أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بتول قاسم ناصر - التفكيكية والديمقراطية الرأسمالية















المزيد.....

التفكيكية والديمقراطية الرأسمالية


بتول قاسم ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 4726 - 2015 / 2 / 20 - 11:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التفكيكية والديمقراطية الرأسمالية

إن ما يسم مرحلة الحداثة في الغرب هو عقلانيتها فالعقل هو الذي يحكم الحياة ، وكل شيء يعرض على العقل وما لا يتفق معه يضرب به عرض الحائط حتى ما هو مقدس . ولكنها لم تكن عقلانية خالصة فكان يشوبها ما هو غير عقلاني وقد تمثل هذا بالفكر السياسي الذي كان يوجه الأحداث السياسية والذي قاد الى الحرب العالمية الأولى والثانية والى الاستعمار وتجاوز مواثيق الأمم المتحدة ومبادىء حقوق الإنسان وانتاج أسلحة الدمار الشامل وغير ذلك .. وإذا كانت العقلانية قد فارقت السياسة الغربية في مرحلة الحداثة فإنها ما انفصلت عن باقي مناحي الفكر والثقافة الغربية ، فهذه في منجزاتها إنما تصدر عن العقل . وبدلا من أن يغلب العقل ويوجه لاعقلانية السياسة الغربية ويقودها ويطبعها بطابعه فإنها هي التي انتصرت عليه وجعلته ينقلب على نفسه فيبدو لا عقلانيا حتى في مناحي الفكر الأخرى، بل حتى في أعلى أو أكثر مواطنه التصاقا به ونقصد به الفلسفة ، إذ تمردت على سلطة العقل ومركزيته ومرجعيته وهذا ما تمثل بالحركة ( التفكيكية ) التي سادت الحياة الثقافية في العقود الأخيرة وقد مكنت لها السياسة هذه السيادة . إن هذه اللاعقلانية طبعت مرحلة ما بعد الحداثة حتى أننا نجدها متجانسة في خطابها اذا ما فحصنا هذا الخطاب بمستوياته كلها . وإذا كان الفكر السياسي هو الذي اتسم باللاعقلانية طيلة مرحلة الحداثة وإنه استطاع أن يسود وأن يقود مرحلة ما بعد الحداثة فإن الخطاب السياسي في هذه المرحلة طبع كل ألوان الخطاب الأخرى بطابعه الموحد وان هذا الخطاب هو الذي يتيح لأي خطاب وفي أي مجال بالظهور والبقاء بما ينسجم معه وانه هو الذي سمح للتفكيكية بالظهور والانتشار . وبحثنا هذا يسلط الضوء على أوجه الانسجام بين الخطاب التفكيكي والخطاب السياسي متمثلا بالديمقراطية الرأسمالية التي تتوجه باستراتيجية العولمة وهي مشروع السياسة الغربية .
1- التفكيكية من أفكار مرحلة ما بعد الحداثة وهي المرحلة التاريخية التي يمر بها الغرب الذي يتبنى على مستوى النظرية السياسية ( الديمقراطية الليبرالية أو الرأسمالية ) . وكلمة الرأسمالية تتضمن الإشارة الى النظام الاقتصادي السائد الذي بلغت فيه الآن أعلى مراحلها انتاجية وأعلى مراحلها توحشا ورغبة في استعمار دول العالم والهيمنة على شعوبها وهو ما يسمى بالعولمة التي تعتمد (استراتيجية التفكيك) متمثلة بالديمقراطية الرأسمالية التي تعلن عن سعيها الى إشاعتها في العالم . وهي استراتيجية سياسية ثم سادت الحركة الفكرية ، فالتفكيكية مظهر من مظاهر العولمة والفكر السياسي الذي سيطر على الحركة الفكرية عامة وطغى عليها . وهي ترتبط بالرأسمالية آيديولوجيا وكان ديريدا فيلسوف التفكيكية يحارب الماركسية ولقد آزر المنشقين في بلدان أوربا الشرقية في السبعينيات وألقي عليه القبض هناك وأودع السجن . وهناك من يتهمه بالصهيونية . وكما أن العولمة و الديمقراطية الرأسمالية هي (استراتيجية) تفكيكية لتنفيذ أهداف الرأسمالية كذلك توصف الحركة الفكرية التفكيكية بأنها ( استراتيجية) وهو ما يحب واضعو هذه النظرية أن يصفوها به . وهي تعمل من خلال تموضعها في مناحي فكرية عامة قد تكون فلسفية أو أدبية أو في القانون والتاريخ وعلم النفس والاجتماع وغيره ، فهي متعددة المظاهر شاملة للكثير من الأفكار .. ونرى أن وصفها بهذا يناسب طبيعتها لأنها تتضمن طريقة للتعامل مع الوقائع من خلال الغايات ، كما يناسب العولمة وأداتها السياسية (الديمقراطية ) أن توصف بهذا لأنها تقترن بغاية السيطرة على العالم من خلال تفكيكه .
2- التفكيكية والديمقراطية الرأسمالية خادعتان وتظهران بغير حقيقتهما : ان هذه المرحلة السياسية في تاريخ الغرب الاستعماري التي يقودها مشروع العولمة إنما هي مواصلة للمرحلة الاستعمارية السابقة كما أنها تطور كبير عنها على المستوى الاقتصادي والعلمي وتطور أنظمة الاتصالات حتى باتت أنظمتها قوة تهدد العالم بالاكتساح وتحقيق أعلى مستويات السيطرة الاستعمارية . وما احتلال امريكا للعراق الا تعبير عن استراتيجية هذا النظام الرأسمالي للاستحواذ على العالم كله ، وكانت دعواها في ذلك رغبتها في ( نشر الديمقراطية ) في البلدان التي تعاني من أنظمة مستبدة تمثل تهديدا للسلم والنظام العالمي . ولقد عبر بوش عن هذه الرغبة في كلمة ألقاها في إحدى الجامعات في اسطنبول تناول فيها الحديث عن أهمية نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير قائلا : ( يجب على سكان العالم الإسلامي أن يختاروا الديمقراطية ) ، وهذه مفارقة كبيرة أن تكون ديمقراطية وان تنشر بالقوة وبلغة الإملاء والإكراه ، وهي تفضح حقيقة إيمان النظام الرأسمالي وعلى رأسه امريكا بالديمقراطية وبحرية الشعوب وحقها في حكم نفسها بنفسها بأنظمة وطنية تنبثق عن إرادتها الخالصة . فالديمقراطية أداة تبريرية للسيطرة على العالم وهي شعار خادع على لسان النظام الرأسمالي .
إن التفكيكية خادعة كذلك وهي تظهر على غير حقيقتها الهدامة . وفي حين أدرك مفكرون كثيرون حقيقتها الهدامة هذه فإن كثيرين منهم قد خدع بحقيقتها حتى من المثقفين العرب إذ نجد منهم من تحمس لها وهم يبررون ذلك تبريرا أخلاقيا بدعوى نقدها للمركزية الغربية وكشف طابعها العنصري . وإذا كان هذا التبرير يصدق على المركزية السياسية الغربية فإنه لايصح مع الانجازات الفكرية التي صدرت عن العقل الغربي منذ نشأته وحتى العصر الحاضر ، ذلك أن التفكيكية تسعى الى هدم النظم المعرفية والأسس الميتافيزيقية للحضارة الغربية ، وقد قدمت نقدا عنيفا للخطاب الفلسفي والمعرفي العام منذ عهد الإغريق والى الآن وعملت على تفكيكه . وقد هاجمها منتقدوها بأنها أداة هدم وتخريب وان القراءة على طريقتها لا تؤدي الا الى انعدام النتائج والى اللايقين واللاقرار لأنها تضع المعتقدات والمسلمات والافكار المسبقة موضع الشك وتسعى لهدم سلطة ما هو سائد ومهيمن وما يمتلك العصمة واليقين . وهي تمثل هدما لكل حقيقة حتى الدين والفلسفة ( الميتافيزيقيا ) وبذلك فهي ليست هدما للمركزية الغربية فقط بل هي هدم لمركزية الحقيقة ومركزية العقل بصورته المطلقة . التفكيكية هي إذن فلسفة للهدم وللتقويض وهي لا تهدم لأجل الهدم بل لأجل تقويض ما هو أصلي ومركزي وحقيقي وتمكين ما هو هامشي وزائف ورفعه الى مستوى الأصل والحقيقي وجعله ندا له وتمكينه من هدمه . ولهذا قد توصف بأنها أيديولوجيا وأن لها موقفا منحازا تجاه بعض أطراف الصراع الفكري والمعرفي في إطار العلاقات الثنائية التي تضم أطراف الصراع . .
إن التفكيكية خادعة كالديمقراطية الليبرالية التي هي الوجه السياسي للنظام الرأسمالي أو النظرية السياسية له فهي تخفي غاياتها وتظهر بغير حقيقتها ولهذا قيل إنها غير اسمها الظاهر فهي تمارس في السر فاشية قمعية . وكما خدع جمهور من المثقفين بادعاءات التفكيكية كذلك خدعت الشعوب والنخب المثقفة بادعاءات العولمة من نشر الديمقراطية وهذا ما حدث في العراق ، فلقد أدى اسقاط النظام السياسي من قبل قوات الاحتلال الأمريكي الى تقبل الأفكار والنظريات الأمريكية ، وتحولت امريكا فــي لغة المثقفين والسياسيين الى صديقة للشعوب تسعى الى مساعدتها على نيل حريتها وإقامة أنظمة شعبية ديمقراطية .
إن العولمة وهي الاسم الجديد للاستعمار محاولة للسيطرة والهيمنة وهذه لا يمكن أن تكون ديمقراطية ولا تدعو الى الحرية . والمفارقة – كما قلنا - أنها تتخذ من فكرة الديمقراطية والرغبة في إشاعة الحريات العامة في العالم وسيلة للهيمنة على العالم وسلبه حرياته ، فهي حرية زائفة كما أنها ديمقراطية زائفة . إن الديمقراطية التي ينشرونها مشروع يخفي وراءه رغبة في القمع والسيطرة على العالم واستعباده ، فلا يصح بعد هذا اعتبار هذا المشروع مشروعا لزرع الحرية وتنميتها ، فالديمقراطية في ظل العولمة تفتقد الى الحرية كما تفتقد الى العدالة ذلك لأن العولمة ظلم واستبداد يتطلع الى عالم تسيطر عليه القوة ورؤوس الأموال ويسعى الى السطو على ثروات الأمم وسرقتها والتحكم باقتصادياتها . وتفتقد الديمقراطية الرأسمالية الى مقومات أخرى لا تقوم بغيرها أية ديمقراطية وأخيرا فإنها تفتقر الى الإنسانية والأخلاقية .
3-أما كيف يتسنى للتفكيكية والديمقراطية الرأسمالية أن تمارس فعلها في التفكيك والتدمير وتحقيق غاياتها ، فإن التفكيكية ترى أن لا وجود لبنية متجانسة متماسكة ولا بد من وجود توترات أو تناقضات داخلية تساعد على تفكيكها وتقويضها فهي تبحث عما هو مضمر من البؤر المحجوبة والمخفية . وتعمل على التموضع داخل البنية التي تتضمنها وتوجه لها ضربات من داخلها حتى تتخلخل وتتقوض . هي مثلا تقرأ تاريخ العقل باحثة من خلال قراءتها عن اللاعقل واللايقين والجنون لتكشف عن بذور النزعة اللاعقلية في التجربة العقلية التي تتمثل بالمنجزات الفكرية الفلسفية والأخلاقية الصادرة عن العقل لضرب العقل ومنجزاته التي تقوم على التثبت واليقين . فهي تعمل على هذه التناقضات وتبحث عنها لهذا كان مفهوم الاختلاف من أهم المفاهيم الفكرية للتفكيكية الذي تترتب عليه حقائق فلسفية تمثل هدما لكل حقيقة . التفكيكية هي إذن فلسفة للهدم وللتقويض . وليس صحيحا أنها تثير التناقض لتحارب المركزية فقط فإنها إذ تفعل ذلك تتمركز حول ما هو غير مركزي لتجعل منه مركزا وهذا يعد من تناقضاتها ويفضح غاياتها بالرغم من ادعائها بأنها لا تسعى لتأسيس مركزية جديدة على أنقاض عملية الهدم . ومن هنا يتضح أنها ذات أهداف ومواقف وأنها تسعى الى إثارة الاختلاف والفرقة والصراع وعدم الانسجام وغايتها الهدم والتدمير . إذن فالتفكيك ستراتيجية تسعى للهدم من خلال التموضع في الداخل والمهاجمة .. لو فحصنا فكرة التعددية لدى التفكيكية لوجدنا أنها ليست إلا وسيلة لإعلاء شأن ما هو هامشي وسلبي لتقويض ما هو مركزي وإيجابي . وهذا عينه في الديمقراطية الرأسمالية ، فدعاتها يتحدثون عن التنوع البشري الخلاق وعن الديمقراطية التي تعمل في ظل هذا التنوع ولكنهم يعرفون العولمة بأنها تسعى الى توحيد البشر في نموذج حضاري وفكري واحد تنصهر فيه كياناتها فلا تنوع ولا تعدد . وهي تحقق هذه الوحدة من خلال هدم المجتمعات والكيانات المنسجمة المتماسكة وإشاعة التناقضات والصراع في نسيجها وتقوية بعض الأطراف الهامشية على ما يمثل منها الهوية الجوهرية لهذه المجتمعات والشعوب لمحو هذه الهوية وتغليب الطابع الكوني الموحد للعولمة . إن سعي الديمقراطية الرأسمالية للهدم في ظل العولمة دفع لوصفها بالسعي لإشاعة الفوضى لأنها تفكك كل بناء منسجم وتثير التناقضات في داخله . إن هذه التناقضات وهذه الفوضى هو عين معنى التعددية لدى الديمقراطية الرأسمالية .. إن التعددية مجرد شعار يراد منه غايات نفعية تخدم غايات الاستعمار الذي يسمى الآن : العولمة .
لقد سعت الإدارة الامريكية في مشروعها ( الشرق الأوسط الجديد ) الى إعادة النظر في خارطته السياسية بما يتيح تفكيك بعض الدول المركزية فيه وتمكين دول الأطراف من لعب دور مركزي بحماية منها في مواجهة الدول الرئيسة لتحقيق غاياتها الاستعمارية . وكانت عملية احتلال افغانستان والعراق نقطة الانطلاق المركزية في هذا التحرك الاستراتيجي الامريكي في الشرق الأوسط . وقد عملت في أثناء مدة هيمنتها على إثارة الصراعات في داخلهما وتضخيمها وتفعيلها . إن من بعض ما عمدت اليه أمريكا وحلفاؤها في العراق إثارة المشاكل الداخلية والفتن الطائفية وزرع الفرقة والتأسيس للحرب الأهلية . والغاية النهائية من كل ذلك هي تقسيم العراق الى دويلات وتفكيك مكونات شعبه لإضعافه لكي يتسنى لها اختراقها واحتوائها وذلك من خلال ما توصي به نظريات العولمة من قطع الإنسان عن وطنه وأمته وثقافته وتاريخه وانتمائه تمهيدا لعولمته واحتوائه . ولهذا فإنها عندما أدارت العملية السياسية في العراق عملت من أجل فرط عقد اتحاد شعبه على إحياء الانتماءات التي تعبر عن الأطر الضيقة وجعلها أساسا للعمل السياسي وتجاوز الأطر الوطنية الجامعة من أجل تعميق التناقضات بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة وإثارة التناحر والعداء فيما بينهم . وهي تعمل من هذه الغاية على شرذمة الأمم والدول والكيانات الكبيرة لغرض إضعافها والسيطرة عليها . وتأتي الدعوة الى تقسيم العراق شاهدا على ذلك كما عملت سابقا على تقسيم الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية وغيرها من الدول لكي لا تقوم لها قائمة . لقد عملت امريكا في العراق على ضخ كمية ضخمة من الحرية أو لنقل الإنفلات بعد نظام دكتاتوري صارم ، وهذه الكمية من الحرية مع العمل على انهيار الدولة إنما الغاية منه إشاعة الفوضى التي سمتها شخصيات أمريكية معروفة بالفوضى الخلاقة وهي في الحقيقة فوضى هدامة لأنها – فضلا عن كونها فوضى - فهي مقرونة بالفتن والإرهاب والتخريب شجعت الصراعات الداخلية وأفرزت أطرافا متباينة متناحرة يلغي أحدها الآخر أو يعمل على تدميره مما خلق مجتمعا غير مترابط في كل مكوناته . وقد غذت هذا الصراع وأدارته من خلال وسائل الإعلام والاتصال المتطورة المرتبطة بها والتي ترافق فتحها على المجتمع العراقي مع الاحتلال ، وهذا لا يسمح بإقامة نظام ديمقراطي يتطلب الاستقرار ولهذا أصبحت الفكرة الأمريكية: (نشر الديمقراطية) الفكرة الأكثر تهديدا وخطرا على أمن واستقلال دول العالم وفرصها لإقامة أنظمة عادلة وديمقراطية حقيقية غير مزيفة .
لم يعمل الاحتلال الأمريكي للعراق على إقامة نظام ديمقراطي بالمبادىء الديمقراطية التي يعرفها بل فعل العكس بما سعى اليه من تمزيق المكونات الاجتماعية التي كانت متآخية على أساس مبدأ المواطنة وإثارة العداوة بينها مما أدخل البلاد في فوضى ضاربة لا تقيم دولة ديمقراطية بل لا تقيم دولة إنما تسعى الى هدمها وتجزئتها وهو ما يريده الاحتلال الأمريكي وما عمل عليه في العراق لأن إقامة هذا النظام يتطلب ظروفا وعوامل تساعد على قيامه في حين عمل هو على هدم ما كان قائما وموجودا منها بما سببه من انهيار بنية الدولة العراقية وتفكك مؤسساتها التي تحتاج اليها لضمان نجاح العملية الديمقراطية . وهنا يتضح أن الديمقراطية التي يسعى الى نشرها في دول العالم ما هي إلا استراتيجية سياسية تسعى الى تفكيك الدول والشعوب . لقد نادت أمريكا بالديمقراطية في حين لم توفر لها ظروفها أو وفرت لها الظروف التي تلغيها إذ عملت على انهيار بنية الدولة والمؤسسات الأمنية والعسكرية وأشاعت الفتن الطائفية والعرقية وغيبت الفكر السياسي ذي الأهداف الوطنية فعمل السياسيون من خلال إنتماءاتهم المذهبية والدينية والعرقية وتقاتل الناس على الهوية وتشاتموا وتقطعت أواصر الأخوة والصداقة وعمت الفوضى والاضطراب ووصفت أمريكا ما حدث بأنه ديمقراطية وحرية وهو في الحقيقة فوضى ضاربة أطنابها تسميها السياسة الأمريكية فوضى خلاقة . إن ما دفع أمريكا الى اعتماد الديمقراطية خيارا سياسيا لحكم دول العالم هو سماح الديمقراطية بالتعددية السياسية لا إيمانا بالتعددية وإنما لكي تدس بأعوانها الى العملية السياسية وتظل تضغط بكل الوسائل التي منها الأمنية في سبيل سيطرتهم الكاملة ، وإذا لم تفلح الوسائل الأمنية لجأت الى التزوير وشراء الأصوات الانتخابية . من هنا يتضح أن دعوة أمريكا الى الديمقراطية سببه أنها النظام الذي يمكنها من أن تظهر قوى المجتمع الفكرية وتراقبها في أثناء عملية الصراع الناشبة فتدفع بأعوانها الى تسنم المراكز وإدارة العمل السياسي في ظل الدعم والمساندة التي تقدمها لهم وليس محبة بالشعوب ولا إيمانا بالديمقراطية ، وهذا هو معنى التعددية الذي تدعو اليه ، وهو يشبه معنى الاختلاف لدى التفكيكية إذ تثير الاختلاف لتنصر بعض قوى الاختلاف على بعض . النظام الديمقراطي الرأسمالي يخاف من الأنظمة الفردية التي لا تسمح بالتعددية لأن هذه الأنظمة قد تناهض سياساته وتعاديه ومن هنا فهي لا تسمح لأصدقاء أمريكا بمشاركتها الحكم فهو يخاف من حكم الحزب الواحد الذي يناهضه ولا يسمح لأصابعه من أن تمتد لتعبث بمصالح الشعوب كما كان الحال في عهد النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية .
4-التفكيكية لا تعمل لغايات عادلة أخلاقية كما تدعي وهي إقامة التوازن في كل العلاقات التي يختل فيها التوازن لصالح بعض اطرافها ، بل هي تسعى الى تغليب هذا الطرف المغلوب –الذي يتفق وغاياتها - وقلب المعادلة وإقامة مركزية جديدة وهذا من تناقضاتها كما قلنا . وكما تعمل التفكيكية على هذا تعمل الديمقراطية الرأسمالية والعولمة . وعلى المستوى الثقافي والفكري تحاول العولمة فرض نظرياتها الفلسفية والفكرية وإنهاء الأفكار الأخرى ، أي العمل ضد التعددية وهي تنادي بالتعددية وحرية الفكر ، فتقوم بإشاعة أفكارها وثقافتها وفرضها على ثقافات العالم ولهذا تعمل على تكييف الثقافات الوطنية المختلفة على وفق أهداف وبرامج تعود الى ثقافات أخرى ودول أخرى إمبريالية . تدعي التفكيكية كما يدعي المروجون لها أنها تفكك هذه العلاقات الثنائية التي تقوم على أساس جائر يعلو فيه أحد أطرافها مهيمنا على الآخر كما تفعل المركزية الغربية في السياسة وفي الفكر وفي كل شيء وهذا ليس صحيحا . كما يدعي الفكر السياسي رغبته بنشر الديمقراطية لدفع طغيان الدكتاتوريات الحاكمة وهو يسعى الى حمل العالم كله على الرضوخ والاستسلام والامتثال لمنطقه لاسيما بعد زوال القطب الآخر الممثل بالاتحاد السوفييتي . ومن خلال منظور القطبية الواحدة تحاول الدول الرأسمالية بقيادة أمريكا احتواء العالم ولقد هيأت لهذه العملية ضمن حملة فكرية أعدها وصاغ نظرياتها ووضع برامجها منظرون ومفكرون صوروا الصراع مع العالم الآخر الذي يسعون لاحتوائه بأنه صراع حضاري مهدد لحضارتهم لكي يبرروا عملية قمع الحضارات والثقافات الأخرى لاسيما غير القابلة منها للامتثال والتخلي عن الهوية ، فأمريكا ودعاتها دعاة للصراع والفتنة لا دعاة حوار وتعدد ثقافي وحضاري .



#بتول_قاسم_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن مع اسحاق الشيخ يعقوب
- اللاعقلاني في حركة الحداثة
- 3 - بين ملحمة كربلاء وملحمة كلكامش
- 2 - ملحمة كربلاء
- ملحمة كربلاء والفن الملحمي
- في الأسس الفلسفية للسميولوجيا جدل المربع والدائرة
- السرطان : جدل الوجود بالقوة والوجود بالفعل
- ثورة الرابع عشر من تموز ، إرادة شعب وإنجاز بطل
- الحياة الخلوية : أي المركبات العضوية فيها أسبق في الوجود
- المرأة : سر ظهور الخلق
- الحزب الشيوعي والانتخابات
- دعوة متكررة الى مشروع ثقافي لإنقاذ العراق
- من ذكريات 8شباط الأسود - جارتنا أم عباس -
- تداخل الأجناس الأدبية في (المقاصة) / أبو هريرة وكوجكا - انمو ...
- مع الفلاسفة الإلهيين في استنباط القانون المطلق
- دفاع عن هيجل
- دور المرأة في تحقيق الوفاق والتلاحم الوطني
- الفلسفة التربوية وأهدافها ومناهجها - رأي في بعض ما يكتب فيها ...
- التشريعات الثقافية
- منظمات المجتمع المدني والسيادة الوطنية


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بتول قاسم ناصر - التفكيكية والديمقراطية الرأسمالية