أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الرحمن جاسم - تلفزيون، كثيراً وللغاية...















المزيد.....

تلفزيون، كثيراً وللغاية...


عبد الرحمن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1309 - 2005 / 9 / 6 - 11:25
المحور: الصحافة والاعلام
    


"ما إلك إلا هيفا"... وعري فتاة تبدو كشاب في مقتبل العمر؛ يغريك بالكثير مع هذا الصباح الشارد الذي أبقاني مستيقظاً طوال ليل غريب، فبات التلفاز تسليتي الوحيدة، رغم أن كمبيوتري كان يلمع أمامي، إلا أنني أصررت على متابعة التلفاز.
"وهكذا مضيت يا عزيزتي جوليان، إلى آخر القصة، دونما أن أعرف إلى أين أريد أن أصل". وفيلمٌ أميركي، لا يوحي بشيء إلا بفقدان الشهية لدي للإبتلاع؛ فهذا النهم الغريب الذي تتألب الأفلام الأميركية به لتبلعنا إياه لم يعد يؤثر فينا إلى الحد الكبير الذي يتوقعونه، ويظهر أن نهمنا الكبير بات يقل شيئاً فشيئاً. فلا جوليان ولا عزيزها شد اهتمامي ولو لثوان، فرحلت إلى عنوان جديد، وقناةٍ أخرى.
"الانتخابات المصرية، قول رأيك، عبر بصوتك، انتخب". إعلانٌ شدني، ومسرحية جديدة في الشارع المصري، كعادة الشارع العربي، وكذبةٌ كبيرة، ومزحةٌ من العيار الثقيل يدفع ثمنها شعب بأكمله، شعبٌ أقل ما يقال عنه أنه يمتلك قاعدةً هائلةً من المثقفين ومن جميع الإتجاهات والمشارب. ويبقى السؤال، فعلاً، هل سيقول أحدٌ رأيه؟ أو يعبر عن رأيه؟ أليس هذا معيباً أن يكون الإعلان ساخراً إلى هذا الحد من الشعب المصري؟ أليس مقيتاً لدرجة القباحة، أن تشعر بأن أحدهم يسخر منك حتى ولو في إعلانٍ سخيف، يبدو الأمر كأنما أنت تقول لأعور أيمكنك أن ترى بعينيك الإثنتين؟؟ أو لماذا لا تستعمل كلتا العينين في الرؤية؟؟ أغير القناة.
الشاعر الكبير "بولس فهد" وصور لمنزله، وصور لغابةٍ خلفه، طبعاً المشكلة الوحيدة في الأمر هي أنني كغيري من مشاهدي القناة، والعالم العربي بأكمله لا نعرف من هو هذا الشاعر الكبير، ومع احترامي الشديد له وللقناة، وكي لا أتهم بالتجريح، لا نعرفه، أجل لا نعرفه، ولا نعرف عماذا يتحدث شعره، ولا ماذا يقول! لماذا تصر قنواتنا الفضائية والأرضية على إتحافنا بأناس لم نسمع عنهم قبلاً ثم إضفاء صفات الشهرة عليهم، والإيحاء العالي والدائم بجهلنا، نحن الجمهور، كما لو أنها باتت صفة غالبةً علينا. ثم من قال أنه يفترض علينا أن نعرفه، ثم ماذا إذا لم نعرفه؛ فلأغير القناة، علني أجد شيئاً يريح.
"نترككم الآن، مع فضيلته ليحدثنا في شؤون حياتكم ودنياكم"، يا سلام، ماذا يعرف فضيلته، مع احترامنا الشديد له عن حياتنا ودنيانا، صحيح أنه رجلٌ مثقفٌ للغاية كما يبدو عنه أو منه، إلا أنه وعلى ما أظن في العقد الخامس أو السادس(ولربما السابع من عمره)، ما الذي يجعله يعرف أكثر مني عن حياتي؟ ما الذي يجعله يفهم أكثر مني في مشاكلي؟ كيف بإمكان رجل يبتعد عني حوالي الخمس إلى ست أجيال أن يحدد ما هي مشكلتي أو ماهية الحلول الواجب علي إتباعها؟ لماذا يصرون على إدغام حياتنا وتلوينها إلى هذا الحد بألوانٍ لا تلائمها؟؟ فلأغير القناة.
"من يحتاج إلى سيارة جديد؛ أخبروني، أنتم الآن ضيوف أوبرا وينفري، لذا لا بد من إكرامكم". نعم نحن ضيوف أوبرا، ضيوفٌ رغماً عنها، ضيوف رغماً عنا. ضيوفٌ في عالمها، ضيوف عليها، نجلس في بيوتنا ومع هذا نجلس في فضاء تمتلكه هي، تسيطر عليه، فتظهر كما لو أنها ملكةٌ متوجة على عالمٌ لا نعرف منه نحن البسطاء إلا أننا نتنمى أحياناً أن نكون فيه، أن نكون مع من يربحون الجوائز، أن نكون ممن يحييهم الجمهور، و يعشقهم الملايين. سؤالي إليك عزيزتي أوبرا: هل تكفي كل هذه الجماهير والشهرة العاتية والأموال الهادرة، لقاء لحظة من الاغتصاب الذي عانيته وأنتِ صغيرة؟ هل يكفي لقاء دمعةٍ واحدة ذرفتها آنذاك؟ أبعثر أسألتي عند أوبرا التي لا تكتفي فقط بسؤال الضيف كثيراً، بل كذلك تذرف دموعاً تماسيحية على مشاكل الضيف وحزنه، دون أي تناسي لإقتراب الكاميرا من وجهها لأجل اظهار قدراتها التمثيلية العالية. فأغير القناة، قبل أن أذرف أنا دموعاً كذلك.
"بحبها وأدوب في حبها، وهي..."، حاولت متابعة الأغنية، صدقوني حاولت، يا أحبتي، ولا تصدقوا كم كان الأمر غريباً، شاب يرتدي ثياباً كمهرج(تبعاً للألوان، وليس الشكل ربما) ويقف شعره كعرف ديك، وفتاة ترقص بعري شديد، وتتحرك بمهارة دونما أي سبب، ودونما أي حاجة في أغنية يفترض فيها التوحد وليس التعددية، أي الإخلاص لشريكٍ واحد، إنما ما الذي تفعله كل تلك الفتيات، اللواتي لا يوجد منهن في مجتمعاتنا الفقيرة نسبياً وعموماً. والفتى القافز نفسه، ذو الشعر الغريب لا يزال يمطرني بكلامه الغريب، والفيديو كليب يتأرجح أمام عيوني التي تتابع الفتيات، وأغير القناة، كي لا أشمئز أكثر.
"8 أيلول اليوم العالمي لمحو الأمية"، قناةٌ غريبة، ومقدمٌ غريب، ومشاركةٌ غريبة في برنامجٍ أغرب، أطل العنوان قبلهما، فشد الأمر انتباهي، بدا أن النظارات التي ترتديها مستفزةٌ للغاية بشكلها المثلث ولونها الأبيض للمقدم المتدين جداً، فكيف يستطيع استيعاب كلامها وهي حاسرة الرأس، وتتفلسف. ألا يكفي أنها لا ترتدي حجاباً؟ تتفلسف أيضاً؟؟؟ يبدو السجال بينهما واضحاً، يا أحبتي السؤال يبدو غريباً ههنا، ألا تعرف هذه القناة نوعية مشاهديها؟ أو نوعية مقدميها؟ ألا تفهم الأمر؟ أم أن للأمر علاقةٌ وطيدة بالإنفتاح وإظهار مدى ديمقراطيتها وحريتها؟ يا أحبتي لما لا تبقى الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية ضمن إطاراتها التي تتبناها، لما لا ترمي وراءها كل الادعاءات وترينا وجهها الحقيقي؟ لم تظل تكذب إلى هذا الحد؟ لا أعرف، فلأغير القناة.
عالم الصباح، برنامج الصباح، صباح الخير، نهاركم سعيد، صباح السعد، أستغرب الأمر كثيراً ألا يوجد صباح سيء؟ ألا يوجد صباح نكد؟ ألا يوجد صباحٌ كريه في قواميس هذه الأقنية، أه، آسف تذكرت، لا يمكن تسمية البرامج هذه بأسماء كهذه. لكن سؤالي لم يكن عن الإسم، سؤالي كان عن الإبتسامات والبهجة التي يطلون بها؟ من أين يحضرون كل هذه البهجة، من أين؟ ألا يعيشون مثلنا في نفس العالم العربي؟ ألا يعانون نفس المشاكل، ألا يحكمهم نفس الأشخاص الذين يحكموننا، ألا يدخل أطفالهم نفس المدارس التي يدخلها أطفالنا، ألديهم أهلٌ مشابهين لأهلنا؟ ما قصتهم؟ من أين يحضرون كل هذه البهجة معهم إلى التلفاز؟ ألا يستحون من الأمر؟ يا أحبتي، أنا أجيز الكذب أحياناً، ولكن أمعقول أن يظهروا يومياً ويكذبون بكل هذه الجرأة، ولا يسألهم أي أحدٍ من أين تحضرون كل هذه البهجة والفرح وتكذبون على كل خلق الله! أو على الأقل أن يوقفهم أحد عن جرائمهم بحق البشرية. فلأغير القناة، وأرجو أن تكون آخر مرة.
"مباشر رام الله، اعتصام طلابي في القدس الشرقية"، وشيرين أبو عاقلة تحتل الشاشة كعادتها، تبدو مجهدةٍ كعادتها كذلك، وأكبر من عمرها بكثير، وإعلانٌ يقاطعها، وصورة فتاةٍ فلسطينية/تشيليانية تتحدث عن فلسطين مع أنها لم ترى فلسطين في عمرها، ويختمم الإعلان بقولها: أنا لن أحاول العودة إلى فلسطين... أنا سأعود إلى فلسطين". وتكلل الأمر بضحكةٍ ناصعة البياض. ساعتها أوقفت عبثي عبر أقنية التلفاز المتعددة، وانطبعت ضحكة الفتاة في عقلي وتوقفت عن العبث، وجلست أفكر، في سحر الضحكة الواثقة من العودة إلى بلادها ولو بعد حين، وعرفت أنه آن أوان التفكير.



#عبد_الرحمن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أريد أن أجوع
- سأخون وطني
- لغة الخطاب


المزيد.....




- -سرايا القدس- تعلن مقتل 3 من عناصرها في قصف إسرائيلي على جنو ...
- أردوغان: فرص نجاح مبادرات السلام الأحادية دون مشاركة روسيا ض ...
- مصر: أفرجوا فورًا وبدون شروط عن الناشط السياسي البارز محمد ع ...
- إسرائيل تعلن مقتل -قائد القوة البحرية- لحماس
- مراسل RT: قصف مدفعي إسرائيلي في محيط المستشفى الكويتي وسط مد ...
- عشرات القتلى والجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مناطق في مدينتي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: قد يكون هذا الصيف -ساخنا- في الشمال ...
- -جداول الحياة-.. أداة جديدة تتنبأ بمدة حياة قطتك
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية قائد القوة البحرية التابعة لحماس ...
- ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الرحمن جاسم - تلفزيون، كثيراً وللغاية...