أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حنكر - شبح الجنون _1














المزيد.....

شبح الجنون _1


مصطفى حنكر

الحوار المتمدن-العدد: 4845 - 2015 / 6 / 22 - 00:26
المحور: الادب والفن
    


إستيقظ هذا اليوم من نوم ثقيل ،موت غير طبيعي ، قد يكون ثقله بسبب حبة نوم قد ناولها له أحدهم .عن حدس غريب ، رواده إحساس أنه ليس في مكانه المعتاد . فرك عينيه بيديه السميكتين ثم نظر من حوله ،فرأى أشياء تبدو غريبة له ثم فكر : أهذا حلم ؟! ..حاول أن ينفلت من وهمه فقام بحركة اهتزازية قوية برأسه .الحلم قد أصبح واقعا الآن أمامه . إنه في غرفة داخل مستشفى ، هذا ما اعتقده بهلع . هذه المعدات والآلات والأنابيب من حوله لا يمكن أن تكون إلا حقلا دلاليا لمستشفى .سيسأل نفسه ، وقد تأكد الآن أنه ليس بخير مادام في هذا المكان المزعج ، ماذا حل بي البارحة ؟!.. إنه لازال يتذكر أنه كان بخير ،فما الذي وقع حيث وجد نفسه في المكان الطبيعي للمرضى والأطباء ! .
حاول أن يتأكد من حالته الصحية فتفحص نفسه مبديا بعد التوتر بحركات يديه .وتأكد له أيضا أنه غير مربوط بتلك الأنابيب التي بثت في نفسه خوفا من الموت .اختفت مخاوفه من المرض بعد أن فحص نفسه كلية .قال و قد باغتته نوبة فرح مفاجئة كمن أحس بنفسه منفلتا من خطر مميت : "أنا بخير ،ولكن لازلت لا أفهم سبب تواجدي هنا " ..إستمرت وساوسه في التدفق :"إن كان هذا مستشفى أمراض عضوية ، فوجودي هنا يبعث فعلا على الضحك .أما إن كان هذا ..ماذا ؟!! ..غير ممكن! ..هل أنا ..مستحيل !..هل هذا مستشفى م.....! لا أصدق هذا " .لقد أرعبته هذه الكلمة الكابوسية ، إذ لم يستطيع نطقها من قوة الخوف منها .الجنون ، إنها كلمة ترتعش لها الأعصاب من قوة الخوف .تصور أنك تستيقظ يوما على حالة من التداعي و الفلتان الهستيري من أحاسيس العقل ، و تفقد السيطرة على الدماغ . وتصور أيضا كائنا بدون إرادة واعية وإدراك واع لما يفعله و ما سيفعله . إنسان فقد روابطه مع واقعه الخارجي ،و الإنسان الذي يدعي أنه مازال بعقل ، كائن إنفصل عن حاضره والمستقبل و الماضي أيضا ، كائن لازمني غير حامل لأي معنى في الوجود .أليس هذا مرعبا أيها السادة ؟!
نهض من سريره منهكا ، ليس لأنه مريض عقليا ، فهذا ما لم يتأكد منه بعد ، إذ مازال يعتقد ، في قرارة نفسه ، أن له كلمة على وعيه وإدراكه ، بل لأن رأسه مثقلة بوساوس ومخاوف مأساوية ، وقد تحولت إلى أشباح تثير ارتعاشات في جسده النحيف .ترجل من السرير ، ثم خطا خطوات متثاقلة خارج غرفته . إنه يتمشى جارا أرجله في ردهة المستشفى . أحس بثقل جسده أكثر ، وحنا رأسه فبدا أنه استسلم أخيرا للوهم الذي ينفخ في رأسه منذ ساعة . توهم نفسه مجنونا .أن تكون مجنونا ، فهذا قد يأخد منك قبولا مع الزمن ، أما أن تتوهم الجنون ، فهذا ما يسميه أطباء العقل بجنون الجنون في أقصى حالات جموحه .عبر ردهة المستشفى ببطئ، فرأى بابا يؤدي إلى الخارج ، ثم توجه نحوه .وصل الباب أخيرا ، فأسند جسده المتعب إليه ليستريح من عياء عام قد أصابه . أمامه حديقة المستشفى ،تتوسطها ساحة كبيرة ،و ممرات إسمنتية تؤدي إليها في شكل دائري أشبه بالناعورة.
ساحة الحديقة خاوية وهادئة إلا من بعض الطيور المزعجة . إستسلم لتعبه الجسدي والنفسي فانزاح مع الحائط عموديا نحو الأسفل ، فاتخد وضعية جلوس حشر فيها رأسه بين فخديه و شد ساقيه بيديه ، و الأرجح أنه قد نام . بقي هكذا دون حركة لمدة ساعتين تقريبا .إستفاق من غيبوبته أخيرا ، وأطل برأسه على الحديقة فإذا به يرى مشاهد غير مألوفة خارج المستشفى .الساحة مليئة بأشخاص قد نال منهم التيه، يلبسون بذلات زرقاء موحدة كتلك التي يلبسها السجناء عادة .. أيكون هؤلاء هم نزلاء المستشفى ؟! ..ثم يعود السؤال السابق ذاته ليزعجه :" هل أنا مجنون ؟ !... و من رمى بي في هذا المكان ؟"..إزدادت حالته سوءا ، وتصاعد لهاثه بقوة ، و أحس بقلبه يخفق بعنف ، وبدا وجهه أكثر شحوبا ، فهو لازال لم يصدق ما يقع له ..أهذا مجرد كابوس لم يستفق منه بعد ؟! ..الأمر مستبعد تماما ، فهو يبدو أكثر استسلاما للحقيقة كما يظهر من حالته الفيزيولجية .
سمع طقطقات حذاء تخطو من بعيد . تسمر في مكانه .أراد أن يقف ، لكنه آثر الجلوس ، لم يستطع النهوض . أصواتها تتصاعد أكثر مع الإقتراب ،هاهو الشخص ذو الطقطقات يظهر له في الردهة ، رجل بدين ذو لحية كثة ،و شعر متموج وغير ممشوط ،و عيناه منتفختان و بارزتان ، يلبس بذلة بيضاء ،يتمشى بتبختر و خفة ..فكر في حينه : "إما أنه طبيب أو ممرض هنا ، لكن ماذا سأقول له ، سوف أسأله بخصوص وجودي هنا ، هل أسأله بجنوني ؟ ..لا ليس الآن ..".



#مصطفى_حنكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دين ودنيا
- يوميات متشرد _3
- يوميات متشرد 2
- إنجذاب غير مرغوب
- حوار الفلاسفة __الجزء الأول
- خطبة كازانوفا في البار
- يوميات متشرد
- الإنسان بين فرويد و أدلر
- حينما نفكر على نحو مغاير


المزيد.....




- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى حنكر - شبح الجنون _1