أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - الرفيق طه - بكارة شرف و انوثة عائشة الجزء الرابع















المزيد.....

بكارة شرف و انوثة عائشة الجزء الرابع


الرفيق طه

الحوار المتمدن-العدد: 4736 - 2015 / 3 / 2 - 21:29
المحور: ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
    


تداخل الزمان في المكان و تشابه الكون و العدم ، و اختلط الحب بالالم . كل العالم تركز هنا و في هذه اللحظة . لم يعد هنا شيء غيرهما على الارض و السماء . و سرعان ما نزل منطادهما دون ربان ، وحدها الاحاسيس قادته الى حيث عاد . وجد الواحد منهما نفسه وحده امام عشيقه .
احست عائشة في منصف بذكورة الرجال و رجولة الذكور كما لمس منصف في عائشة انوثة النساء و انسانية الانوثة
استعاد ابو عائشة شهامته بين الرجال ، و استعادت الزاهية احترامها بين النساء . اما مي رقية فقد انتصرت على الذين يكذبون ثقتها في براءة عائشة . عائشة التي لم تقاوم فرحتها حين قبلت يد ابيها و اجابها ب " يرضي عليك يا بنيتي " . رفعت عياناها تنظر لوجه ابيها غير مصدقة اذنيها و ما سمعت . اكتشفت انه يبتسم بصدق و ان قوله صادر من اعماقه .
منذ سنوات لم تلتفت عيناه لها ، و لم ينطق بحرف لها . و اليوم يضع يده على كتفها و يدعو لها بالرضى !!! . لم تذكر في اي لحظة ارتمت بين احضانه و دموعها تنهمر على وجنتيها و تبلل ملابسه على صدره . تبكي فرحا و تنسط لنبض قلب ابيها الذي عاد من حيث لم تعلم اين غاب منذ سنين .
بصوت مبحوح و بغيظ اللظى المشتعل في اعماقه يقول ، و شعرها يلف يديه و جزءا من وجهه ، ظلموك يا ابنتي و ظلموني فيك ، انت النقية العفيفة .
دموع الاب تبلل شعر عائشة ، تحس بها تسقط على قفى عنقها باردة . رفعت وجهها نحوه و عيناها غارقتان في الدموع و قالت "انا ابنتك يا ابي ، انا ابنتك " . عائشة تفور حرارة بين احضان ابيها و العرق بللها كاملة و هو يجيبها " انت كبدي ، انت قلبي ، انت وحدك في كفة و الدنيا كلها في كفة ، حقك علي و ذنبي لا يكفره الا غفرانك يا عائشة " .
الفتاة ترتخي بين يدي الاب . عائشة في غيبوبة تامة . الشعر الاسود الطويل غطى عنقها و جزءا من وجهها . وجنتيها الورديتين تبللت بالدموع و التصقت عليها شعيرات . العرق يبلل ملابسها و حرارة جسدها ارتفعت . بعد لحظت صاحت باعلى صوتها " انا مظلومة ، انا مظلومة ، انا بريئة ، " ، نوبة من الصراخ و الاهات . عائشة الصامتة الوديعة التي تبكي و تصرخ و تندب .
الكل يهرول تجاه عائشة ، هرج و مرج حول الاب و ابنته . بعضهم يضع المفاتيح في يدها و الاخر يعصر البصل على انفها و هي مرتخية و في غيبوبة تامة ، اما رقية فقد اتت بالجمر و البخور و تعاويذها المبهمة لا تتوقف . اما الزاهية فقد عجنت الحناء و تمسح بها عرق عائشة و هي تولول لحظ ابنتها .
في لحظة دخل منصف رزينا كعادته . وضع يده في يد عائشة و شابك اصابعهما . اخذ يلامس صدرها ، نزع المفاتيح من يدها و رمى بها بعيدا . في لحظة فتحت عيناها و ابتسمت . قال كل المتابعين قالوا ها هي استيقظت .لكنها عادت لغيبوبتها ثانية .
قال احدهم من ياتينا بالفقيه يقرا عليها ، و قال اخر اتوا ببخور السودان لابعاد الشياطين . لكن منصف رفض كل هذا و قال لهم اتركوها تتنفس و ستعود ليقظتها بعد قليل ، انها حالة عادية .
بعد حين بدات عائشة تتنفس بعمق . يسالها منصف و تجيب دون ان تفتح عينيها . حوار طويل بين الزوجين كحوار بين الطبيب و المريض. مضمون كلام عائشة حبها لابيها . لما احس منصف انها اقتربت من اليقظة امر الكل بالانصراف و ان يتركوه وحده مع زوجته .
فتحت عينيها و نظرت في وجه منصف مليا و هي تبتسم و قالت " اين بابا ؟" . قبل ان يجيب منصف ارتمى الاب على ابنته محتضنا اياها " ها انا يا بنيتي " . ابتسمت و قبلت يداه و وجهه ، وضعت خدها الايسر على على كف ابيها ومتكاة على ركبته و هي تقبض بيدها على يد منصف . احست بالارتياح و ارتخاء في العضلات .
الزاهية جالسة القرفصاء تعد المرارة التي عانتها مع عائشة ، و تقول ان ابنتها لا حظ لها ، و ان يدا ما هي سبب ماساتها . اما مي رقية فتشعر بحرقة و الم لان الفتاة بين الاب و الزوج . و تمنت لو تركوها وحدها وسط النساء و سيرى الجميع قدرتها على معالجة كل الافات .
. بعد هنيهة طلب منصف من عائشة الانتقال من غرفة الضيوف .سارت متكاة على كتفي ابيها و منصف نحو غرف نومها .
قبل دخول الغرفة سمع صوت مي رقية تهرول و تقول " عملوها ابناء الحرام ، سحرهم ابليسي ، لن يهدا لي بال حتى تتعافى ابنتي عائشة و تنجب الرجال " . قال لها منصف اهدئي يامي رقية ليس هناك سحر و لا شيء . عائشة ارتاحت ، ارتاحت .
منذ تلك اللحظة و عائشة تشعر تلك النوبة هي انتقال من حال الياس و الحزن الى الفرح و الامال، و ان زواجها من منصف اعاد لها انسانيتها و كرامتها، كما احس منصف بلذة حبه لاجمل لاجمل فتاة بالقرية .
اما ابو عائشة فكلما نظر لابنته مبتسمة مبتهجة و جميلة كلما احس و كانه ولد من جديد .
جرت الدماء حارة في عروقه ، منذ زمان لم يشعر بالوهج الذي يحسه . الان قوة خارقة تسكنه ويسكنها . شباب عاد شمسا ساطعة بعد افول عمر طويلا . هكذا شعر او بالاحرى هكذا احس وعاش ويعيش لحظات الانتصار .
عاد اخيرا موسم الفرح . ايتها العصافير زقزقي و غردي ليس هناك مايخيفك . انتهى موسم العتمة وزمن خفافيش الظلام ، جاء الربيع اخيرا . صحيح انه جاء متاخرا بعد سنوات من الضياع و الغبن و الخوف .
هكذا هو ابو عائشة الان ، هكذا اصبح ، بعث من جديد . حتى جواده الذي ورثه عن ابيه ، والذي يعتبر مفخرة العائلة ، نسيه او تناساه . اليوم فقط تصالح مع نفسه ومع اشياء كانت تؤنسه .
اصدقاء كثر لم يزرهم منذ زمن بعيد . بعد اليوم لن تقرع طبول الحزن و لن تجف ينابع الفرح ، ستسيل وديانا و انهارا و تعيد الحياة للحياة .ابو عائشة يتذوق لذة الانتصار على شماتة الشامتين . حتى بعض الاصدقاء و المقربين كانوا يستعرون منه ، يهربون منه ، و يفتعلوا لذلك الاسباب ويختلقوا الاعذار . كان في نظرهم عارا و وباء . و البعض نصحه بشكل غير مباشر بالرحيل لارض الله الواسعة . اليوم يتوددون له لعله ينس اقاويلهم .
حلق دقنه ولبس جلبابه الابيض و برنوسه الاسود الثمين و وضع على راسه . اصبح كالراقص رشاقة ، و كالعريس اناقة . استيقظ باكرا وتناول فطوره و بجانبه الزاهية . هي الزاهية التي كادت تطير فرحا هذا الصباح . اعوام من الغبن عاشتها كزوجة . فقدت فيها حقوقها كزوجة لابا عائشة .كان يقاطعها قولا و فعلا . ا لليلة الفائتة فقط استرجعت حقها الطبيعي .
استيقظت الزاهية با كرا و اغتسلت و كحلت عينيها ، بدت وكانها ابنة العشرين . كانت تتابع مشاغل زوجها من تهيئ الفطور و احضار ملابسه البيضاء . اليوم سيركب جواده ويضع العمامة على راسه .
" اليوم فقط يحق لي ان اركب الجواد واضع العمامة واسرح وامرح في الارض . اليوم فقط يحق لي ان ارفع راسي عاليا بين القبائل اليوم فقط يحق لي ان اذهب للسوق كبقية الخلق والتقي الناس" .كان ابو عائشة يخاطب الزاهية زوجته وكانه يحدث نفسه . ابحار في الذات ، غوص في الاعماق بحثا عن المحار والمرجان . اغرورقت عيني الزاهية دموعا وفاضت في ارجاء المنزل فاخضرت الارض وانصرمت السنوات العجاف .
وضع السرج المرصع على فرسه الذي لا يركبه احد سواه . سار يتجول بين القرى و القبائل . يزور اصدقاءه الذين قاطعهم منذ زمن دون داع . طاف الضفة اليمنى للواد هبوطا و جال ضفته اليسرى صعودا .
قال احدهم ان ابا عائشة في عز شهامته التي استعادها بعدما ضاعت منه . و قال اخرون ان قبيلة يوسف مرغت وجه ابو عائشة في الطين و هاهو اليوم غسله و عاد قويا كما كان بل انه يظهر اليوم اقوى . و علق اخرون ان ابا عائشة اصبح كالذي خرج من السجن و نصب ملكا على اهله ، كيف لا و قد نفض الظلم عنه و عن بنته و اهله و راح يصول و يجول بين القبائل التي استقبلته كما يستقبل الوجهاء .
كان مولوعا بقول الشعر و الغناء . الاعراس التي لم يحضرها ابو عائشة لا طعم للفرح فيها . و كذلك كانت كل الاعراس منذ سنوات . حاول الكثير ممن ينتسبون للغناء البدوي اداء اغانيه و اشعاره لكنهم لم يفلحوا . اذا غنى ابو عائشة في عمق الليل تنسط له كل الاحياء . حتى العصافير ترتعد في اعشاشها من شدة الشدى . اما النسوة فيتاسابقن بزغاريدهن لرد صدى الحانه و عمق اشعاره .
على جواده و بباب كل قرية كان يرفع صوته عاليا بمواويله الشجية و يختم صيحاته بتفجير البارود من كابوسه . يخرج الرجال و النساء و الاطفال مهللين به فرحا . الرجال يقولون " مرحبا مرحبا بسيد الناس ابو عائشة " و يجيبهم هو لم يعد اسمها " عائشة " ، انا اليوم جئت لاذبح كبشا لاعيد تسميتها ب " العذراء " .
و في جو الفرح وسط زغاريد النساء و ترحيب الرجال يترجل ابو عائشة جواده و ينحر كبشا ، غالبا ما يكون هدية من احد اصدقائه ، و يدعو القبيلة لوجبة عرس جديد .
سينايو يعيده ابو عائشة او ابو العذراء كما اصبح يلقب نفسه بباب كل قرية و دوار بدون كلل و لا ملل و هو ملء سعادته .
في السوق الاسبوعي لم يترك ركنا و لا مجموعة من الناس لم يسلم عليهم بابتسامته العريضة . كانت فرحته بادية ، كان كالطفل يوم العيد . كان يود لو صعد لاعلى بناية في السوق و صاح في الناس " عائشة عذراء " " عائشة عفيفة ابنة العفيفة " .
لما عاد من السوق محملا بجوده و زاده استقبلته الزاهية مسرورة بهياته و شموخه ، و قالت له " كنت اقول لك ان رحمي لا تنجب الا من يرفع من شهامتك يا ابو عائشة " . اجابها بابتسامته العريضة " رضى الوالدين كانت معي ، و جدي كان يدعو لي و يقول ان سلالتنا لا تنجب الا الصالحين و الصالحات ". و انت يام العذراء تاج على راسي لن اضعه الا اذا وضعت خدي على التراب . و حقك علي ان اغني بحبي لك في كل مجمع . فخري بك كفخري بامي و بالعذراء سيدة النساء " .
عائشة اصبحت مزارا لكل فتيات القرية و نسائها ، بعضهن يردن سرقة نظرة منها و من زوجها . و اخريات يتمنين التكفير عن ذنبهن لما صدر منهن في حقها قبل بزوغ الحقيقة .
في منتصف الليل من يوم ربيعي احست عائشة بمغص وحريق في البطن . اخبر منصف امه بوجع عائشة الحامل في شهرها التاسع . استنجدت ام منصف بمي رقية . هذه التي اكدت انه وجع المخاض .
كان المخاض عسيرا . من الوهلة الاولى حاول منصف الاستنجاد بمدير المدرسة . هو وحده يملك سيارة . يريد نقل عائشة للمستوصف الذي يبعد بحوالي عشرة كلومترات . لكن اصرار مي رقية الشديد ومساندة امه الزاهية لها ، جعله يتريث قليلا . نهرته مي رقية قائلة " هذه امور نسائية لاتتدخل فيها ، وعندما ا كون في حاجة لمساعدة الرجال لن اتردد في طلبها منك . و اردفت ، يجب ا ن تكون رجلا قويا ، وان تثق بي ، و لا تنس انني من اخرجك من بطن امك . و ها انت الان رجلا . اذهب واطمئن وسيكون خيرا . ".كان ينسط لها و يبتسم بخبث مبطن . كانت كلماتها قوية و واضحة . الامور النسائية من الافضل ان لايحشر الرجال فيها انوفهم . ثم ان مي رقية هي من ولد جميع نساء القرية . و لكن منصف بقدر احترامه و تقديره لامي رقية بالقدر نفسه يجد نفسه في مواجهة افكارها البالية . اقترب من ابيه وجلسا يتسامران . كان الاب لاتظهر عليه اية علامة التوتر او القلق . كان يضحك وثارة يقهقه عكس منصف .
كان الاب يتحدث عن تلقيح بعض الاشجار في هذا الوقت بالذات ، وانه سيجلب بعض الانواع الجيدة من الفواكه لغرسها . كما ذكر منصف بضرورة الاسراع بمشروع شراء بعض الابقار الهولندية لبيع الحليب للتعاونية وتسمين الخرفان لبيعها في عيد الاضحى . و اردف قائلا لقد اتممت بناء الحظيرة وهيات ما يلزم لذلك اتمنى ان ترزق بابن ذكر يستمر في رفع همتنا وسط القبيلة كما انت يا بني . كان منصف شاردا حائرا مترددا . لو لم تستفزه كلمة مولودا ذكرا . لذلك اجابه و ان كانت انثى نرميها للكلاب ؟؟ . اجابه الاب ان الذكر يعني استمرارية العائلة يا بني . انتفض منصف على ابيه و قال " اتمنى ان يكون المولود بنتا ساعيد لها ما ضاع لكل النساء من حقوق و اخلصها من كل قهر و اضطهاد شعرت به كل النساء . "
كان منصف يصطنع الانصات لابيه اما اذناه فتتلقفان عويلا وصراخا حادا يقطع القلوب . كانت عائشة تستغيث ، و مي رقية تعنفها احيانا وتهددها بالضرب . و احيانا اخرى تلعنها واصفة اياها بنصف امراة . وانها شهدت ولادات كثيرة ولم تر نحسا يطارد مثل هذا المخاض من قبل . بدات مي رقية تثني على العديد من النساء الائي ولدتهن ، و كيف استجبن لنصائحها في عملية الدفع كما نوهت بصبرهن .
لقد طالت مدة المخاض ، قالها منصف وكانه يحدث نفسه . اجاب الاب ، لا تقلق فالبعض يستغرق عندهن اكثر من يوم وفي الاخير يضعن احمالهن ، واشار له بيده ان يشرب كاسه من الشاي وان يترك الامر .
بعد اربع ساعات من الصراخ والعويل اصر منصف بايقاض السيد المدير لنقل عائشة للمستوصف على سيارته . عدل الاب من جلسته ورفع يديه في الهواء وضرب كفا باخرى ، و قال مع من ستتكلم ، يابني في هذا الوقت ؟ فالطبيب الوحيد لايحضر الا ناذرا وان حضر ، فبعد الساعة العاشرة صباحا . اما الممرضة فبدون حيلة . مي رقية افضل منها بكثير وبمرارة اردف الاب ، المبارك المسعود لا يصل للمستشفى في المدن فكيف بالقرى .المستشفى لا خدمة و لا دواء و لا معاملة .
الساعة التاسعة صباحا نقلت عائشة الى المستوصف بعدما استعصى الامر على مي ارقية ، التي احست بالخجل الشديد . فقد اهينت عندما لم تستطع توليد عائشة . كانت كل مرة تحاول ابعاد فكرة الطبيب . كيف يعقل ان تكون هي ويفكر احد في الطبيب . بل سمعت اكثر من مرة تلعن الطبيب و الاطباء . و تضيف ذات يوم ،من لها ذرة كرامة و تحتفظ بسرها بعيدا على الفضيحة لن تعرف الطبيب و لن يطل على جسدها . و تدعو لنفسها بالبقاء مستورةحتى الممات .
اليوم وجدت نفسها مغلوبة باصرار من منصف . في السيارة كانت تتمتم ، وتتفوه بكلام غير مفهوم ، و تتحسر على الايام الخوالي ، حين كان الرجال رجال ، و النساء نساء .
احس منصف انه بدون قصد قد اقلق مي رقية . لذلك انحنى عليها وقبل راسها ودعا لها بطول العمر .و لكي يجاريها حفاظا على كرامتها اردف القول ،" ابنات اليوم ابحال الميكا ، ضعيفات لا يصبرن " . انفرجت اسارير مي رقية قليلا لهذا القول . و انتفضت من مكانها رافعة سبابتها للاعلى . و قالت لمنصف ،اشتد الوجع على امك ثلاثة ايام بنهارها ولياليها ، و رافقتها كل تلك المدة ، و كانت صبورة صبر الجمل . و كان ابوك يذهب للحقل يزاول عمله تاركا لي المهمة . وتضيف زافرة ، الايام الجميلة ولت .
اما عائشة فالمها يشتد ماسكة باسفل بطنها . كانت تحس ببطنها يكاد ينفجر، خصوصا عندما تتعثر السيارة في الحفر ، او المتاريس الترابية . كان صراخها يعلو و ينخفض تبعا لدرجة الالم و ايقاع السيارة . " رباه ، رباه ، هذا موت " . وفي مرات عديدة تقبض بقوة بيد مي رقية وتعتصر الالم وتكظمه ، خصوصا بعدما نبهتها مي رقية بضرورة الصبر والحشمة بالهمس في اذنها ، اصبري فنحن مع رجال غرباء ، قاصدة السيد المدير. هذا الاخير الذي لم ينطق بكلمة . ينظر امامه فقط و هو يقود سيارته . يحرك راسه ، ويقلص اسارير وجهه كلما صادف الحفر في الطريق غير المعبدة . واذا سعل فيردد كلاما غير مفهوم . اما اذا سئل فيكتفي بكلمة او كلمتين . بعض الظرفاء من الاساتذة ا طلقو عليه " المختصر " كناية . كان بحق مديرا مصوابا طيبا ينحدر من الشمال .
اما ابو منصف فبمجرد ركوبه في السيارة غرق في سبات عميق . حتى انه راى في منامه اشياء واشياء . و لا يستفيق الا اثناء مرور السيارة في حفرة معينة . اثناء ذلك كان يلعن رئيس الجماعة واصفا اياه ب -الشفار - . بعد مدة وصلت السيارة للمستشفى .
بين ذراعيه حمل منصف زوجته من السيارة الى الداخل . هناك وجدوا الممرضة تصرخ و تزمجر في وجوه الجموع المكدسة . ليس لديها حيلة لكل الحالات . المراة تموت ، هكذا خاطب منصف السيدة الممرضة .
على سرير ابيض وفي قاعة مليئة بالذباب ، باشرت الممرضة المعروفة برحمة عملها ، طالبة من الجميع الخروج من القاعة والانتظار خارجا . اما مي رقية فقد حاولت التسلل الى القاعة . غير ان الممرضة نهرتها فما كان منها الا ان اذعنت للامر مكرهة ، وهي تلعن وتسب تشتم و تشكو الجميع و ما الت اليه الامور. تغير الناس وكيف اصبحو ا لايحترمون احدا . بعد دقائق قليلة خرجت المولدة رحمة من القاعة وعلامات الدهشة و الفزع على محياها . بصوت مليء بالحسرة والاستنكار تسال عمن مع الفتاة ؟! اجاب منصف بثبات وثقة " انا سيدتي " .
قالت " بلا حشمة و لا حياء اتيت بها الى هنا ؟؟"
اجابها "انها زوجتي" .
تجمدت اللعنات التي كانت ستكيلها له و تحولت الى غصة سكنت اعماقها. وتساءلت في دواخلها و بتعجب كيف لمتزوجة حامل ان تبق بكرا ...؟؟؟!!!
قطع منصف حبل التفكير لديها عندما قدم بين يديها عقد الزواج . طيلة عشرين عاما من عملها لم تصادف حالة مثل هذه .صحيح انها صادفت العديد من الحوامل ابكارا و لكنهن غير متزوجات . وغالبا ما يلجان للاجهاظ في وقت مبكر من الحمل خوفا من العار. اما ان ايكون الامر متعلق بمتزوجة تعاشر زوجها بشكل طبيعي ، تحمل و هي بكر ، فهذا امر لم تسمعه ولم تره .
في تلك الاثناء دخل الطبيب وبعدما حكت له له الممرضة الامر فحص عائشة و لم يستغرب الامر . خرج و طمان منصف بان الامور ستكون على احسن مايرام . و اخبره انه صادف عدة حالات مثل هذه في مستشفى جامعي بالدار البيضاء شبيهة بهذه الحالة ، عندما كان طبيبا مساعدا لاستاذ في طب النساء . عدد من النساء لا تفض بكارتهن الا عند الوضع او بالجراحة . و لهذا لا يستدعي الامر نقل الحامل الى المستشفى الاقليمي . بعد اربعين دقيقة من الانتظار خرجت رحمة لتبشر الجميع بنجاة الام وبازدياد ملك صغير.
عادت عائشة للقرية حاملة ابنتها في يدها و منصف زوجها الى جانبها و مي رقية و ابو منصف برفقتهم . استقبلهم اهل القبيلة بالهتافات و الزغاريد . اما ابو عائشة فقد جهز نفسه لزفاف اخر لعائشة و امها الزاهية . كما جرت مراسيم عقيقة المولودة الجديدة اختاروا لها اسم " الحياة " ...
سي محمد طه -الدار البيضاء- 03/03/2015



#الرفيق_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بكارة شرف و انوثة عائشة ( الجزء الثالث )
- بكارة شرف و انوثة عائشة ( الجزء الثاني )
- بكارة شرف و انوثة عائشة
- التالية ...
- الجزيرة تتخلى عن الاخوان و تشفع للشيطان
- خيتي نانا ...
- حادة ...و اخواتها
- - داعش - و - ديفس - وجه البربرية السادية الحديثة
- عايدة ... الظلم ارث
- حوار العيون الحلقة التاسعة
- كارثة بوركون كاشفة عرائنا
- حوار العيون الحلقة الثامنة
- حوار العيون الحلقة السابعة
- اغتيال بنعمار و عبد الوهاب رسالة من يفك شفراتها ؟؟؟؟
- ملاحظات ميدانية في حيثيات اعتقالات 6/4/2014 بالدار البيضاء
- توضيح احتياطي لرفاق النهج الدمقراطي
- حوار العيون الحلقة السادسة
- حوار العيون الحلقة الخامسة
- حوار العيون الحلقات الاربع
- حوار العيون الحلقة الرابعة


المزيد.....




- “احلى اغاني الاطفال” تردد قناة كراميش 2024 على النايل سات ka ...
- إدانة امرأة سورية بالضلوع في تفجير وسط إسطنبول
- الأمم المتحدة تندد بتشديد القيود على غير المحجبات في إيران
- الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام مبنى المحكمة الجعفر ...
- عداد الجرائم.. مقتل 3 نساء بين 19 و26 نيسان/أبريل
- هل تشارك السعودية للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون؟
- “أغاني الأطفال الجميلة طول اليوم“ اسعدي أولادك بتنزيل تردد ق ...
- استشهاد الصحافية والشاعرة الغزيّة آمنة حميد
- موضة: هل ستشارك السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون للمرة الأ ...
- “مش حيقوموا من قدامها” جميع ترددات قنوات الاطفال على النايل ...


المزيد.....

- العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا / وسام جلاحج
- المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما ... / محمد كريزم
- العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا ... / فاطمة الفلاحي
- نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟ / مصطفى حقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف - الرفيق طه - بكارة شرف و انوثة عائشة الجزء الرابع