أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - القرآن وتحجُّر اللغة















المزيد.....

القرآن وتحجُّر اللغة


محمد علي عبد الجليل

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 17:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


انطلاقاً من فلسلفة فِـلهيلم فون هُمبولت (Wilhelm von Humboldt) (1767 – 1835) ومَنْ خَــلَــفَــه من الكانطيين الجُدد والهُمبولتيين الجدد، تلك الفلسفة التي ترى أنَّ اللغة ليست أداةً سلبيةً للتعبير وأنَّ كلَّ نظامٍ لغوي ينطوي على تحليلٍ خاصٍّ به للعالَم الخارجي مختلفٍ عن تحليل اللغات الأخرى للعالَم وعن تحليل المراحل الأخرى للغة نفسِها، والتي ترى أيضاً أنَّ كلَّ نظام لغوي، نظراً لكونه حافظاً للخبرة المتراكمة عبر الأجيال، يزوِّد أجيالَ المستقبل بطريقةٍ معيَّنة للرؤية وبتفسير خاص للعالَم (راجِعْ: جورج مونان [Georges Mounin]، "المشاكل النظرية للترجمة" [« Les problèmes théoriques de la traduction »]، 1963، ص 43)،

وبالنظر إلى الواقع المنكمِش والمنغلِق والمتحجِّر للغة العربية التي تطغى عليها النظرةُ القرآنية،

يمكننا أنْ نلاحِظَ أنَّ القرآن كان من أهم الأسباب التي ساهمَتْ في تجميد اللغة العربية وبالتالي تجميد العقل العربي وتضييق أفق الرؤية عند المسلمين. إذْ شكَّلَ القرآنُ، كنصٍّ مقدَّس لا يجوز المساسُ به، عائقاً كبيراً أمامَ تطور العربية وانفتاحها ومرونتها لأنَّ عدوى قداسةِ القرآن طالت اللغةَ العربيةَ أيضاً. لا تتسرَّع أيها المسلم الكريم في رفض هذه الفكرة والهجوم عليها مندفعاً تحت تأثير عقيدتك، بل تأمَّــلْ فيها ملياً على ضوء النظريات اللغوية الحديثة ربما تجد فيها شيئاً من الصحة.

صحيح أنَّ القرآن قد ساهمَ في تقعيد اللغة العربية وإعطائها صفةً رسميةً، لكنه بالمقابل جمَّــدَ الصورةَ التي رسمَها لهذه اللغة وحجَّرَ الرؤيةَ التي فرَضَها عليها في لحظة تاريخية محددَّة في القرون الوسطى ولم يسمح لها بالتطور.

إنَّ السبب الأساسي في تخلُّف العالَم العربي والإسلامي وشعورِه بالنقص، بالإضافة إلى أسباب أخرى نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية معقَّدة، هو ضعف الإنتاجية للمجتمعات العربية والإسلامية. وهذا الضعفُ مردُّه أساساً إلى تكبيل اللاوعي الجمعي العربي والإسلامي بنظرة ضيِّـــقة عن العالَم مَصْدرُها الأول هو القرآن وما نتجَ حولَه من أحاديثَ وتفاسيرَ. فاللاوعي الجمعي العربي الإسلامي مقيَّد بلغة ضبابية سلبية خشبية تخديرية مثل: "الله الرزَّاق" و"الله الشافي" و"احتواء القرآن على كل العلوم" و"الإسلام هو الحل" و"اليومَ أكملتُ لكم دينَكم" و"كنتم خيرَ أمّة" وإلخ. مِـــثلُ هذه اللغة المخدِّرة هي أكبرُ عائقٍ أمامَ تحرُّرِ اللاوعي [الخافية] من الاتِّكالية على الغيب وأمامَ انطلاقِه نحوَ الإنتاجية والإبداع. فمديحُ القرآن للأمة الإسلامية، وهو المتغلغِــلُ في وجدانها والمتحكِّم بتفكيرها وبنظرتِها للعالَم، يُــسْـــكِــرُ النفسيةَ الجمعيةَ للأمة ويُــسَـــكِّــرُ عقولَها ويخدِّرُها ويوهمُها بأنَّ الحلَّ موجود في القرآن أو أنَّ الحلَّ بِـــيَـــدِ الله وحدَه.

اللغة هي طاقة خلَّاقة يخلقُ الإنسانُ من خلالها تصوُّراتِه وقِـــيَـــمَـــه وفهمَه للعالَم المضوعي مِن حَولِه. بل أكثر من ذلك، وكما يقول إرنست كاسيرر (Ernst Cassirer) (1874 – 1945)، "من خلال اللغة لا يَـــفهم الإنسانُ العالَمَ ويفكِّر به فحسب، بل إنَّ رؤيتَه للعالَم وطريقةَ عيشِه ضمن هذه الرؤية محكومتان باللغة". (راجِعْ: كاسيرر، "أمراض الوعي الرمزي" [« Pathologie de la conscience symbolique »] في: "جريدة عِلم النفس" [« Journal de psychologie »]، 1929، ص 29). وبالتالي، فإذا كانت اللغةُ متحجِّرةً برؤيةٍ قديمة من القرون الوسطى، كحال اللغة العربية التي تحجَّرَتْ بتأثير الرؤية القرآنية القديمة مع مرور الزمن، فإنَّ تحَــجُّــرَ هذه اللغة سيساهم في تحجُّر وعي الناطقين بها. وهذا ما نراه في واقع العالَم العربي والإسلامي.

ولذلك فإنني أكفل بأنْ تصبحَ الدولُ العربيةُ والإسلاميةُ في مصافِّ الدول المتقدِّمة إذا تمكَّنَــتْ مِن التحرُّر كُــلِّـــيّــاً من عقلية القرآن ومن رؤية واضعيه تحرُّراً واعياً لا انفعالياً. بتعبير آخر، سيخطو العالَـمُ العربي والإسلامي خطواتٍ إلى الأمام بمقدار ما يتحرَّر وعيُه مِن نظرة القرآن ولغته وآلياتِ تفكيره التي تربط هذا العالَـمَ الإسلامي بالماضي الغابر وتقتلِعُــه من حاضره.

لقد أصبحَ من الثابت، بحسب فلسفة هومبولت والبنيويين وغيرهم، أنَّ كلَّ لغة تخلق صورةً كاملةً عن الواقع. واللغةُ العربية التي ساهمَ القرآنُ في تشكيلها مساهمةً كبيرةً قد خلقَتْ صورتَها عن الواقع منذ زمن بعيد. هذه الصورةُ لم تَـــعُـــدْ صالحةً للواقع الحالي للعالَم العربي والإسلامي. فلا بدَّ إذاً، لتغيير الواقع الحالي للمسلمين، من تغيير رؤيتهم، أيْ لا بدَّ لهم من تغيير لغتهم، وليس المقصود تبَــنِّيَ استخدامِ لُغاتِ الدول المتقدمة، بل تبنِّي رؤية جديدة. ولتغيير اللغة والرؤية، لا بدَّ من إزاحة عوامل التحجُّر فيها وأوَّلُها القرآن. لا بد من خلع عباءة الفكر القرآني. لا بدَّ من التخلي عن طريقة التفكير القرآنية التقسيمية النزاعية الإقصائية وعن اللغة القرآنية. وبغير هذا التخلِّي لن يحقِّقَ المسلمونَ التطورَ النفسي والفكري والمادي.

ولكي نفهمَ تأثيرَ اللغة على طريقة التفكير وعلى التطور، تخيَّلوا لو أنَّ مجال الطب في العالَم ما زالت تحكمه لغةُ ابن سينا الطبية وما زال مرجِعُه وكتابُه المقدَّس كتاب "القانون في الطب"، فماذا سيكون حال الطب يا تُرى؟ هذا لا يعني الانتقاصَ من قيمة الكِتاب ولا من قيمة مؤلِّفِه. كذلك فإنَّ وَضْـــعَ القرآنِ في المتاحف مع ملحمة جلجامش وأساطير الكِتاب المقدَّس وأساطير الأمم الغابرة لا يقلِّــلُ من قيمة القرآن الأثرية والتاريخية. لكنَّ جَــعْـــلَ الأساطيرِ القديمةِ، ومنها القرآنُ، مرجِعاً للأمة هو ما ينتقص من قيمة هذه الأمة ووجودها.

ولذلك لا نستغرب من حال المسلمين الذين يحكمُ لغتَهم ومجالاتِ حياتِهم ووعيَهم وتفكيرَهم كِتابٌ أَقْـــدَمُ مِن "قانون" ابن سينا وأقلُّ قيمة علمية منه. وأتحدَّى المسلمين أنْ يتقدَّموا بالقرآن ولو خطوةً واحدةً إلى الأمام. كما أتمنَّى من المسلمين أنْ يردُّوا عليَّ ويُـــثبتوا بطلانَ كلامي من خلال العمل والإنتاج ومن خلال تطوير واقعهم بواسطة القرآن إنِ استطاعوا لا أنْ يردِّدوا شعاراتٍ وعباراتٍ ترديداً آلياً ببغائياً لا يفيد إلَّا في تكريس تقهقُرِهم. فإنهم يُـــثبتون تخلُّـــفَهم عندما يحاولون أنْ يُـــثبتوا صحةَ إسلامِهم وصحةَ نبوةِ نبيهم بذِكْرِ نبوءاتٍ له ومنها أنَّ محمداً تنبَّـــأَ أنَّ المسلمين سيصبحون غُـثاءً [زُبالة] كغُثاء السيل. لا أريد من المسلمين أنْ يُـــثبتوا وجودَ الله ولا صحةَ نبوة محمد، بل أنْ يُـــثبتوا وجودَهم في هذا العالَم بالمحبة والرحمة والإنتاج.



#محمد_علي_عبد_الجليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام والعقل
- بطلان الدعوة الدينية
- دور محمد في تأليف القرآن
- كيف نقرأ قصص الأنبياء؟
- في مفهوم الاتِّباع
- لنفكِّر في هذه الكلمات
- عقيدة الوحش المجنَّح
- كيف يحجب القرآن الرؤية؟
- المعنى الكوني للإسلام
- ما المقصود بالعلم في القرآن؟
- وأرسلَ لي...
- كيف ينبغي فهم القرآن؟
- تعقيب على مقال -بعض الآثار السلبية للقرآن-
- بعض الآثار السلبية للقرآن على حياة المسلمين
- لماذا نقد القرآن؟
- الألفاظ الأعجمية في القرآن ودلالتها والتحدِّي ومعناه
- قِطة شرودنغر وقسورة القرآن
- القرآن العربي نص مترجَم إلى العربية
- وظيفة القرآن
- حقيقة النبي


المزيد.....




- إسرائيل تستهدف منطقة قرب القصر الرئاسي بدمشق وتتعهد بحماية ا ...
- سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفض ...
- أحدث تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات “نزلها ...
- -الشرق الأوسط الجديد ليس حلماً، اليهود والعرب في خندق واحد-– ...
- بعد دعوة رجل دين درزي.. تحذير مصري من -مؤامرة- لتقسيم سوريا ...
- الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهجري يطالب بحم ...
- الدروز في دائرة الخطر: نتنياهو يستغل الطائفة لأغراض سياسية
- جماعات الهيكل منظمات إسرائيلية تسعى لهدم المسجد الأقصى
- الاشتباكات الطائفية في سوريا: أبرز القادة الروحيين الدروز يط ...
- تردد قناة طيور الجنة.. نزلها على جهازك الرسيفر وتابع كل جديد ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد علي عبد الجليل - القرآن وتحجُّر اللغة