أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بتول قاسم ناصر - 3 - بين ملحمة كربلاء وملحمة كلكامش















المزيد.....



3 - بين ملحمة كربلاء وملحمة كلكامش


بتول قاسم ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 4615 - 2014 / 10 / 26 - 21:00
المحور: الادب والفن
    




العراق صاحب أقدم ملحمة شعرية ضخمة عرفها الفكر الإنساني قبل أكثر من أربعة آلاف سنة وهي ملحمة كلكامش (الذي رأى كل شيء) . فهي أقدم من كل ماهو معروف من الملاحم الكبيرة، وكما يبدو يعود زمنها إلى (2300 ـ 2100) ق . م . أي أنها أقدم من ملحمتي هوميروس بأكثر من ألف عام. وإنها بمقوماتها الجمالية تتجاوز هذين الأثرين، فلأول مرة في تاريخ البشرية نجد الملحمة التي أبدعتها الشعوب القديمة التي سكنت على ضفاف دجلة والفرات تضم بداية لأهم الأفكار والقيم الأخلاقية والجمالية التي أخذت طريقها بعد ذلك إلى التطور في ظروف أخرى لدى شعوب أخرى، فتعرفت الدنيا على انطباعات هذة الشعوب وتصوراتها عن الخير والشر و الرائع والقبيح والمعرفة والجهل.إن أقدم شعوب دجلة والفرات لم تكن ترى الجميل في المظهر فقط بل في تلك الصفة الداخلية للأخلاق الإنسانية.
ولقد أثارت الملحمة اهتماماً نظرياً كبيراً إذ أنها فضلاً عن كونها أقدم من كل ما هو معروف من الملاحم الكبيرة، فإنها تساعد على دراسة الفن الشرقي القديم والشعر الملحمي لبقية الشعوب والحضارات.
والملحمة مكتوبة بأوزان ملحمية وغالباً ما تتكون أبياتها من شطرين، أما لغة الملحمة فهي واضحة وتعكس بساطة وسائل التعبير والإيقاع الصوتي والحوار والوصف. ونلمس في خلال مسيرة حياة هذه الملحمة وجود تحويرات لفظية ولغوية معروفة.

اما مكان كتابتها ففي مدينة (أوروك) المدينة السومرية الشهيرة التي حافظت على اسمها في العهد العربي الإسلامي بهيئة (الوركاء) وهي مسورة على هيئة شبه دائرة.
وكلكامش هو بطل الملحمة ويعتقد أنه واحد من أواخر ملوك السلالة الأولى لمدينة (أوروك) ويبدو في الواقع أن شخصاً بهذا الإسم عُرف في المدة مابين (2800 ـ 2700) ق . م .
وتحتل شخصية كلكامش مكانة مهمة في بلاد مابين النهرين وما يجاورها من أقطار . ففي بلاد عيلام القديمة نشاهد صورة أسد على هيئة إنسان يصارع الثور الوحشي. وكذلك صورة ثور بهيئة إنسان وتمثل الصورة الأولى كلكامش، اما صورة الإنسان الثور فهي لصديقه انكيدو(1) .
الذي نفترضه في هذه الدراسة ان ملحمة كلكامش عبارة عن نبوءة دينية أوحت بها النبوات القديمة التي سكنت هذه البلاد أو مرت بها مخبرة بأعظم حدث سيقع فيها متمثلاً بواقعة كربلاء. والملحمة بهذا سرد غُيّرعن أصله لوقائع ستحدث في كربلاء لآل البيت عليهم السلام(2) . فكربلاء أعدت منذ الأزل لتكون الأرض التي تسيل عليها أطهر الدماء. ولقد جاء في تفسير كلمة كربلاء ان معناها في اللغات العراقية القديمة هو (تقرب إلى الله بقربان) وهذا يعني ان وراء هذه التسمية نبوءة قديمة خبرت بأن تضحية كبيرة ستشهدها هذه الأرض، وستقدم فيها قرابين عظيمة لله.
ولقد تحدثت هذه الاخبار عن أبطال هذه التضحيات وعما سيجري . ولكننا نعتقد ان هذه الأحداث والذين يرتبطون بها من الأشخاص وعبر انتقالها على ألسن الناس من جيل إلى جيل قد اختلطت بها أحداث وقصص أخرى كثيرة وتلونت هذه القصص والأحداث بأنماط تفكيرهم وفلسفتهم وعقائدهم وأخيلتهم وضمنوها أسئلتهم حول حقائق الكون وأسراره وحيرتهم في مواجهة ظواهره ومحاولتهم الكشف عن عللها وما يكمن وراءها. وهكذا التقت معها كل معارف الأولين وتجاربهم وخبراتهم وعقائدهم وعباداتهم وأديانهم وأساطيرهم وكل ما يمثل فهمهم للعالم والكون. ولقد ظلت هذه الأحداث مع مااختلط بها من أفكار وما علق بها من خرافات وأساطير تنتقل من جيل إلى جيل عبر الرواية حتى استقامت نصاً أدبياً يتسم بالسمات الفنية التي ميزت هذا الجنس الأدبي المسمى بملحمة كلكامش.
ملحمة كلكامش تمثل إذن ـ وكما نعتقد ـ نصوصاً دينية سابقة عليها وقد تبدلت مضامينها وأشكالها لأنها كانت نصوصاً مفتوحة أمام الإضافات التي دخلت عليها إذ كانت تنتقل عبر الأجيال يرويها الراوي ويضيف إليها مما يحمله في نفسه وهكذا اختلط فيها المعقول والغريب وامتزج فيها الخيال بالواقع .
لقد دخلت الميثولوجيا الملحمة وغلبت على موضوعها وهذا من مميزات الفن الشرقي القديم بصورة عامة. وهناك عناصر أخرى دخلت إليها من الخرافات و التصورات الشعبية القديمة أو التعاليم الدينية المقدسة والإبداع الجديد الفردي والجماعي الذي تعاد صياغته مجدداً من الرواة والمؤلفين. وكانت مكونات الإبداع الشعبي والتقاليد الدينية وغيرها من التصورات تتشابك مع بعضها في وعي الجمهور الذي كان مشبعاً بأشكال ايديولوجية أخرى قد يكون مصدرها الحكام والطبقة المسيطرة. وهذا نجده في مجموعة كاملة من الآراء والمقاطع في الملحمة، وحتى في مواضيع كاملة وفي بعض الأساليب والوسائل التكتيكية المفردة، ولكن المؤلف يستخدم هذه المكونات الجاهزة بحيث ينظمها ويبنيها على وفق تلك الروحية التي تخدمه في التعبير عن الأفكار التي يدعو لها(3). إن ملحمة كلكامش كانت مجموع كل هذه الأفكار والتصورات والأشكال والأساليب العامة ولهذا يمكن لنا أن نعد الملحمة ملحمة شعبية، والتأليف الفردي لايفقد الملحمة حق اعتبارها شعبية كما إنه لا يغمط هذا الحق بالنسبة إلى الأغاني الملحمية .

ومما يؤكد ان هناك أصولاً للملحمة قديمة ما يقال ان الأسطورة أقدم من كلكامش، وان هيئة هذا البطل الشعبي المحبوب وصديقه انكيدو قد خضعت لكثير من التغيرات عبرالمسيرة التاريخية للبابليين والحيثيين والآشوريين فهو شخصية معروفة ومشهورة ويؤكد ذلك صور الأختام العيلامية والسومرية منذ نهاية الألف الرابع و أوائل الألف الثالث ق . م (4).
لقد تغيرت الملحمة من أصولها القديمة ويعتقد أن قسماً كبيراً ضاع منها. ويقال إن عدد أبياتها عند نظمها حوالي (3000) غير ان الذي وصل منها في أكثر الإحتمالات حوالي (1200) أي ان أكثر من نصفها قد ضاع وما بقي يغلب عليه التكرار.
ولقد طرأت عليها إضافات كثيرة لأن حياة الملحمة قد امتدت ـ كما قلنا ـ عبر عصور عدة، ويمكن متابعة سيرة حياتها عبر هذه العصور، ليس فقط عن طريق تحليل النص وإنما عن طريق نسخ الملحمة التي تعود إلى أزمان مختلفة.
إن نسخ النصوص الثلاثة للملحمة المعروفة لنا (البابلية، الحيثية، نينوى) تمثل نصوصاً للملحمة نفسها في قراءات قد تختلف عن بعضها، فهنالك من أقسام الملحمة ما هو إضافات وتعديلات. وقد حاول الباحثون إثبات أي من أقسام الملحمة أصيل وأي منها إضافات وتعديلات. وأجابوا بإمكان اعتبار المقدمة إضافة واضحة وذلك لعدم وجودها في النص البابلي القديم. ومن المحتمل أيضاً إضافة الخاتمة المفقودة (في النسخة البابلية) وهي التي يبدأ النص فيها من وصف البطل رأساً. وكذلك القصة الغريبة عن الطوفان كما يرويها (أتونبشتم) في النسخة الحيثية والتي كانت منظومة منفصلة منذ البداية وهذا مما لاشك فيه وكانت بشكل مستقل، مع إنه كان من الضروري أن يكون في النص الأصلي (الأولي) مكان لحوار لكلكامش وأتونبشتم وقصة الأخير، غير انه في الأغلب كان المشهد كله أقصر. ويذكر انه منذ 2300 ق . م ولغاية 700 ق . م لم تتأثر الملحمة بأية تغييرات مهمة(5) . .
ويلاحظ فضلاً عما ذكرناه إن هناك اختلافاً في نص الملحمة الأكدي عن النص السومري. والباحثون الذين قارنوا مقاطع الملحمة الأكدية بالملحمة السومرية لاحظوا ذلك وان هنالك مقاطع لاتوجد في النماذج السومرية للملحمة. وتطرح الملحمة تشكيلة متفرقة من مواضيع ميثولوجية لاترتبط ببعضها وهي غالباً بدون بداية ولا نهاية. ويرى بعض الباحثين ان الملحمة خضعت لأهداف أدبية فلسفية لرواتها غيرت فيها، ولمثل هذه التغييرات خضعت في خلال عدة أجيال حتى الأغاني الشعرية المروية على لسان الشعب.
إن اختلاف الأجيال على هذه الملحمة واختلاف الرواة جعلها عرضة لما طرأ عليها من تغيير. ونشير هنا إلى أن وجود اسم (سينليكي اونيني) الحاوي بوصفه راوي الملحمة لايعني انه هو الذي ألفها بل انه في احسن الحالات أعدها عن الرواة حيث وضع لها اطاراً (مقدمة وخاتمة) وهي ميزة بارزة للمآثر الخالدة (6) .
ومما يؤكد ان الملحمة تنبيء عن وقائع ملحمية جرت في أحقاب متأخرة جداً عن زمن الملحمة ونعتقد أنها تتصل بآل آخر الأنبياء (ع)، ان الملحمة لها علاقة بالأفكار الدينية والطقوس والعبادات والشعائر. وتحتل صور كلكامش على الأختام مكانة كبيرة فضلاً عن أهمية ذكره وصديقه انكيدو في الحروز والأدعية والتعاويذ. ولقد عثر على اسم كلكامش ضمن أسماء الآلهة السومرية في (2700) ق . م . وفي العصور المتقدمة عد كلكامش إلهاً للرفاه والخصب وحامياً للناس من شر الشياطين وهو الحاكم العادل لعالم الموت. وكانت صورته توضع على مداخل بيوت السكن لأجل الوقاية من الأرواح الشريرة ولقد وصلتنا صلاة موجهة اليه كدعاء (7).
ولقد ذهبت بعض الدراسات إلى أن (كلكامش) و (انكيدو) شخصيتان رمزيتان تمثلان إلهي الشمس والقمر. وترشدنا إلى ذلك علاقة كلكامش بالأسد كما في الرسوم وانكيدو بالثور. والثور في الميثولوجيا السومرية حيوان قمري كما ان الأسد حيوان شمسي. والملاحظ أن كلكامش يرتبط دوماً بإله الشمس (شمش) ولكن أحداث الملحمة لاتخدم هذا التفسير الرمزي وتجعلها لاتمت إلى الميثولوجيا الشمسية بصلة إذ لاتوجد أية حكاية تنتهي بخذلان البطل في هذه الميثولوجيا في حين ان ملحمة كلكامش تنتهي هكذا (8) . وبهذا فإن التفسير الرمزي للملحمة غير منسجم مع النهاية التي تنتهي اليها. ونستنتج من هذا ان هذه الأحداث والشخصيات تشير إلى حقائق ومضامين أخرى نفترضها في هذا البحث تتصل بما سيجري في كربلاء وبذلك تكون بمنزلة نبؤة عنها ويمكننا أن نورد ما نراه يشير إلى كربلاء وأبطالها وغاياتها وبأمثلة وشواهد مختارة :
تظهر الملحمة في النص السومري كلكامش ملكاً شجاعاً محباً للخير ويموت بطلاً عظيماً حارب وعانى من أجل أن ينتصر الخير ويندحر الشر، ولم تكن معاناة بطل فرد إنما هي معاناة الإنسان كوجود مطلق. تصوره الملحمة بأنه مؤهل للملك وأنه يتصل بالالوهية:
أكان واقفاً أم جالساً
فهو ملك من رأسه إلى قدميه
ثلثاه إله وثلثه إنسان
واذا كنا بصدد المقارنة بين بطل ملحمة كلكامش وبطل ملحمة كربلاء فإن الحسين عليه السلام كان يؤكد بأنه خير من يتصدى للتغيير : (أنا أحق من غيّر) فليس أحد مثله مؤهل لأن يتصدى لمسألة التغيير السياسي والإجتماعي لأنه فرع النبوة فلا أحد أحق منه بتولي أمور البلاد والعباد.
وتعود الملحمة فتصف كلكامش بالملك المحبوب وتتحدث عن شعبيته ومحبته للناس وصفاته الإنسانية وأن أعماله موجهة لفائدة الشعب سواء في محاربته للشر أو في سعيه للخلود. فلم يكن يرى السعادة في نيل الخلود لنفسه فقط بل للأخرين أيضاً. فكان يفكر عند حصوله على نبتة الخلود أن يجلبها معه إلى مدينة أوروك ليهديها إلى شعبه وليمنحه الخلود قبل أن يدرك أن الخلود في الاعمال الكبيرة، وأن رسالة الإنسان أن يعمل، ولهذا كان يرفض النصيحة بالتفكير بالملذات والأفراح فقط والإنشغال عن التفكير بالخلود، فهو يعتقد أن الإنسان لا يكفيه:
إملأ جوفك وامرح نهاراً وليلاً
إذ: ليس في هذا عمل الإنسان(9).
ومن محبة كلكامش لشعبه وسعيه إلى الأعمال العظيمة أنه كان يسعى إلى القضاء على عدم المساواة بين الناس، ففي أوروك المسوّرة كان هناك نوع من اللاعدل تجلى بسلوك ممثلي الطبقات الحاكمة الذين كانوا يفخرون على الناس بردائهم الملكي، ولم يكن كلكامش ليرضى بحالة اللاعدل واللامساواة(10). ولقد كانت قضية اللامساواة واستئثار الحاكمين بالفيء دون الناس أحد دواعي ثورة الإمام الحسين(ع).
إن حالة التميز الإنساني التي يمثلها بطل ملحمة العراق القديمة تستند إلى حكمة عظيمة ومعرفة ليس فوقها معرفة، فالملحمة تصفه بأنه: (الذي رأى كل شيء)، ولعل هذه المعرفة ورثها عن أجداده، فالملحمة تتحدث عن إبداعه وإبداع أجداده وفي هذا إشارة إلى عظيم محتده(11) . هوفي هذا يلتقي كلكامش مع بطل الملحمة اللاحقة الحسين عليه السلام. وإذا كنا نتحرى الصدق فإنه لا أحد يلتقي مع أبي عبد الله في شرف المحتد وعلو النسب، ولا في مستوى المعرفة والعلم، فجده مدينة العلم وأبوه بابها.
تذكر الملحمة القديمة عن كلكامش انه انتفض ضد حاكم (كيش) واسمه (آكا) بمساعدة انكيدو خلافاً لرأي مجلس الشيوخ. والملاحظ ان النصيحة بالعدول عن مهمة حربية ترد في الملحمة، فعندما يجهز كلكامش لحملة ضد الوحش (خمبابا) حارس غابة الأرز يجتمع بشيوخ اوروك وقد احاطت بهم جموع من الناس. ويحاول الشيوخ إقناع كلكامش بالعدول عن رأيه في هذه الحملة الجريئة لكنه يصر على ذلك فينصحونه نصائح الطريق ويأخذون على عاتقهم أمر إدارة اوروك(12). وهذا يذكرنا بنصائح أهل الرأي للإمام الحسين (ع) بأن يعدل عن فكرته في الذهاب إلى العراق.
إني ذاهب إلى نزال مجهول
في طريق مجهول ينوي الذهاب،
ما دام يسير لايرجع إلى الوراء،
حتى يبلغ غابة الأرز
وإلى أن يقتل الوحش (خمبابا)
ويطرد من هذا العالم كل الشر
الذي تمقته أنت في البلاد(13) .
ويمكن ملاحظة تصميم البطل على الذهاب إلى معركة لايعرف نتيجتها في طريق مجهول وإنه مصمم على الذهاب مهما تكن النتائج، فما دام يسير فهو لاتراوده فكرة الرجوع إلى أن يصل إلى غاياته فيدحر الشر ويزيحه عن العالم ويخلص منه الناس. وتلك كانت همة أبي عبد الله وغايته.
ويسير البطل في حملته وفي الطريق يرى انكيدو احلاماً تنبؤه عن مصيره وهو مصير كل الناس. وهذا الحلم يذكرنا بحلم (الإمام الحسين) (ع) في الطريق إلى كربلاء وكأن منادياً ينادي بركب الحسين قائلاً : (القوم يسيرون والمنايا تسير معهم) ... يقول انكيدو مخبراً كلكامش بما رأى :
(يا صديقي، رأيت هذه الليلة مناماً :
أرعدت السماء فأجابتها الارض،
وفي ظلمة الليلا أقف وحيداً
فأشاهد إنساناً وجهه مكفهراً
وجهه يشبه الذاهب في الطريق البعيد،
وجناحاه جناحا طير وأظفاره أظفار نسر.
فصرت اصارعه فتغلب علي،
صرت ادافع، فانقلب على كتفيه،
ثم شق الارض وأنزلني فيها،
ثم مسني فمسخني،
ووضع على أكتافي أجنحة كالطيور،
نظر الي وقادني إلى بيت الظلام ـ مسكن (اراكللا)
إلى البيت الذي من يدخله لايخرج منه اطلاقاً،
وفي الطريق الذي لايمكن العودة منه ثانية،
إلى البيت الذي يحرم ساكنوه من النور،
حيث ان غذاءهم رفات وطعامهم طين،
وملابسهم كالطير، أجنحة يرتدون،
يسكنون الظلمة ولايرون النور
حيث المزاليج والأبواب مغطاة بالتراب..
في بيت الرفات الذي دخلت،
شاهدت ملوكاً أكاليلهم منزوعة.
شاهدت حكاماً متوجين، ملكوا الارض غابراً
هم كـ (آنو) و (انليل) يقدم لهم اللحم المشوي..
يقدمون لهم المطبوخ ويسقون ماءً بارداً من القرب ..
في بيت الرفات الذي دخلت،
يعيش النادب والقدسي
يعيش الكاهن والمجنون) (14) .
ويحدث كلكامش انكيدو عن الموت الذي لامفر منه وعن المجد الخالد بالقضاء على الشر كله. والذي نلاحظه من الأبيات ان هناك إيماناً بحياة أخرى يتساوى فيها الجميع الفقراء والملوك. وهناك مقطع في النص السومري يتحدث عن موت كلكامش الذي سيصبح حاكماً لعالم الموت(15)، وهو اشارة إلى سعادة كلكامش في هذا العالم.
توضح الملحمة قوة علاقة كلكامش بصديقه انكيدو. وذكرت الدراسات أنهما غالباً ما يطلق عليهما في الفلكلور (الشقيقان) أو (التوأمان). ونجد كلكامش في الملحمة يناديه بـ (أخي الأصغر) وتتحدث الملحمة عن تلازمهما ومقدار المحبة التي يتبادلانها وعن عمق إخلاص انكيدو وتفانيه في سبيل كلكامش وإيمانه به ولزومه إياه في حربه ضد الشر، فلقد كان مؤمناً به. والملحمة تذكره بأنه شبيه كلكامش في الحكمة. والملحمة تنسب انكيدو الى البرية فلقد جاؤوا به من البرية إلى أوروك. ويذكرنا كل ما ذكرنا بصلة العباس عليه السلام بأخيه الحسين وبصفاته وبنسبه. فأنكيدو جاؤوا به من البرية إلى أوروك، وهذا يذكرنا بنسب العباس عليه السلام من جهة أمه البدوية. ونذكر حادثة محاولة الشمر الذي تربطه علاقة قبلية بأم العباس لعزله عن الحسين عندما استدعاه وعرض عليه الأمان والسلامة مقابل تخليه عن الحسين. وفي ملحمة كلكامش نتبين أنه كانت هنالك غاية على حمل انكيدو على قتل كلكامش بعد تشويه صورة كلكامش في نفسه. ومما تذكره الملحمة عن انكيدو وسلوكه الإنساني المتحضر أنه يتدافع مع الحيوانات ويسعى إلى أن ترتوي بعد درء أذى الصيادين عنها. وهذا نجده حادثة رمزية تفسر حادثة واقعية جسدتها بطولة العباس عليه السلام في إصراره على أن يسقي العطاش ويكسر الحصار الذي فرضته الوحوش على مصادر الماء. وبسبب المكانة العظيمة والعلاقة الحميمة التي تربط بين الإمام الحسين والعباس عليهما السلام والتي تربط بين كلكامش وانكيدو تتحدث الملحمة عن عظم الفجيعة التي حلت بكلكامش عند موت انكيدو بما يذكرنا بعظم فجيعة الإمام الحسين عند فقد اخيه العباس (ع) :
(انكيدو اخي الأصغر قناص الحمر الوحشية
الجبلية والنمور الصحراوية،
الذي معه انتصرنا حين ارتقينا الجبال..
امسكنا الثور معاً فقتلناه،
قهرنا (خمبابا) الساكن في غابة الارز
أي نوم هذا الذي تمكن منك ؟
اصبحت داكناً, افلاتسمعني ؟
اما ذاك فلم يستطع رفع رأسه...
مس قلبه ولكنه بلا نبض،
غطى وجه صديقه، وكالعروس
احاطه، وكالصقر يحلق فوقه...)(16) .
كلكامش يرثي صديقه (انكيدو) ولايريد التصديق بموته .... وتذكرنا وقفته عنده واحاطته به بوقفة ابي عبد الله عند اخيه وأخذه في أحضانه يمسح الدم والتراب عن وجهه، واستنهاضه إياه، ولكن بلا جدوى، فالنهاية قد حلت وكسرت ظهر الحسين، وأدمت قلبه وعيونه :
(على صديقه (انكيدو) (كلكامش)
(يبكي بمرارة ويهيم في الصحراء ...
هل ساموت هكذا ميتة انكيدو ؟
نفذ الغم في جوفي ...
.........
سرت حثيثاً في الطريق الذي اخترت
صديقي الذي أحببت،
والذي معه اقتسمت كل الأعمال
ناله مصير الإنسان ..
بكيت عليه أياماً وليالي
ممتنعاً عن تسليمه إلى القبر ...
ألاينهض صديقي استجابة لندائي ؟
ستة ايام مضت، سبع ليال مضت،
حتى دخل الدود في أنفه ..
أفزعني الموت لن اجد الحياة،
كالطريد أهيم في الصحراء.
فكرة المصيبة لاتمنحني راحة ..
في الصحراء أركض في الطريق البعيد ..
ذكرى (انكيدو) البطل لاتهني راحة
أهيم في الصحراء، في الطريق البعيد..
كيف اسكت، كيف اهدأ،
وصديقي قد غدا تراباً !
(انكيدو) صديقي وحبيبي قد غدا تراباً !...)(17) .
وهكذا تستمر مقاطع الملحمة تصور لنا فداحة المصيبة التي نزلت بكلكامش :
(بعد هيامي في العالم،
هل يوجد على الارض هدوء كافٍ ؟ ..(18) )
وترتفع قوة المصيبة الإنسانية لموت (أنكيدو) إلى مقاييس خيالية، فكلكامش يبكي بمرارة ويدعو الطبيعة بكاملها لرثائه والبكاء عليه، فلا يبكي مع ملك (أوروك) الناس البسطاء وحدهم بل حتى الحيوان، ولا تبكيه الحيوانات وحدها بل حتى الجبال والأشجار والأنهار(19) .
الطبيعة كلها تبكي أنكيدو، وهذا ما فعلته في فاجعة كربلاء حتى أن زينب (ع) قرعت الناس أن عجبوا إذ أمطرت السماء دماً. وكانت عليها السلام تستشعر تجاوب الطبيعة كلها معها في أحزانها وغضبها فتكاد تتوقع ان تتفطر السماوات وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً وينهار كل شيء ..وتذكر الروايات أن الناس سمعوا ورأوا ظواهر في الطبيعة ومما وراء الطبيعة كلها تنوح وتبكي وتعلن عن الفجيعة المطبقة.
ونعود إلى كلكامش فتذكر الملحمة انه يقرر مواصلة الرحلة والسعي في طلب الخلود والحياة الأزلية بالرغم من تحذير الالهة له (بالعدول عن قراره الخطير) لكنه يصر على رأيه و (يدخل بوابة الشمس)(20) وهكذا أصر الحسين فدخل بوابة الشمس، واصبح يشرق على الحياة في كل إشراقة لها.
وتبين الملحمة أن (انكيدو) لم يكن وحده في نصرة كلكامش في معركته، بل كان هنالك (المتطوعون والعمالقة السبعة)، وهذا ما حدث في معركة الحسين (ع) فلقد ثبت معه نخبة من العمالقة قدمهم ليكونوا قرابين لله. وتصور الملحمة كلكامش بأن (وظيفته الوحيدة هي تغذية الآلهة بضحاياه كما تدعو لذلك الملاحم الدينية البابلية والرسمية)(21) .
ما تنتهي إليه الملحمة هو فناء الفرد وخلود عمله. فانكيدو يموت ويموت كلكامش ويفنى منهما جسدهما المادي أما عملهما فهو باق خالد. إن هذه الفكرة إنما هي فكرة تلح الأديان على ترسيخها مذكرة الإنسان بنهايته وحاثة إياه على أن يبادر إلى العمل الصالح الذي ينال به الخلود في الدنيا والسعادة في الآخرة، وهذا ما كان يسعى إليه أبطال كربلاء فأفنوا في سبيله الأجساد.
لقد ظلت ملحمة كلكامش نشيداً يصدح للإنسان ولكل البشرية، يبشر بالقيم الاخلاقية لأول مرة في تاريخ الحضارة البشرية، ويربي الإنسان بروح النضال ضد الشر وضد كل ماهو دنيء وغير لائق. ويمجد بطولة الإنسان من أجل الحق والخير والعدل، وهي ما يعلن مجد الإنسان :
كل ماهو شرير نزيحه من العالم
ياصديقي من يسقط في المعركة هو الخالد ...
آلاف السنين تفصل بيننا وبين الملحمة ولكن الأفكار الأخلاقية ـ الجمالية الموضوعة فيها تثير اهتمامنا حتى الوقت الحاضر وأصداؤها تصدح حتى اليوم.
الملحمة تمجد أدوات العمل فمثلاً تتحدث عن الفأس كأداة ضرورية للإنسان. العمل وأدواته شاهد على قوة وجبروت الجمال الإنساني، ومن خلال العمل يدرك الإنسان الطبيعة، وهو لذلك قوي ورائع. ويقدم الإنسان ـ الواسع المعرفة ـ في الملحمة نموذجاً يقتدى به فيقال عنه (الذي رأى كل شيء) .. الملحمة مشبعة بحماس المعرفة والإندفاع الذي لايلين نحوها. وليس عبثاً تسمية الملحمة: (عن الذي رأى كل شيء) وفيها ترد فكرة وحدة الجميل والمعرفة الإنسانية. كل ما هو صعب ومستحيل يستطيع الإنسان الحصول عليه إذا كان يعرف الكثير وليس وحيداً ويتصادق مع الآخرين. وتمجد الصداقة في ملحمة كلكامش كأي شيء سام ورائع، ذلك لأنها أساس النضال ضد الشر على الارض، وضد كل ما هو منبوذ. فالصداقة المتينة لاتخذل إذا استندت إلى الرغبة والإندفاع لتحقيق ماهو عظيم :
(في اتحادنا معاً نصنع
الذي لاينسى بعد الموت ..)
هذا ماقاله (انكيدو) لصديقه (كلكامش) وحالما اتحدا وجدناهما قد انتصرا على خمبابا الذي صوته كالإعصار وفمه كاللهب ونفسه الموت وظهوره أو سماع صوته يجعل كل كائن حي يهرب من أمامه. إن الملحمة تغني وتمجد الثقة المتبادلة والحب والأخلاق واستعداد الصديق للدفاع عن الصديق في كل زمان ومكان :
(حفظ للصديق السائر في المقدمة
انظر بانتباه محافظاً على الصديق ..)
فالصديق يشعر بألم الصديق ... وعندما يمرض انكيدو نجد كلكامش يتألم كثيراً لعذاب انكيدو، ثم يبكي بمرارة عندما يموت. وعندما تقع المصيبة فإنه يدعو الطبيعة بكاملها إلى رثائه. فالناس والوحوش يتقاسمون معه العزاء والأحزان، ذلك لأن أرقى ابن للطبيعة الذي هو الإنسان بجماله و روعته قد مات. والجميل يرد ذكره قبل كل شيء كشيء مسر للنظر ونقي ومتلأليء ولطيف.
إن أقدم شعوب دجلة والفرات لم تكن ترى الجمال في المظهر فقط، بل في الصفة الداخلية للإنسان ... إن الجمال الحقيقي هو انسجام الجمال الظاهري مع الجوهر الداخلي.
بطولة الإنسان وإيمانه بعظمة الأهداف النهائية، وبالمثل الإجتماعية والأخلاقية التي يسعى اليها كل شرفاء الناس هي ما يسبغ الجمال على ظاهره.
الملحمة تصور إصرار كلكامش وحركته من أغوار الظلمة إلى رحاب النور، وهي التي ترمز إلى انطلاقة الإنسان نحو المثل التي تتمثل على شكل غابة أو حقل. وتتحقق الحركة عبر النضال ضد الظلام وعن طريق قهر الخوف الذاتي.
تطرح الملحمة أسمى فكرة عن الوجود الإنساني وهي الخلود الذي يسعى إليه الإنسان بأروع الأعمال، فأذا كان الفراعنة قد خلدوا أنفسهم ببناء الأهرامات الضخمة فإنسان ملحمة كلكامش رأى خلوده في الأعمال التي تحمل الخير للناس. فكلكامش يحفز انكيدو لصنع كل ما يحتاج إليه غيره، ولطرد كل شرير موجود في العالم، وبهذا يخلد نفسه .(22)
لقد كانت بلاد مابين النهرين موطن أول الملاحم البطولية في التاريخ. وهي تنبيء بأن هذه البلاد خلقت لتكون مسرحاً لأعظم ملاحم البطولة الإنسانية .. لقد كانت ملحمة (كلكامش) النبوءة وكانت البشارة، وكانت ملحمة كربلاء التجلي والتحقق الرائع وهذا هو مابين ملحمة كربلاء وملحمة كلكامش مما استطعنا تأكيده وإجماله في أوجه تشابه أو أوجه تقارب في الموضوعات والأفكار. أما في الناحية الفنية، فإن ملحمة كلكامش تجسدت فيها المبادىء الفنية التي قررتها النظرية الأدبية أو النقدية، والتي سبق أن أوردناها بإيجاز وقلنا أن كثيراً منها جسدته ملحمة الحسين(ع).

الهوامش
ـــــــــــــــ
( ) ينظر : ملحمة كلكامش، أ.م. دياكونوف/ ب . س . ترافيموف، ترجمة وتعليق ومقارنة عزيز حداد، منشورات مكتبة الصياد – بغداد ، الطبعة الأولى، 1973 . ص163,127,87,83,27,26,16,12,11,9 180,179,174.

(2) حاول الباحث عالم سبيط النيلي في دراسته (ملحمة جلجامش والنص القرآني ـ قراءة جديدة) أن يقرأ الملحمة القديمة قراءة جديدة كما يقول العنوان في ضوء ما يستوحيه من النص القرآني والعلم واللغة. وفي هذه الدراسة برهن الباحث على أن الملحمة وأحداثها وأبطالها والشخصيات الواردة فيها إنما هي رموز لأحداث ووقائع وشخصيات واقعية لاأسطورية، ذلك لأن الأدب يتضمن جانبين : جانب الحقيقة وجانب الخيال، فقد يعبر عن الحقيقة بالخيال والرمز. وملحمة كلكامش تنحو هذا المنحى كما يرى الباحث الذي يأخذ على البحث الآثاري إنه لم يفرق إلى الآن بين الأسطورة بوصفها حكاية شعبية والأسطورة بوصفها رمزاً أدبياً رفيعاً، بين الأدب الذي يتضمن أسطورة شعبية والأدب الرمزي الفلسفي المنحى. ويحاول الباحث أن يكشف في الملحمة عن رمزية الأحداث والوقائع والأعلام الواردة فيها كما هي في ذهنية العراقي القديم ومنها شخصية عشتار والآلهة الأخرى (أيا، وأنليل وايرا ونتورتا) وشخصية أنكيدو وشخصيات أخرى أهمها كلكامش، فيبرهن على أنه ليس شخصية أسطورية بل شخصية حقيقية أوتيت من المعارف العلمية الدقيقة ما عجزت عنها عقول الناس في تلك الحقبة وما زال يعجز عن حسم النقاش حول بعضها الآخر العلم الحديث برغم تطوره. وهذه الشخصية الحقيقية التي عبر عنها كلكامش هي شخصية ذي القرنين الوارد ذكرها في القرآن الكريم، فيحاول الباحث إثبات وحدة الشخصيتين من خلال أوجه التشابه بينهما وهي كثيرة ومنها : 1- إبتداء قصة كل منهما بالطريقة نفسها في تعريف الشخصية. 2- بحث كل من الشخصيتين عن الخلود. 3- سلوك كلا الشخصيتين منطقة الظلام. 4- النصح المتشابه لكل منهما من قبل الشيوخ لترك المغامرة. 5- إرتقاء كل منهما جبلاً. 6- إعتراض كل منهما ناصح آخر مسيطر على الجبل. 7- وصول كل منهما إلى أرض صخرية مليئة بالأحجار الكريمة. 8- اعتماد كل منهما مطلع الشمس ومغربها نقاطاً للحركة. 9- اصطحاب كل منهما للأعوان في الرحلة. 10- كل منهما كان ملكاً بالفعل. 11- تشابه إسميهما في الدلالة اللغوية، إذ أن معنى إسم ذي القرنين يشبه المعنى الذي يقدره علماء الآثار لاسم كلكامش فمعناه هو (الرجل الذي ينبت شجرة) ولو ترجمت هذه العبارة إلى ألفاظ العراقيين اليوم فلن نجد أفضل من مفردة (عائش أوعياش) وما شابه إذ أن الذي ينبت شجرة ويخلف ذرية أو يفعل أفعالاً تخلده لايعد ميتاً، فهو عندهم (عائش) ومن هنا فإن معنى اللفظ يدور حول استمرار الحياة بنحو ما. وقد سئل الإمام علي (ع) عن إسم ذي القرنيـن فقال : (كان إسمه عياش وكان قد ملك بعد الطوفان) والنص هذا موجود في النور المبين فـي قصـة ذي القرنيـن وفـي كتاب البرهان في شرح سورة الكهف في الحديث المرقم(27) .
ثم يتساءل الباحث هل هي المصادفة وحدها التي جعلت رسوم كلكامش على ألواح الفخار وتماثيله بقرنين أم كانت رمزاً لهذه الواقعة؟
أما طبيعة الرحلة التي قام بها كلكامش والتي تشبه رحلة ذي القرنين فهي رحلة فعلية إلى الفضاء، وذلك لأن الملحمة انطوت على معلومات عن الفضاء وطبيعته والسرع النسبية والمغناطيسية الأرضية يستحيل معها ـ كما يقول الباحث ـ إفتراض أن ذلك وقع مصادفة أو من غير تجارب عقلية حقيقية.
يؤكد الباحث من خلال بحثه مدى التجني الذي أدى إليه التفسير العشوائي لنصوص الملحمة على الأمانة التاريخية من جهة وعلى البطل كلكامش خصوصاً من جهة ثانية، وعلى العراقي القديم من جهة ثالثة. فقد وصف العراقي كما وصف كلكامش من قبل الشراح بأوصاف مشينة بناء على ترجمات تعسفية وشروح أكثر تعسفاً معتمدة هي الأخرى على ترجمات قاصرة للنصوص القديمة. والباحث يبدي قدرة فائقة في إعادة ترجمة بعض نصوص الملحمة والعودة إلى معانيها الصحيحة بما ينزه البطل كلكامش وشخصيات أخرى من الأوصاف الفاحشة والظالمة بحقها التي اقترحتها الترجمات والشروح العشوائية والمتعسفة. ويذكر الباحث إنه لايعني بالعشوائية والمتعسفة مجرد الإعتباط في الترجمة والتفسير، بل يعني عدم الإكتراث بالفوارق الكبيرة بين الألفاظ من جهة والمتابعة الدائمة من قبل الباحثين العرب والعراقيين للشراح الأجانب الذين يشك في كثير مما فعلوه. فهو يشك في موضوعيتهم التامة تجاه نقيض حضاري مثل حضارة وادي الرافدين، وهو ما يظهر جلياً في طيات دراساتهم حينما يغصبون أنفسهم غصباً للإعتراف بمآثر هذه الحضارة عند المرور بنقاط حساسة منها حيث تصاغ لها عبارات محددة تفيد الإعتراف بأهميتها من جهة والتقليل من شأنها من جهة أخرى. ويشك في قدراتهم على الربط بين ألفاظ النصوص وخاصة نصوص الملحمة والعقائد الدينية السائدة وبيـن هذين من جهة والأنظمة السياسية من جهة أخرى. ويشك في قدراتهم اللغوية إذ أنها إحدى الجهات الخارجة عن اختصاصات الآثاريين المهتمين بالبحث التاريخي غالباً. ويشك أخيراً في قدراتهم العلمية الأخرى ذات الصلة بالبحث التاريخي اللغوي العقائدي المشترك هذا، والذي هو بأمس الحاجة إلى بقية العلوم كالفيزياء والفلك والطب، وهي العلوم التي يكونون في الغالب بعيدين عنها. وهذه الشكوك لايسلم منها الجميع وليست مقصورة على الأجانب. ومن خلال ذلك يرمي البحث إلى دفع الباحث العراقي ليأخذ دوره العلمي والحضاري اللائق به وأن ما مر من أزمنة تابع فيها الباحث العراقي عقول الغربيين هي أزمنة كافية بلغت حد التخمة ... ينظر : ملحمة جلجامش والنص القرآني – قراءة جديدة / عالم سبيط النيلي / دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت – لبنان / الطبعة الأولى 1426هـ - 2005م / ص 9 – 11، 185، 188
(3) ينظر : ملحمة كلكامش، ص 84.
(4) ينظر : المصدر نفسه ، ص 11، 14، 25 .
(5) نفسه، ص16، 28, 70.
(6) نفسه، ص 84،83،78،76،75،71 .
(7) نفسه ، ص 25،24،22 .
(8) نفسه، ص 75،68 .
(9) نفسه ، ص179,78.
(10) نفسه ص 169.
(11) نفسه ص 81.
(12) نفسه ، ص42,41.
(13) ر نفسه، ص 42.
(14) نفسه ، ص 46 ـ 48 .
(15) نفسه، ص 75.
(16) نفسه ، ص، 48، 49.
(17) نفسه ، ص، 49، 51.
(18) نفسه، ص 52 .
(19) نفسه، ص 173،166 .
(20) نفسه ، ص، 52.
(21) نفسه، ص 79,73 .
(22) نفسه ، ص 171ـ180.



#بتول_قاسم_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2 - ملحمة كربلاء
- ملحمة كربلاء والفن الملحمي
- في الأسس الفلسفية للسميولوجيا جدل المربع والدائرة
- السرطان : جدل الوجود بالقوة والوجود بالفعل
- ثورة الرابع عشر من تموز ، إرادة شعب وإنجاز بطل
- الحياة الخلوية : أي المركبات العضوية فيها أسبق في الوجود
- المرأة : سر ظهور الخلق
- الحزب الشيوعي والانتخابات
- دعوة متكررة الى مشروع ثقافي لإنقاذ العراق
- من ذكريات 8شباط الأسود - جارتنا أم عباس -
- تداخل الأجناس الأدبية في (المقاصة) / أبو هريرة وكوجكا - انمو ...
- مع الفلاسفة الإلهيين في استنباط القانون المطلق
- دفاع عن هيجل
- دور المرأة في تحقيق الوفاق والتلاحم الوطني
- الفلسفة التربوية وأهدافها ومناهجها - رأي في بعض ما يكتب فيها ...
- التشريعات الثقافية
- منظمات المجتمع المدني والسيادة الوطنية
- الفدرالية ومخاوف التقسيم ..
- نحو فهم صحيح للدين : اعرف الدين تعرف أهله ..
- الحوار المتمدن ..


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بتول قاسم ناصر - 3 - بين ملحمة كربلاء وملحمة كلكامش