أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - الديموقراطية وقيمها الغائبة















المزيد.....

الديموقراطية وقيمها الغائبة


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4507 - 2014 / 7 / 9 - 22:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"لا يمكنك الحصول على محصول وفير دون فلاحة الأرض"
افلاطون

يتطلب نجاح زراعة أي فكرة جديدة في مجتمع قديم وتفعيلها توفر ثقافة مواتية في هذا المجتمع. فالثقافة المواتية، كالأرض المحروثة، تحتضن الفكرة الوافدة وتعيد انتاجها على هيئة قيم يتبناها افراد المجتمع وسلوكيات يتبعونها. والديموقراطية، بحكم النشأة، هي فكرة وافدة تسعى مجتمعات الشرق الأوسط الى استزراعها. وبالطبع يتوقف نجاح هذه العملية على طبيعة الثقافات السائدة في هذه المجتمعات وعلى مدى مواءمتها مع متطلبات تفعيل هذه الفكرة الوافدة. ومتطلبات التفعيل هذه ليست الا مجموعة القيم الداعمة للديموقراطية. لذا سيكون السؤال الذي سنحاول الإجابة عليه هو "ماهي مجموعة القيم الداعمة للديموقراطية؟ ". وسيزودنا التعرف على هذه القيم بأداة ذهنية تمكنا من تقييم أحوال الديموقراطية في بلدان منطقة الشرق الأوسط وعلى مدى استعداد مجتمعاتها لهضم هذه الفكرة الوافدة.

واولي خطوات إجابة هذا السؤال هو تبنى تعريف محدد لمفهوم الديموقراطية. وتخبرنا ادبيات العلوم السياسية ان تعريفات الديموقراطية اما تكون "وصفية" De-script-ive، تصف ما هو قائم، او "معيارية (قياسية)" Normative، تصف ما يجب ان يكون. وتُعرف الديموقراطية، من المنظور "الوصفي" الأكثر شيوعا، بأنها النظام السياسي الذي يسمح لأفراد المجتمع بالسيطرة على مقدرات أمورهم وذلك عبر وسائل متعددة مثل الاستفتاء على الأمور والقرارات التي قد تؤثر على أحوالهم، أو انتخاب ممثلين ينوبون عنهم في رعاية مصالحهم. اما تعريفها، من المنظور "المعياري"، فهو "آلية صناعة القرار الجماعية بواسطة جماعة ما والتي تقوم على المساواة التامة بين كافة أفراد الجماعة المشاركين فيها" (Christiano, 2008). وهو التعريف الذي سنتبناه في محاولتنا الإجابة عن السؤال المطروح. ويعود تفضيلنا لهذا التعريف لعدة أسباب. وأول هذه الأسباب هو اشتماله على التعريف الوصفي والتعبير عنه بصورة تحديدا. فسيطرة افراد المجتمع على مقدرات امورهم ما هي الا قدرتهم على اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم. ولكن هذه القرارات ليست قرارات فردية بل قرارات جماعية. وصفة "الجماعية" هذه تعنى أن هذه القرارات تهدف صالح الجماعة التي اتخذتها، هذا بالإضافة الى ما تعنيه من اشتراك أفراد الجماعة في عملية اتخاذ القرار. اما السبب الثاني تأكيد هذا التعريف على أهمية "المساواة" بأشكالها المتعددة. فهي قد تأخذ شكل صوت واحد لكل مواطن في حالة انتخاب ممثلي الشعب في المجالس التشريعية من بين المتنافسين. وهو قد يعنى المساواة بين كافة الأطراف الساعية لتشكيل ائتلاف ما عبر التفاوض. أي أن الديموقراطية تعنى أي ترتيبات سياسية تنظم المشاركة المباشرة لأفراد المجتمع في تقرير ما يرتضونه من قوانين وسياسات (الاستفتاء على سبيل المثال)، أو تلك التي تنظم اختيار من ينوب عنهم في اتخاذ القرارات (انتخابات المجالس النيابية على سبيل المثال).

والنظر للديموقراطية بوصفها "الآلية الجماعية لصناعة القرار" سيكون هو مدخلنا لتحديد القيم الداعمة لها. وصناعة القرار هي تلك العملية التي يتم عبرها المفاضلة بين البدائل المطروحة لمواجهة موقف ما يعاني منه المجتمع أو لحل مشكلة يواجها، وذلك لاختيار أفضلها وأكثرها فعالية. وتتوقف جودة وفعالية القرارات الناتجة من هذه العملية على العوامل التالية:
-;- قدرة المجتمع على "إدراك" كافة جوانب المشكلة التي يواجها ولأسبابها الحقيقية،
-;- قدرته على "إنتاج" كافة البدائل الممكنة لحل المشكلة،
-;- قدرته على "اختيار" البديل الأمثل من بين البدائل المطروحة.

وهي العوامل التي تقودنا مباشرة، إلى المبادئ الأربعة التي تقوم عليها الثقافة الداعمة للديموقراطية وهي: "الاحتفاء بالتعدد"، "تشجيع الحوار"، "تحقيق المساواة" و"حماية الحرية".

وأول هذه المبادئ، "الاحتفاء بالتعدد"، سواء كان هذا التعدد تعددا في الرؤى والأفكار أو تعددا في الأعراق والأديان. وهو المبدأ الذي يفرضه علينا تعقد المجتمع الحديث وتعقد ما يجابهه من مواقف وما يواجهه من مشاكل. فالتعامل الكفء والفعال مع مشاكل المجتمع الحديث، بتعقدها الفائق وتعدد وتشابك أبعادها، يتطلب تبنى مقاربة تأخذ في اعتبارها كافة الرؤى والأفكار ذات الصلة بها وأيا كان تباينها واختلافها. إن "الاحتفاء بالتعدد" هو أمر ضروري لاغنى عنه لضمان ولزيادة قدرة المجتمع على "إدراك" كافة جوانب ما يواجهه المجتمع من مشاكل ولأسبابها الحقيقية، وعلى "إنتاج" كافة البدائل الممكنة لحلها.

وثاني مبادئ الثقافة الداعمة للديموقراطية هو مبدأ " تشجيع الحوار". والحوار هنا هو أي "محادثة مركزة تقوم عن قصد بين طرفين، على الأقل، يتم فيها تبادل للرؤي بهدف زيادة فهمنا لأمر ما، او زيادة المعرفة المتعلقة بشيء ما، استكشاف موضوع ما او اتخاذ قرار في مسألة بعينها". ويرتبط هذا المبدأ ارتباطا وثيقا بقدرة المجتمع على "المفاضلة" بين ما يطرح عليه من بدائل لما يجابهه من مواقف ولما يواجهه من مشاكل، ومن ثم قدرته على "اختيار" البديل الأمثل من بين البدائل المطروحة (السيد, 2014). وثالث هذه المبادئ، "تحقيق المساواة"، و"المساواة" هنا تعنى حق الإنسان في أن يعامل على قدم المساواة بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو دينه أو وضعه الاقتصادي. ويسهم تبنى هذا المبدأ في دعم كلا من عاملي "الإدراك" و"الإنتاج"، المؤثران في عملية صناعة القرار المجتمعي، وذلك بأخذه حقوق واحتياجات كافة أفراد المجتمع في الاعتبار وعلى قدم المساواة.

ونصل إلى آخر مبادئ ثقافة الديموقراطية، "حماية الحرية". و"الحرية" هنا هي الحرية بكل أبعادها الشخصية والسياسية والاقتصادية. وينطوي مفهوم "الحرية" على ثلاثة أنواع من الحقوق هي الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية. وتشمل الحقوق السياسية الحق في التصويت، الحق في تكوين الأحزاب والتنافس من أجل الحكم. أما الحقوق المدنية فتشمل على سبيل المثال الحرية الشخصية، ضمان الأمن، حماية الخصوصية، الحرية الدينية، الحرية الفكرية، الحق في التعبير عن الرأي، حرية التجول والاستقرار، حرية ممارسة الشعائر الدينية. وأخيرا نصل إلى مجموعة الحقوق الاجتماعية التي تضم بالإضافة الحق في الملكية الخاصة الحقوق المتعلقة بالتوظف وبالأجر العادل(Diamond & and Leonardo Morlino, 2004). ويعزز تبنى هذا المبدأ، على وجه العموم، من قدرة المجتمع على "المفاضلة" بين البدائل المقترحة لحل مشاكله ومن ثم على "اختيار" أفضلها وأكثرها ملاءمة للظروف. كما تدعم "الحرية الفكرية" و"الحق في التعبير عن الرأي"، على وجه الخصوص، من قدرة المجتمع على تكوين رؤى متكاملة وواقعية لمشاكله، "الإدراك"، وعلى "إنتاج" كافة البدائل الممكنة لحلها.

والآن، وبعد ان تعرفنا على عناصر الثقافة الداعمة للديموقراطية، فإني ادعو القارئ العزيز لاستخدامها في تقييم أحوال الديموقراطية من حوله وفي انتظار نتائج التقييم!

المراجع
Christiano, T. 2008. Democracy. In E. Zalta (Ed.), The Stanford Encyclopedia of Philosophy: http://plato.stanford.edu/archives/fall2008/entries/democracy.
Diamond, L., & and Leonardo Morlino, , 15 (4), , 20-31. 2004. The Quality of Democracy, An Overview. Journal of Democracy.
السيد, ا. ن. ا. 2014. فنجرة البق وملاعيب الكلام. الحوار المتمدن, 4503(5 يوليو): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=422488



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنجرة البق وملاعيب الكلام
- سلالالالام سلاح
- لا يا شيخ ... ! (أو نقد المرجعيات)
- عقلك في راسك اعرف خلاصك
- كشف الغمة عن عقل الأمة
- الأمة المصرية ...امة كانت وتكون وستكون
- الاساطير الثقافية: (5) أسطورة -زي السمن على العسل-
- الاساطير الثقافية: (3) اسطورة الزمن الجميل
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة: من القوة المحتملة الى القوة ...
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة (1-2)
- الاساطير الثقافية: (2) الغزو الثقافي (او حكاية -الناس اللي ف ...
- الثروة الخفية
- من يخاف من العولمة؟
- علمنة المجتمع وشكة الدبوس
- العلم من بارادايم البساطة الى بارادايم التعقد
- الاساطير الثقافية: (1) اسطورة العروبة
- الحل برة الصندوق
- تانجو الفوضى والانتظام
- أزمة العقل البسيط
- جاليليو الذي تجاهلناه


المزيد.....




- ترامب أمام تحدي اختيار مرشح لمنصب نائب الرئيس بين أنصاره الم ...
- البيت الأبيض يُعلق على تقرير CNN حول انتهاكات مزعومة في أحد ...
- -القسام- تنشر فيديو لإطلاقها الصواريخ نحو مدينة بئر السبع بر ...
- السعودية.. ما حقيقة -القلعة- التي ظهرت بعد سيول وادي فاطمة ب ...
- بايدن يوجه بإرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 400 مليون د ...
- واشنطن تؤكد أنها ستعارض مجددا في مجلس الأمن الدولي طلب فلسطي ...
- -العقرب العراقي-، أحد أكبر مهربي البشر المطلوبين للعدالة في ...
- رفضا الخدمة العسكرية فكان السجن بانتظارهما.. سجينان إسرائيلي ...
- شاهد: جرفت كل شيء في طريقها.. فيضانات مُفاجئة تضرب شمال أفغا ...
- النازية.. من أخرجها من القبور؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - الديموقراطية وقيمها الغائبة