , الى ما هو عليه اليوم من غنى و ثراء روحي , على كل صعيد , من ألأديان وطقوسها الى الفنون و تنوعها الى العلوم التي لا حد لأنطلاقتها وغورها و آفاقها . و نحن ما نزال في البداية...
و اذا كانت المجموعات البشرية , تعتبر , حسب درجة تطورها , ممارسة هذه الطقوس جزءاً من حياتها اليومية فان النازحين , و قد انتزعوا , بوحشية لا مثيل لها , من هذه الحياة , و هم يعانون من مختلف صنوف الحرمان , هم الأشد حاجة الى اثراء حياتهم و حاجانهم الروحية , علّ ذلك يعوضهم , الى حد , عن حرمانات اخرى , قد لا يكون بالأمكان توفيرها لهم , في الوقت الحاضر , و في مقدمها العودة الى بيوتهم و مدنهم و مجتمعاتهم .
طبيعي و مفهوم ان يجري الأنشغال , من قبل جميع المعنيين , من حكومات محلية و حكومة مركزية ( و ليس هنا مجال الخوض في مدى جدية هذا الأنشغال و لا بعده عن الفساد و التربّح الذي يغزو كل مفاصل الدولة , على حساب آلام النازحين و معاناتهم ) فضلا عن منظمات مجتمع مدني و هيئات دولية و بتلبية الحاجات الأولية للنازحين , من غذاء و كساء ودواء و ماء و مستلزمات الصرف الصحي و اسكان الخ...
لكن ذلك وحده لا يكفي .
ينبغي التنبّه و العمل و الأنتقال الى تلبية الحاجات الروحية للنازحين .
لا ادري , و انا هنا على مبعدة آلاف الأميال من العراق , اذا كان بذل اي جهد في هذا الأتجاه , لكنه ليس مضرا , بل قد يكون مفيدا , التنبيه الى ضرورة ذلك و تقديم بعض الأفكار و المقترحات التي قد تساعد عى تحقيق هذا الأمر ,
لكن ينبغي , بدءأ , تحديد ماذا نعني بالحاجات الروحية ؟
غني عن القول انه , و في الظروف الراهنة , و بالنظر للوضع الخاص للنازحين . لا يمكن تلبية كل هذه الحاجات , و هي لا حد لها و تتطلب امكانات وطاقات غير متوفرة , لكنه يمكن البدء ببعض الأمكانات و الطاقات المتوفرة , قد تكون " تحت اليد ولم يجرِ التنبه لها " .
يمكن تقسيم هذه المصادر الى اثنتين :
1 – داخلية ( اي متوفرة داخل مخيمات و اماكن النزوح )
2 - خارجية ( اي متوفرة خارج المخيمات , من فرق مسرحية و موسيقية و ادباء و فنانين الخ,,, )
من اجل تعبئة الأمكانات و الطاقات الداخلية يتطلب الأمر البحث عنها داخل المخيمات , و هي موجودة , بهذا القدر او ذاك , في هذا المجال او ذاك .
الخطوة الأولى بهذا الصدد هي اجراء احصاء و تصنيف الطاقات , من اساتذة و مدرسين و معلمين و فنانين و حثهم على تنظيم دورات و محاضرات في مجالات تخصصهم , حتى لو كانت بعيدة عن الفنون . و يمكن للرسامين و معلمي الرسم اقامة ورش لتعليم الرسم و تزويدهم بالأدوات الضرورية التي تمكّنهم من العودة الى الأبداع , و حثهم على اقامة معارض لهم , داخل المخيمات و خارجها. و ينطبق الأمر على المختصين في مجالات الفنون الأخرى . بل يمكن , و يجب , تنظيم دورات لمكافحة الأمية بين النازحين .
و اذا كان هذا يسهم في شغل وقت النازحين بأمور مفيدة , فانه يسهم , بالقدر نفسه , في اشغال و شحذ طاقات المختصين المعطلة و تفعيلها .
2-يمكن تصنيف المصادر الخارجية الى قسمين :
أ – الرسمي , الحكومي ,بما يشمله ذلك من مؤسسات حكومية , على الصعيدين ,المركزي , الاتحادي , و على الصعيد المحلي .
ب – منظمات المجتمع المدني , فرق مسرحية , موسيقية , اتحاد الأدباء , التجمعات الثقافية و الفنية الأخرى .
غني عن القول ان الدولة بما تملكه و تديره من مؤسسات ثقافية ( المديرية العامة للمسرح و السينما و المؤسسات التابعة لها , ( المديرية العامة للثقافة , و المديريات التابعة لها في المحافظات الخ ...) فضلا عن الامكانيات المادية التي تتوفر لها , تظل برغم الفساد الذي يستنزفها و تراجع اسعار النفط و الأعباء العسكرية التي فرضتها عليها مواجهة داعش ) تظل الأقدر على تقديم المساهمة بجهد اكبر على العمل في المشروع الرامي الى اغناء الحياة الروحية للنازحين .
يمكن تنظيم فعاليات فنية للفرق المسرحية و الموسيقية الى مخيمات النازحين . يمكن توزيع آلاف , بل عشرات الآلاف من الكتب خصوصا كتب الأطفال , التي تكاد تتعفن و تبلى في مخازن مديرية الثقافة على المخيمات تساعد على تكوين مكتبات فيها .
يمكن لها اقامة مهرجانات للشعرو المباريات الشعرية , في المخيمات , الى غير ذلك من ضروب الممارسات الثقافية .
و ينطبق الأمر على منظمات المجتمع المدني و الأتحادات التقافية العامة و الفرق المسرحية و الموسيقية الأهلية , التي هي ,قد لاتملك الأمكانات المادية التي تملكها الدولة , الا انها اقدر على الحركة بحكم تحررها من الروتين البيروقراطي .
لا يمكن لهذه السطور الأِحاطة بكل اشكال المساهمة التي يمكن , بل يجب , تقديمها للنازحين على طريق و اغناء الحياة الروحية للمخيمات , لكنه لا يننبغي , ابدا اهمال هذا الجانب , بل ينبغي ان يوضع على جدول عمل الهيئات الحكومية و غير الحكومية المختصة.
ينبغي , بالتاكيد ,مراعاة ان ظروف , و الخلفيات الثقافية و الأجتماعية لمخيمات و تجمعات النازحين المنتشرين في طول البلاد و عرضها , ليست واحدة . هذه يضيف عبئا آخر على العاملين بين النازحين في مختلف المجالات , لكنه يمكن ببعض الصبر و الروية تجاوز هذه العقبة او التخفيف من تأثيرها .
سيقول البعض : عرب وين ...طنبورة وين ! و الله بطران ! اين نحن من كل هذه الأفكار و المقترحات !
لكن هذه الأفكار و المقترحات تنطلق من الرغبة في جعل حياة النازحين اقل مشقة , و اذا لم يتم الأهتمام بكل جوانب مشاكل النازحين , بكل ما يمثلونه من كتلة سكانية يتجاوز عددها ال3 ملايين تزداد عددا و مشاكلَ يوماً بعد يوم , فان هذه المشكلة يمكن ان تتحول , مع الزمن , الى قنبلة موقوتة , مدمرة , لنفسها و لكل ما حولها .
اجل ! افكار و مقترحات كثيرة , لكن لنبدأ , و لو بخطوة واحدة ! و هذه الخطوة لا يمكن الا ان تكون تشكيل النازحين للجان من بينهم , تتولى ادارة شؤونهم , لأن هذه المشكلة ستظل تتفاعل و تترك تأثيرها على مجمل حياتهم و حياة العراق , اما الحل النهائي اذا كان ثمّة من حل , اي العودة , فمرتبط , شئنا ام ابينا , بمجمل الحياة السياسية العراقية , اي ببناء الدولة المدنية الديمقراطية . و كل خطوة تتم بهذا الأتجاه تقربهم من تحقيق هدفهم : العودة !
2 / 7 / 2015
ابراهيم الحريري
هاملتون
#ابراهيم_الحريري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟