أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أحمد الخراز - أي مسؤولية للدولة المغربية في مواجهة إرهاب ’’الدولة‘‘؟















المزيد.....

أي مسؤولية للدولة المغربية في مواجهة إرهاب ’’الدولة‘‘؟


أحمد الخراز

الحوار المتمدن-العدد: 4578 - 2014 / 9 / 18 - 20:07
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لقد أفاضت جاهلية داعش الكثير من المداد بموازاة ما أراقته من دماء بريئة، و أزهقته من أرواح لا ذنب لها سوى وجودها الشقي في جغرافيا الفتنة، و زمن الجاهلية الجديدة. لقد بات للتنظيم دولة و خليفة و أمراء و وزراء و قضاة و جيش و كتائب، و ربما في الغد القريب، سنسمع عن سفراء و رسل مبعوثين إلى الأمصار الخارجة عن دار الإسلام، يبشّرون قادتها الموالين بالأمان و السّلم، و ينذرون المناوئين منهم بالحرب و الهلاك.
إن اكتمال أركان الدولة الداعشية و امتدادها على رقعة جغرافية معتبرة، بل و قدرتها على التمدد و التوسع كل يوم، و ليس فقط النكوص و الجمود كحال باقي التنظيمات الأخرى، ليطرح إشكالات كبرى و عميقة حول شعبية التنظيم، و انغراسه المجتمعي. رغم ما يرتكبه من فظاعات في حق الوجود البشري. و السؤال هنا هو لماذا نجح التنظيم المتطرف في استقطاب الشباب المسلم من كل الجنسيات و الطبقات و الأعراق؟ كيف يمكننا استيعاب انضمام شباب من الجيل الثالث للمهاجرين العرب المقيمين في أوربا، و الذين لا يتقنون حتى لغتهم الأم إلى معسكرات داعش في الرقة و الموصل؟ ثم كيف انحسر صوت شباب التغيير المنادي بالحرية و الديموقراطية و الحداثة، في مقابل سطوة خطاب التشدد و الغلو المناهض لقيم الحداثة و التعايش؟ و الأدهى أن التنظيم نجح حتى في استقطاب أعداد كبيرة من الأجانب حديثي العهد بالإسلام ! فما طبيعة البدائل التي يقدمها لهم التنظيم، من أجل استقطابهم و اقتلاعهم من تربتهم المجتمعية السليمة، و إعادة غرسهم في بيئة القتل و التخريب؟ كيف ينجح التنظيم الإرهابي في إعادة إدماجهم في مثل هذه البيئة المختلّة، حتى يصيروا مقاتلين أشداء ينحرون الرقاب بدم بارد و سنّ ضاحك؟ الأكيد أن لدى التنظيم خبراء في إعادة الإدماج و غسل الأدمغة و نسف الضمائر، و التربية على القتل و إخراج المريض من السّويّ، و مسخ الشباب و جعلهم ربوتات مبرمجة على القتل و الذبح و شيّ الرؤوس المقطوعة، و التقاط الصور معها بتباه مقرف. يجب الوقوف عند الظاهرة الداعشية بكثير من الدراسة و التحليل العميقين، و قبلها وجب التأمل طويلا لمحاولة فهم سلوك هؤلاء الذين صاروا اليوم يصنعون البشاعة بجثث القتلى، بعد أن صنعنا معهم ذات طفولة ملاحم بريئة في الأزقة و الحارات.. ما الذي جرى حتى تحولت أحجار الحجلة التي تقاذفناها يوما فيما بيننا، إلى أعضاء بشرية مقطوعة، يستمتع هؤلاء بنزعها و التمثيل بها؟ كيف تحول أصدقاؤنا الطيبون من آكلي المثلجات الرخيصة و حلوى التفاح إلى آكلي الأكباد البشرية و فقء العيون الآدمية؟ بعد أن كنا نتباهى بمسدساتنا الخشبية و أقنعة الكرتون و نحن نطارد بعضنا في أزقة الحي، صاروا اليوم مدججين بالأسلحة الثقيلة، و مقنعين محترفين كأفلام النينجا القديمة، يتوعدوننا بالقتل و السحل إن لم نحن نعلن إسلامنا جهرا و نتطهر من الكفر، و نغتسل في نهر الدماء المراقة النابع من الشرق..
من يوقف هذا النزيف الحاد الذي بات اليوم يهدد أمننا؟ شبابنا المغرّر بهم يهاجرون في وضح النهار و تحت أنظار السلطة، بل و بتواطؤ منها في بعض الأحيان، إذ كيف يعقل أن شبابا يافعين يلتحقون بجبهات القتال في سوريا و العراق دون أي حرج من منعهم أو اعتقالهم ! بل هناك أسر بكاملها انضمت للقتال في سوريا دونما خوف من حرس الحدود. ثم كيف يتأتى لمن قضى في السجن عقوبة على خلفية التورط في جرائم خطيرة كالإرهاب، أن ينعم بجواز سفر و يلتحق ببؤر الإرهاب المشتعلة في الشام، تحت أنظار السلطات؟ طبعا نحن لا نصادر حق أحد في التجول و السفر، و لكن استثنائية الظرف تفرض الحيطة و الترقب، فكيف يعقل أن معتقلا على خلفية قانون الإرهاب يُسلّم جواز سفره و تُضمن له تذكرة ذهاب إلى تركيا، في وقت يعلم فيه الجميع، بأن هذه الوجهة لطالما اعتبرت منفذا لوجيستيا هاما لأغلب المقاتلين المتجهين من شمال إفريقيا و أوربا للقتال في سوريا و العراق؟ بالإضافة إلى ‘‘تغاضي’’ الأجهزة الأمنية، عن نشاط بعض الخلايا الناشطة في مجال تهجير المقاتلين، و التي توفر المورد البشري لتغذية الإرهاب عبر العالم. فلا مبرر لدى الدولة لتلعب هذه اللعبة القذرة، حتى و إن كان هناك شبه توافق عربي رسمي على إنهاء نظام بشار الأسد و دعم الحراك السوري بالمال و العتاد. لكن أن يشمل الدعم العنصر البشري فهذا عين الخطر، إن الأمر يشبه اللعب بالنار التي قد تحرق الأخضر و اليابس في لحظة خطأ استراتيجي غير محسوب النتائج. أليست القاعدة و بناتها نتاج سياسة عربية-غربية غير عقلانية فاشلة لجهاد السوفييت و تقوية الطالبان؟ أليس الفكر السلفي الجهادي في نسخته المغربية مكوّنا دخيلا على المجتمع المغربي حملت أدرانه إلينا تجربة المغاربة الأفغان؟ فإن كانت أحداث 16 ماي الإرهابية*، نتاجا مباشرا لبداية تبلور الفكر الجهادي بالمغرب، الذي حمل لواءه بعض متطوعي الجهاد في أفغانستان حينها، و الذين صاروا فيما بعد، شيوخا ينظّرون للجهاد عقب عودتهم إلى المغرب بسبب سوء تدبير و تقدير من طرف الدولة، فإن التاريخ يعيد نفسه اليوم لكن بصورة ستكون أكثر مأساوية. فلا يمكننا توقع عملية بمحدودية ما حدث يوم 16 ماي، و السبب الفارق في نظرنا يرجع بالأساس إلى تطور أساليب العمل لدى المجموعات الإرهابية، من عمل بدائي أقرب للهواية، غير منسق و بسيط، إلى عمل عسكري محترف بالغ التنسيق، معقد و نوعي. و هذا نتيجة ما راكمه المقاتلون المغاربة الذين قد يتسللون في أي وقت عائدين إلى المغرب مباشرة، أو بعد مكوثهم لبعض الوقت في بلدان إقامتهم في أوربا، أو بعد تمويه تكتيكي قد يتلقونه في تدريباتهم العسكرية هناك، على يد مجموعات خبيرة ذات تكوين عسكري عال في حرب العصابات و أساليب التخفي و قتال الشوارع. خاصة و أنهم ينفذون عمليات على درجة كبيرة من الدقة و التعقيد، و يبدو الخطر كبيرا إذا ما ربطنا إمكانية تسللهم برّا إلى المغرب بما تعرفه الحدود الشرقية و الجنوبية من أعمال التهريب و الهجرة السرية. بالإضافة إلى معضلة الجوار التي قد تزيد الوضع تأزما، فالأجدر أن يكون هناك تنسيق أمني و استخباراتي على أوسع نطاق بين الدول المجاورة، للتصدي لمخططات الإرهاب الداهم، و ليس توفير البيئة المناسبة لتغذيته. فالدروس القادمة من الشرق تفيد بأن الإرهاب يتغذى على النزاعات كيفما كانت طبيعتها. و منطقة شمال إفريقيا من وجهة نظر إستراتيجية تعتبر من أخصب المناطق لنمو الحركات المتطرفة لأسباب عدة أهمها: بيئة قاسية و جغرافيا شاسعة تصعب مراقبتها و بالتالي إحكامها و إخضاعها، غناها بالثروات الطاقية و المعدنية ما يشكل موردا ماليا مهما لضمان استمرار العمليات الإرهابية و تمويلها، كونها منطقة إستراتيجية تربط جنوب الصحراء بشمالها و بالتالي الاستفادة من البنية التحتية و شبكات الطرق و آليات التنقل بسلاسة، استغلال الجماعات المتشددة للأنشطة الإجرامية المنتشرة في المنطقة نتيجة الفراغ الأمني الكبير، من التهريب و الاتجار في البشر و الهجرة السرية و تجارة الأسلحة و المخدرات، من أجل تأمين مصاريف العيش و التدريب و التجنيد لفائدة المقاتلين، ثم هناك تفشي كبير للنزاعات العرقية و القبلية و الطائفية المسلحة،كما في نيجريا و النيجر و مالي و حتى الصومال و جنوب السودان وصولا إلى الجزائر و ليبيا و مليشيات البوليساريو.. هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية، كهشاشة الوضع الاقتصادي و الاجتماعي لفئات عريضة من المجتمع في هذه المناطق، أزمات الهوية واهتزاز الشعور الوطني في مقابل الانتماء الديني و الولاء القبلي، ترسخ فكرة الأجنبي المستعمر ناهب الثروة الوطنية ما يكرس حقدا دفينا مبررا تناقلته الأجيال فيما بينها، و غذّته بعض الشركات الرأسمالية العملاقة التي تنهب خيرات المنطقة بمقابل الفتات..
خلاصة القول، إن خطر الإرهاب داهم، و لسنا أمام خلية صغيرة مكونة من أفراد ضعيفي التكوين و التدريب و محدودي الإمكانيات و الموارد، بل نحن أمام امتداد نوعي و كمي لتنظيم له من المقومات الشيء الكثير، إنه دولة كاملة الأركان لها منتسبون [مواطنون] قد بايعوا زعيما على طاعة أمره، إذا فلا ولاء للوطن لهؤلاء، و لا يربطنا بهم شيء غير أصولهم. إنهم مواطنون سابقون، أما اليوم فما عاد يجمعنا بهم لا علم ولا هوية و لا مستقبل ولا انتماء..إنهم عازمون على العودة للقتال و إقامة إمارة تابعة لدولة أميرهم، يُحكّم فيها شرعهم و يُقام فيها أمرهم، أي أنهم عائدون في إطار مهامّ مكلفون بقضائها، و هذا هو التحول النوعي الآخر المضاف إلى ما راكموه من خبرات قتالية تضاهي أو تفوق قدرات بعض الجيوش النظامية، فأن يجاهر بعض منتسبي التنظيم المغاربة على صفحات المواقع الالكترونية بنيّتهم شن هجمات إرهابية و تنفيذ مخططات تخريبية تستهدف المغرب حالما يعودون، فهذا دليل على فشل توجه الدولة المغربية حينما غضّت طرفها عن تدفق أزيد من ألف مقاتل مغربي بمبرر دعم الثورة السورية، و إذا بهؤلاء المقاتلين يسقطون في براثن الغلو و التطرف، فيتم استقطابهم و تجهيزهم لتنفيذ مشاريع ظلامية خارج الدولة السورية! مشاريع دموية توسعية مبهمة غير واضحة المعالم ولا الأهداف. تتعلق في البداية بتأسيس أنوية تنظيمات إرهابية، في أفق إعلانها إمارات داعشية تدين بالولاء و النصرة و الطاعة لأميرها البغدادي!
على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في إصلاح خطئها الفادح في ‘‘تسهيل’’ مدّ بؤرة الإرهاب في بلاد الشام، بمواطنين كانوا إلى وقت قريب يتقاسمون معنا الوطن و الألم و الفرح، فإذا بهم صاروا وحوشا بشرية تلتقط الصور بمحاذاة الأحشاء المبقورة ! و نرى بعد أن تتعرّف عليهم المصالح الأمنية جميعا، و تحصر عددهم و شبكات تهجيرهم الداخلية و الخارجية، أن تعمد إلى سحب الجنسية المغربية منهم، لأنهم ما عادوا مواطنين مغاربة بل هم كما يقولون لا يعترفون بالدولة الوطنية ولا انتماء لهم إلا للراية السوداء.
كما على الدولة أن تعيد هيكلة الحقل الديني برمته، و استثمار أملاك و أوقاف أغنى الوزارات ( عائداتها بلغت 35 مليار سنتيم سنة 2012 ) في تأهيل الأئمة و النهوض بأوضاعهم المادية، و المساهمة في نشر و طبع كتب الفكر الإسلامي و الفلسفة العربية المتنورة إبان عصرها الذهبي. فالدولة مطالبة اليوم بتبني المشروع التنويري كبديل مضاد للفكر الظلامي الدموي، و أن ترعى الفكر النقدي من داخل الجامعات الوطنية، بدل تقوية طرف على حساب الآخر، على الدولة أن تعيد للجامعة وهجها و تدعم البحث العلمي و تحافظ على حيادها الإيجابي بدل اللعب على التوازنات و بثّ الفرقة و التشنج و تغليب طرف على آخر. كما عليها أن تفسح المجال مع توفير الضمانات اللازمة أمام القوى الديمقراطية و كذا التنظيمات الإسلامية الوسطية، للمشاركة السياسية و ممارسة حقها في الوجود و التنظيم و التعبير عن قناعاتها، كي لا ينزلق المعتدل نحو مهاوي التشدد. هناك أيضا، مسألة أخرى في غاية الحساسية، تتعلق بغياب إستراتيجية واضحة و فعالة، لدى الدولة لإعادة إدماج المتابعين بقانون الإرهاب. خاصة و أن هذا الملف قد شابته تجاوزات كثيرة، و بالتالي كان على الدولة أن تعيد النظر في ملفات المتابعين جميعا، و تباشر تحقيقات جديدة، معمقة و موضوعية في كل القضايا المتابع أصحابها بقانون الإرهاب، مع الانفتاح أكثر على تقارير الجمعيات الحقوقية، حتى تتسنى إعادة محاكمتهم محاكمة عادلة، في ظل شروط إنسانية و ضمانات حقوقية و قانونية.حتى لا يصير الشعور بالمظلومية و الغبن مغذيا للحقد و الرغبة في الانتقام لدى الشباب، و محفزا لهم على الارتماء في حضن التطرف و الإرهاب، و حتى لا يصير معتقلو قانون الإرهاب جنود احتياط لداعش في انتظار السراح. لذا وجب مواكبتهم و ليس فقط مراقبتهم داخل السجون، و الحرص على عدم الزّج بالمتعاطفين المغرر بهم مع القادة الأكثر تشددا، كما على الدولة أن تصاحبهم مؤسساتيا، بعد إطلاق سراحهم لتسهيل اندماجهم في مجتمعهم، بدل تسهيل تهجيرهم نحو بؤر القتال بهدف التخلص منهم بأقل كلفة ممكنة ! فحتى لا تصير سجوننا مصانع لإنتاج الإرهابيين و إعادة تكرير الفكر الظلامي، على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية و السياسية و السيادية، في مواجهة إيديولوجية الموت و إجهاض مخططاتها في مهدها.
كما لم يعد مقبولا، أن ترفع الدولة وصايتها عن بعض المدارس العتيقة المنتشرة في البوادي و القرى النائية، و التي يخفي بعض القائمين عليها أغراضهم الدنيئة في نشر التطرف و الغلو في الدين خلف ستار تحفيظ القرآن و تلقين علومه ! و لعلنا نتابع كيف أن حركة الشباب المجاهدين في الصومال قد دأبت على تغيير المناهج التعليمية بمجرد سيطرتها على مدينة أو قرية، و اليوم حركة بوكو حرام في نيجيريا لازالت ترهن عشرات التلميذات المختطفات بدعوى أن التعليم النظامي حرام ينافي الشرع الإسلامي. و هذا ما سبقتهم إليه طالبان أفغانستان قبلا. و اليوم نرى في مدينة الرقة السورية، مدارس بدائية تلقن الأطفال قيم الغلو و الجهل ! و بالفعل لو لم تجد داعش استعدادا نفسيا داخليا لأعضائها على اقتراف تلك الجرائم الشنيعة في حق الآخرين المختلفين عنهم، لما كان للطرح الداعشي من قبول لدى ضعاف النفوس. علينا أن ندرك حقيقة أن عناصر داعش ليسوا كائنات مريخية، و لم ينزلوا إلينا من جحيم السماء، إنهم منّا و قد عاشوا بين ظهرانينا و تربّوا في أكنافنا، إنهم نتاج مجتمع مريض، فأغلبنا لم يتحصّن كفاية من سموم الغلو، و داعش تشبه الكثير منّا، لم نتربّ على قبول الآخر، لم نتعلم معنى أن يكون جارنا المقابل لدارنا بوذيا. نحن جيل الهزائم و الخيبات، ألم ننتشِ فرحا و حماسة و نحن نشاهد ملاحم قطع رؤوس الكفار في بطولات قام بها أسلافنا مجسدة في بعض الأعمال السينمائية الخالدة؟ ألم نكن ننتظر إعادة عرضها دون ملل ولا تعب في كل المناسبات الدينية؟ لقد حاولنا تعزية حاضرنا المثخن بالهزائم و النكسات باستجداء بطولات الماضي الغابر، لقد شكلت سينما المعارك و الحروب الدينية في فترة الستينات و السبعينات متنفسا لجموح الخيال العربي و تخديره لينسى مرارة النكسة، فيعوّض حاضره المنكوب بماضيه المجيد، و في رأينا فإن السينما العربية و خاصة المصرية منها، قد نجحت إلى حد كبير في تحفيز الشعور القومي للمشاهد العربي تماشيا مع الظرف التاريخي، و استجابة للخطاب الإيديولوجي للمشروع الناصري حينها، إلا أن فشل هذا الأخير جرّد خطاب القومية من حاملها الإيديولوجي و أعاد بناءها من جديد على الأساس الديني.
إنه حتما؛ لا يمكن لحاضرنا أن يستقيم على ركام ماضينا المردوم، لا يمكننا أن نفاخر بماض دموي معاد للعقل و الإنسان، و في نفس الوقت نشمئز من مشهد تنكيل بجثة! ألم يُقتل ثلاثة من خيرة صحابة رسول الله و أعدل خلفاء المسلمين غدرا؟ ألم يخرج معاوية لقتال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب يوم صفّين، فعاد ابن أبي سفيان منتصرا إلى الشام، و رجع ابن أبي طالب إلى الكوفة خائبا مهزوما، فسالت بينهما دماء أكثر من سبعين ألف مسلم؟ ألم تُقطع رؤوس أغلب من بقي من نسل الرسول الكريم بالكوفة؟ ألم ينتصر السيف في معادلة السلطة على الأخلاق؟ ألم نطعن خيرة مفكرينا و نحرق كتبهم و نسفّه أعمالهم و نصلب أتباعهم و نسفّل تراثهم؟ أغلب صفحات تاريخنا لم تكن مشرقة كما نتوهم، جلّ الملاحم البطولية قامت على أنقاض الدمار و الخراب، لدينا إرث مشين يزكم أنوف الباحثين بين ثنايا الوقائع و السّير التاريخية.. و داعش اليوم تكمل ما بدأه أسلافها، فهي نتاج طبيعي لانحسار الفكر العقلاني و محاصرته داخل الحضارة الإسلامية منذ قرون، لصالح تغوّل الفكر الدوغمائي، و انتعاشه الكبير من زخم التزاوج الحاصل بين السلطة السياسية و الكهنوت. إننا ندفع ثمن معاداتنا للعقل و قيم الاختلاف و تقبل الآخر و تقوقعنا على ذواتنا كأننا مالكو الحقيقة المطلقة! من منا لا يذكر كتابا كان يدخل ضمن المقررات الدراسية في الطور الابتدائي و يُعنى بالتربية الفنية، كان يزخر بصور تُحقّر من الآخر و تتمثّله بسحنة شرسة و بأسمال بالية ممزقة، إنهم الكفار الذين مسخهم الله و قبّح وجوههم، و في المقابل يتفانى الكتاب في تصوير المسلمين في صور ملائكية حسنة الملبس و متناسقة الملامح ! إنها نفس آلية نبذ الآخر المختلف عنا، عبر تشويه صوره و نفي وجوده، التي لطالما سوّقتها سينما الملاحم العربية، فتشبّعنا بها حتى صارت جزءا من تمثّلاتنا النمطية عن كل من لا يشبهنا.. إننا جميعا داعشيون و لو رمزيا ! كان علينا أن ندرك بأن تشويه صور المخالفين لنا، هو بداية الدفع بهم باتجاه المقصلة.

* سلسلة من الهجمات الانتحارية وقعت يوم 16 ماي 2003م. في مدينة الدار البيضاء، كبرى مدن المغرب ، و اعتبرت تلك الهجمات الأسوأ والأكثر دموية في تاريخ البلاد.



#أحمد_الخراز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة نقدية لمسألة العنف القائم على النوع الاجتماعي بالمغرب ...
- إلى سناء و وردتين..
- سأخون وطني
- قصص قصيرة جدا
- رمزية التماهي بين الدولة البوليسية و جواسيس فايسبوك
- بعد احتراق الأمس
- ورد و خطايا


المزيد.....




- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية
- إسرائيل.. الشمال يهدد بالانفصال
- سوريا.. الروس يحتفلون بعيد النصر
- إيران.. الجولة 2 من انتخابات مجلس الشورى
- مسؤول يؤكد أن إسرائيل -في ورطة-.. قلق كبير جدا بسبب العجز وإ ...
- الإمارات تهاجم نتنياهو بسبب طلب وجهه لأبو ظبي بشأن غزة وتقول ...
- حاكم جمهورية لوغانسك يرجح استخدام قوات كييف صواريخ -ATACMS- ...
- البحرين.. الديوان الملكي ينعى الشيخ عبدالله بن سلمان آل خليف ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - أحمد الخراز - أي مسؤولية للدولة المغربية في مواجهة إرهاب ’’الدولة‘‘؟