أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - ابن حرام















المزيد.....

ابن حرام


زينب علي

الحوار المتمدن-العدد: 4783 - 2015 / 4 / 21 - 22:06
المحور: الادب والفن
    


في الجناح العام في المشفى, حيث يرقد العديد من المرضى على الاسرة الملطخة بدم قديم تحول لبقعة جافة او بقعة صفراء لا يعرف ماهو اصلها. اصوات الزائرين والمرافقين التي لاتهدا. اطفال هنا وهناك يتباكون لسبب غير معروف. ربما للروائح الكريهة المنبعثة من داخل غرفة المرضى المكتظة باكياس الطعام الذي يجلبه الاهالي والزوار لمرضاهم او بسبب ماالتصق من دماء وقي وغيره من سوائل على الاسرة. ممرضة عابسة الوجه وتدفع عربة الادوية بتثاقل. تنادي على المرضى بصوت غاضب لتعطي جرعة العلاج او حقنة.
هناك في زاوية الردهة رقدت امراة كبيرة في السن تقارب الخمس وستين سنة موشحة بالسواد وتلف على راسها( الشيلة والعصابة) السوداء التي تمثل زي المراة القروية.
وجه ام فهد ابيض كقمر محاط بالظلمة, لاتفارق الابتسامة شفتيها رغم مرضها والالم الذي يعتصرها بين الفينة والاخرى.
انه وقت زيارة المرضى. اعتاد المرضى المقيمون في الردهة ان يروا يحيى ياتي كل يوم ليزور امه وبيده سلة الفاكهة وبعض العصير لوالده.
كيف حالك ياامي؟ ان شاء الله تكوني افضل هذا اليوم.
الحمد لله ابني, لكنني لا اظن انني افضل, فما زالت بعض الالام تراودني من حين لاخر.
انحنى يحيى وقبلها على راسها.
ان شاء الله يحميك من كل مكروه ياغاليتي.
جلس يحيى واخذ يتصفح ادويها ويسالها فيما اذا كانت الممرضة قد زارتها في الوقت المناسب. اخذ الصحن الذي جلبه لها منذ اول يوم كانت قد دخلت المشفى, غسله ووضح بعض الفاكهه المنوعة لوالدته ومع علبة العصير.
تفضلي ياامي, لم تاكلي شيئا منذ الصباح انا متاكد
لا ياحبيبي اكلت شيئا من طعام المشفى
قطع لها التفاحة خذي امي الفاكهه مفيدة لصحتك.
اكلت ام فهد بعض الحلوى وشربت العصير ثم اخذت تتكلم مع ولدها يحيى بامور كثيرة من حالها في المشفى وانها سئمت من البقاء هنا كثيرا وتتمنى ان تخرج الان لو سمح لها الطبيب. تحدثت عن حال اولادها وبناتها وعن امورهم الخاصة ثم جاء وقت مغادرة الزوار. قام يحيى ليودعها كالعادة قبلها على جبينها وسالها:
هل تحاجين شيئا من الخارج او البيت ياامي؟
احتاج سلامتك ياعزيزي
اتمنى ان تكوني بخيرغدا. الطبيب اخبرني انك ستغادرين المشفى غدا اذا استمرت صحتك بالتحسن.
ادعو لي ياولدي.
عانقته وقبلته ومن ثم ودعها.
جلست ام فهد تنظر الى الشباك بابتسامه لتراه عندما يخرج مثل كل يوم. اقتربت منها لاسالها قبل ان تغادر غدا, ففضولي دفعني لاسالها مايدور في بالي.
لماذا لاتوجد احد بناتك او قريباتك معك؟
وابنك اسمه يحيى, اين فهد هل هو ميت؟
التفت الي ام فهد وشفاهها لازالت مبتسمة.
لاتوجد لدي ابنة ياابنتي , اما الاقارب فمشغولون باحوالهم ولا وقت لديهم ليتكفلوا برعايتي. الحمدلله انا قوية رغم مرضي واستطيع ان اتدبر امري.
وماذا عن فهد؟ لم اره يوما يزورك!
ضحكت ام فهد ولاول مرة ارى عينيها مغرورقة بالدموع.
ليس فهد وحده ياابنتي, فلدى فهد ثلاثة اشقاء, ولكنهم تركوني عندما تزوجوا ولم يعودوا ليسالوا عني.
تنهدت تنهيدة طويلة وكانت عيناها اللامعتين قد تحولا لحزينتين وهي تتكلم عن اولادها ثم اردفت:
الله يوفقهم في حياتهم, ماعساني ان انتظر منهم غير سلامتهم. هذا كل مايهمني ان يكونوا بامان وسعادة.
شعرت بحزنها واحببت ان اعيد الابتسامة لها.
الحمد لله ان يحيى معك فهو ابن بار, الله يوفقه.
نظرت الي وابتسمت.
لانه ابن حرام ياابنتي, ولو كان ابن حلال كفهد واخوته لكنت الان في الشارع.
كان كلامها كالصعقة علي, حتى انني حدقت في عينيها بقوة وكانني اسالها لتحكي المزيد وبفضولي الجامح.
ابن حرام؟ مالذي تقصدينه؟
اووووه ياابنتي. ان الايام كفيلة بان تنسينا ما المنا ليوم من الايام حتى لو كان قاس جدا, وان تجعلنا نتقبل الامور التي ماكنا لنتصور ان نتقبلها في يوم ما.
ازددت فضول ورحت اطلب منها ان تشرح لي ماتقصد بكلماتها.
اسمعي حبيبتي,
عندما كنت بعمرك او اصغر منك قليلا, كنت اسكن تلك القرية التي لايتجاوز عدد البيوت فيا الخمسة عشر بيتا. وكان بين بيت واخر مسافة جدا بعيدة حيث كان كل بيت محاط بارض زراعية كبيرة تعود لصاحب البيت. نزرع الخضروات المختلفة لنبيعها في الاسواق القريبة. كانت مصدر رزقنا في القرية.
كنت انا وزوجي ابو فهد واولادي اربعة نعيش حياتنا كما هي حياة القرية. نصحوا صباحا مع ظهور اول نجم للصباح. نصلي صلاة الصبح ونبدا مشوارنا في العمل.كانت ايام جميلة رغم مرارتها وقسوتها.
ثم نظرت الي وكانها احبت ن تنبهني لشيء.
لم تكن بمعنى الجميلة ياابنتي. كانت ايام متعبة. لااعرف معنى للراحة. اهتم بالحيوانات واهتم بالخضروات وامليء جرار الماء. اوقد التنور الطيني بالحطب الذي اجلبه من مسافة شبه بعيدة عن ارضنا الزراعية الممتده بعيدا, لاصنع الخبز الحار. احمل الحطب على راسي وكذا جرار الماء. اووه لابد ان كل الامي الان هي بسبب ماحملت طوال تلك السنين.
اخرج صباحا ارتجف وارتدي ماتركه لي ابو فهد من ملابس شتائية باليه. اجل باليه ياابنتي , فلم يكن لدينا المقدرة على شراء الملابس دائما. كان ابو فقد يشتري ماهو ضروري مرة واحده في السنة. كانت يداي متشققه من برودة الماء والجو. اما قدماي فلم يعرفا الراحة يوما. كلما نظرت اليهما كانتا تحملاني بالم وتملؤهما الشقوق.
كانت الحياة جهاد طوال اليوم.
حتى ولادة اطفالي كانت مريرة. مرة ولدت بين الحيوانات, واخرى لوحدي في الغرفة الطينية المفروشة بالقصب. ومرة عندما كنت في المزرعة بين الخضروات.
نظرت الي بصمت ثم اكملت.
وفي يوم من الايام صحوت صباحا كالعادة لأوقظ ابا فهد, ولكنه لم يجبني. كان جثىة باردة.
كنت صغيرة واطفالي لايتجاوز كبيرهم السابعة. فكرت ما عساي ان افعل لوحدي. رحت اركض باتجاه البيت الاخر الذي يبعد مسافة عنا.
فصادفت الجار واقفا في مزرعته
اسعفني ان ابا فهد مات.
تاسف الرجل لموت ابا فهد وترحم عليه, ثم قال حسنا تعالي معي وساتدبر الامر.
مشيت معه باتجاه بيتنا ليساعدني فيما افعل في مثل هذه الامور, ولكنه اوقفني في الطريق واخذ يدفعني باتجاه الارض. كنت اصرخ واقول له انت جارنا وانا الان مفجوعة بزوجي الا تخجل. وكان لايجيب بشي مسترسلا بفعلته الشنعاء. وكان شي لم يكن,, تركني ورجع.

جلست وحيدة هناك ابكي حالي وزوجي. مرت ساعة وانا الطم وجهي حتى تصببت الدماء وشققت جيبي وادميت صدري. وكانت مصيبتي اكبر من مصيبة موت, كانت مصيبة امراة سلبت كرامتها فوق جثة زوجها.
ثم ادرت وجهي لبيت اخر ورحت اسالهم المساعدة, فجاؤوا معي وساعدوني. ومرت الايام ولم ابوح بماحصل لي. فيا ابنتي انا امراة والعار سيلحقني انا. فضلت ان اصمت وان ادفن عاري مع جثة زوجي. لكنني لم استطع دفن المي ابدا.
استمر جرحي طويلا يعذبني. ومع ازدياد حجم بطني كان عذابي يزداد. ورحت اقول للناس انني حملت قبل ان يموت زوجي بايام. اقتنع الناس لانهم لايتوقعون مني شيئا سيئا.
كان هناك في البيت المقابل عبر المزرعتين, الشخص الوحيد الذي يعرف سري. لكنه بقي صامتا الى اخر يوم في حياته. تقابلنا مرار صدفة في شارع او سوق, فكان صمت لا يقطعه حتى نفس. بل كنا نتظاهر بان احدنا لايعرف الاخر, اما في حضرة الاخرين فكان جاري الذي القي عليه السلام وهو كذلك.
حان الوقت ليخرج يحيى وكالعادة كنت في المزرعة اهتم بالخضروات. انه الالم, الم ولادة ابن الحرام. هل كان علي ان اتحمل الما خامس لطفل حرام؟
ظهر المولود للنور, ابعدته عني ورحت انظر اليه وهو يبكي. قررت ان اتركه للموت ثم حنوت عليه فهو ابني وان يكن. اخذته واحتضنته.
كبر يحيى مع اخوته لايعلم انه ابن حرام. ولا احد يعلم غير ذلك الرجل الذي لم يجروء ان يقول ويكشف عن فعلته.
مرت السنون ومات الرجل واصبح يحيى شابا. تزوج الاولاد وتركوني ليسكنوا منازلهم الجديدة. ابتعدوا عني كثيرا حتى انهم نادرا مايسالون عني. انهم يعتقدون ان الاهتمام بي هو من واجب الصغير يحيى.
تزوج يحيى ولكنه لم يفكر ان يبتعد عني, يحبني, يهتم بي كثيرا.
صمتت ونظرت الي وقد عادت ابتسامتها.
هذه قصتي يا ابنتي لا احد غيرك ايتها الغريبة يعرف من هو يحيى, ولانك غريبة واعرف انني سوف لن الاقيك مرة اخرى فشيت لك بالسر.
نظرت اليها وانا اتساءل كيف استطاعت هذه المراة القروية حمل عبء ثقيل كهذا كل هذا العمر؟
قالت: الان ادركت ان هناك الكثير من الامور التي لا نرغبها , خلقت لتكون لصالحنا.
ادركت ان يحيى هو هدية من الله ليهتم بي في اخر عمري, بعد ان وهبني اربعة اولاد لايهتمون لامري.



#زينب_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمعة الغضب لاتشمل اليزيديات
- انا امراة,, اذا انا قادرة
- حوار مع احداهن
- برمجة المراة
- مواجهة مع رجل صالح
- قصة قصيرة (بسمة)
- في يوم المرأة.. كيف نحتفل ونحن سبايا
- إسرائيل و-شرعنة- انتهاك القانون الدولي الإنساني


المزيد.....




- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب علي - ابن حرام