أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - دقّ الجرس















المزيد.....

دقّ الجرس


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4761 - 2015 / 3 / 28 - 12:29
المحور: كتابات ساخرة
    


(دَقّ الجَرَسْ)


غالباً ما تترك شقاوة الصبا بمقالبها ومغامراتها أثراً مميزاً لدرجة أننا نتذكره ما حيينا، ومع أن مقلب واحد قد يُنسى، لكن تكراره في ذات الوقت هو ما يجعله يرسخ بالذاكرة ولا يمكن أن يُنسى...

في عام سبعين وتسعمائة وألف وُضِع حجر الأساس لأوّل بناء نموذجي لمدرسة بمدينة بعقوبة، وكان لثانوية بعقوبة للبنات، فقد كان البناء بالكونكريت المسلح (وقتها) يُعتبر طفرة عما كان سابقاً في إستعمال الطابوق والشيلمان (عكادة).
أستلم مقاول مَحلي قطعة أرض تقع خلف جامع الفاروق وسط المدينة، خـُططتْ الأساسات فكانت الصفوف من جهة دارنا، أمّا مبنى الإدارة والباب الرئيسي فيقعان على الجانب الآخر، بحسب ما مًثبت بالتصاميم.
وكان من المفترض أن يكون وجه الصفوف للداخل أي نحو الإدارة وتعطي ظهرها للخارج، لكن وبسبب خطأ ما، (أعطتنا) الصفوف وجهها، وأصبحت شُرفات البناء مكشوفة، وهو ما بقيَ حتى يومنا هذا.

بعد أن قام البناء وأشرفَ على الانتهاء، أنتبه المهندسون لهذا الخطأ وتوقفَ البناء فترة، لكنه أستأنِف حينما لم يعُد من طريقة لإصلاحه.
كنت وباقي المراهقين ومنهم صديقي الشقي جداً (مهدي) من الذين (حَمدنا) ربنا لأن الطالبات سيكوننّ أمام أنظارنا على الدوام !
تسببَ تأخر البناء بتكدّس المواد ومنها أكياس الإسمنت والشيش الحديد، ومن أجل حماية (حلال) المقاول، ليس من السرقة (لأنه أمراً نادراً ما كان يحصل) ولكن من عبث العابثين، كان تثبيت الشايب (أبو علي) بشخصيته (القوية) وملبسه العربي البسيط، مسئولاً عن حماية الساحة.

(أبو علي)... يطلّ علينا مُخيفاً، بعصاه وصوته (الجهوري) الذي يُطلقه بكل زوايا البناء وعلى مدار ساعات النهار والليل وبوجود أو بعدم وجود أحداً، وبصيحات (تلعلع)...
ـ لك وَلاك... لك وَلاك... لك وَلااااااااااااااااااك.
كان لصوتهِ وقعاً مُدوياً في المنطقة حتى الفجر لسبعة أيام بالأسبوع، فلا يدع أحداً يتمتع حتى بنومة السطح في صباح يوم جُمعة !

كانت تسد شارعنا أكداس من الرمل والحصى والطابوق، وهي مرتعاً لنا نحن أولاد وبنات المنطقة، كلٌ بما يستهويه، فاللعب بالرمال الرطبة وبناء القلاع والأنفاق فيها هو هواية البعض، والبحث عن (حصوة) نادرة بلونها أو بهيئتها له استقطاب لآخرين، ولِعبْ الرياضة بما توفره هذه التلال من بُنى تحتية للوثب العالي والطويل، كما أن للنقش على الطابوق و(حفر) عبارات الإعجاب والحب كانت أيضاً لها (سوقها)...
في ساعة المغرب، كنا نستلقي على ظهورنا، ننظر للسماء ونترقب سطوع أولى النجمات، ونترقب تغيّر مواقعها، نعدها لبرهة ونحلم ونـُخطط لمستقبلنا بأخرى، و(يتفلسف) أحدنا (براس) الثاني ليحكي عن تجارب الحياة والحب وكأنه عاشها لعشرات السنين...
× × ×

حين أقترب العام الدراسي الجديد وبإلحاح من مديرية التربية، قامت إدارة الإعدادية بَسَلـّمها، هذا الاستلام المبكر جعل المقاول (يتقاعس) عن استكمال السياج الخارجي، فبقي مجرد أساسات...

... بدأ الدوام، وكانت الطالبات وكأنهن في وقت (الفرصة) يجلسن في الشارع، وهذا ما أستقطب بعض الفضوليين من أجل (التبصبص) وتبادل النظرات أو الابتسامات، كان في مقدمتهم على الدوام... الشقي جداً (مهدي) الذي ازدادت زياراته لي، يتحدث إليّ بينما نظراته تعبر الشارع صوب البنات !

في يوم أتفقنا أن نصنع مقلب بإدارة المدرسة، فبينما كانت الطالبات بالدرس والمعاونة مسئولة (دق الجرس) منشغلة بإعطاء درس بينما تضع جرسها بجانب باب أحد الصفوف ـ وكان الجرس* آنذاك عبارة عن أداة محمولة باليد ـ قام مهدي بالتسلل من بين بقايا تلال الأنقاض التي لا تزال ـ وكعادة مشاريع العراق ـ تملأ أركان الأرض، فوصل للجرس وسرقه !

كنتُ أترقب الموقف عن كثب وقد هيأتُ مكان لطمره، خرجتْ المعاونة عند انتهاء الحصّة تبحث عن الجرس فلم تجده، سألت أولاً الصفوف المجاورة وطبعاً لا أثر، تحركن طالبات للبحث عنه ومرت دقائق ثقيلة على المَدرسة بطالباتها ومُدرساتها، وقلقَ الجميع وتعالت أصوات هنا وهناك، أصاب المعاونة الحرج والذهول فتوجهت للمديرة التي وبختها، فتم إعلام قسمْ من الصفوف وبقيتْ صفوف أخرى تنتظر، وسادتْ فوضى...
× × ×

عند المساء وبينما كنا نلعب فوق التلال، أخبرتنا أخت (مهدي) بما جرى بالمدرسة على أساس أننا كنا لا نعلم، فقالت أن جرس المَدرسة اختفى بقدرة قادر، والكل يجهل الفاعل أو ما جرى بالضبط، وقالت أنها وبعض طالبات صفها كـُن بأمس الحاجة لدقائق إضافية لإتمام الإجابة بامتحانهن في تلك الحصة، وكيف أن بعضهن استقوى على المدرسة ولم يُسلمنَ ورقة الإجابة إلا لو سمعنَ (الجرس) !
واختتمت القول: الكل بالصف أسترحم أجداد اللـّي كان السبب !

في الصباح الباكر لليوم التالي، كانت المديرة ومعاونتها يبحثنَ في السوق عن جرس بذراع خشبية يفي بالغرض ولو بصورة مؤقتة لحين إرسال التربية بجديد، وكانت المديرة تُحمل معاونتها التقصير.
كانت الرمال تحتضن (جرسهنّ) الفقيد، الذي موهنا بدفنه خشيةً من افتضاح أمرنا !
بعد يومين وبينما صوت الجرس البديل ضعيف و(يخنخن)، اقترحتُ على (مهدي) إعادة الجرس المدفون لكن بمقلب آخر، فوافق في الحال...
... في دقائق نبشنا الرمل ومن خلف حائط قريب، دقّ (مهدي) الجرس قبل أوان أنتهاء الحصة ثم رماه وهرب، فسادت فوضى من جديد وخرجنَ الطالبات للساحة بمجرد عودة صوت جرسهنّ المُعتاد !
× × ×

بعد يوم واحد، عاد الجرس (يهلهل) كالسابق، وصار مُدللاً ومحمول بالأحضان ولا تمسه أرض.
لكن كان ثمة أربع (خبّاطات) كونكريت وأربعة عشر دبل طابوق وأربع وعشرين عامل، منذ طلعة الشمس يقومون ببناء السياج...

ما هي إلا أيام كان السياج يزهو بعلوّهِ، والحياة تعود لشارعنا وهو خالٍ من (التضاريس الأرضية) حيث ذهبتْ الأنقاض وذهبَتْ معها... الأمنيات !
وبينما تَسبب السور بغلق المنافذ على العشاق من الطرفين، لم يَخطر ببال أحداً منهم أننا كنا السبب بذلك، وإلا لضُربنا (راس براس).
أما المارّة فقد تبادلوا الآراء والأحاديث...
ـ والله خوش مُدير تربية ما ينسَ بنيّاتنا...
آخرون: عيني المقاول آدمي وشريف...
فيما تهامسنَ (النساء): لأن بنت المحافظ داومتْ هاي السّنة !

كلما يسمع الصديقان (عماد ومهدي) الجرس يرن، يتبادلا الاتهامات عمن منهما كان السبب بأستعجال قيام السياج، المُخطط أم المُنفذ ؟
... لكن وبكل الأحوال فإنهما (عمّا) على نفسيهما وعلى ربعهما وتسببا ببناء السور المنسي.
لكنهما اتفقا على كتمان السر... 45 سنة !

م. ص. ف. السامرائي
ع. ح. م. المبارك
بعقوبة 1970


الجرس (ويكيبيديا) بتصرف: هو اداة موسيقية ذات صوت رنان تستخدم لأغرض موسيقية وللتنبيه في الكنائس والمدارس وللتنبيه من خطر ما في بعض المناطق والمؤسسات يشبه الجرس الطبلة لكنه مفتوح من الجهة الاسطوانية الواسعة بعكس الطبلة التي تكون مكسوة بالجلد. تتدلى بداخل الجرس مطرقة كروية وعندما يحرك الجرس تضرب المطرقة جوانب الجرس فيرتج الجرس محدثا صوتا رفيعا عالياً.
الأجراس تتنوع في إحجامها فبعضها لا يتعدى حجمه حبة جوز وبعضا يصل وزنه لعدة أطنان وهي عادة تصنع من المعادن وخاصة النحاس سيما الضخمة منها.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث في (الفاكانسي)
- وقودات
- (الله سِتر) !
- مَن القاتل؟ ج 3
- من القاتل؟ ج 2
- مَن القاتل؟ ج 1
- لعنة الكويت
- ظاهرة البرازيلي
- صراصر... بنات عوائل
- حلال... حلال
- عيون... (العيون)
- (حبيبة)... الحبيبة
- ما في حد... أحسن من حد !
- عصر الفولاذ
- السبي في التاريخ
- جداريات... (تشوّر)!
- في 13 شباط... استذكار شهداء ملجأ العامرية
- تهنئة لمواليد 29 فبراير
- نذر لاند
- البوسطجي


المزيد.....




- روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن ...
- من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عماد حياوي المبارك - دقّ الجرس