أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فرات المحسن - مشهد أخر في نشوة القتامة وردع الأمل















المزيد.....

مشهد أخر في نشوة القتامة وردع الأمل


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4631 - 2014 / 11 / 12 - 15:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




واحدة من أهم مصادر تمويل مشاريع تطوير مدينة مكة وضواحيها في المملكة العربية السعودية تأتي من المبالغ التي ينفقها الحجيج في موسمي الحج والعمرة وما بينهما من أيام أخر يسمح فيها للزوار بالدخول إلى مكة والطواف بين جنباتها . وعلى ذات المنوال تحصل المدينة المنورة على مصادر أموال طائلة في ذات المواسم. وفي البعض من الوثائق هناك ما يشير إلى إيرادات حققتها السعودية بلغت 62 مليار ريال سعودي أي ما مقداره 16,5 مليار دولار في عام 2012 .وكان عديد الحجاج في ذلك العام من الوافدين وأهل البلد قد بلغ ما مجموعه 12 مليون حاج على مدار العام. وأشارت المصادر في تأشير متوسط الأنفاق للحاج الواحد بما قيمته بين 1900 دولار إلى 4000 دولار . وقالت التقارير للسلطات السعودية بأن ما معدله 3,1 مليون حاج أدوا فريضة الحج في شهر تشرين من عام 2012 من ضمنهم 1,7 مليون أتوا من خارج الملكة.
وفي إحصاء أخر لعام 2014 فأن عدد المسلمين الذين قدموا إلى السعودية موسم الحج في هذا العام قد بلغ 3 ملايين حاج ومع هذا العدد الكبير ارتفعت إيرادات الحج عن المواسم التي سبقته ولتكون إيرادات الموسم مبالغ كبيرة توضع في خزائن المدينة والدولة السعودية.
تبدو مدينة مكة عبر نافذة الطائرة متوهجة بالأنوار وثمة نسق جميل لشوارع تلتف حول ووسط ومحيط المدينة بتنسيق عالي ومبهر .الحرم المكي بشكله المميز وسعته وطراز بنائه الهندسي ومنائره وقبابه يبهر الناظر. وروعي على مدى أعوام ومواسم طويلة على توسعته وبناء مرافق جديدة تستوعب العدد المليوني للحجاج. الخروج للتجوال في المدينة يجبر الزائر على ملاحظة التنوع بين الأماكن القديمة وخاصة الأسواق الشعبية فيها والتي تجاورها البنايات الشاهقة للأسواق الحديثة والفنادق والجوامع بواجهاتها الجميلة. حتى الأماكن القديمة امتدت لها يد العمران ووضعتها على طبيعتها الأولى بعد الصيانة وبقيت أماكن تزار للتبرك والفرجة. ورغم زخم الأعداد المليونية من الحجاج فهناك انسيابية غريبة ونظافة تامة تتمتع بها أزقة وشوارع المدينة وما يحيط بالحرم المكي. وعلى ذات الصورة المريحة تتمتع المدينة المنورة بالجمال ذاته لما أغدق عليها لأجل تطويرها كمعلم ديني وفي ذات الوقت سياحي ومصدر يدر الأموال الطائلة على إدارة المدنية ويقدم آلاف فرص العمل لأبناء المدينتين وباقي مدن المملكة السعودية .
في العراق هناك العديد من المقامات والأضرحة الدينية التي يقارب في وضعه وضع مدينتي مكة والمدينة المنورة في القدسية الدينية والمكانة السياحية. ولكن ولحد الآن لم يطرأ على المعالم العمرانية أو الاقتصادية لهذه المدن أي تغيير ممكن أن يعتد به، وبقيت المشاريع تزحف في التنفيذ مثل سلحفاة ، وشابها الكثير من اللغط والاتهامات بالسمسرة وسرقة الأموال.
يقال والعهدة على البعض من السياسيين ورجال دين، بأن أيام شهر محرم ومن بينها عشرة عاشوراء ثم أربعينية الأمام الشهيد الحسين بن علي ووفاة النبي محمد والأمام علي ومولدهما وغيرهم من الأئمة، تدخل تلك المدن أعداد مليونية. وفي تلك الأيام وبالذات استشهاد وأربعينية الأمام الحسين دون غيرها، يؤم مدينة كربلاء المقدسة ما يقارب 6 ملايين زائر من جميع أنحاء العراق وخارجه.
ليس مستغربا وجود مثل تلك الأعداد، ولكن الغريب في الأمر تضارب التصريحات حولها من قبل مجلس محافظة كربلاء وجهاز الأمن الوطني والمؤسسة الدينية. ويعزوا هذا التضارب والتفاوت في التقدير، لعدم وجود جهة توثق حقيقة تلك الأعداد، كذلك عشوائية الزيارة وخضوعها لمزاجية مفرطة للأفراد ومثلها الجهات المسؤولة والمشرفة على الزيارة. فجميع مداخل المدينة مفتوحة لقدوم ارتال المشاة دون سيطرة أو إحصاء يذكر، سوى المراقبة والخوف من التهديد الإرهابي.
بعد الانتفاضة الآذارية ضد الدكتاتور صدام حسين ولما أبدته البيوت والأزقة بين حرمي ضريحي الإمامين الحسين والعباس من مقاومة شديدة للهجوم الذي قاده المقبور حسين كامل ضد ثوار المدينة، أصدر صدام أوامره بإزالة الدور والأزقة بين الحضرتين وشيد بدلها ساحة جميلة واسعة ومسقفات تحمي الناس من المطر والحر أثناء الزيارات، فكانت رب ضارة عند البعض نافعة للمدينة وأهلها. ولم يجد صدام في حينه من يعترض على ما فعله بسبب سطوته وجبروته ففعل حينها ما يوافق هذا الصمت وقدم تعويضات غير مجزية لمالكي الدور. ولكن اليوم ولغرض التوسع في باحتي مقامي وضريحي الإمامين، فأن مجلس حكم المدينة يجد أمامه معوقات كبيرة أولها التخصيصات المالية الحكومية الشحيحة ومطالبات أصحاب الدور والمحلات بمبالغ كبيرة، لا بل امتناعهم عن الموافقة على مثل هذا التغيير. أيضا عشوائية التعامل من قبل السلطة المحلية مع طبيعة الزيارة وهذا يفصح عن إهمالها لجانب مهم وهو الموارد المالية التي تدرها هذه الزيارات على المدينة ومنها واردات المؤسسة الدينية المشرفة على المقامين وقيمة الضرائب الموجب فرضها على بعض الأعمال. ويأتي هذا بسبب الفصل بين الإيرادات التي تحصل عليها المؤسسة الدينية وتنفقها دون رقابة وبعيدا كل البعد عن متطلبات المقامات الدينية والبنى التحتية للمدينة، وبين ما تحصل عليه خزينة المحافظة والتي أشتكى مسؤوليها من العجز في الميزانية لهذا العام. كذلك عدم وجود أطر قانونية محاسبية تسمح بضبط تلك الأموال وجبايتها ووضع أبواب أيراد وصرف لها لتستغل في تطوير بنية وهياكل الضريحين ومثلها المنشآت والأحياء في باقي مدينة كربلاء. ذات الأمر يحدث لمدينة النجف والكاظمية وسامراء ومحيط مرقدي الإمام عبد القادر الكيلاني والإمام الأعظم وباقي المقامات الدينية والأضرحة حيث يعدم وجود لجان خاصة لوضع أسس وضوابط للانتفاع من الموارد المالية الضخمة التي تدرها تلك الأضرحة. ولم يعن للمؤسستين الدينية والحكومية استغلال الواردات لبناء وتحقيق مشاريع تجارية تدر أرباحا يمكن أن تستغل لأعمار وتطوير البنى التحتية لهذه المدن.
الزائر لمدينتي كربلاء والنجف ومثلهما الكاظمية وسامراء والأعظمية يقف حائر أمام الفوضى العارمة التي تكتنف أحياء جميع هذه المدن. فالمشهد الأول الذي يجلب النظر تلك الخيوط العنكبوتية التي تتسلق الجدران وتتشابك فوق أسطح البنايات والشوارع .أسلاك تمتد على طول وعرض المدينة لا تعرف عائديتها هل هي أسلاك هاتف أم كهرباء وطنية كانت أم مولدات أهلية.كذلك يتعجب المرء ويصاب بالفزع لكثرة البيوت الآيلة للسقوط. ولا يوجد أي معلم في هذه المدن دون أن يشوه ويخرب بالملصقات الدالة على شخص أو عشيرة أو موكب وهناك فوضى عارمة لا تخضع لتراتيبية وضوابط لآلاف قطع الدلالة لمحل أو طبيب أو محامي أو صائغ أو محل حلويات ومطعم ومصلح أدوات وحتى المطهرجي وقراء وقارئات الطالع. كذلك فأن ظاهرة البسطات على عشوائيتها تمثل أقبح منظر يجتاح المدن طولا وعرضا بعشوائية وبعثرة وتنوع منفر. ويحدث مثل هذا الخراب والتخريب أتعس منه أيام عاشوراء ومواكب العزاء التي تستبيح المدينة وشوارعها دون تنسيق وعناية لتكون مصدرا للتلوث والنفايات وسببا لاستنزاف جهود وأموال بلدية المدينة، حيث تصرف الحكومات المحلية دون المؤسسة الدينية، أموال طائلة لدعم تلك المواكب والبسطات. فالمواكب تنتفع من هبات الحكومة وتترك لبلدية المدينة آلاف الأطنان من الأوساخ . ولا يقتصر الإهمال والخراب فقط تلك الجوانب بقدر ما تجد في التنقل بين أحياء المدن ما يفزع ويجرح الروح والعين من خرائب وأزقة موحلة ودروب تبعث على التأسي والفزع وروائح تبعث على الغثيان. ومثل تلك المناظر القبيحة تفصح وكأن هناك إصرار على بقاء تلك المدن بهذه الصورة المقرفة كدالة على مظلوميتها، وتلك لعمري واحدة من خدع المستهترين شذاذ الأفاق الذين ابتلت بهم تلك المدن.
ودائما ما يقدم المتدينون نشيد الإنشاد الدائم والعالي النبرة، بأن مدن العراق الدينية تضاهي بقدسيتها الحواضر الدينية في باقي دول العالم مثل الفاتيكان ومكة المكرمة والمدينة المنورة ومدينة مشهد الإيرانية . ولكن فيما يخص البنى التحتية والمنشآت والنظافة فمدننا الدينية ورغم غناها، تتفوق في بؤسها وخرابها وقذارة أحيائها وعشوائية حياتها على جميع ما تتمتع به تلك الحواضر من نعم وهبها وهيئها لها وشيدها حكامها ورجال دينها وأناسها من العقلاء الأسوياء الحكماء، وقبل هذا وذاك الأصحاء النظيفين عقلا وضميرا وجسدا.




#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقترح مشروع المنظمة العراقية للدفاع عن حقوق الإنسان
- عواصم للثقافة، مشهد في نشوة القتامة و ردع الأمل
- الغاية من رواية طائرات سوخوي الداعشية
- هل يستطيع السيد العبادي تنفيذ برنامجه الوزاري
- داعش وأفلام الأكشن
- الدواعش في إدارات الجيش العراقي
- نحو مجزرة سبايكر جديدة
- العراق، خيار التوافقية بديلا عن صناديق الاقتراع
- تركة ثقيلة عافها المالكي للعبادي وجميع العراقيين
- سليم الجبوري خيار خائب لتصعيد حالة الاستعصاء
- الولايات المتحدة الأمريكية وتفكيك عقد العراق المستعصية
- من يحال إلى المحاكم بعد الهزيمة
- الترشح لرئاسة الوزراء بين هواة السياسة ورجال التكنوقراط
- الطائفة تغلب الاعتراض على التزوير أم العكس
- هل تختفي هذه المساوئ بعد انتخابات عام 2014
- سوريا إلى أين
- سمعة العراق وشعبه بين وزير النقل ولجنة الخدمات البرلمانية
- لغز داعش ومدن الانبار والجيش العراقي
- قرارات تسحب العراق نحو الهاوية
- ذكرى فارس أسمه طارق محمد البوعزيزي/ بسبوسة


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فرات المحسن - مشهد أخر في نشوة القتامة وردع الأمل