أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963 - الفصل الأوّل من كتاب - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية















المزيد.....



نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963 - الفصل الأوّل من كتاب - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 4833 - 2015 / 6 / 10 - 00:43
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963

الفصل الأوّل من كتاب
نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 :
تحليل و وثائق تاريخية

" الماوية : نظرية و ممارسة " عدد 20 – ماي / جوان 2015

شادي الشماوي

" يحدث الآن لتعاليم ماركس ما حدث أكثر من مرّة فى التاريخ لتعاليم المفكّرين الثوريّين و زعماء الطبقات المظلومة فى نضالها من أجل التحرّر . ففى حياة الثوريّين العظام كانت الطبقات الظالمة تجزيهم بالملاحقات الدائمة و تتلقّى تعاليمهم بغيظ وحشيّ أبعد الوحشيّة و حقد جنونيّ أبعد القحّة . و بعد وفاتهم تقوم محاولات لجعلهم أيقونات لا يرجى منها نفع أو ضرّ ، لضمّهم ، إن أمكن القول ، إلى قائمة القدّسيّين ، و لإحاطة أسمائهم بهالة ما من التبجيل بقصد " تعزية " الطبقات المظلومة و تخبيلها ، مبتذلة التعاليم الثوريّة بإجتثاث مضمونها و ثلم نصلها الثوري . و فى أمر " تشذيب " الماركسيّة على هذا النحو تلتقى الآن البرجوازيّة و الإنتهازيّون داخل الحركة العمّاليّة . ينسون ، يستبعدون ، يشوّهون الجانب الثوريّ من التعاليم ، روحها الثوريّة . و يضعون فى المقام الأوّل و يطنبون فى إمتداح ما هو مقبول للبرجوازية أو يبدو لها مقبولا ."
هذا ما قاله لينين فى بداية الفصل الأوّل من كتابه العظيم " الدولة و الثورة " و هي كلمات تعكس حقيقة ما إنفكّت تتأكّد يوما بعد يوم .
و لم تطل تلك السياسة المعادية للثورة البرولتاريّة العالمية و رموز علم الشيوعية الأوائل كماركس و إنجلز و حسب بل طالت أيضا لينين ذاته الذى جرت شيطنته غالبا و تحويله إلى ديمقراطي برجوازي أحيانا . أمّا ستالين ، من بعده ، فصبّ عليه الإمبرياليّون و الرجعيّون جام غضبهم و لعناتهم جميعها مصوّرينه فى الغالب الأعمّ مجرما سفّاكا للدماء و أحيانا فاقدا لقدراته العقليّة أو قوميّا متعصّبا .
و تمّ الإفتراء على ماو تسى تون خاصّة إثر مفارقته الحياة سنة 1976 و نسبت إليه جرائم لم تحدث أصلا و أعمال لم يرتكبها و لفّقت له التهم العديدة و المتنوّعة . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، صيّره البعض قوميّا فى حين صيّره آخرون ديمقراطّا برجوازيّا ...
ولم تأت الضربات من منظّري الإمبريالية و الرجعيّة العالميّة وأبواق دعايتها و مأجوريها و حسب بل كال التحريفيّون من كلّ رهط ، بما هم ماركسيّون مزيّفون ، و منهم التحريفيون الصينيون أو البرجوازيّة الجديدة الصينية التى أعادت تركيز الرأسمالية فى الصين بعد إنقلاب 1976 ، كافة أنواع الإفتراءات و نظّموا حملات تشويه و خاضوا حروبا شعواء ضد الشيوعيّة الثوريّة و رموزها خدمة للإمبرياليين و الطبقات الرجعيّة المحلّية .
و منذ عقود كانت هيمنة التحريفيّة و الإصلاحيّة على الحركة الشيوعية فى البلدان العربيّة شبه مطلقة و قد نال خاصّة لينين و ستالين و ماو تسى تونغ ما نالوا من طلقات المدفعيّة الثقيلة للتحريفيين المتقدّمين للجماهير فى زيّ ماركسي و هم أعداء الروح الثوريّة للماركسيّة . و قد إنخرطنا منذ سنوات الآن عن وعي تام بجسامة المهمّة العسيرة للصراع المبدئي على الجبهة النظريّة بمشروع مجلّة " الماويّة : نظريّة و ممارسة " و كان هدفنا و لا يزال دحض التخريجات التحريفية و الدغمائيّة إعلاء لراية الحقيقة و الترويج لعلم الشيوعية و نشره حتّى تشقّ النظريّة الثوريّة طريقها نحو بناء حركة ثوريّة كجزء لا يتجزّأ من الثورة البروليتاريّة العالمية و غايتها الأسمى الشيوعية و تحرير الإنسانيّة .
و اليوم و قد رصدنا تهافت تحريفيّين أو دغمائيّين ذوى نزعات خروتشوفيّة و تروتسكيّة و خوجيّة وسعيهم الحثيث و الخبيث إلى تزوير تاريخ الماويّة بكلّ فجاجة جاعلينها معادية للماركسية – اللينينية أو لما يطلقون عليه " البلشفيّة " أو ما شابه و واصمينها بالتحريفيّة وهم بهذا النعت أولى و أحقّ ؛ و الحال أنّ الحزب الشيوعي الصيني و على رأسه ماو تسى تونغ هو الذى كان وراء بعث الحركة الماركسيّة – اللينينية العالمية التى نشأت فى خضمّ إنشقاق داخل الحركة الشيوعية العالمية نتيجة صراع حياة أو موت ضد التحريفية المعاصرة و فى مقدّمتها التحريفية السوفياتية ؛ وأنّ الماويّين الصينيّين هم الذين مثّلوا رأس حربة الحركة الماركسية – اللينينية و الذين دافعوا بمبدئية و إستماتة عن المبادئ اللينينية و عن ستالين و التجربة الإشتراكيّة فى الإتحاد السوفياتي زمن لينين و ستالين فى وجه عواصف الإفتراء و التشويه اليمينية و " اليسراويّة " .
لذلك إرتأينا المساهمة فى هذه المعركة الحامية الوطيس من أجل مزيد وضع الأمور فى نصابها و وضع النقاط على الحروف إعتمادا على وثائق تاريخيّة كأدلّة قطعيّة نادرة باللغة العربيّة فى أيّامنا هذه . و من ثمّة فتّشنا و نقّبنا هنا و هناك و تمكّننا من الحصول على بضعة وثائق غير منشورة على النات غاية فى الأهمّية بشأن نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية من 1956 إلى 1963 ، فإجتهدنا لنسخها و إعدادها للنشر على شبكة الأنترنت لتضاف كوثائق تاريخيّة إلى " حول التجربة التاريخيّة لدكتاتوريّة البروليتاريا " ( أفريل 1956 ) و " مرّة أخرى حول التجربة التاريخيّة لدكتاتوريّة البروليتاريا " ( ديسمبر 1956 ) " الثورة البروليتاريّة و تحريفيّة خروتشوف " و " حول مسألة ستالين " ( 1963) و هي وثائق متوفّرة بالعربيّة على موقع " الصوت الشيوعي " بمكتبة ماو للعرب . و نعوّل على الرفيقات و الرفاق و الأصدقاء و محبّى الحقيقة أن يمدّوا يد العون لنشر بقيّة وثائق صراع الماركسيّين – اللينينيّين الصينيين ضد التحريفيّة السوفياتية إن كانت لديهم تلك الوثائق باللغة العربيّة أو عثروا عليها بأيّة صورة من الصور ( و خاصة منها " أصل الخلافات و تطوّرها بين قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي و بيننا " و " هل يوغسلافيا قطر إشتراكي ؟ " و " خطّان مختلفان حول مسألة الحرب و السلم " المنشورة سنة 1963 و " شيوعية خروتشوف المزيفة و الدروس التاريخية التى تقدمها للعالم " سنة 1964 ) .
و لأنّ الوثائق التاريخيّة تحتاج بلا أدنى شكّ إلى تأطير وتحليل ، كان لا بدّ من تولّى مسؤوليّة صياغة هذا التأطير و التحليل إن لم نعثر على نصوص ماويّة تفى بالغرض . و مجدّدا كانت عمليّة البحث و التنقيب مثمرة إذ تكلّلت جهودنا بتوفير نصّ بالأنجليزيّة يتطرّق لموضوعنا بالذات فإنكببنا على ترجمته دون تأخير . و فى معرض مطالعاتنا و قراءاتنا لوثائق شتّى تتّصل بمحور هذا العدد من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، برزت أمامنا قراءة نقديّة ماويّة لإحدى أهمّ تلك الوثائق التى نضع بين أيدى القرّاء ، الوثيقة المنعرج العالمي فى ذلك الصراع ضد التحريفية السوفياتية ألا وهي " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعية العالميّة " فلم نغادر مكاننا حتّى فرغنا منها و سرعان ما خرجنا بإستنتاج ضرورة تعريب القراءة النقديّة و تضمينها فى كتابنا هذا كمثال حيّ عن التعاطي النقدي المبدئي مع تراث الحركة الشيوعية العالمية من منطلق تطوير علم الشيوعية و تنقيته من الأخطاء فى صراع مستمرّ لا هوادة فيه من أجل الحقيقة التى تخوّل تفسير العالم تفسيرا علميّا صحيحا و تغييره من منظور الثورة البروليتارية العالمية وتحرير الإنسانيّة جمعاء .
و الوثيقتان التأطيريّة و النقديّة وردتا فى عدد من مجلّة " الثورة " ، مجلّة اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية ، صدر سنة 1979 و هي سنة مفصليّة فى دحض الماويّة للخوجيّة و تعميق تقييم التجارب الإشتراكية السوفياتية و الصينية بوجه خاص و مباشرة قطع الخطوات النضاليّة الأممية التى ستؤدّى إلى " بيان الحركة الأممية الثوريّة " لسنة 1984 كأساس لتجمّع نواة عالميّة للقوى الماويّة على الكوكب . و قد نهضت هذه النواة القياديّة الأمميّة الماويّة بمهام إيديولوجية و سياسيّة عظيمة إلى 2006 ، منها على سبيل الذكر لا الحصر إصدار 32 عددا من مجلّة " عالم نربحه " و تبنّى الماركسية – اللينينية – الماوية كعلم للثورة البروليتارية العالمية منذ 1993 ... و قد إنقسمت الحركة الأمميّة الثوريّة إلى إثنين و صراع الخطّين حول الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقدّم بها بوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية لم يخفت صوته على النطاق العالمي .
و بخصوص الوثائق التاريخية التى نسخنا و أعددنا للنشر على الأنترنت ، تجدر الإشارة إلى أنّنا لم ندخل ( و ما كان لنا أبدا أن ندخل ) تعديلات مهما كانت على كتب أو كتيّبات دار النشر باللغات الأجنبيّة بيكين حتّى حينما كانت مفردات مثل " إستعمار " مثلا لا تؤدّى المعنى المتداول حاليّا لكلمة " الإمبريالية " ، لا سيما فى الأوساط الماركسية . و قد يلاحظ القرّاء وجود تعابير فى تلك الوثائق لم تعد مستساغة الآن أو تراكيب جمل قد ينقدها البعض . و قد سعينا جهدنا هذه المرّة بوجه خاص لتفادي قدر المستطاع أخطاء النسخ التى أبلغنا مشكورين من أبلغونا بوجودها مبثوثة فى كتبنا السابقة التى لم تخضع للمراجعة و التصحيح . و إن تسرّبت ، مع ذلك ، أخطاء ما فنعوّل على سعة صدر القرّاء وتفهّمهم و نرحّب طبعا بتجشّمهم عناء تشخيص الأخطاء و إقتراح كيفيّة التصحيح ( و مراسلتنا فى الغرض ) . كما نرحّب ليس بنقد الشكل فحسب بل بنقد المضمون أيضا ، نرحّب بنقد تقديم الكتاب و أسلوب الكتابة و كذلك بنقد الأفكار التى وردت فى طيّاته .
و بالمناسبة ، نلمح إلى أنّ الوثائق التاريخيّة للحزب الشيوعي الصيني المدوّنة فى هذا الكتاب تعكس مدى تطوّر أفكار ماو تسى تونغ و القيادات الماويّة الثوريّة الأخرى فى تلك الأيّام و من الأكيد أنّ بعضها قد وقع تجاوزه بالتعميق لاحقا ، على غرار فهم الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية . فمع تواصل البحوث و التقييمات الماويّة للتجربة الإشتراكيّة فى الإتّحاد السوفياتي و مع خوض الصراع ضد التحريفية المعاصرة من السوفياتية إلى الأمريكية مرورا باليوغسلافية و الفرنسية و الإيطالية ... و ضد التحريفية الصينيّة فى صفوف الحزب الشيوعي الصيني ذاته ، و فى أتون الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ، طوّر ماوتسى تونغ نظريّة و ممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و قد يستغرق شرحها عشرات الصفحات و هذه المقدّمة ليست مجالها . و فى إرتباط بذلك ، تطوّرت نظريّات أخرى متّصلة بفهم العلاقة بين الإشتراكيّة والشيوعية ودور الوعي و الجماهير و صراع الخطّين صلب الحزب الشيوعي و ما إلى ذلك من تطويرات الماويّة للفلسفة و الإقتصاد السياسي و الإشتراكية بما هي المكوّنات الثلاثة للماركسية ، الشيء الذى سمح للماركسيّة – اللينينيّة بأن تحقّق قفزة نوعيّة لتصبح ماركسية – لينينيّة – ماويّة ، و الماويّة هي المرحلة الثالثة فى تطوّر الماركسية و اللينينيّة مرحلتها الثانية .
و منذ سنوات الآن ، إنقسمت الماويّة إلى إثنين و يجرى صراع خطّين عالمي صلب الماويّين بصدد تطوير الماركسية - اللينينيّة - الماويّة و محوره الخلاصة الجديدة للشيوعية التى تقدّم بها بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة . و قد أفردنا عدّة كتب لهذا الصراع المصيري فى هذا الظرف العالمي المتّسم بمفترق الطرق الذى تعرفه الحركة الشيوعية العالمية . و لا يفوتنا أن نلمح إلى أنّ ناظم الماوي قد خصّص هو الآخر كتابين للموضوع ذاته ، إنبرى فيهما يدافع بحماس عن هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية و يتصدّى لمناهضيها و مهاجميها بنصوص جداليّة تستحقّ الدراسة و التمحيص و النقد .
و يحتوى هذا الكتاب العشرين - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتيّة 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخيّة - أو العدد العشرين من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " على فصول ستّة و ملحق :

الفصل الأوّل : نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963

الفصل الثاني : عاشت اللينينية !
- عاشت اللينينية !
- إلى الأمام على طريق لينين العظيم
- لنتّحد تحت راية لينين الثوريّة
الفصل الثالث : إقتراح حولالخطّ العام للحركة الشيوعية العالمية
الفصل الرابع : مدافعون عن الحكم الإستعماري الجديد
الفصل الخامس : سياستان للتعايش سلمي متعارضتان تعارضا تاما
الفصل السادس : قراءة نقديّة ل " إقتراح حول الخطّ العام للحركة الشيوعيّة العالميّة " الذى صاغه الحزب الشيوعي الصيني سنة 1963 "
الملاحق :
1- أحاديث هامّة للرئيس ماو تسى تونغ مع شخصيّات آسيويّة و أفريقيّة و أمريكيّة – لاتينيّة
2- حقيقة تحالف قادة الحزب الشيوعي السوفياتي مع الهند ضد الصين
--------------------------------------------------------
الفصل الأوّل :

نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963

( مجلّة " الثورة " ، سنة 1979 )



فى فيفري 1956، قام نيكيتا خروتشوف بهجوم شامل على ستالين فى خطاب " سرّي " مزبد ، أثناء المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي . و مثلما نشير إلى ذلك فى هذا المقال ، لم يستهدف الهجوم طبعا ستالين فقط بل أيضا الماركسية - اللينينية التى ظلّ ستالين رغم أخطائه يمثّل رمزا كبيرا لها . و قد أراد خروتشوف من خلال هجومه على ستالين أن ينكر دكتاتورية البروليتاريا و أن يبسط الطريق أمام إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتّحاد السوفياتي و بالإضافة إلى ذلك ، قدّم حزمة من النظريّات التحريفيّة الأخرى على غرار نظرية التحوّل السلمي إلى الإشتراكية عبر الطريق البرلماني مُحييا من جديد برنشتاين و كاوتسكى . كما دافع كذلك على أنّه نظرا للتغيّرات الراديكالية الجديدة فى الوضع العالمي ( رئيسيا نموّ قدرة الكتلة الإشتراكية من جهة و صنع الأسلحة النوويّة من جهة أخرى ، التى يدّعى أنّها جعلت الحرب غير ضروريّة بالنسبة للإمبرياليين و أيضا بالنسبة للجماهير و جدّ فظيعة حتى يفكّر فيها ) ، من الممكن القضاء على الحرب قبل القضاء على الإمبريالية . لقد حرّف خروتشوف المبدأ اللينيني للتعايش السلمي و حوّله من مبدأ علاقات خارجيّة بين دول ذات أنظمة إجتماعية مختلفة إلى توجّه إستراتيجي للإستسلام إلى الإمبريالية و للتعاون معها على إقتسام العالم .

و كان خروتشوف يعوّل على عوامل عدّة لدفع الأحزاب الشقيقة إلى القبول بالأمر الواقع . و من تلك العوامل السُمعة العظيمة التى كان يتمتّع بها الإتّحاد السوفياتي كأوّل و أقوى بلد إشتراكي و التيّار الذى تطوّر خلال فترة طويلة جاعلا من الإتحاد السوفياتي ينهض بدور " الحزب الأب " الذى كان يعنى عادة أن الأحزاب الأخرى ( مع بعض الإستثناءات ) تتّبع عن عمى القيادة السوفياتيّة فى المسائل الجوهريّة . و قد أسيئ إستعمال أخطاء ستالين لإضفاء نوع من المعقوليّة على أطروحات خروتشوف . و لكن الأهمّ من ذلك هو أن خروتشوف كان يعتمد على قاعدة إجتماعية فى كلّ من الحزب الشيوعي السوفياتي و الأحزاب فى العالم التى كانت تفسّخت بعدُ سياسيّا و كانت بعدُ تتّبع خطّا تحريفيّا فى عديد المسائل .

خاطئ جدّا هو الفهم الذى يعتبر أن كل شيء قبل المؤتمر العشرين كان على ما يرام فى الإتّحاد السوفياتي أو أيّ مكان آخر. حتّى حين كان ستالين على قيد الحياة ، ظهرت شريحة قويّة من العناصر البرجوازية الجديدة داخل جهاز الحزب و الدولة ورغم أنّ ستالين خاض صراعا ضد هذه القوي و ضد النظريّات التحريفيّة التى قاومت إلى موته ، فإن ستالين نفسه قام بأخطاء جدّية خوّلت فعليّا لهذه العناصر التقدّم و وفّرت لها مخارجا .

داخل الديمقراطيات الشعبيّة فى شرقي أوروبا ، إستشرى سرطان التحريفيّة . و قبل المؤتمر العشرين بكثير، كان خروتشوف يعزّز قاعدته الإجتماعية البرجوازية فى هذه البلدان ففى 1954 ، قرّر " ردّ الإعتبار " لتيتو و عصبة الشيوعيّين اليوغسلاف التى أُطردت لخيانتها من الكتلة الإشتراكية منذ 1948 و كانت تتعاون عن كثب مع الإمبريالية الأمريكية و تقتفى أثر التطوّر الرأسمالي الشامل لمدّة حتّى قبل ذلك . و صوّر خروتشوف تيتيو لا كمعاد للثورة بل ك "ضحيّة مظلمة " مدّعيا أنّه " تحت تأثير الشرطي باريا ، لُفّقت تهم بشعة "(1) . فى 1955 ، ذهب خروتشوف إلى بلغراد و عانق تيتو معلنا أنّ يوغسلافيا بلد إشتراكي رغم كل شيء و أن عصبة الشيوعيّين اليوغسلاف حزب ماركسي – لينيني ( له بعض التذبذبات ).

إثر حركة " الترحيب بعودة تيتو " التى أقامها خروتشوف ، شنّت حملات داخل أحزاب أوروبيّة أخرى لإعادة الإعتبار لعدد كبير من الخونة من نفس الرهط و طرد عدد كبير من الثوريّين . من خلال هذه الإجراءات و غيرها مثل التعويل على الإكراه و حتى التهديد بالتدخّل العسكري ، كان التحريفيّون السوفيات واثقين من أّنّه بمقدورهم جلب الديمقراطيّات الشعبيّة إلى جانبهم .

و فى صفوف الأحزاب الشيوعيّة خارج السلطة لا سيما أحزاب الغرب ، تداخلت عوامل عدّة لتفرز إنحلالا هاما فى آمال البعض و لتفرز تحريفيّة تامّة لدى آخرين ( و ربّما مثّل الحزب الشيوعي الإيطالي بقيادة توغلياتي أوضح مثال لكن عدّة أحزاب أخرى و ضمنها الحزب الشيوعي الأمريكي إقتفت خطى تغلياتي ) .

و مع ذلك لم يكن هذا التفسّخ بأيّ شكل من الأشكال شاملا عالميّا إذ كان الخطّ الثوري بالخصوص ضمن أحزاب، فى السلطة أو خارجها ، فى البلدان التى كانت تخاض فيها نضالات تحرّر وطني هو الخطّ الأقوى . و لم ينزلق الحزب الشيوعي الأندونيسي و حزب العمّال الفتنامي و الأحزاب الكوريّة و اليابانيّة و أحزاب صغيرة أخرى عبر العالم لتعانق تحريفيّة خروتشوف .

سنة 1956 ، كان الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسى تونغ بعدُ قد راكم تجربة كبيرة فى تملّك فكر نقديّ تجاه " النمط السوفياتي " و خطّ الحزب الشيوعي السوفياتي حول عدد من المسائل . لقد أخطأ ستالين بوضوح فى مجموعة من المسائل المفاتيح فى الثورة الصينية ، كما إعترف هو نفسه بذلك . و وجد صراع خطّين حاد داخل الحزب الشيوعي الصيني ضد الإنتهازيّين الذين كانوا فى الواقع يعيدون أخطاء الخطّ السوفياتي . و خلال زيارة خروتشوف إلى الصين سنة 1954، بيّن له الجانب الصيني أنّه يتّخذ بجدّية " مبادئ المساواة و الفائدة المتبادلة " و هي جملة فى الإعلان المشترك المتعلّق بالعلاقات بين البلدين . و بينما كانت خطابات القادة الصينيّين فى آخر تلك السنة ، تشير إلى الإعانة السوفياتية " كعامل مساعد " فإنّها شدّدت على أنّ " القيام بالتصنيع الإشتراكي للصين و تطوير الإقتصاد الوطني هو بوضوح مهمذة موكولة للشعب الصيني ذاته " (2) . فكان الحديث بهذا الشكل يتعارض تعارضا كلّيا مع النظرة الأكثر هيمنة داخل الكتلة الإشتراكية كما عبّر عن ذلك مثلا فى الإستشهاد التالي سنة 1957 أنور خوجا عينه :

" أصبح الدور القيادي للإتّحاد السوفياتي فى الحركة الشيوعية واقعا تاريخيّا نظرا للطابع العالمي للتجربة السوفياتيّة ذاتها . و يبرز تحوّل الإتّحاد السوفياتي من بلد متخلّف قبل الثورة إلى بلد مصنّع قوي يتمتّع بثقافة عالية التطوّر ... أنّ تجربة الإتّحاد السوفياتي و السيرورة التى إتّبعها صحيحة و ذات أهمّية بالنسبة للجميع . إنّها ليست التجربة الأولي فحسب بل هي أيضا المثل الأجلى لتطبيق الماركسية - اللينينية ." (3) .

نتائج المؤتمر العشرين :

إثر المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ، لم تكن الصحافة الصينيّة تحتوى على شيء حول مسألة ستالين بينما كانت تحيّى شكليّا نجاحات المؤتمر . ثم فى 30 مارس ، نشرت " يوميّة الشعب " ترجمة إفتتاحية " البرافدا " ألا وهي " لماذا تعتبر عبادة الفرد غريبة عن الماركسية – اللينينيّة ؟ " و التى تضمّنت غالبيّة إفتراءات خروتشوف حول ستالين . و بعد أسبوع نشرت " يومية الشعب " إفتتاحية كبيرة هي " حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " و بينما كانت شكليّا مّرة أخرى تساند المؤتمر العشرين ، مثّلت فعليّا جدلا ضد مقال " البرافدا " و الهجومات على ستالين .

و مع أنّه غير متكامل أو صحيح كالكتابات التالية للحزب الشيوعي الصيني حول الموضوع ، فإنّ المقال ركّز على دور ستالين كمواصل للينينية مشيرا إلى أنّ :" أعمال ستالين يجب أن تبقى كما فى السابق موضوع دراسة جدّية " و إلى " علينا أن نقبل على أنّه إرث تاريخي هام كل ما هو ذو قيمة فيها خاصة تلك الأعمال التى تدافع عن اللينينية ..." .

فمثّل " حول التجربة التاريخية ..." جدالا ليس فقط ضد هجمة خروتشوف على ستالين ( رغم أنّه قُدّم فى لغة شكليّا مساندة للمؤتمر العشرين ) لكنّه كان أيضا جدالا ضد عناصر داخل الحزب الشيوعي الصيني التى رأت أن تستغلّ المؤتمر العشرين كجسر لتُخرج الصين ذاتها من الطريق الإشتراكي . هذه النقطة أثارها ماو بوضوح فى تجمّع واسع للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني ، فى أفريل 1956 :

" شرع بعدُ الإتحاد السوفياتي فى حملة نقد جماهيريّة جزء منها لا يتماشى لا مع بلدنا و لا مع الإتحاد السوفياتي ... و لا يجب علينا أن نتّبعه عن عمى بل علينا أن نضع كل شيء تحت مجهر التحليل . فهنالك الجيّد و السيء فى كلّ شيء و لا يمكننا القول إن كلّ ما يقوم به الإتحاد السوفياتي جيّد . الآن ، ثمّة من يقول إنّنا قد تبعنا حتى ما هو سيء .علينا أن نتعلّم ما يناسب إستعمالنا ..." (4) .

فى ذلك الوقت ، كانت الأحداث تتسارع شرقي أوروبا . ففى جوان 1956 وقع إستقبال تيتو بكل التشريفات فى موسكو و أمضى إتّفاقية مع خروتشوف معيدة ربط العلاقات الدبلوماسية و متعهّدة " بالتعاون المتبادل و بتبادل وجهات النظر فى ميدان التفكير العلمي الإشتراكي " .(5)

و كان هذا بمثابة علامة عن هجوم تحريفي عبر أوروبا الشرقية أعلن عنه بالخصوص فى بولونيا و المجر . ففى بولونيا ، فى الرابع من أوت ، أُعيد إلى الحزب فلادسلاف غوملكا الذى طرد بإعتباره من أتباع تيتو فى الأربعينات ، و على الفور أوكل له دور قيادي . و فى المجر ، إنتهى السكرتير الأول للحزب راكسي الذى كان عرضة لضغوطات منبعها موسكو منذ 1955 لرفضه أن يصادق على عودة تيتو ، إنتهى إلى المصادقة الأكثر فتورا ممكنا على المؤتمر العشرين و إقترح أن " فقط مع مرور الزمن سيتكوّن لدينا تقييم شامل ". و فى جويلية، عُزل من مركزه فى إجتماع اللجنة المركزية للحزب المجري . خلفه كان حلاّ وسطا لكن الكتلة الموالية لتيتو فى المجر و التى كانت متحالفة مع قادة مثل كردينال ويسزنسك شرعت بعدُ فى تعبئة الجماهير الواسعة مطالبة برجوع السلطة إلى إمرى ناجي التحريفي المعادي للثورة و الذى طرد من الحزب المجري فى الأربعينات و الذى كان ينظّم القوى ضد الدولة الإشتراكية ( مثلا ، كان مشتركا فى مؤامرات لنادي بيتوفي السيء الصيت وهو تنظيم مثقّفين يطالبون بالعودة إلى الرأسمالية تحت قناع " الديمقراطية " ) .

و فى بولونيا ، كان هدف كوملغا بعد وصوله إلى السلطة أن يضمن إستقلال بولونيا مثلما فعل تيتو . و كان مع ذلك تحليل الوضع البولوني عسيرا بحكم أن عديد القوى كانت تتصارع و قد إندلعت إنتفاضات جماهيرية فى بولونيا فى صائفة و أواخر 1956 ( شاركت فيها الطبقة العاملة بقسط كبير ) و كان ذلك نتيجة لا فقط لعمل الكنيسة الكاتوليكية البولونيّة التحريضي و غيرها من المعادين للثورة لكن أيضا نتيجة الأخطاء المأساوية التى إقترفها الحزب الشيوعي البولوني و لمدّة طويلة .

و فى أكتوبر ، صارت بيّنة عوارض الخروج عن السيطرة فى الأوضاع فى كلّ من بولونيا و المجر . و ظهرت واقعيّا إمكانية إرتداد كلا البلدين إلى الكتلة الغربية . عندئذ تخوّف خروتشوف فجمع فيالقا على حدود بولونيا (و كانت بعدُ فقالقا سوفياتيّة مركزة فى المجر ) . بيد أن كوملغا إستطاع عبر مجموعة كاملة من التنازلات الإقتصادية للطبقة العاملة و للحركات السياسيّة مثل إطلاق سراح كردينال ويسزنسك الرجعي ، إستطاع أن يهدئ الإضطرابات بينما كان يعلن الولاء لحلف وارسو و سياسة مواصلة الصداقة مع الإتحاد السوفياتي . ( فى الوقت الذى ظهر فيه كوملغا بطلا وطنيّا فى أعين الشعب البولوني ، تحوّل إلى أكبر لاعقي أحذية فى منظمة البلدان التابعة للإتحاد السوفياتي ) .

و فى المجر تواصل الوضع فى الإحتقان . و فى 23 أكتوبر ، كان البوليس السرّي المجري يطلق النار على الطلبة فى الشوارع . و فى تلك الليلة عُيّن إمري ناجي وزيرا أوّلا و أُعيد إنتخابه للمكتب السياسي للحزب . و فى غرّة نوفمبر ، رفع ناجي بوضوح راية الإمبريالية الغربيّة و تخلّى عن حلف وارسو و أعلن حياد المجر و طالب بضمانات من الأمم المتّحدة .

ففقد خروتشوف الذى إتّخذ تقريبا و ببساطة موقف ضرب الإنتفاضة البولونيّة عبر القوّات المسلّحة ، فقد صوابه و إتّخذ الطريق المعاكس . و لخوفه من نزاع مع الحزب الذى كان يسند بقوّة الثورة المضادة المجرية " واصل إتّباع سياسة الإستسلام و تخلّى عن المجر الإشتراكية للثورة المضادة " حسب مقال صيني كُتب فى 1963 (6) . و أضاف المقال و هو واحد من عديد المقالات التى تلت نشر " إقتراح حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية " : " أمام هذا الوضع بصرامة طالب الحزب الشيوعي الصيني و أحزاب شقيقة أخرى مواصلة للنهج الماركسيّ - اللينينيّ ، طالبوا بالردّ على هجومات الإمبريالية و الرجعية و المحافظة على المعسكر الإشتراكي و الحركة الشيوعية العالمية . و أكّدنا على إتّخاذ كل الإجراءات اللازمة لضرب الإنتفاضة المعادية للثورة فى المجر و عارضنا بشدّة التخلّى عن المجر الإشتراكي ". (7)

و بعد القضاء على الثورة المضادة فى المجر ، صرّح الحزب الشيوعي الصيني بموقف لاحظ فيه أن جزءا كبيرا من الإضطرابات فى المجر و بولونيا يعود إلى السياسات الشوفينيّة للأمّة الكبرى التى إتّبعها السوفيات تجاه الديمقراطيّات الشعبيّة و أشار إلى أن " بعض هذه البلدان الإشتراكيّة كانت غير قادرة على بناء الإشتراكيّة بصفة أفضل حسب تجربتها التاريخية و ذلك بسبب تلك الأخطاء " . (8)

و كان الموقف يميّز أيضا بين المطالب العادلة للجماهير البولونيّة و المجريّة و مؤامرات الثورة المضادة :
" ... رفع شعب بولونيا و المجر خلال الأحداث الأخيرة مطالب تعزيز الديمقراطيّة و الإستقلال و المساواة و تحسين مستوى العيش المادي للشعب على أساس تطوير الإنتاج . وهذه المطالب مشروعة كلّيا و من الضرورة المطلقة أخذها بعين الإعتبار و التمييز بين المطالب العادلة لأوسع الجماهير الشعبيّة فى النضال ضد عدد جدّ قليل من العناصر الرجعيّة ليس فقط مسألة تخّص بلد إشتراكي واحد و إنّما هي مسألة تستحق العناية من عديد البلدان الإشتراكية بما فيها بلادنا ". (9)

خطاب ماو فى إجتماع اللجنة المركزيّة الثامنة :

عقب أسبوعين من القضاء على الثورة المضادة فى المجر ، توجّه ماو بخطاب فى إجتماع اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الصيني . و فى هذا الخطاب لخّص النضالات الأخيرة و وسّع الهجوم على خط المؤتمر العشرين و شرع فى صراع ضد الخطّ اليميني القويّ داخل الحزب الشيوعي الصيني . و كان على رأس هذا الخطّ اليميني ليوتشاوتشى الذى قدّم التقرير السياسي الأهمّ فى المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني فى سبتمبر . فى التقرير ، مستعملا الأطروحات التحريفيّة للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ، قام ليو بهجوم على سياسة ماو فى إطلاق العنان للجماهير فى حركة التعاونيّات الفلاحيّة وفى القيام بالتحويل الإشتراكي، ناعتا إياها بالإنحراف " اليساري " الذى" يريد التوصّل إلى الإشتراكية فى ليلة و ضحاها ... و لا يؤمن أنّنا نستطيع تحقيق هدف الثورة الإشتراكية بطرق سلميّة " و يخفق فى الإستناد إلى " تحقيق الإشتراكية عبر رأسمالية الدولة ". و حول الوضع العالمي ، كان ليو صدى لخروتشوف مثرثرا بصدد " سلام عالمي دائم كإمكانية واقعية " و مدّعيا أن " حتّى داخل الأوساط الحاكمة فى الولايات المتحدة ، هنالك قطاع من ذوى الأذهان الصاحية يزدادون وعيا بأنّ سياسة الحرب رغم كل شيء يمكن ألاّ تكون فى صالح أمريكا ... تؤكد الأحداث أن الستار الحديدي ليس من جانبنا فأبوابنا مفتوحة للجميع ".

و فى خلاصته سعى ليو لتشجيع التبعيّة السلافيّة للإتحاد السوفياتي دون الإشارة حتى إلى التعويل على الذات محذّرا من أنّه " دون إعانتنا لا يمكن لقضيّتنا الإشتراكية التقدّم نحو الإنتصار ... يجب أن نواصل التعلّم من تجربة الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و الأحزاب الشيوعية لكلّ البلدان الأخرى فى ما يتعلّق بالثورة
و البناء " (10) .

إذن أتى خطاب ماو تسى تونغ فى الإجتماع العام الثالث للجنة المركزية فى 1956 ، فى ظرف تميّز بهجوم تحريفي داخليّا و خارجيّا .

و فى الخطاب عالج ماو أربع مسائل هي الإقتصاد و الوضع العالمي و العلاقات الصينية - السوفياتية و " مسألة الديمقراطية الكبيرة و الديمقراطية الصغيرة ." فدافع عن حركة الجماهير التعاونيّة الفلاحيّة و سخر من الذين حاولوا أن يصبّوا الماء البارد على إندفاع الكوادر و الجماهير مشبّها إيّاهم ب" لجان تشجيع التراجع " . و شدّد على مهمّة القضاء على المعادين للثورة مشيرا بسخرية إلى أنّه :

" إذا لم نقض على المضادين للثورة سيكون الشعب الكادح غير راض . و كذلك ستكون الثيران و المعازق و حتّى الأرض ستشعر بعدم إرتياح لأن الفلاّحين الذين يستعملون الثيران و المعازق و الأرض المستغَلة سيكونون غير راضين . و بالتالي يجب إعدام بعض المعادين للثورة و إيقاف بعض آخر و يجب وضع الآخرين تحت المراقبة العامة " . (11)

و بشأن الإنتفاضات فى بولونيا و المجر ، أكّد ماو أن :

" المسألة الجوهريّة لدى بعض بلدان أوروبا الشرقيّة هي أنّها لم تقم بعمل جيّد فى خوض الصراع الطبقي و أبقت على عدد كبير و واسع من المعادين للثورة و كذلك لم تقد بروليتاريّتها فى صراع طبقي لتعينها على تعلّم كيف ترسم خطّا فاصلا واضحا بين الشعب و العدوّ ، بين الصحيح و الخاطئ و بين الماديّة و المثاليّة . و الآن عليها أن تجني ما زرعت . زرعت شوكا فجنت جراحا ."

و فى نفس المناسبة قال ماو : " أعتقد أن هذه الأشياء السيّئة هي أشياء جيّدة أيضا ... بما انّ هنالك نار فى بولونيا و فى المجر سيندلع حريق عاجلا أم آجلا . ما هو الأفضل جعل النار تندلع أم عدم جعلها تندلع ؟ إنّ النار لا يمكن أن تغطّى بالورق . الآن و قد إندلعت النار فذلك جيّد . بهذه الطريقة عرض عديد المعادين للثورة أنفسهم " .(13)

و فى ذلك الخطاب ، طرح ماو الذى كان حينذاك يتأمّل و يعيد التفكير فى جملة نظريّة صراع الطبقات فى ظلّ الإشتراكية على ضوء الصدمات و الإنتفاضات ، طرح مسألة " هل ستوجد ثورات فى المستقبل حين تتمّ الإطاحة بالإمبريالية عبر العالم كافة و يتمّ إلغاء الطبقات ؟ "(14) هل يمكن ، كما أشار ، لواحد مثل كوملغا أو مثل يوشاشيه ( معاد للثورة عرض فى الصين زمن خطاب ماو ) بعدُ العودة إلى السلطة و بقوّة ؟ " و كانت خلاصة ماو أن ذلك ممكن و لكن إستنتاجه إرتبط أكثر بالوضع فى تلك الفترة أكثر منه بالمستقبل البعيد .
فى الفقرة الموالية ، عالج ماو مسألة الإتّحاد السوفياتي . لقد إتّهم السوفيات بأنّهم فى مؤتمرهم العشرين لم يتّخلوا عن " السيف ستالين " فحسب بل بأنّهم تخلّوا أيضا عن " السيف لينين " إلى مدى بعيد (15) و تابع قائلا :
" فى كل من ثورتنا الديمقراطية الجديدة و ثورتنا الإشتراكية ، عبّأنا الجماهير لخوض صراع طبقي من خلاله علّمنا الشعب . من ثورة أكتوبر تعلّمنا أن نخوض الصراع الطبقي ...

كم من الرساميل لديكم ؟ فقط لينين و ستالين . و الآن تخلّيتم عن ستالين و عمليّا عن كلّ لينين كذلك ، لينين دون أرجل أو ربّما له رأس أو يدين مقطوعين . نحن من جهتنا نتمسّك بدراسة الماركسية – اللينينيّة و التعلّم من ثورة أكتوبر . عدم التعويل على الجماهير فى خوض الصراع الطبقي و عدم التفرقة بين الشعب و العدوّ سيكون خطيرا للغاية ". (16)

عن " الكوادر ذات المناصب العليا و المتوسّطة " داخل الحزب الشيوعي الصيني التى تتعاون نوعا ما بصورة مباشرة مع الحزب الشيوعي السوفياتي ، ما أسماه ماو " الإبقاء على علاقات سرّية مع بلدان أجنبية " ، أشار قائلا :

" هذا ليس حسنا ... هذا النوع من الأعمال ينبغى أن يتوقّف . إنّنا لا نوافق على بعض الأشياء التى مُورست فى الإتّحاد السوفياتي و اللجنة المركزيّة قالت هذا بعدُ عدّة مرّات للقادة السوفيات و بعض المسائل التى لم نتعرض لها بعدُ ستُعالج فى المستقبل . و إن عُّلجت فمن قبل اللجنة المركزيّة . أمّا الإعلام فلا تحاولوا تجاوزه ... أولئك الذين يفعلون هذه الأشياء يضعون أنفسهم فى موقف صعب ..." . (17)

و هكذا بينما كان ماو يهاجم أولئك الذين رفعوا شعار " الديمقراطية الكبيرة " كوسيلة لتركيز دكتاتورية برجوازية ، بدأ يعدّ ركائز حركة مائة زهرة والحملة المناهضة لليمين فى السنة الموالية قائلا فى أسلوبه الخاص:

" نحن مع الديمقراطية الكبيرة . و ما نفضّله هو الديمقراطية الكبيرة فى ظلّ قيادة البروليتاريا ... هنالك من يفكّرون على ما يبدو أنّه نظرا لأنّ سلطة الدولة قد إكتسبت ، يمكنهم النوم نوما عميقا دون خشية و يمكنهم أن يلعبوا دور الطاغية إراديّا . إن الجماهير ستعارض مثل هؤلاء الأشخاص و سترميهم بالحجارة و تنتفض ضدّهم بمعازقها بما يخدمها بطريقة صحيحة و هو أمر سيسرّنى كثيرا . و أكثر من ذلك ، فى بعض الأحيان النضال هو الطريق الوحيد لحلّ المشكل . يحتاج الحزب الشيوعي لتعلّم درس . و كلّما نزل الطلبة و العمّال إلى الشوارع ، عليكم أنتم يا رفاق ، أن تنظروا إلى ذلك كشيء حسن " . (18)

" مرّة أخرى حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " :

فى الإجتماع العام الثالث للجنة المركزيّة ، إضطرّت المجموعة التحريفيّة داخل اللجنة المركزيّة إلى التراجع فسيطر ماو و من معه . نتيجة لذلك ، ظهر " مرّة أخرى حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " فى الصحافة الصينية فى 29 ديسمبر 1956 باعثا بموجات صدمات لا فقط عبر الصين بل كذلك عبر الحركة الشيوعية العالمية .

و رغم أنّه صيغ بشكل يتجنّب الهجوم المباشر على الإتّحاد السوفياتي و رغم أخذ بعض المواقف المشكوك فيها أو الخاطئة ، فإنّ خطّ التحليل فى المقال هو وقوف فى وجه كلّ ما قام به خروتشوف فى المؤتمر العشرين . و لم يكن هذا خافيا على القرّاء .

" يجب علينا ألاّ ننسى أبدا الصراع الصارم مع العدوّ ، الصراع الطبقي على النطاق العالمي " ، قال و أشار إلى أن التناقضات مع المعسكر الإمبريالي بعيدا عن أن تنحصر ، هي تشتدّ و تصبح " حتّى مظهرا للسياسات العالمية الأكثر إفتضاحا " .(19)

و قدّم المقال لأوّل مرّة أطروحة أن التناقضات فى صلب الشعب فى المجتمع الإشتراكي يمكن أن تتحوّل إلى تناقضات بين العدوّ و الشعب و هو موضوع كان على ماو تناوله بإقتضاب كجزء من النظريّة الشاملة لصراع الطبقات فى ظلّ الإشتراكية . و بصورة مهمّة حلّل " مرّة أخرى حول التجربة..." و لخّص الصلوحيّة العالميّة للخطّ اللينيني لثورة أكتوبر ، مشدّدا على الدور القيادي للحزب و النضال الثوري المسلّح لإفتكاك السلطة و دكتاتوريّة البروليتاريا للقضاء على مقاومة الطبقات المستغِلة و قيادة الجماهيرإلى الشيوعيّة و أهّمية الأمميّة البروليتاريا لدى الدولة الإشتراكية التى : " تكافح من أجل كسب مساندة الشعب الكادح فى جميع البلدان و فى الوقت نفسه تساند فيه كل الأمم المضطهَدة ". (20)

و مثّل عرض الأهمّية العالميّة لطريق أكتوبر على هذا النحو تقدّما هاما لأنّه جعل من الممكن التحليل الجدلي الذى ميّز بين ما هو عالمي فى التجربة السوفياتية و ما هو خاص بها . و بعد الدفاع عن الأهمّية العالميّة لثورة أكتوبر ، أكّد المقال على أنّ : " كل الأمم تمرّ عبر الصراع الطبقي و ستصل فى آخر المطاف إلى الشيوعيّة بالطرق ذاتها جوهريّا و مختلفة فى بعض الخصوصيّات ... إنّ عدم التمييز و النقل الميكانيكي للتجربة التى كانت ناجحة فى الإتحاد السوفياتي – حتى لا نتحدّث عن التى لم تلقى نجاحا – يمكن أن يجرّا إلى الفشل فى بلد آخر " . (21)

و مع تضمّنه شيئا من عدم الوضوح حول مسألة تيتو فإن " مرّة أخرى ..." تواصل كذلك تركيز عادة إستعمال يوغسلافيا " عوضا " عن خروتشوف و الإتحاد السوفياتي إلى سنة 1962 :

" ... قدّم الرفيق تيتو تأكيدات حول " العناصر الستالينيّة المضروبة و التى عملت فى عديد الأحزاب لتحافظ على مواقعها و التى تريد مرّة أخرى تعزيز سلطتها و فرض تلك التوجّهات الستالينيّة على شعوبها و حتى على شعوب أخرى " . و نشعر أنّه من الضروري القول بإرتباط بأفكار الرفيق تيتو هذه أنّه إتّخذ موقفا خاطئا حين وضع ما سمّاهم " ستالينيّين " كأهداف هجوم و طرح أن المشكل الآن هو ما إذا كانت السيرورة التى " قد بدأت فى يوغسلافيا " أو ما سمي " سيرورة ستالينيّة " هي التى ستنتصر . لا يمكن لهذا أن يقود إلاّ إلى إنشقاق داخل الحركة الشيوعية ..." (22).

و إنطوى المقال كذلك على فقرة مفجّرة فى الدفاع عن ستالين مع التأكيد الشديد على أنه " حتى إذا كان على الناس الحديث عن "الستالينية " فهذا لا يمكن أن يعني فى المصاف الأول سوى الشيوعية و الماركسيّة - اللينينيّة التى هي المظهر الرئيسي ّ و ثانويا بعض الأخطاء الخطيرة جدا هي ضد الماركسيّة - اللينينيّة و يجب تصحيحها كلّيا ... فى رأينا أخطاء ستالين تحتل الموقع الثانوي نسبة إلى مآثره " . (23)

لذلك فى نهاية 1956 ، كانت المعركة الكبرى بعدُ ترتسم معالمُها فالجانبان كانا يُعدّان قوّاتهما و يشحذان سيوفهما لمعركة مخطّط لها هي معركة حياة أو موت . و النتائج الممكنة و الرهان أوضحهما ماوتسى تونغ و كان يعمل على إعداد الحزب و الشعب مسلّحا إيّاهما إيديولوجيا للنضالات الآتية .

" نتمنّى عالما يسوده السلام ، قال فى تجمّع للكتاب العامين للمقاطعات فى جانفى 1957 ، " لكن يجب أن نضع أنفسنا فى أسوء موقع و أن نستعدّ لأكبر الكوارث . أتينا من يانان و يجب أن نكون على إستعداد للعودة إلى هنالك ... يجب أن نكون على إستعداد للعودة إلى يانان بسبب القنبلة الذرّية و إمكانيّة حرب عالميّة و أخطاء فادحة حصلت و الحدث المجري . إذا كنّا مستعدّين ذهنيّا للأسوء لا يتعيّن الخوف و إذا كنّا غير مستعدّين فإنّنا سنندم على ذلك . " (24)

ندوة موسكو :

فى أكتوبر 1957 ، قاد ماو تسى تونغ اللجنة الصينيّة إلى موسكو من أجل محادثات مع القادة السوفيات كان محورها نقاش مشروع بيان حول أمّهات المسائل التى تواجه الحركة الشيوعية العالميّة لتقديمه لإجتماع ممثّلي الأحزاب الشيوعيّة و العماليّة الذى كان مبرمجا للشهر التالي .

و نشبت صراعات حادّة و مديدة بين الجانبين الصيني و السوفياتي بصدد عدد من المسائل المبدئية خلال تلك المحادثات التحضيرية . و واجه ماو مهمّة معقّدة لضمان أن يكون البيان المقدّم فى النهاية للمصادقة عليه من قبل الأحزاب الشقيقة جوهريّا وثيقة ثوريّة و فى الوقت ذاته أن يتجنّب فشل المحادثات و إنشقاقا فى الحركة الشيوعية كان سيكون خطأ حينذاك .

فكان ماو يخوض نضالا حول المسائل الجوهريّة وهو واع بحدّة بالحاجة للنضال من أجل الوحدة و صيانتها . تلك كانت السياسة الصريحة لماو طوال الفترة المؤدّية لغاية : القطع الحتمي مع الإتّحاد السوفياتي و هذا كان يحتاج إلى إستعمال ديبلوماسيّة هامّة و كذلك التشبّث بالمبادئ . لقد توقّع ماو إمكانيّة الإنشقاق و شرع فى مهمّة الإعداد لمثل تلك الإمكانيّة سنوات قبل القطيعة المعلنة فى 1963 . و فى ذات الوقت كان جدّ واع بأنّ الصراع لتجاوز الإختلافات الجدّية و التوصّل إلى الوحدة هو فى حدّ ذاته مبدأ هام . ضمّت يومية " تقدّم موسكو " نقاشات التطوّر الإقتصادي للكتلة الإشتراكية و " الصراع من أجل السلام العالمي " و العلاقات بين الأحزاب الرفيقة و الوضع العالمي . لكن النقطة المركزيّة للإختلاف كانت مسألة الإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية . إثر نقاش حاد و طويل حولها و رفض ، على ما يبدو ، عديد المشاريع قدّمها الطرفان أجبر السوفيات على التنازل عن بعض التغييرات فى مقترحهم الأوّلي الذى " لم يقل و لو كلمة واحدة عن التحوّل غير السلمي مشيرا فقط إلى التحوّل السلمي " و " ينعت التحوّل السلمي ب " ضمان الأغلبيّة فى البرلمان ..." . (25)

رغم التغييرات المدخلة ، بقيت الصيغة ضعيفة . متنازلا عن نقطة : " فقط للرغبة التى عبّر عنها تكرارا قادة الحزب الشيوعي السوفياتي بأنّ تبيّن الصيغة بعض العلاقة بالمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي " (26) تقدّم الجانب الصيني بمذكّرة مستقلّة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي هي " مختصر وجهات نظر حول مسألة التحوّل السلمي " (27) . و لم يكن " المختصر " هو ذاته بعيدا عن اللّباقة ، يرفض كلّيا إمكانية التحوّل السلمي و إنّما قلّص كلّ الحديث عنها إلى فقط إجراء تكتيكي يُكرس لأجل " السماح للحزب الشيوعي فى البلدان الرأسمالية أن تتجنّب هجمات عليها فى هذا المجال " ( تعليل ضعيف فعلا لكنّه أدخل مرّة أخرى فقط شكليّا فى بعض الأحيان الإطنابات التى إضطرّ الصينيّون للقيام بها لغاية تجنّب السخرية المفتوحة من موقف السوفيات وصلت قمّة المرح الصاخب و هي ذاتها أصبحت شكلا من السخريّة ) .

و ما يلى هو جوهر " المختصر" :

"... لن تنطرح البرجوازية أرضا من على ركح التاريخ بإرادتها . هذا قانون عالمي للصراع الطبقي لا يجب على البروليتاريا و الحزب الشيوعي فى أيّ بلد أن يرخيا من إعدادهما للثورة بأيّة صفة ... حسب أفضل ما توصّلنا إليه من علم لا يوجد بعدُ بلدُ واحد حيث هذه الإمكانيّة [ التحوّل السلمي ] ذات دلالة عمليّة ". (28)

رغم أن الصياغة النهائية للبيان لم تكن مرضية ، فإنّ الصراع حول مسألة " التحوّل السلمي " جعلت بوضوح لا شائبة عليه بالنسبة للسوفيات أن الحزب الشيوعي الصيني بينما كان مستعدّا للمحافظة على وحدة الحركة الشيوعية ، فإنّه كان يملك كذلك خطّ صراعه الخاص والحاد و كان أيضا مستعدّا للإنخراط فى المبادئ . وإضافة إلى ذلك ، أُدخلت عدّة تعديلات هامّة أخرى على مشروع بيان الحزب الشيوعي السوفياتي :

" أهمّ الإضافات كانت أطروحة أن الإمبريالية إذا أرادت إعلان حرب عالميّة فسوف تدفع ذاتها إلى التحطم ... و أطروحة أن إفتكاك الطبقة العاملة للسلطة السياسية هو بداية الثورة و ليس نهايتها و أطروحة أن مسألة من سينتصرالرأسمالية أم الإشتراكية ستستغرق وقتا فعليّا طويلا و أطروحة وجود التأثير البرجوازي كمنبع داخلي للتحريفية بينما ضغط الإمبريالية المحاصرة هو قوّتها الخارجية إلخ " .(29)

و أعلن البيان كذلك أنّ : " التحريفية هي الخطر الأساسي " داخل الصفوف الثوريّة فى حين قدّم هذا الموقف و بتأكيد من الحزب الشيوعي السوفياتي مع الإشارة إلى أنّ الدغمائية يمكن أن تصبح الخطر الأساسي فى أي بلد و فى أي وقت .

و نجم عن الصراع فى إجتماع موسكو بيان ظهرت فيه عديد أطروحات خروتشوف لكن بشكل أخفّ فى حين أن بعض الفقرات الأخرى كانت تناقضها و أعطت أرضيّة ملموسة للثوريّين لمساندة البيان و مواصلة خوض الصراع ضد التحريفية مستعملين البيان كسلاح .

و عكست الفقرة حول الحرب و الوضع الأممي بالخصوص قوّة هذا الصراع لكن الأهمّ هو أنّ ماو ذاته خاطب كافة المجتمعين فى الندوة ، فى 18 نوفمبر ، و تطرّق فى خطابه التاريخي " ريح الشرق ، ريح الغرب " إلى رؤية إستراتيجية للوضع العالمي و مهام الثوريّين . عند تحليله للتغيّرات فى العلاقات العالميّة منذ الحرب العالمية الثانية ، قال ماو : " من رأيى أن الوضع العالمي وصل الآن منعطفا جديدا . فهنالك ريحان فى عالم اليوم ، ريح الشرق و ريح الغرب . ثمّة مقولة صينية " إمّا أن ينتصر ريح الشرق على ريح الغرب أو تنتصر ريح الغرب على ريح الشرق ". هذا ما يميّز الوضع اليوم . و أعتقد أن ريح الشرق تنتصر على ريح الغرب بما يعنى أن قوى الإشتراكية هي بكثير أقوى من قوى الإمبريالية ". (30)

يذكر ماو عدّة أحداث عالميّة تعليلا لرأيه مارّا من إنتصار الإتحاد السوفياتي فى الحرب العالمية الثانية و الإضعاف النوعي للمعسكر الإمبريالي نتيجة لتلك الحرب ، إلى إنتصار الثورة الصينيّة و الثورات الفيتنامية و الكوريّة ، إلى المدّ الكبير لنضالات التحرّر الوطني التى فرضت إندحار الإمبراطوريّات الإستعماريّة البريطانية . و مثّل تشبيه ماو أعلاه بمعنى ما تلخيصا لميزان القوى السائد آنذاك فى العالم ( بين القدرة المتّحدة للمعسكر الإشتراكي و قوى العالم المعادية للإمبرياليّة من جهة والإمبريالية من جهة أخرى ). لكن بمعنى أعمق، كان ماو يشير إلى السيرورة الجدلية للتطوّر التاريخي ، إلى أن عصر الإمبريالية هو عصر الثورة البروليتارية على المستوى العالمي ، فيه ستحطّم بروليتاريا البلدان الرأسمالية المتقدّمة مع الشعوب المضطهَدة فى العالم الإمبريالية و تهزمها كلّيا وهي سيرورة لا يمكن أن يزعزعها أي نوع من التراجع المؤقت .

من ذلك التقييم العام ، إستنتج ماو بقوّة خلاصة أن إستراتيجيا الصراع الثوري العالمي لا يجب أن تتراجع و تقيم إتّفاقيات مع الإمبريالية خوفا من مواجهتها و بالفعل محاولة إيقاف النضال الثوري تحت شعار التعايش السلمي و التنافس السلمي و " الصراع من أجل السلام " هو ما كانت التحريفيّة تؤكد عليه . و أعلن ماو بصراحة أن ذلك ليس سوى إستراتيجيا إستسلام و إنبطاح أمام الإمبرياليين . و عالج ماو مسألة الحرب الترمو- نووية التى إدّعي خروتشوف أنّها جعلت النظرية الماركسيّة – اللينينيّة حول الحرب و الثورة غير صالحة فقال : " ينبغى أن تأخذ المسألة فى أسوأ الحالات . لقد عقد المكتب السياسي لحزبنا عددا من الإجتماعات لنقاش هذه المسألة ... لنتخيّل كم شخصا سيموت إذا ما إندلعت الحرب ؟ من سكّان العالم ال2700 مليون ثلث - أو أكثر من النصف - يمكن فقدانهم ... النصف الآخر سيبقى بينما ستتمّ الإطاحة بالإمبريالية و سيغدو العالم بأسره إشتراكيا . و بعد عدّة سنوات سيوجد 2700 مليون شخص من جديد و فى النهاية أكثر ... إذا ما ألحّت الإمبريالية على خوض حرب لن يكون لنا خيار آخر سوى إعمال فكرنا و القتال إلى النهاية قبل المضيّ قدما فى بناءنا . إذا كنتم كل يوم خائفين من الحرب و تأتى الحرب فى النهاية ما الذى ستفعلونه حينها ؟ ". (31)

و عقب ذلك ، ذكّر ماو بمقابلته الصحفيّة الشهيرة مع آنا لويس سترونغ فى 1946 ، معيدا و معمّقا أطروحته القائلة إن : " الإمبريالية و كافة الرجعيّين نمور من ورق " . فجوهر خطاب ماو يجمل فى نقطتين إثنتين الأولى هي أنّه من الممكن تجنّب حرب عالميّة فى المستقبل المنظور نظرا للوضع آنذاك فى العالم و ميزان القوى الموجود دون غلّ أيدي الثوريين و التلطيف من النضال الثوري الشامل ضد الإمبريالية و الثانية هي أنّه حتى و إن إندلعت حرب عالميّة ، رغم أن هذا الحدث سيجر ألما عظيما و تضحيات ، فإنّ النتيجة " ستكون التسريع فى التحطيم الكامل للنظام الرأسمالي العالمي " . (32)

و كان لأطروحات ماو التأثير المعتبر على بيان موسكو الذى و إن كان وثيقة وفاقيّة فإنّه إنتهى أكثر لينينيّة ممّا كان يودّ القادة السوفيات .

من ندوة موسكو إلى " عاشت اللينينية ! " :

فى ماي 1958 ، دخل صراع الخطّين صلب الحركة الشيوعية العالمية مرحلة جديدة . فبمناسبة إحياء الذكرى 140 لميلاد ماركس ، أطلقت " يومية الشعب " الصينيّة نقاشا حاميا هجوميّا ضد تحريفية تيتو . و كانت عصبة الشيوعيّين اليوغسلاف قد وزّعت مشروع برنامج فى بداية تلك السنة لم " يطوّر بشكل خلاّق " أطروحات خروتشوف فقط بل قدّم فكرة الرأسمالية التى تتحوّل عفويّا إلى إشتراكية و إعتبرت مهمّة الطبقة العاملة مهمّة تنافس مع المنوبولات لكسب الموقع المهيمن فى بيروقراطية الدولة .

و بصدد نقاش الصين ضد تيتو الذى بودر به دون موافقة موسكو إضطرّ خروتشوف إلى موقف : إمّا مساندة تيتو أو مساندة الحزب الشيوعي الصيني فإختار مرغما حينئذ الوقوف إلى جانب الحزب الشيوعي الصيني . و بعد شطب القرار الذى فرضه ستالين ضد تيتو فى 1948 ( و الذى قيّمه الصينيون على أنّه " قرار صحيح بالأساس " فى إفتتاحية الخامس من ماي ) أعيد العمل به .

كان للبرود الجديد فى العلاقات بين بلغراد و موسكو الأثر المثير فى تحسّن العلاقات بين موسكو و تيرانا . فمنذ 1948 ، عندما إتّخذ الكومنفورم قرارا يدين فيه يوغسلافيا و" ينقذ ألبانيا من العبوديّة " (33) رأى أنور خوجا علاقة ألبانيا و الإتحاد السوفياتي وسيلة لتفادى المخطّطات المتنوّعة لتيتو الرامية إلى تحويل ألبانيا إلى " الجمهورية اليوغسلافية السابعة " . و إنطلق عدم رضاء خوجا على خروتشوف لمّا شرع الأخير فى تفضيل التعامل مع بلغراد و أتى دحض ستالين أثناء المؤتمر العشرين كريح سموم سيما و أنّ خوجا خشي ألاّ تقرّ سياسة خروتشوف الجديدة القرار الذى أكّد عليه بصفة فجائيّة ستالين سنة 1948 .

فى أواخر 1956 ، إثر إضطرابات المجر و بولونيا ، قاد خوجا لجنة إلى موسكو . و تعلّقت المحادثات هناك بمخاوف ألبانيا و تحفّظاتها فى ما يتعلّق بتيتو الذى كان دوره دافعا للثورة المضادة المجرية ملأ ألبانيا مخاوفا . المحادثات " لم تكن كما أردنا " علّق خوجا فى إجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية لحزب العمل الألباني لكنّهم كانوا مجبرين على إبتلاع كبرياءهم و تحمل أنواع من الصفعات على أيدى الروس .

و فى ماي 1959 عندما كانت حدّة الصراع بين الحزب الشيوعي السوفياتي و الحزب الشيوعي الصيني تقارب الإنفجار ، أمضى خروتشوف تسعة أيّام فى زيارة لألبانيا . حينذاك تضاربت آراء ملاحظين غربيين حول دواعي بقاء القائد السوفياتي طوال تلك المدّة فى تيرانا . و تبيّن فى ما بعد أن خروتشوف عقد إجتماعا مستقلاّ ، سريّا فى تيرانا مع الماريشال بينغ ته هواي ، وزير دفاع الجمهورية الشعبية الصينية وهو حليف ليوتشاوتشى و كان لمدّة طويلة أحد أكثر الأصوات الواضحة من المدافعين عن الجناح الموالي للإتحاد السوفياتي فى القيادة الصينية . لأنّه بطل إتّباع النمط السوفياتي فى بناء الجيش و نظريّة أن " الأسلحة تحدّد كل شيء " ، علّق بينغ آمالا على مساعدة تقنيّة و عسكريّة سوفياتيّة كبيرة . و لمّا واجهته بشدّة الحملة المضادة لليمين فى 1957 و القفزة الكبرى إلى الأمام و حركة الكمونات الشعبية المدفوعة فى 1958 ، لاقى بينغ وجها لوجه خروتشوف و تطارحا عددا من المسائل .

و مباشرة إثر ذلك اللّقاء ، نقد خروتشوف بصورة مباشرة حركة الكمونات الشعبيّة فى مناسبات مختلفة و كان فى ذلك فى تناسق مع المارشال تيتو . و فى 23 نوفمبر 1958 ، أربعة أيّام بعد قرار الحزب الشيوعي الصيني المشجّع و الدافع للأمام للحركة الجماهيرية الكبرى التى بدأت منذ مطلع السنة ، أعلن تيتو أنّه " ليست للكمونات أيّة علاقة بالماركسية " . و فى غرّة ديسمبر ، قال خروتشوف للماركسي السنتور هوبار هومفري إن " الزمن قد عفا عن الكمونات " و إنّها " رجعية " .

و فى المؤتمر الواد و العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي المنعقد فى بداية 1959 ، هاجم خروتشوف الكمونات عدّة مرّات . و كما عبّر عن ذلك أحد الكتّاب ، أشار إليها " لإعتناءه بعدم التوازن الإقتصادي " و إعتبرها " كبرياء مبالغ فيه "و" مساواة شيوعية "(34) . فى ذات الوقت ، و هو يعيد نقدا معروفا للتحريفية اليوغسلافية، أبقى خروتشوف الباب مفتوحا لتيتو فرمى له بقطعة لحم فى الفقرة التالية :

" ... للشيوعيّين السوفيات و لكلّ الشعب السوفياتي أحاسيس صداقة للشعوب الشقيقة و للشيوعيين اليوغسلاف . و سيواصل الإتّحاد السوفياتي العمل من أجل التعاون مع يوغسلافيا فى كافة مسائل النضال ضد الإمبريالية خدمة للسلام الذى حوله تلتقى مواقفنا ... و بينما نواصل فضح التحريفيّة كخطر أساسي داخل الحركة الشيوعية العالمية فإن الصراع ضد الدغمائية و الإنعزالية ينبغى أن يستمرّ لأنّ الدغمائية تحول دون التطبيق الخلاّق للنظريّة الماركسيّة - اللينينيّة و تبعدها عن الجماهير ..." . (35)

و جاء بيان الحكومة السوفياتية فى 1963 ملخّصا موقف خروتشوف من القفزة الكبرى إلى الأمام :

" ... بالضبط لأنّ مصالح الشعب الصيني عزيزة علينا ، هزّنا المنعرج الذى صار ظاهرا فى تطوّر الإقتصاد الوطني الصيني فى 1958 مع إعلان قادة جمهورية الصين الشعبيّة خطّهم فى " الرايات الحمراء الثلاث " و إعلانهم " القفزة الكبرى " و شروعهم فى تركيز الكمونات الشعبية. يرى حزبنا أن ذلك طريق تجارب خطيرة ، طريق لا تأخذ فيه القوانين الإقتصادية و تجربة الدول الإشتراكية الأخرى بعين الإعتبار ...لا نستطيع إلاّ إطلاق صيحة فزع حين مع كلّ خطوة يتّخذونها ، يعبّر قادة الصين الشعبيّة عن التفريط فى المبدأ اللينيني فى الإندفاع المادي و يتخلّون عن مبدأ مكافأة العمل و وصل بهم الأمر حدّ التوزيع العادل فى الكمونات الشعبية ..." (36) .

لم تمثّل سياسات ماو " قفزة كبرى " و حسب فى الصراع الطبقي داخل الصين بل مثّلت أيضا علامة واضحة على أنّه لم يكن لدي الصينيّين نيّة أن يصبحوا تابعين للإتحاد السوفياتي و هو ما إعتبره خروتشوف غير مقبول . و كان الحزب الشيوعي الصيني يزيل من طريقه السياسة الخارجية لخروتشوف حول " التعايش السلمي " مع الإمبريالية الأمريكية و التى كان محورها ما يرجى من قمّة - ندوة مع إيزنهاور كان خروتشوف يدعو إليها منذ 1958 .

و فى صائفة 1958 ، غزت الفيالق البريطانية و الأمريكية لبنان و الأردن و برز لفترة أن نيّة القوى الغربيّة كانت الإعداد أيضا لغزو العراق حيث كان ينمو نضالا معاديا للإمبريالية . فلعب خروتشوف فى قمّة الأزمة دورا إنبطاحيا متوجّها للرئيس إيزنهاور بالكلمات التالية : " نتوجّه لكم لا من موقع تهديد بل من موقع العقل . نعتقد فى الساعة الحاضرة أنّه سيكون من المعقول أكثر عدم دفع الجوّ الحار إلى نقطة الغليان ، إنّه فى حاله الراهنة قابل بما فيه الكفاية للإشتعال " . (37)

فى ذات اللحظة ، بُعثت رسالة مختلفة من بيكين :

" لا يجب أن يوجد أقلّ تساهل إزاء عدوان الإمبريالية الأمريكية ... بالتالي لتقم شعوب العالم بأسره بحركة طارئة ... الصراخ إلى الشيطان و الزعيق خطئا لا ينقذ من شيء و إنّما يمكنه فقط أن يساعد إبليس ... إن رفض المعتدين الأمريكان و البريطانيّين الإنسحاب من لبنان و الأردن و ألحّوا على توسيع عدوانهم عندئذ لا يبقى من خيار أمام شعوب العالم سوى ضرب المعتدين على رؤوسهم ! " . (38)

و تندلع فى أوج أزمة الشرق الأوسط المواجهة فى مضيق تايوان . ففى 23 أوت أخذ الصينيّون يقذفون بقنابل كثيفة و شاملة كلاّ من كمسي و ماتسن و هما جزيرتين مواني تحت نظام تشان كاي تشاك . و إتّخذ سكرتير الدولة الأمريكي جون فوستر دوليس موقفا عدوانيّا للغاية بلغ التهديد بحرب نوويّة ضد جمهورية الصين الشعبيّة. و بات جليّا أن الولايات المتّحدة الأمريكيّة كانت تعدّ لإعانة عسكريّة لتشان .

و لمدّة أسبوع كامل ، كان الصوت الوحيد الصادر من موسكو هو صوت تنفّس ثقيل مخنوق وهو موقف غريب من " حليف إشتراكي قريب " مرتبط بإتّفاقية عسكريّة مع الصين . فى النهاية ، فى 31 أوت ، إقترح خروتشوف بإحتشام أن" كلّ من يحاول التهديد بهجوم على جمهورية الصين الشعبية لا يجب أن ينسى أنّه يهدّد الإتّحاد السوفياتي ". فقط بعد أسبوع أي حين إنحسرت الأزمة فى النهاية ، إتخذ خروتشوف موفقا أصلب ، معتبرا أنّ الهجوم على الصين هو هجوم على الإتحاد السوفياتي . و مع تواصل إنحسار الأزمة ، كان خروتشوف يصرح بمواقف تزداد صلابة . فكان تصرّفه تصرّف معتوه لا يعى ، يبحث عبثا عن تغطية آثار جبنه .

و فى نهاية 1958 ، كان بيّنا لخروتشوف أنّه لم تكن لماو أيّة نيّة للتعاون و بالفعل يتحوّل إلى تهديد كبير لكلّ إستراتيجيّته التحريفيّة ، فى كلّ من الحركة الشيوعية العالمية و فى حلبة علاقات القوى العظمى . و داخل الصين ، وصل خروتشوفيّون مثل بينغ ته هواي فى الوقت نفسه إلى إستنتاج أنّه يتعيّن إيقاف ماو إن لم تتمّ الإطاحة به كلّيا .

هذه هي أرضيّة اللّقاء المباشر فى تيرانا بين نيكيتا خروتشوف و بينغ ته هواي فى ماي 1959 . ذهب بينغ لإجتماع تيرانا الذى أعدّ له بورقة طويلة ترجع إلى البيان ضد ماو و كلّ خطّه مركّزا على القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات الشعبية . و قدّم ذلك إلى خروتشوف راجيا إعانة منه دون علم ماو تسى تونغ . فساند خروتشوف بإندفاع بينغ فى مؤامرته للإطاحة بالقيادة الثورية للحزب الشيوعي الصيني .(39)

و بعد عودته إلى الصين بمدّة قصيرة ، رفع بينغ بوضوح راية التحريفيّة فى إجتماع اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الصيني فى أوت 1959 . و مستندا إلى قاعدته الإجتماعيّة القويّة لا سيما فى الجيش و مقيما تحالفا مع العناصر اليمينيّة و وزارة الإقتصاد ، سعى بينغ لا فقط إلى الإطاحة بالخطّ الثوري و إنّما ، على ما يبدو ، كذلك إلى الإطاحة بماو و القادة الثوريّين الآخرين فى اللجنة المركزيّة . فأتت هزيمته فى لوشان ، بعد نضال طويل و مرير فى وقت حرج ليس بالنسبة للصراع الطبقي فى الصين فحسب بل فى تعزيز الصراع بين الماركسية و التحريفية داخل الحركة الشيوعيّة الأمميّة .

سمح إجتماع لوشان بتوطيد الخطّ الثوري فى الحزب الشيوعي الصيني و أجبر اليمين على التراجع المؤقت . و خلال الحملة المضادة لليمين التى تلت ذلك ، كانت الجماهير الحزبيّة و الشعبيّة الواسعة أصلب و أوفر إستعدادا للمعارك حتى الأكثر إعصاريّة المقتربة بسرعة و أعلنت مسائل الخطّ الجوهريّة بصورة أوضح من أيّ وقت سابق .

" كون المقاتلين الثوريّين البروليتاريّين لا يهابون الصعوبات [ قالت إفتتاحية " الراية الحمراء " ] يعود إلى أنّهم يثقون فى قوّة الجماهير و يعوّلون عليها . و التعويل على الجماهير الثوريّة الأخرى ينتمى إلى التعويل الإشتراكي على ملايين جماهير الشعب ذاته . لقد هاجم الماركسيّون - اللينينيّون على الدوام النظرة التى إعتبرت الثورة مشروع فكرة أوّلا لعدد قليل من الأشخاص يقبعون وراء أبواب موصدة ثم تتّبعهم جماهير تعمل بأوامرهم جوهريّا لأنّها نظرة برجوازية . قال لينين مرّة " التاريخ بصفة عامة و تاريخ الثورات بصفة خاصة أغنى دائما فى المحتوى و أكثر تنوعا ، وتعددا للجوانب و أكثر حياة و " ذكاءا " من حتّى أفضل الأحزاب و أكثر الطلائع الواعية طبقيّا التى يمكن أن تتخيّلها أكثر الطبقات تقدّما ... تحدث الثورات فى لحظات نهوض خاص و تبذل جهود خاصة وقدرات بشريّة يطلقها الوعي الطبقي و الإرادة و الغضب و خيال عشرات الملايين يدفعها صراع طبقي أحد ". (40)

و هذا يعنى أن هذا المقتطف و الإستشهاد المثير للينين يمكن أن يعبّر بصورة مركّزة عن مضمون عديد المجلّدات من النقاشات التالية و إن الماركسية - اللينينيّة تستلهم قوّتها و وجودها من حركة مدّ الجماهير و ترتسم على أعمق تيّارات الحركة و فى قمّة نهوضها فتدفع بموجة كبرى من الثورة محطّمة كل شيء أمامها . و مع ذلك ، يظهر على الضفّة الأخرى بعض المراجعين مثل خروتشوف معتقدين أنّ هذا الإعصار الجارف نحو الشاطئ ينبغى ان يتراجع أمام أوامره .

فى أفريل 1960 ، فى ذكرى ميلاد لينين ، دوّت العاصفة المتجمّعة بقوّة الإعصار الإستوائي بنشر " عاشت اللينينية ! " .


من " عاشت اللينينيّة ! " إلى " إقتراح حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية " :

مثّل " عاشت اللينينيّة ! " الذى نشر فى الجريدة النظرية " الراية الحمراء " فى أفريل 1960 أساسا إعلانا شكليّا للحرب على كل التيّار التحريفي بقيادة خروتشوف محتويا على أكثر من 15 ألف كلمة و مكتوبا بأسلوب مناضل و حاد . إعتنى بنقاش كافة المسائل الجوهرية لصراع الخطّين بأكثر جلاء و إتّساع من أيّة مرّة سابقة . بينما كان بعدُ يستعمل تيتو كبش فداء و لم يهاجم خروتشوف أو الحزب الشيوعي السوفياتي إسميّا ، فإنّ أطروحات خروتشوف قد هُوجمت كلّيا و إسميّا .

عرض عام ل" عاشت اللينينية ! " مهمّة طويلة لكن التأثير الضخم المباشر للنقاش كان حول مسألة الحرب و السلم . فالمقال يستهزء بأولئك " الشيوعيّين " الذين ذهبوا عن جبن إلى الإستسلام فى وجه ثرثرة الصواريخ الإمبريالية و أعاد التأكيد بقوّة على مفهوم الثورة البروليتارية :

" يستخدم المستعمِرون الأمريكيون و شركاؤهم أسلحة مثل القنابل الذرّية للتهديد بالحرب و لإعتصار العالم كلّه ، وهم يعلنون أن كل من لا يخضع لسيطرة الإستعمار الأمريكي سيدمّر . و تردّد طغمة تيتو هذا اللحن فتستخدم اللحن الإستعماري الأمريكي لنشر الفزع من الحرب الذرّية بين الجماهير الشعبية ...

و بطبيعة الحال ، لا يمكننا نحن تقرير ما إذا كان المستعمِرون سيشنّون حربا أم لا . إنّنا ، على كلّ حال ، لسنا رؤساء أركان حرب المستعمِرين ...إذا ...المستعمِرون الأمريكيون أو المستعمِرون الآخرون ... جرؤوا على معاندة إرادة الإنسانية كلّها بشنّ حرب يستخدمون فيها السلاح الذرّي و النووي ... ستكون النتيجة حتما الدمار السريع جدّا للمستعمِرين الوحوش الذين تطوّقهم الشعوب و لن تكون النتيجة ، بالتأكيد ، إبادة الجنس البشري ...

إننا نؤمن بالصواب المطلق لتفكير لينين : الحرب هي النتيجة الحتميّة لنظم الإستغلال ، ومصدر الحروب الحديثة هو النظام الإستعماري . و حتى ينتهى النظام الإستعماري و الطبقات المستغِلّة ستحدث الحرب، من نوع أو آخر، دائما . و ربّما كانت حروبا بين المستعمِرين لإعادة تقسيم العالم ، أو حروب عدوان و مقاومة العدوان بين المستعمِرين و الأمم المضطهَدة ، أو حروبا أهليّة نتيجة الثورة و معاداة الثورة بين الطبقات المستغَلة و المستغِلّة فى البلدان الإستعمارية ، و يحتمل ، بطبيعة الحال ، أن تكون حروبا يهاجم فيها المستعمِرون البلدان الإشتراكيّة و تكون فيها البلدان الإشتراكية مجبرة على الدفاع عن نفسها . إنّ جميع أنواع الحروب هذه تمثّل إستمرارا لسياسة طبقات معيّنة ..." .(41)

وأدان " عاشت اللينينية ! " محاولة تحريف مبدأ " التعايش السلمي " بين البلدان ذات النظم الإجتماعية المختلفة و جعله جدارا فى وجه الثورة .

" إن التعايش السلمي بين الأمم ، والثورات الشعبيّة فى مختلف البلدان هما شيئان مختلفان بذاتهما ، و ليسا شيئا واحدا بذاته، و هما مضمونان مختلفان و ليسا مضمونا واحدا و نوعان من المسائل و ليسا نوعا بذاته .
فالتعايش السلمي مسألة تتعلّق بالعلاقات بين البلدان ، و الثورة تعنى الإطاحة بالمضطهِدين كطبقة من قبل الشعب المضطهَد داخل كلّ بلد ، بينما هي فى حالة البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة ، أوّلا و قبل كل شيئ ، مسألة الإطاحة بالمضطهَدين الأجانب أي المستعمِّين .

... لقد كان ذلك المحّرف القديم برنشتين هو الذى أدلى بالتصريح المشين السيء الصيت التالي : " الحركة هي كل شيئ ، أمّا الهدف فلا شيئ " . و للمحرّفين المعاصرين تصريح يشبهه : حركة السلم هي كل شيء ، أمّا الهدف فلا شيء . و لهذا فإن " السلم " الذى يتحدّثون عنه هو عمليّا مقصور على " السلم " الممكن قبوله من جانب المستعمِرين فى ظلّ ظروف تاريخيّة معيّنة . إنّه محاولة للهبوط بالمستويات الثوريّة لشعوب مختلف البلدان و تدمير عزيمتها الثورية ." ( 42)

منذ نشر " عاشت اللينينية ! " نما الصراع داخل الحركة الشيوعية العالمية على نحو تصاعدي مفتوح . فنشرته عدّة جمعيّات و منها نقابات الس ج ت بعد شهرين من "عاشت اللينينية " ، نشرت ( فى جوان 1960 ) و أصبحت مسرحا لخوض صراع خطين لا هوادة فيه .

حين توجّه خروتشوف للمؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الروماني فى آخر جوان ، إنتحب فى الخطاب أنّ : " ملايين الناس يمكن أن يحرقوا فى خضم الإنفجارات الهدروجينية " . و مدافعا عن نفسه ضد " عاشت اللينينية ! " ، إضطرّ إلى التذمّر : " لا يجب نسيان أن أطروحات لينين حول الإمبريالية قدّمت و طوّرت قبل عشرات السنين ... إضافة إلى ذلك ، رفاقي ، لا يمكن للمرء أن يعيد ميكانيكيّا الآن ، فى هذه المسألة ما قاله فلاديمير إيليتش لينين لعدّة عقود سابقة حول الإمبريالية و مواصلة التأكيد أنّ الحروب الإمبرياليّة حتميّة إلى أن تنتصر الإشتراكية فى كلّ العالم ..." . (43)

و فى أوت ، عارض مقال" البرافدا " النظرات " الإنعزالية اليسارية " المعبّر عنها فى النقاش الصيني بتعليل واضح : " لماذا نبني و نشيّد و نخلق إذا كان المرء يعرف مسبّقا أن كلّ ثمار عمله ستحطمها زوبعة الحرب ؟ " (44).

و فى 13 أوت ، بدأ السوفيات يسحبون التقنيّين من جمهورية الصين الشعبية . ف " عاشت اللينينية ! " كانت ضربة فى العمق . أجبروا على الدّفاع و إضطرّوا إلى إستعمال ردود سخيفة من قبيل تلك المذكورة أعلاه فى ذات الوقت الذى حاولوا فيه جزافا أن يستعملوا تنمُّر الأمة الكبيرة و الإضطهاد الإقتصادي لإجبار ماو و الحزب الشيوعي الصيني على " إتّباع الخطّ " . فى جزء أنيق من " البرافدا " ظهر حتى حين كان التقنيّون يصعدون إلى الطائرات عائدين إلى موسكو ، تأمّل بحبور :" هل يمكن للمرء أن يتخيّل البناء الناجح للإشتراكية متواصلا فى ظروف أيّامنا هذه حتّى فى بلد كبيرجدّا مثل الصين إذا كان ذلك البلد فى وضع من الإنعزال و لا يمكنه التعويل على مساندة و إعانة كافة البلدان الإشتراكية الأخرى ؟ " (45) .

و فى نوفمبر 1960 ، إنتظمت ندوة ال81 حزبا شيوعيّا و عماليّا فى موسكو أين إندلعت معركة شرسة لمدّة شهر تقريبا . ساندت غالبيّة الأحزاب مواقف الحزب الشيوعي السوفياتي ذلك أن حوالي 1960 ، بعدُ دفع مرض التحريفية القاتل بأغلبية الأحزاب فى العالم إلى القبر الإنتهازي على غرار الأمميّة الثانية . لكن ألبانيا و عدّة أحزاب من آسيا ساندت الخط الصحيح أو على الأقلّ رفضت السير مع الخطّ التحريفي و بقي عدد من الأحزاب الأخرى متذبذبا . فكانت النتيجة النهائية للندوة موقفا مثل حقيبة بإمكان كل تياّر ان يستخرج منها ما يعتبره مفيدا له .

هكذا لم تحلّ ندوة موسكو أي مشكل . وفى 1961، وجّه الحزب الشيوعي السوفياتي ضربة للصين بفتح جدال ضد ألبانيا مستعملا نفس طريقة النقاش التى إعتمدها الحزب الشيوعي الصيني و ماو بإستعمال تيتو عوضا عن خروتشوف . و كان المؤتمر 22 للحزب الشيوعي السوفياتي بمثابة سيرك خيالي . كتب ف م . ملتوف وهو ثوري سوفياتي حقيقي قام بمحاولة غير ناجحة للإطاحة بخروتشوف فى جوان 1957 رسالة للمؤتمر ندّد فيها بمشروع البرنامج الجديد للحزب الشيوعي السوفياتي المقدّم للمصادقة عليه معتبرا إياه " برنامجا معاديا للثورة و سلمي " . بسبب هذا العمل الجريئ الذى أطلق ريحا على كلّ الشعب السوفياتي و الطبقة العاملة العالميّة ، صار هدفا لما يقارب السبعين خطبة لاذعة من الأسفل كانت أيضا هجومات مبطّنة على الحزب الشيوعي الصيني . (46)

أدخل " البرنامج الجديد " لخروتشوف نظريّة أنّ فى الإتحاد السوفياتي لم تعد توجد دكتاتورية البروليتاريا ( موقف صحيح ! ) و وقع تعويضها ب " دولة الشعب بأسره " بما أن الطبقات و الصراع الطبقي ألغيا كلّيا فى الإتحاد السوفياتي . و أظهر كذلك " برنامجا طموحا جديدا " واعدا بتحقيق البناء التام للشيوعيّة فى الإتحاد السوفياتي فى 1980 ! (47)
وإنتهى المؤتمر ال22 بقرار تحويل ضريح ستالين من موقعه قرب لينين و محو إسمه من المتحف " إلى الأبد ".

و خلال 1962 ، رغم عديد المبادرات من عديد الأحزاب المنادية بإيقاف الصراعات و عقد ندوة أخرى ، كان الصراع العنيد بين الماركسية والتحريفية الذى إنطلق فى 1956 يصل بوضوح قمّته . فخروتشوف عاد إلى حيث ترك قصّة غرامه مع تيتو و ركّز الآن على " قرابة الوحدة " بين نظرتهما ل " العلاقات الدوليّة " . و بتصاعد التوتّر بين الصين و الهند ، شرع الإتّحاد السوفياتي بتزويد الهند بالصواريخ المقاتلة و حين إندلعت الحرب فى أكتوبر ، ساند خروتشوف الهند . و ندّدت الصين بإستسلام خروتشوف للولايات المتّحدة فى أزمة صواريخ كوبا فى الشهر ذاته و إعتبرته إذعانا جبانا للتهديد النووي .

و فى الخامس من جانفي 1963 ، نشرت " الراية الحمراء " مقال " اللينينية و التحريفة المعاصرة " وضمن خلاصته وردت الفقرة التالية :" التحريفية أفيون ينوّم الشعوب ، إنّها موسيقى مضلّلة تعزّز العبوديّة . كتجمّع سياسيّ تمثّل التحريفية جزءا من البرجوازية فى صفوف حركة الطبقة العاملة وهي دعامة إجتماعية هامة للبرجوازية و الإمبريالية . كتيّار فكري ستظهر التحريفيّة دائما تحت أقنعة متنوّعة فى أوقات مختلفة طالما أن الرأسماليّة و الإمبرياليّة موجودان فى العالم ... و اليوم تحلّق السحب الداكنة للتحريفية فوق الحركة العالمية للطبقة العاملة . شرع التحريفيون المعاصرون بصورة جليّة فى أعمال إنشقاقيّة و ظهور التحريفيّة المعاصرة أمر سيء لكن بما أن ظهورها حتميّ و بما أنّ وجودها واقع موضوعي ، فإنّ ظهورها العلني سيسمح للناس برؤية الفروقات و فهم الأذى الذى تلحقه . و هكذا سيتحوّل الشيء السيء إلى شيء حسن ..." . (48)

فى 30 مارس ، بعثت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي رسالة إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أعادت فيها صياغة خطّها التحريفي و فى الوقت ذاته إقترحت بورع " إيقاف الصراعات " و نادت بردف ذلك بمحادثات لحل الخلافات . فكانت الرسالة التى إستلموها كإجابة على رسالتهم هي " إقتراح حول الخط العام للحركة الشيوعية العالمية ".

لم يكن " الإقتراح " وثيقة صراع أخرى وحسب بل كانت مقالا يحيى الذكرى الثانية لنشر " وثيقة برنامجيّة رسمت خطّا واضحا بين الماركسيّة - اللينينيّة و تحريفيّة خروتشوف حول عدد من المسائل الكبرى المتعلّقة بالثورة العالميّة المعاصرة . و قام بمساهمة نظريّة عظيمة فى النضال ضد تحريفيّة خروتشوف .

يعد " الإقتراح " منعرجا كبيرا فى الصراع بين الماركسيّة - اللينينيّة من جهة و التحريفية المعاصرة من جهة ثانية وإنّه منعرج كبير فى التحوّل من مرحلة ظهور و نموّ تحريفية خروتشوف و بالفعل ظهور و نموّ التيّار الشامل للتحريفية المعاصرة بعد الحرب العالميّة الثانية إلى مرحلة إفلاسها التام " .(49)

كان " الإقتراح " شكليّا رسالة و لكنّه كان تحديدا نداءا للثوريّين عبر العالم بأسره للإلتحاق بالمعركة ضد التحريفيّة . فحاول الإتّحاد السوفياتي ذاته أن يحجب مضامينه غير أنّه و بطرق مختلفة راج بشكل واسع . ففى الإتحاد السوفياتي مثلا ، نظّم المواطنون الصنيّون فى كامل الإتحاد السوفياتي توزيعا غير قانوني للطبعة الروسية من " الإقتراح " . فوزّعوه فى محطّات القطارات و أودعوا أكواما حيث يمكن للعمّال التوصّل إليها . و قاطع المبعوثون الصينيّون مؤتمر الفدرالية العالميّة فى موسكو ، قاطعوا المؤتمر و قرأوا مقتطفات طويلة منه، مواجهين الضرب و الإيقافات .

أتت شكوى مرسلة من وزارة الخارجية السوفياتية إلى الحكومة الصينية فى 4 جويلية بالتالي :

" مدّت عناصر القنصلية نصّ الرسالة فى الوقت ذاته إلى عديد المؤسسات فى موسكو مستعملة السيارات و أرسلته بالبريد إلى مواطنين سوفيات و وزّعته على ديارهم و نقله ضبّاط مبعوثين خصّيصا من موسكو إلى مدن أخرى و منها لينيغراد و كياف و أوديسا و دبنا إلخ ...

ذهل الشعب السوفياتي و ثار كذلك عنده إحساس إحتجاج مبرّر...

لكن ... توزيع المواد تواصل و إتّخذ حتّى مدى أوسع . لقد ذهب بعيدا إلى حدّ أن وزع طاقم صيني لقطارات موسكو - بيكين نصّ الرسالة باللغة الروسية من نوافذ القاطرات فى محطّات السكك الحديديّة . و أذيع نصّ الرسالة عبر جهاز القطارات للتوجّه للعموم حين الوقوف . و لما قال الشعب السوفياتي بصفة رقيقة للمواطنين الصينيّين إنّ أعمالهم غير مسموح بها ، كان جواب الصينيّين أحيانا كثيرة جوابا جريئا . فمثلا ، قال ياو المشار إليه سابقا للشعب السوفياتي بكل وقاحة إنّ العمال الصينيّين " لن يطلبوا الإذن من أيّ كان لتوزيع أشياء من هذا النوع..." (50) .

لم يُعرف أبدا من فى قيادة الحزب الشيوعي الصيني ألهم و أعطى توجيها لهذا " النشاط الذى لم يسمع به فى الممارسة الديبلوماسية " و الذى من الأكيد أنّه ينبغى أن يُدان كخرق للمبدأ اللينيني للتعايش السلمي بين الدول ذات النظم الإجتماعية المختلفة . بيد أنّه مهما كان من يقف وراء هذا التجاوز ، فإنّه من الأكيد أنّه لم يكن بيروقراطيّا قديما ثقيلا أو محاربا وثيرا جالسا على أكاليله ."


الهوامش

1- الصراع السوفياتي اليوغسلافي 1948-1958 : تسجيل وثائقي ، وثيقة 8 ، ص 53 مربوري ، 1959 .
2- ملف حول الخلاف الصيني - السوفياتي (1968) جون جيتنغس ، ص 20 .
3- أنور خوجا ، " حول الوضع العالمي و مهام الحزب " ( 13 فيفري 1957 ) ، ص 680 ، الأعمال المختارة.
4- " خطاب فى الإجتماع العام للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني " ماو ، 1956 .
5- المصدر1 ، ص6 .
6- جذور و تطوّر الخلافات بيننا و بين قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي ،6 سبتمبر 1963 ، ص 69 .
7- المصدرالسابق .
8- ماو ضد خروتشوف : موجز تاريخ الصراع الصيني - السوفياتي / دافيد فلويد 1963 ، ص 240 .
9- المصدر 2 ، ص 304- 305.
10- الصين الشيوعية 1955- 1959 وثائق سياسية (1965 ) .
11- خطاب فى الإجتماع الثاني للجنة المركزية الثامنة للحزب الشيوعي الصيني ، ماو ، 5 نوفمبر 1956 . ص 337 .
12- م س.ص342.
13- م س .ص 337.
14- م س. ص 338
15- م س . ص 341
16- م س. ص 342.
17- م س.ص 340-341.
18- م س.ص 343-345.
19- " مرة أخرى حول التجربة التاريخية لدكتاتورية البروليتاريا " ، بيكين 1964 .
20- 21-22-23- م.س.
24- ملخّص فكر ماو تسى تونغ ص473.
25- مصدر 6 ، ص 71.
26- م6. ص 72.
27- م6 .ص 105-108.
28- م6 . ص105-106.
29- م6 . ص73-74.
30- م 2 . ص 82.
31- م2 . ص82-83
32 - م2 .
33- أنور خوجا ، " تقرير لناشطي الحزب فى تيرانا " .أ.م جزء 1، ص 708 .
34- م2 ، ص 94 .
35- م8 ، ص 257 .
36- م2 ، ص98 .
37- الحرب الباردة : موسكو ضد بيكين ، ص 81 ، إيدوارد قرانقشو .
38- م .س . ص 80-81.
39- "إستقالة المارشال بينغ ته هوي " ص8 . دافيد شارلي 1981
40- م 10، ص 556-558.
41- م 8، ص 266-271.
42- م8 ، ص 269.
43- م8 ، ص 278-279.
44- م8، ص 284.
45- م8 ، ص 285.
46- "العلم اليوم " ، مجلد 17 عدد12 ، ديسمبر 1961 ، ص 523-531.
47- برنامج الحزب الشيوعي السوفياتي 1961 ، ص 70-71، 103-104.
48- م 8، ص346 .
49- الراية الحمراء ،3-4 و يومية الشعب ،14 جوان 1965 ، بيكين 1965.
50- م8 ، ص 425-426.

-------------------------------------------------------------------------------------------------------











#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقدّمة كتاب - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفي ...
- الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي- اللينيني – الماوي ) : عن ...
- دون عمل نظري ، لا طليعة شيوعية يمكن أن تظلّ طليعة - الحزب ال ...
- قتل فركهوندا جريمة فظيعة ( أفغانستان )
- مقالات تحليلية لأحداث مصر و ليبيا و سوريا من جريدة - الثورة ...
- الإنتخابات الإسرائيليّة البشعة - نزاعات محتدّة و تحدّيات جدي ...
- 12 سنة من غزو الولايات المتحدة للعراق خلّفت القتل و التعذيب ...
- الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) :حرب ...
- الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) : لل ...
- بوب أفاكيان و ريموند لوتا يحلّلان إنتفاضات 2011 ( الفصل الأو ...
- مقدمة كتاب - نصوص عن الإنتفاضات فى بلدان عربية من منظور الخل ...
- - يا نساء العالم إتّحدن من أجل تحطيم النظام الإمبريالي و الأ ...
- الخلاصة الجديدة و قضية المرأة : تحرير النساء و الثورة الشيوع ...
- مقدّمة كتاب : - من ردود أنصار الخلاصة الجديدة للشيوعية على م ...
- آجيث – صورة لبقايا الماضي
- تحيّة حمراء للرفيق سانموغتسان الشيوعي إلى النهاية - الفصل ال ...
- تحيةّ حمراء لتشانغ تشن- تشياو أحد أبرز قادة الثورة الثقافية ...
- شارو مازومدار أحد رموز الماوية و قائد إنطلاقة حرب الشعب فى ا ...
- الإستعمار من جديد بإسم التطبيع وراء إعادة إرساء العلاقات الد ...
- مقدّمة كتاب - قيادات شيوعية ، رموز ماوية - ( العدد 17 من - ا ...


المزيد.....




- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى الاستنف ...
- اتحاد النقابات العالمي (WFTU – FSM)”، يُدين استمرار المحاكما ...
- شاهد ما قاله السيناتور ساندرز لـCNN عن تعليق أمريكا شحنات أس ...
- م.م.ن.ص// يوم 9 ماي عيد النصر على النازية.. يوم الانتصار الع ...
- آلاف المتظاهرين احتجاجا على مشاركة إسرائيل في -يوروفيجن-
- من جهينة عن خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانيتيه (1)
- السويد.. آلاف المتظاهرين يحتجون على مشاركة إسرائيل في مسابقة ...
- مداخلة النائب رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية في الج ...
- أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل ...
- مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة أمستر ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد خروتشوف : 1956 - 1963 - الفصل الأوّل من كتاب - نضال الحزب الشيوعي الصيني ضد التحريفيّة السوفياتية 1956 - 1963 : تحليل و وثائق تاريخية