أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد العزوني - الناقد المسرحي جمال عيّاد: التمويل الأجنبي يهدد المسرح العربي















المزيد.....

الناقد المسرحي جمال عيّاد: التمويل الأجنبي يهدد المسرح العربي


أسعد العزوني

الحوار المتمدن-العدد: 4603 - 2014 / 10 / 14 - 23:57
المحور: الادب والفن
    


الناقد المسرحي جمال عيّاد:
التمويل الأجنبي يهدد المسرح العربي
المسرحيات الممولة أجنبيا متحللة من البنى المسرحية
الدعم الأجنبي تجذر كثيرا في الحراك المسرحي المصري
ليس لدينا جمهور يتظاهر لعودة المسرح في حال إيقافه
نعاني من ندرة في النص المسرحي المهني والإبداعي
عمان- أسعد العزوني
يرى الناقد المسرحي الأردني جمال عياد أن التمويل الأجنبي للمسرح العربي أصبح يتخذ شكلاً مؤسسياً، ويؤثر في السياسات العامة لبعض الأقطار العربية، وبخاصة بعد أن عادت السلطات الرسمية لتنقضّ على حقوق المواطن وتعتدي على حريته تشريعياً، بعد نكوص مشروع "الربيع العربي".
ويقول عياد في حوار خاص إن المسرح الأردني يتلقى دعماً حكومياً، إضافة إلى دعم السفارات الغربية ومراكزها الثقافية في عمّان، ويؤكد أنه ليس هناك "مسرح نسوي"، وأن جمهور المسرح يتوارى شيئاً فشيئاً، متوقفاً عند ما دعاه "ضعف المخرجين"، ومستقرئاً بعض الأعمال المهمة التي قُدمت خلال العام 2014.
تالياً نص الحوار.

• كيف تصف واقع المسرح في الأردن؟
ينجمع الحراك المسرحي في الأردن في قسمين، الأول تدعمه وزارة الثقافة عبر مهرجاناتها، وهو الأكثر قرباً من جماليات البنى المسرحية، ويلاحَظ عليه إعادة إنتاج الأنماط والحالات نفسها في مشاريعه المختلفة، وبخاصة في لجان المهرجانات، ما يعني أن مواصلة هذا النهج ستُقصي الدماء الجديدة عن المهرجانات والمؤسسات العاملة في مجال المسرح.
أما القسم الثاني، فهو المدعوم من السفارات الغربية ومراكزها الثقافية في عمّان، وهو المتحلل في جلّه من البنى المسرحية، نظراً لأن إنشاءه يجيء وفق وصفات الممول الأجنبي أكثر منه بوصفه حالة إبداعية لنص درامي ورؤية مخرج متناغمة مع هذا النص.
وتسهم الرسائل الثقافية والاجتماعية التي تنطوي عليها العروض في هذا القسم، في تفكيك الأسرة العربية، عبر طرح مسائل منها تحرر المرأة من العلاقات السائدة التي تربطها بأسرتها، وإيقاظ نزعة التمرد على الحياة الأسرية لدى المراهقين، وكأن تحرر المرأة العربية في السياق العام، يتحقق من خلال قِطَع الملابس فقط، وليس بإعادة تأهيلها ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، لتكون جنباً إلى جنب الرجل.
لقد دأب المفهوم الفرانكفوني على النظر للمرأة بوصفها ضحيةً دائمة للرجل، متناسياً أن الاثنين معاً هما ضحية للتخلف السياسي والاجتماعي الذي يحرص عالم الشمال الصناعي على تكريسه في مجتمعاتنا عبر النظم التابعة له.

• لماذا يستمر هذا النهج ما دام أنه لا يفيد الأطراف كافة؟
إن ما يجري هنا في عمّان الآن، هو نفسه الذي جرى ويجري منذ زمن في عواصم أخرى، ففي مصر مثلاً، تَجذَّرَ الدعم الأجنبي أكثر في الحراك المسرحي، والفني عموماً، وأصبح له مهرجانات كبرى ومؤسسات أضعفت المؤسسات الفنية التابعة للقطاع العام هناك، وبالتالي لعب الدعم الأجنبي للمؤسسات الفنية دوراً في التأثير على الاستراتيجيات الثقافية للبلد، لا بل كان له دور أساسي في التحولات السياسية الأخيرة في مصر.

• وهل هذا التأثير نفسه موجود في عمّان، ومَن المستفيد منه؟
لقد أسهمت القوانين السائدة في انتشار التمويل الأجنبي، بخاصة بعد عودة الأنظمة للانقضاض على حقوق المواطنين وحرياتهم عبر سنّ التشريعات، ونكوص مشروع "الربيع العربي"، وتدهور الوضع الاقتصادي نتيجة الركود الاقتصادي العالمي وتفشي الفساد المالي والإداري.
هذا التأثير نفسه يحدث الآن في الحراك المسرحي المحلي؛ فعلى سبيل المثال هناك مؤسستان تتلقيان دعماً وتمويلاً أجنبياً، هما مركز الفنون الأدائية، ومسرح البلد، يوازي نشاطُهما سنوياً مجموعَ نشاطات مهرجانات وزارة الثقافة وأمانة عمّان الكبرى اللتين تقف خلفهما الدولة! هذا عدا الجاليريهات التشكيلية والمؤسسات الفنية الفردية والجماعية التي كثرت بشكل كبير ولافت، وتتلقى الدعم الأجنبي أيضاً.
وبالتالي، بدأت تتشكّل اصطفافات في عدد من العواصم العربية لفنانين ومؤسسات لها مصلحة باستمرار الدعم "الكوزموبولوتي" هذا، رغم سياساته المعارضة للاتجاهات الوطنية والدينية في أقطارنا العربية، فيكفي أنه يغطّي نفقات الفنانين أنفسهم وأسرهم!
إن الجهات الرسمية العربية "مرتاحة" إلى تركيبتها الطبقية وتوجّهاتها، التي ترفض وجود احزاب فعلية مستقلة تعبّر عن فئات المجتمع، لذا لن يضير هذه الجهات بقاء الحركة المسرحية غير خلاّقة أو منتجة إبداعياً، لتظلّ عاجزة عن التعبير عن تطلّعات الشرائح الاجتماعية. كما إن هناك فئاتٍ وأطرافاً اقترن وجودُها بوجود هذا التمويل.


• وما دور الجمهور المسرحي هنا؟
في حقيقة الأمر ليس لدينا جمهور يمكن أن ينزل للشارع في مظاهرة تطالب بعودة المسرح في حال توقفت عروضه، ولن يفعل ذلك سوى الفنانين المستفيدين من بقاء المسرح، فالشعب بعامة لا يُلقي بالاً للمسرح انطلاقاً من أنه "فن نخبوي" يهم فئات محددة.
والدليل أنّ تذاكر المسرح في العروض المحلية سواء التي تقف خلفها وزارة الثقافة أو مراكز التمويل الأجنبي؛ مجانية، لكن المسرح المكتظ الذي يتسع عادةً لثلاثة مائة متفرج، لا يشكّل فرقاً في تطور الحضور المسرحي، فهذا الجمهور يتكون عادة من أقارب الفنانين المشاركين في العروض ومعارفهم، ومن يحضر ليشاهد عرضاً بعينه لأن شخصاً يهمّه يشارك فيه لا يجد ضرورة لحضور عرض آخر لا يعرف أحداً فيه. ويمكن القول إن متابعي المهرجانات هم الصحفيون، وثلة قليلة من المسرحيين، وطلبة الفنون.
بعد توقف مهرجان أيام عمان المسرحية، الذي شكلت دوراته حضوراً مؤثراً على مستوى المنطقة، لم نرَ ردود فعل ذات بال على ذلك، وكان سبب توقفه تحوله من أخذ الدعم من المؤسسات الأجنبية، إلى أخذها من المؤسسات الحكومية التي خذلته، كأمانة عمان الكبرى ووزارة الثقافة، والخاصة أيضاً، وهذا أمر طبيعي، فليس لهذه الأطراف مصلحة في بقاء المهرجان.
يشذّ عن المعطى السابق (غياب الجمهور عن المسرح)، ما حققته بعض عروض المسرح اليومي في فترات محددة، وبخاصة مع التحول الديمقراطي في البلاد في تسعينيات القرن الماضي، حيث أن الأحزاب الفقيرة فكرياً وجماهيرياً لم تستطع أن تتماهى في دورها مع هذا التحول، فجاء المسرح اليومي ليسد الفراغ الناتج عن غياب الأحزاب. فتابعَ الجمهورُ الراغبُ في التنفيس عن مشكلاته، المسرحَ الذي قدمه: زهير النوباني، وهشام يانس، ونبيل صوالحة، ومحمد الشواقفة، وموسى حجازين، وعبد اللطيف شما، وربيع شهاب. وكانت كل مسرحية تدرّ مردوداً على العشرات من عائلات الفنانين المشاركين فيها، بخاصة أن عروضها كانت تستمر لسنوات.

• لماذا لا تتكرر هذه الظاهرة حالياً؟
السبب يعود أولاً وأساساً لندرة النص المسرحي المهني والإبداعي، إذْ أن معظم كتّاب المسرح الأوائل غابوا عن الساحة الفنية لأسباب مختلفة، كما أننا لا نجد كتّاب مسرح عرباً على مستوى المنطقة العربية، وبالكاد نعثر على نص درامي مسرحي حقيقي عربياً.
معظم كُتّاب النص المسرحي يستغرقون في الذهنية والأسلوبية الأدبية، أما المخرجون الذين يكتبون، فإن سيناريوهاتهم تكون مليئة بالأفكار، ولكن تغيب عنها التفاصيل الدرامية في ما يسمّى "المسرح الحديث".
ولا بد من التنويه إلى سياسات الإفقار التي تمارَس على الشعوب، والتي أسهمت أيضاً في انحسار الجمهور المسرحي في معظم البلدان العربية، باستثناء الأقطار الخليجية بعامة.

• كيف ترى إلى الإخراج المسرحي؛ بمعنى نقاط القوة والضعف؟
الإخراج ليس مسألة فنية فقط، وإنما يرتبط وجوده بتوافر عوامل فكرية وسياسية والجراءة والرؤى التجديدية الخلاقة، والخيال الخصب، غير تلك التي تتلمذ عليها المخرج في دراسته الأكاديمة، يضاف إلى ذلك قدرته على المتابعة الدائمة لما يستجد في الحياة من أخبار ومعطيات تهم الناس.


• هل لدينا مسرح قصة أم يقتصر الأمر على المسرح التجاري؟
واقع حال المسرح المنتَج لجهة النصوص، يتراوح ما بين الثيم التراجيدية والكوميدية والعبثية، ووفق تقنيات المدرستين البريختية والأرسطية، وهذا ما يتوافر في مسرح مهرجانات وزارة الثقافة.
أما مخرجات العروض المدعومة من السفارات ومراكزها الثقافية في الأغلب، فتشير إلى أنها تجارية ولأغراض سياسية مُدمرة اجتماعياً؛ بمعنى أن الدعم يكون لنصوص تُظهر المرأة ضحية، والرجل كطاغية ومستبد، بينما يكشف الواقع أنهما معاً ضحية السياسات الاقتصادية السائدة.
وهناك توجّه ثالث بتنا نتلمسه، كما في عروض فرقة "أحفاد المسرح" المحلية، التي تأسست في العام 1999، يهدف إلى تحقيق ظاهرة "المسرح الإسلامي"، ويلاحَظ أن هذا التوجه يعاني الشحَّ الشديد والدائم في الدعم.

• كيف ترى إلى حضور المرأة في المسرح الأردني؟
- ثمة ملاحظة تستحق الذكر بهذا الشأن. في كل مهرجان أو موسم مسرحي تَظهر مخرجة أو ممثلة أو تقنية، ولكن معظم هؤلاء يختفين عن الأضواء بعد سنوات، لأسباب اجتماعية تتعلق بتكوين الأسرة! وقليلات هن اللواتي يستمر عملهن المسرحي بعد الزواج، وأكثرهن يتوجهن للاشتغال في أعمال إدارية لدى مؤسسات خاصة وعامة لديمومة استمرارهن في العمل الفني!
وبالتالي، فإن تأثير المرأة في ترك بصمة فنية أو فكرية كمخرجة أو كاتبة نادراً ما يتحقق، وهو ما ينطبق على الحراك المسرحي العربي بعامة.
غير أن المعطى الأساس يشير إلى أنه لا يوجد "فكر نسوي" كما أنه لا وجود لـ"فكر ذكوري"، فالنسوية إحدى الصّرعات الفكرية التي أثيرت في الغرب وقلّدها بعضهم في منطقتنا، وأصيبت بالنكوص والتهافت فكرياً حتى في الغرب نفسه، فقد ثبت أن الإبداع الفني في المسرح أو في أي حقل آخر تجترحه نفسٌ ورح إنسانيةٌ لا علاقة للجندر بها.


(شروق الأمل).. بلاغة مجازية حققتها لغة الجسد المسرحية

* هلا قدمت لنا قراءة لأهم ثلاث مسرحيات ؟
- قبل الإجابة على سؤالك لا بد من الاتفاق على تحديد ماذا نعني ب(أهم المسرحيات) من حيث وصفها، لنستطيع الاقتراب من الإشارة إلى إحداها، فهناك في الخطاب الثقافي الشائع من يعتبر أن المسرحية ذات الخطاب السياسي المباشر هي الأهم، وآخرين يرون بالاجتماعية أو النفسية أو الفكرية، أو تلك التي تعمل على اضحاك المتلقي، وإلى غير ذلك من الأطروحات الأخرى؛ التي تعتبر هي الأهم.
وكل تلك الثيم والأفكار السابقتين موجودة في مختلف الحقول الأدبية من قصة ورواية وشعر..إلخ، والفنية من أغنية وتشكيل ..إلخ، وبالتالي ليست هي الأساس في تحديد المسرحية الأهم، وبالتي تبرز المسألة الأهمم هنا في حضور جماليات اللغة المسرحية في طرح ما نريد، ووفق سياق متناغم بين المبنى والمعنى.

وهذا ما تحقق وإلى حد ليس بالقليل في مسرحية " شروق الأمل"، وهي من العروض المحلية التي تطرقت مُبكرا إلى العدوان على قطاع غزة، فجاءت لغةً بلاغيةً مجازيةً حققتها جماليات أنساق لغة الجسد المسرحية.

إذْ تماهت تقنية الحلم مع الواقع في هذه المسرحية التي ألفتها أمل المشايخ، وأخرجها سمير خوالدة، التي عرضت على مسرح هاني صنوبر في المركز الثقافي الملكي، وهي الفعالية الاختتام لمهرجان مسرح الطفل الأردني الحادي عشر.

إذْ ظهر العرض حقلا من العلامات الجمالية، فكان فضاءً خصباً يعج بالإشارات الدالة على ما يمور في صدور الناس في الراهن لما جرى للطفولة هناك في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، فأظهرت الرؤية الإخراجية أحداث حُلم شخصية فتاة رقيقة المشاعر، جُسدَ حُلمها وفق الأداء التمثيلي، ولغة الجسد وبخاصة في مختلف اللوحات الراقصة، وفي طرح جماليات السينغرافيا، والموسيقى.

انطلقت الرؤية الدرامية للنص، من أن واقع حرب غزة الأخيرة بما حوى من قتل ومآسي من قبل العدوان الإسرائلي، جاءت فظاعته أساسا على أطفال القطاع، عزز ذلك إحصائيات مؤسسات الأمم المتحدة العاملة هناك، فكان استخدام تقنية الحلم في الرؤية الدرامية، كذريعة لطرح ما جرى موفقاً جدا، لجهة اختياره تقنيةً ليلائم عالم الطفولة المشبع بالخيال، على اعتبار أن الجمهور المستهدف هم من الأطفال، والذي يجد في هذه التقنية أداةً وأسلوباً ناجحين للتعامل معها، ومن جهة ثانية مجيء الحكاية السطحية والعميقة للحلم أيضاً موظفتين درامياً لتحقيق رسائل ومعاني هذه المسرحية، التي لم تخلو من إثارة حسية وذهنية جماليتين.
كما ونأى العرض بنفسه من حيث إنشائه كردة فعل لأحداث غزة فقط، بل عمم هذا الحدث إنسانيا عندما تحدثت شخصيات فتيات المدرسة في سياق تطور الحداث، قبل أن تحولها الطائرات الإسرائيلية غبارا وحصى منثورا في الهواء، بأنهن كن يدركن فلسفياً بأن الزمن هو الذي يمر في حركته عليهن، ولكنهن أكتشفن أنهن هن اللواتي يعبرنه مسرعات، ليجدن أنفسهن في واقع آخر ومغاير عن ما سبق هذه الحرب، في صيرورة تسلسل التاريخ البشري.

ولكن الفجيعة تجيء في الأحداث بأن هذا الحلم الكابوسي، هو الواقع الذي نعيش، وهذا المعنى تواصل معه المتلقي مع البنى المضمرة للعرض، إذْ قالت شخصية الفتاه الحالمة لصديقتها: ريما أنا بتول وقد تعمدت الممثلة أن تطرح اسمها الحقيقي لإحالة المتلقي للواقع ومن ثم صدمه مرة أخرى دراميا بمأساة ماحدث وجرى لأهل غزة من نازية وفاشية الإحتلال على أطفالهم، عبر فعل الصدمة والدهشة لفقدان الفتاه الحالمة بسرعة هائلة لعائلتها جميعا بعد عودتها من المدرسة.

لعبت الإضائة التي صممها محمد المراشده دورا محوريا وأساسياً، في تحديد العلاقات اللونية سواء عند إظهار مزاج الشخصية، أو كشف شكلها الخارجي، أو المساهمة في التشكيل، وفق أربع خصائص ضوئية لجهة الحركة، والشدة، والتوزيع، واللون، وكان لبراعة المراشدة المعروفة عنه، في توظيف الظلال والنور، ووتدرجاتهما وغير ذلك من التوظيفات والاستخدامات أن أضفى قيمة سيميائية بصرية للعرض وبخاصة في توظيف الأبيض والأسود، طيلة العرض، عدا الفضاء الأزرق الذي ظهرت في جمالياته أجزاء من أحداث الحلم لعالم الحوريات الآسر الجذاب دلاليا في ظهوره.


مونودراما ليبية "حكاية طرابلسية".. الأنثى إذ تعيد اكتشاف ذاتها

ومن العروض التي شاهدتها مؤخرا، المسرحية الليبية "حكاية طرابلسية"، من تأليف محمد يوسف، وإخراج جمال عبد الناصر.
قامت الرؤية الإخراجية لهذه المسرحية التي أدتها منفردة خدوجة صبري، المشاركة في الدورة السابعة لمهرجان عشيات طقوس المسرحية، على تجسيد المرأة ضمن رؤى؛ بوصفها أنثى أولاً، ومضطَهدة ثانياً،. وجرى في اللوحات والمشاهد، تأويل كلٍّ من هذه الرؤى، وفق بنى سطحية وعميقة.

الملفت للنظر في تجربة خدوجة صبري المسرحية، هو ذلك البحث المتواصل في دواخل المرأة الليبية خصوصا والعربية عموما، والسعي الدؤوب لنبش مكنوناتها والكشف عن هواجسها. فذهبت المعالجة الدرامية، في البناء السطحي، إلى إدانة نظرة الرجل للمرأة التي تنغلق على مفهوم "مجتمع الحريم"، عبر الانشغال الحواري في إضاءة ثلاث حكايات لنساء ليبيات من طرابلس.

وروت الحكاية، التي تنطرح أحداثها في فضاءات معينة، لا تخلوا من الصعوبات لا بل من القهر والكبت الاجتماعي والنفسي، التي تنوء بكلكلها على صدر ثلاث نساء، بفعل تصديهن لأحداث ومواقف اجتماعية، كمعاناة العنوسة، ومشاعر والاحباط من النظرة الاجتماعية لمن تخدم في البيوت، وحال المرأة في حالتي (الأرملة أو المطلقة).

لجأت الرؤية الإخراجية إلى مزج أكثر من أسلوب أدائي في صياغة المسرحية سمعياً ومرئياً، كاستلال الحكاية من حكاية أخرى، أو في الإتكاء على الذاكرة الإنفعالية، أو في الأداء الجسدي الراقص المعبّر عن ما يمور في دواخل المرأة من صخب وثورة، وهي تكتشف قدراتها النفسية وإمكاناتها الاجتماعية وطاقتها الجنسية، أو في تجسيد كل شخصية من النساء الثلاث؛ السيدة الطرابلسية، واختها سميرة، وعيشة، وقد نجح هذا المزج في الإسهام في إثراء لغة العرض، وفي الوقت نفسه شكّلت ذريعةً لطرح رسائلها.

وقد أحالنا البناء السطحي لقصص الثلاث نساء إلى المسار الواقعي، الذي ليس تعاني منه الليبية فقط وإنما العربية، حول المسائل العاطفية والجسدية والنفسية الخاصة بالمرأة؛ بينما كشفت الأبنية العميقة للمسرحية، التي عبر عنها المسار الرموزي بأن هذه الشخصية النسائية الطرابلسية تجسد الوطن الليبي الآخذ في التمزق، فتختار الموت على أن تعيش حالات الصراع والتفتت في الجسم الوطني الواحد، فتلوذ هذه السيدة ذات المشاعر المتأججة عاطفةً وغضباً إلى قبر أمها لتختار نهايتها هناك على أن تعيش هذا الواقع غير المحتمل .

كما عمقت الألحان والجمل الموسيقية، الزخم التعبيري لأنساق الأداء العاطفي، والنفسي، والمنطوق، والحركي، فضلا عن نجاحها في الإسهام في الشحن الدرامي، وبخاصة المشهد الأخير عندما تسقط على أرض المسرح، شخصية العرض الرئيسة مضرجة بانكساراتها وخسارتها المنهوبة.

المفردات والأغراض المعلقة في فضاء المسرح:المظلة، معطف الطبيب، الباروكة، الورود، دمية الرجل، المسدس، صورتها المشتركة مع والدتها، ومن جهة ثانية الصندوق المتعدد الأغراض المتموضع في بؤرة المسرح، عمقَ استخدامها الموظف دراميا من انتاج جماليات السينغرافيا، التي شكلت فضاءات الأحداث التي دارت فيها حكايات النساء الثلاث.

وكان للأغنية الشعبية المُفادة جمالياتها من الموروث العربي الليبي، الإسهام الكبير في الإضائة بحميمية على علاقة السيدة الطرابلسية مع والدتها (ميمى يا ولد دادا يا ضي الحوش..)، لجهة إشاعة دفء الأسرة التي كانت هذه السيدة تلجأ إليه في غبش الذاكرة هروبا من جحيم واقعها المؤلم، ومن جهة ثانية أخذت المعنى الآخر في مدلوله الرمزي (الوطن)، كما في نفس المدلول (الأم) في رائعة الروسي مكسيم جوركي.



#أسعد_العزوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبراء أردنيون:إسرائيل أكثر دولة مخالفة للقوانين الدولية والإ ...
- عين العرب – كوباني ... هي الدليل على هوية داعش
- قراءة في كتاب -المكائد على الإسلام- للباحثة العمانية إشراق ع ...
- قراءة في كتاب : آفاق العصر الأمريكي .. السيادة والنفوذ في ال ...
- الحرب على داعش..العرب يسهمون في تقسيم أنفسهم مرة أخرى
- في محاضرة له بعنوان : قراءة للمشهد السياسي في المشرق العربي: ...
- يافا للأبد
- لقاء نقديّ بمنتدى الفكر العربي حول رواية -بابنوس- لسميحة خري ...
- الأردن وأمنا الغولة أمريكا ..وداعش
- تقدير موقف صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هل ...
- قراءة في كتاب لماذا العراق أولا ... صراع الانسان العراقي مع ...
- داعش ..بعبع صهيوني
- المركز العربيّ في الدوحة يعلن نتائج استطلاع المؤشّر العربيّ
- -داعش -صنيعة أمريكية بريطانية إسرائيلية لتقسيم الشرق الأوسط
- العالم العربي تحت الإحتلال
- إطلاق ألبوم كرمالو للفنان إياد وهبه في بيروت في قصر الأونيسك ...
- في تقديره الإستراتيجي (70): قراءة في أداء السلطة الفلسطينية ...
- كبير المستشرقين الألمان هارتموت : الأدب والتراث الشرقيين غير ...
- الملتقى الوطني المهني لدعم المقاومة في فلسطين, يقيم حفل عشاء ...
- أبو غزالة امام مؤتمر بومباي الإقتصادي


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد العزوني - الناقد المسرحي جمال عيّاد: التمويل الأجنبي يهدد المسرح العربي