أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك بارودي - بين المسلم الإرهابي والمسلم الوسطي المعتدل















المزيد.....

بين المسلم الإرهابي والمسلم الوسطي المعتدل


مالك بارودي

الحوار المتمدن-العدد: 4816 - 2015 / 5 / 24 - 21:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



أغلب إختيارات المسلم لأحكام دينه، من بين كلّ المنتوجات المتوفّرة في السّوبرماركت الإسلامي والمتراكمة منذ 1400 سنة، تأتي من بيئته التي تربّى فيها ومن الحالة الإجتماعيّة التي وجد نفسه فيها ومن المناخ السّياسي المحيط به. فكلّها عواملٌ تؤثّر في الفرد لينتهج نهجًا معيّنا ولتكون لديه أفكارٌ معيّنة محدّدة يرى أنّها الأصحُّ ويدافعُ عنها.
وكمثال على ذلك، نقولُ أنّ الشّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز كان قد وجّه فتوى لجمال عبد النّاصر يقول فيها بتحريم الإستعانة بغير المسلمين وأن الإستعانة بهم لا تجُوز حتّى عند الضّرورة... لكنّ نفس الشّيخ، في التّسعينات، ألغى فتواه الأولى وأحلّ ما كان قد حرّمهُ في الماضي وكان السّببُ هذه المرّة رغبة بلاده في إخراج جيش صدّام حسين من الكويت. فلم يعد الأمريكيّون بموجب هذه الفتوى "كفّارا" غير مسلمين لا تجوز الإستعانة بهم ولا هم يحزنون. وأحلّ أيضا بناء معسكرات أمريكيّة على أرض المملكة العربية السّعوديّة بغرض الحماية من هجمات مثيلة للتي تعرّض لها الكويت. ولو تطرّقنا للسّند الشّرعي الذي بنى عليه الشّيخ تلك الفتاوى لوجدنا أنّه عندما حرّم وُجود "الكفّار" على "أرض المسلمين" استدل بأية "لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم" (المائدة، 51) وعندما أحلّه رمى الآية السّابقة في القمامة وإستدلّ بصُلح الحديبيّة...
وهناك أيضا فتوى كُفر من قال بدوران الأرض وثبات الشّمس للشيخ بن باز في كتاب "الأدلّة النّقلية و الحسّيّة على جريان الشّمس وسُكون الأرض" وقد جاراهُ في فتواه تلك آخرون لعلّ أبرزهم إبن عثيمين، وإلى حدّ هذه السّاعة نجدُ من الشّيوخ من يُعلّمُ النّاس أنّ الأرض ساكنة وأنّ الشّمس هي التي تدورُ حولها مستندين على خرافات القرآن والأحاديث. بطبيعة الحال، هذا الكتاب لم يتمّ وضعه في سلسلة أعمال بن باز في موقعه الشّخصي، والأسباب مفهومة، ذلك أنّ معظم "الفكر" الإسلامي المتعفّن موجّهٌ للمسلمين وليس موجّها للشّعوب الأخرى التي قطعت أشواطا كبيرة على طريق العلم والمعرفة والعقل، لكن في عصر العولمة والأنترنات، لم يعد بإستطاعة المسلمين إخفاء مثل تلك الفضائح ولا منع النّاس من التّندّر بها والسّخرية منها والتّهكّم على من صدرت عنهم.
وفي نفس سياق الأمثلة، نذكر أيضاً تفسير الآية "ومن لم يحكُم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون" (المائدة، 44). فقد كان تفسير السّلفيّين لهذه الآية، قبل عودة الإرهاب الإسلامي من ظلام القرون الإسلاميّة الأولى إلى الواقع على يد أسامة بن لادن وقبل العصابات الجهاديّة وتفجير الأبراج، كان تفسيرهم هو بمعناها الواضح والذي يفهمه أيّ شخصٍ يتكلّمُ العربيّة، وقد كفّر شيوخ السّعوديّة بناء عليها حكّام العرب لعدم "حُكمهم بما أنزل الله". لكن بعد أن قام بن لادن وعصابته بتفجيراتهم في أمريكا والمغرب والاْردن والسّعوديّة ومصر، إلخ، تراجع شُيوخ "السّلف الصّالح" عن هذه الفتوى وأخذواا يؤوّلون الآيات تأويلات جديدة لا يفهمها غيرهم. وللشّيخ إبن عثيمين فتاوى كثيرة في تكفير من "لم يحكم بما انزل الله" ومن صيغتها يُفهم أنّها موجّهة لحكّام العرب.
وكذالك الشّأن بالنّسبة لآلاف الأحكام والتّشريعات التي كان المسلمون، تحت راية "علماء الإسلام"، مجمعين عليها لأربعة عشر قرنا، ولكنّ هذا الإجماع بدأ يتفتّتُ في السّنوات الأخيرة وبدأت الأفكارُ تتبدّل وتتغيّر وتنهارُ، ومن هذه الأحكام والتّشريعات: حكمُ قتل المرتدّ ومسألة عمر عائشة عندما نكحها محمّد بن آمنة ومصير الكفّار بعد الموت ومصداقيّة كتب الحديث وخاصّة صحيحي البخاري ومسلم... أصبح كلّ شيء مهدّدا بالتّغيّر والسّقوط.
إذن، تنظيم القاعدة و الدّولة الإسلاميّة "داعش" والسّلفيّة والوهابيّة وأغلبيّة السّنّة والشّيعة أيضا، كلّهم يتّبعُون نفس الكتب والمصادر والتّشريعات والتّفاسير، لكن الفرق بينهم يكمن في البيئة والمناخ الذين يجدُ الفردُ نفسه فيهما. فالسّلفيّون الذين تربّوا في السّعوديّة يَرَوْن أنّ نكاح الأطفال ومفاخذتهم وشُرب بول البعير والجَلْدَ والجزية قمّة التّقدّم والرّقي ومصدر للفخر، لكن هناك من السّعوديّين من تربّى في لندن أو باريس أو نيويورك ورغم إنتمائه للسّلفيّين فهو يرى أنّ هذه الأشياء كان لها وقتُها وقد مضى وأنّ البعض منها مُخالفٌ للفطرة وقد تجدُ منهم من يرفض تصديق أنّ بعض هذه الأشياء لها صلة بالإسلام وأن محمّدا بن آمنة عندما فعلها، فعلها "بطريقة إنسانيّة". فالبيئة التي تربّى فيها هؤلاء وإختلاطهم بالشّعوب الأخرى صحّح مقاييسهم الأخلاقيّة وجعلهم يستعملون عقولهم أكثر بقليل من الآخرين الذين وُلدوا وعاشوا في جزيرة العرب ولم يخرجوا منها أو خرجوا منها بعد أن أفقدهم مجتمعهم كلّ مقوّمات الإنسانيّة ونقل إلى عقولهم نفس الفيروس المنتشر في تلك البلاد.
من جهة أخرى، نجدُ أنّ كلّ هذه الفِرق المختلفة تكفّر بعضها البعض إعتماذا على نفس الكتب والتشريعات. مسلمون كثيرون يكفّرون "داعش" والقاعدة بزعم أنّهم "خوارج صغار الأسنان سفهاء الأحلام" وأنّ محمّدا بن آمنة قد تنبّأ بظهورهم وأحلّ قتلهم. شيوخٌ من السّلفيّين أيضا يكفّرون تلك العصابات الجهاديّة الإرهابيّة. ولكنّ أتباع "داعش" والقاعدة أيضا يكفّرون الكثير من المسلمين ويكفّرون السّلفيّة لأنّهم "إتخذوا من النّصارى واليهود أولياء"، وبذالك خالفوا ما أنزل الله. وأتباعُ "داعش" لا يعتبرون أنفسهم خوارجًا لأنّهم يمتلكون دولة وخلافة وجيشا وحدودا ولأنّها تتبع نهج محمّد بن آمنة وصحابته وتسير في الطّريق الذي سطّروه لهم ويطبّقون القرآن والسّنّة. ثمّ أنّ أغلبيّة أهل السّنّة مصابون بمرض إزدواج الشّخصيّة في علاقتهم مع السّلفيّة العلميّة أو الجهاديّة (ولا فرق بين الإثنين في حقيقة الأمر، فالإثنان واحدٌ)، فهم يكرهُونهم بدعوى أنّهم متعصّبون ومتشدّدون ولا فرق بينهم وبين "داعش" وفي نفس الوقت يحترمونهم لإعتقادهم بأنّهم هم حماة الإسلام الصّحيح من الكتاب والسّنّة إقتداءً بمنهج السّلف الصّالح ولولاهم لضاع الدّين.
في نهاية الأمر، وبعيدا عن كلّ الخزعبلات والتّبريرات التي لا علاقة لها لا بالواقع ولا بالتّاريخ ولا بالوثائق والبراهين والحجج، إختيارك، عزيزي المسلم، بين "داعش" والسّلفيّة والإسلام المعتدل والوسطي (حسب الخرافة التي تفتّق عنها العقل العربي في السّنوات الأخيرة) يعتمدُ أساسًا على مكانك وعقليّة المجتمع الذي تربّيت فيه وعلى جملة الأفكار التي زُرعت في دماغك والتي كوّنت شخصيّتك وعقليّتك ونفسيّتك، لأنّه، منطقيًّا، عند الرّجوع إلى القرآن والتّفاسير وكتب الشّريعة، ستجدُ أنّ كلّ هؤلاء يعتقدون بأنّهم على حقّ وبأنّهم يتبعون النّهج الصّحيح. فالإسلامُ عبارة عن سوبرماركت فيه كلّ شيء، وكلّ شخصٍ يأخذ منه ما يريدُ ويعتقدُ بأنّهُ على حقّ. الفرق الوحيدُ أنّ المسلم "المعتدل والوسطي" (وهو المسلم الذي لا يعرف من دينه إلاّ النّزر القليل ولم يقرأ ولا يريدُ أن يقرأ) لا يأخذ من السّوبرماركت إلاّ شيئا أو شيئين، في حين أنّ السّلفيّين والإرهابيّين (الذين طالعوا كتب التّراث الإسلامي من القرآن إلى الأحاديث) يأخذون كلّ المنتوجات المعروضة، بداية من الصّابون ووصولا إلى السّيوف والقنابل والمتفجّرات.
لذلك لا تتبرّأ من "داعش" والقاعدة ولا تزعم أنّ ما يفعلونه لا يمثّلُ الإسلام في شيء وأنت لم تقرأ شيئا ولم تفكّر أصلا ولم تطرح الأسئلة الجوهريّة والأساسيّة التي يجبُ طرحها. حاول أن تتعرّف على النّصوص التي جعلت من فلان "داعشيّا" وعلى البيئة التي عاش فيها والتّربية التي تلقّاها والأفكار التي وُضعت في رأسه، فإن وجدت شيئا لم يأتِ في القرآن والأحاديث وكتب السّيرة، فلك الحقّ في قول ما تريد ونعت الإرهابيّين بالخوارج وتبرئة الإسلام منهم. وإن وجدت أنّ كلّ ما تراهُ مكتوبٌ في كتبك وكتب المسلمين، فراجع نفسك وأعد التّفكير في هذا الدّين الإرهابي المتناقض والمنافق قبل أن تخسر حياتك بسببه.

-------------------
الهوامش:
1.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
2.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
http://www.4shared.com/office/fvyAVlu1ba/__online.html



#مالك_بارودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان محمّد بن آمنة الوحيدَ الذي نكحَ عائشة أم كان هناك رجا ...
- هل كان محمّد بن آمنة الوحيدَ الذي نكحَ عائشة أم كان هناك رجا ...
- الإسلامُ ينهى عن الشّرك بالله ويحثّ على السّرقة والزّنا وشرب ...
- خيرُ أمّةٍ أُخرجت للنّاس؟ وعجبي...!
- أوّلُ الشّعر عيناكِ
- لا ينفع العقّار في ما أفسده الإسلام
- بعض الأمثلة عن إنحطاط الله الإسلامي، من صحيح مسلم
- لكي لا ننسى: بين مذابح الأرمن ومذابح داعش وأخواتها
- خواطر لمن يعقلون - ج56
- محنة محمّد بن آمنة في حادثة الإفك وزنا عائشة بنت أبي بكر مع ...
- محنة محمّد بن آمنة في حادثة الإفك وزنا عائشة بنت أبي بكر مع ...
- خواطر لمن يعقلون - ج55
- خواطر لمن يعقلون - ج54
- خواطر لمن يعقلون - ج53
- خواطر لمن يعقلون - ج52
- ردّا على إتّهامات سامي لبيب: بماذا توحي لك هذه الأدلّة؟ وماه ...
- الحوار المتمدّن في ميزان موقع أليكسا المتخصّص في إحصائيّات و ...
- هل الله ليس كمثله شيء أم هو على هيئة إنسان؟ – ج1
- هل الله ليس كمثله شيء أم هو على هيئة إنسان؟ – ج2
- خواطر لمن يعقلون - ج51


المزيد.....




- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مالك بارودي - بين المسلم الإرهابي والمسلم الوسطي المعتدل