أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي















المزيد.....

في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4555 - 2014 / 8 / 26 - 21:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يعترض إسلاميون على داعش، وخاض إسلاميون، منهم سلفيون، صراعا مسلحا ضد داعش، لكن هناك خمول لافت للجبهة الفكرية في هذا الصراع، يدفع المرء إلى التساؤل: لماذا لا يغضب المسلمون لدينهم، وهو اليوم عنوان لممارسات تجمع بين كونها من الأكثر شرا وإجراما في تاريخ البشر، وبين التمتع بها ونسبتها بفخر إلى دين المسلمين؟ لماذا يبدون غير قادرين على القول بكلام قاطع إن هذا ليس الإسلام؟
الأصل في ذلك فيما نرى هو أنه على المستوى الفكري ليس هناك فروق مهمة بين معتدلي الإسلاميين ومتطرفيهم، بين سياسييهم وعسكرييهم، وبين إسلام هؤلاء وإسلام أولئك. يتطلع الكل إلى حكم إسلامي يدوم، في بلدان يُعرّفونها أصلا بأنها إسلامية بمعنى ماهوي للكلمة. حكمهم الدائم لها هو، تاليا، بمثابة إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح الذي حرفتها عنه مؤامرات الاستعمار وأتباعه. وهذا يُدرِج الدولة الوطنية وتاريخنا المعاصر كله في نطاق ما هو عارض، أو ما هو خارج على فطرتنا السليمة الجامعة، وينفي التحول عن التاريخ الأقدم (المسلمون صاروا أكثرية في المشرق فقط بعد الحروب الصلييبة، وكان أكثر المصريين شيعة أيام الفاطميين ولبعض الوقت بعدها...) ويجعله سوية إسلامية ثابتة لا تحول. وعليه، سيكون حكم الإسلاميين، وليس لدى الجماعة تصور للمستقبل لا يشغل حكمهم المنطلق فيه وأساسه، خروجا على الخروج وعودة إلى الفطرة والأصل الصحيح.
على مستوى الإشكالية العامة (مجتمعاتنا إسلامية، والحكم لـ"الإسلام" فيها، أي للإسلاميين) لا تمايز فعليا بين الإسلاميين، ليس هناك معتدلون ومتطرفون، هناك متطرفون (الإخوان) وهنا متطرفون جدا (سلفيو الجبهة الإسلامية) ومتطرفون جدا جدا (جبهة النصرة)، ومتطرفون جدا جدا جدا (داعش). هناك اعتدال ذاتي عند بعض الإسلاميين، لكنه بلا سند فكري وبلا إشكالية تخصه، ولذلك لا يستطيع المنافسة، وبالكاد يدافع عن شرعية وجوده.
وإن شئنا التحديد، هناك أربعة مستويات تجمع الإسلاميين، فلا يتمايزون فيها عن بعضهم.
أولا، ليس بينهم من يفصل فصلا قطعيا ونهائيا بين الدين والعنف، أو من يقول إن ممارسة العنف باسم الإسلام غير شرعية، ويقبل تاليا بحرية الاعتقاد الناجزة، بما فيها حرية عدم الاعتقاد حرية تغيير الاعتقاد. على هذا المستوى، لا قطيعة بين "المعتدلين" المفترضين وبين داعش. هذا نقطة يتعين على الإسلاميين التفكير فيها باستقامة ومنطق. إن تفكيرهم متهافت حين يعترضون على عنف داعش المنفلت، بينما هم لا يعترضون على جوهرية العلاقة بين الدين والعنف وعلى "تطبيق الشريعة"، ويتطلعون إلى السيطرة على الدولة والمجتمع معا، مثلما تفعل المنظمات الشمولية.
ثانيا، يشترك الإسلاميون في مخيلة امبراطورية وفي ذاكرة امبراطورية، متمركزة حول فتح البلدان وغزو الأراضي والسيطرة العالمية، والمجد الحربي الإسلامي أو العزة الإسلامية. المخيلة الإسلامية الموروثة مخيلة قوة وسيطرة، وفي الذاكرة الإسلامية حضور قوي للأبطال والملاحم والأمجاد والسلاطين، وحضور ضعيف لليومي والعامي والنساء. ولم تجر يوما مراجعة تقول إن الفتوح والغزو من عوارض التاريخ، وإنه ليس هناك علاقة ضرورية بينها وبين دين المسلمين.
ثالثا، يشترك الإسلاميون السياسيون والعسكريون في ضعف حضور الدولة الوطنية في تفكيرهم، مقابل تصور الأمة الإسلامية، الخيالي والامبراطوري. الإسلاميون العسكريون (الجهاديون) لا وطنيون تكوينيا وجوهريا، بمعنى أنهم يذيبون الدولة الإقليمية القائمة، وهي مصلحة عامة عمرها قرن أو قرون في بلداننا، في الأمة الإسلامية المتخيلة، التي عمّرت فعليا أقل من أكثر دولنا المعاصرة؛ وبمعنى أنهم طائفيون، يقصرون الأمة على المسلمين السنيين، والسلفيين منهم (نسخة طبق الأصل عن البعثيين، من حيث توسل ما فوق الدولة العربي لحجب أولوية ما تحتها الطائفي). ولهذا الكلام في السياق السوري دلالات مباشرة. فاللاوطنية المبدئية للسلفيين أضعفت الثورة السورية، والمجتمع السوري ككل، في مواجهة النظام، ولو لم يكن هذا بمستواهم من حيث الطائفية واللاوطنية والتطرف لاستطاع أن يكسب قطاعات من السوريين إلى صفه بفضلهم.
فهل وجد الإسلاميون "المعتدلون"، الإخوان المسلمون السوريون مثلا، ما يقولونه على هذا التكوين اللاوطني؟ ولا كلمة واحدة. لماذا؟ لأنهم شركاء في الإشكالية، لأن ما قالوه في وثائق سابقة للثورة لم يختلط بإشكاليتهم: الإسلامية الماهوية لمجتمعاتنا، واستنتاج اسحقاق الحكم فيها من ماهيتها المفترضة، حكمهم هم طبعا.
"التطبيق" هو مستوى الشراكة الرابع بين مختلف الإسلاميين، يضاف إلى الإكراه والمخيلة الامبراطورية والاستهانة بالدولة الوطنية والتاريخ الوطني. التاريخ نتاج لتطبيق عقيدة ناجزة معطاة على مجتمعات حية، أو هو "تنزيل" "الثابت" على المتغير، وتثبيته. التثبيت هو فعل إكراه حتما. وبينما قد تلزم "اجتهادات" تفصيلية، فإن كل ما هو أساسي معطى سلفا. ويندرج ضمن هذا التصور للتاريخ والسياسة مفهوم "تطبيق الشريعة"، حيث السياسي مُطبّق أو مهندس اجتماعي. ومهندسو المجتمع المقدسون يبترون الحياة البشرية ويقطعونها مثلما يفعل مهندسو الأشياء المادية. ولا يبعد عن التصور التطبيقي أيضا الميل المتواتر إلى اتهام المسلمين مقابل تبرئة الإسلام من أية أوضاع متدهورة معاصرة. كأن هناك إسلاما بلا مسلمين، وكأن المسلمين جاهلون بدينهم، لا يصدرون عن نصوصه ومخيلته وذاكرته.
ما نرتبه على مجمل هذه االمناقشة هو قوة الاستعداد الداعشي عند الإسلاميين عموما، وانعدام السند الفكري لاعتدال إسلامي يعتد به. وفي غياب سند فكري قوي لمفهوم وممارسة إسلاميين مختلفين، يشعر شبان مسلمون متحمسون بأن دينهم يتمثل في داعش وما يشبهها، وليس في معتدلين خائرين، يرفضون داعش ذاتيا، لكن لا يستطيعون قول كلام واضح في شأن الفكر الداعشي.
فهل يكون السند الفكري للاعتدال الإسلامي غائبا لأنه ممتنع بكل بساطة؟ وهل يكون التطرف هو الإسلام الصحيح، و"المعتدل" المزعوم مجرد انتهازي مرواغ؟ هذا يستحق تناولا مستقلا.
والخلاصة أن الإسلاميين "المعتدلين" لا يدافعون عن دينهم ضد تطبيق وحشي له لأنهم شركاء في مفهوم التطبيق، وفي شرعية العنف ووجوبه، وفي الخيال المنشد إلى أمة إسلامية وهمية، بعيدا عن واقع الدولة الوطنية الحديثة. وهذا لا ينطبق على جبهة النصرة والجبهة الإسلامية، بل على الإخوان المسلمين. ولذلك فإن أية صراعات محتملة بين هذه المجموعات هي صرعات محض سياسية، لا تثمر عدلا أكبر أو تفتح أبوابا أوسع للكرامة الإنسانية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موجة الكتاب السوريون الجدد، بداية ونهاية
- الإسلام، الإسلاميون، والعنف/ نظرات في شأن العلاقة بين دين ال ...
- حوار: سورية، الثورة،النظام، الطائفية، الإسلام والإسلاميين
- في وداع أليسار إرم
- ساقان قويتان للانحطاط: تهميش العدالة وتغييب الواقع
- من أجل مفهوم لحركة تحرر وطني سورية جديدة
- تفكك الدولة السلطانية والتحرر السوري
- أخلاق مقابل لا أخلاق أم صراع بين أخلاقيات؟
- من البعث إلى داعش، عالم مشترك
- مملكة إسرائيل ومملكة الأسد في مواجهة عالميهما الثالثين
- عن المثقف والثورة
- بناء القضية السورية
- عن -هامش-، وعن -بلدنا الرهيب-/ حوار
- خلافة داعش: تبقى، على ألا تتمدد
- المنابع الإسلامية السنية للطائفية في سورية
- الخلافة، الخليفة، و-خلافو-
- ثلاثة أشكال للطائفية في المشرق
- فراس
- -تغيير المجتمع-: ثلاث تصورات وثلاث تيارات
- قضية مخطوفي دوما الأربعة ومواقف تشكيلات المعارضة السياسية


المزيد.....




- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري
- بارون ترامب يرفض المشاركة كمندوب للحزب الجمهوري في فلوريدا
- عاصفة شمسية -شديدة- تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003
- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي