أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - اللاعنف والخراب العاجل (5)















المزيد.....

اللاعنف والخراب العاجل (5)


سيد القمني

الحوار المتمدن-العدد: 4379 - 2014 / 2 / 28 - 18:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مصر منذ سبعة آلاف عام، بلغ بها الاستقرار مبلغًا كانت تسوده ثقافة التسامح والحب وكراهية القتل والتدمير، ينصح الفلاح ولده قائلاً: "لا تغضب على ولدك.. لا تغضب على زرعك"، إنه النصح بعدم الانفعال الذي يضل بصاحبه السبيل، بعدم الغضب المؤدي للكراهية والخسائر، الزرع كالولد سواء بسواء في المعاملة، الغضب على الولد والزرع يدمر المجتمع، لذلك إذا جفت ساق النبتة وآلت إلى ذبول كان لا يغضب فيقلعها من جذورها ويتخلص منها، إنما كان يدعمها بساق أخرى سليمة ويفسح لها التربة لتتنفس ويجبر جرحها ويغني لها أغاني الحب حتى تستقيم، فكانت ثقافة الحياة وليس ثقافة الموت، ثقافة الحب لا الكراهية، فأين مصر اليوم بعد إعادة فتحها بالمذهب الوهابي؟ إن ما يطرحه الدكتور من توظيف للنضال اللاعنيف لتغيير أنظمة الحكم هو نوع من الانقلاب تقوده الجماعات السرية التى ربما تنتهي إلى تغير شكل النظام مع بقاء الجوهر كما هو، فالنضال دون تقديم فكر جديد وفلسفة جديدة هو استبدال الخليفة بعبدالله بن محمد صاحب الزنج ليس أكثر، مع كل الخسائر المفترضة.

نقرأ المزيد لنفهم، يقول الدكتور أبوحطب: "إن السبب الرئيسي وراء العجز وسلبية بعض الشعوب، هو هذا الاعتقاد السائد بأن العنف هو الأسلوب الوحيد للمواجهة وهو أمر غير صحيح، فالعنف لم يعد خيارًا مطروحًا ولا مقبولاً في رحلة بحث الشعوب عن لحظة خلاصها من أنظمتها السياسية المستبدة، وأصبح العنف واحدًا فقط من خيارات كثيرة، ربما صارت أكثر فعالية وتأثيرًا من الانقلابات والثورات".

ها هو يعترف بهدوء لكن دون أن يشير لمن يمكنه دعم نضال الشعوب السلمي، هو يقول إن العنف لم يعد خيارًا مطروحًا ولا يقول لنا لماذا، الإجابة الواضحة أن الضمير العالمي الراقي بمؤسساته أصبح كاشفًا له، إذا قارنه بغيره، ثم يقول: "فمساوئ استخدام العنف تتمثل في النقاط التالية:

1- تتفوق الأنظمة الديكتاتورية في مواجهة خيار العنف بل وفي توظيفه لصالحها

2- تكلفة عالية على المستويين البشري والمادي

3- خيار العنف يفقد الدعم والتعاطف الشعبي والدولي على المدى الطويل


لهذا يطرح بديله (النضال اللاعنيف) منعًا لهذه الخسائر التي يسببها النضال العنيف.

هذا الرجل من المتأسلمين لكنه يقر بتغير الواقع ويراه بعيون مادية بحتة، لا تنتظر ولا ترجو قرب وقوع أى معجزات أسطورية، كما يفعل بعض المشايخ بانتظار الطير الأبابيل ويوم يتكلم شجر الغرقد، وهو في حد ذاته أمر محمود، لكنه لا يرى أن الأنظمة الاستبدادية لا تقوم إلا في بيئة صالحة لها، تغذيها وترعاها وتنميها وتمنحها رحيق الحياة والاستمرارية، بدليل عدم ظهور هذه الأنظمة في بريطانيا أو أمريكا أو إسرائيل، فالنظام الاستبدادي لا يظهر ولا يوجد إلا في مجتمع قابل للاستبداد مؤمن بفلسفته. والحكمة القديمة تقول: "إن شعبًا من الخراف يخلق حكامًا من الذئاب"، فالنظم تفرزها حركة المجتمع وثقافته، ويقوم على هذه الثقافة المفكرون والفلاسفة، وعندنا يقوم عليها المشايخ والإخوان، يفكرون لنا بفكر "ابن كثير" و"ابن القيم" و"ابن تيمية" وبقية الأسماء اللوامع من موتى التاريخ، بثقافة تسوق الناس بالزواجر والسياط إلى جنة النعيم، مثل هذه الثقافة يمكنها اليوم أن تؤدي إلى اعتياد وجود المعتقلات والسحل والهتك وتدمير الناس بالشبهات، لأنها تقوم على عقائد في الضمائر تقبل دون أن تشعر بأى جزع بقطع اليد وجز الرقبة وتهشيم الرءوس رضخًا بالحجارة وسوق النساء إلى أجنحة الحريم والأطفال إلى أسواق النخاسة، مثل هذه الثقافة لا تجعل المواطن يرى في المعتقل شيئًا عجبًا، مثل هذه الثقافة تجعل الأدنى يتماهى في نفسية العبد ويقبل بها، وتحول الوجهاء والمشايخ والسلاطين إلى سادة بالحق الإلهي في تقسيم الأرزاق وتحديد من يكون السيد ومن يكون العبد، إن ثقافة أول ما تعلم الطفل تعلمه آيات كيف يكفر عن ذنبه بعتق رقبة، تجعل وجود الرقبة اعتياديًا في النفس والضمير.

أما الملاحظة الملفتة بشدة، فهو أن الدكتور "أبوحطب" في طي سرده لأسباب استبعاده النضال العنيف، لا تجده يرفضه من منطق قيمي أو من باب أخلاقي، بل هو لا يرفضه إن حقق أهدافًا، لكنه يرفضه لأنه لن يحقق المطلوب ولأن المسلمين على حالهم اليوم لا يملكون القدرة لتنفيذ النضال العنيف.

إن عجز شعوبنا وسلبيتها وعدم وعيها، كلها نتائج ثقافة مريضة هيمنت عليهم آجالاً طويلة وتسيدت في عصور ظلام ممتدة حتى اليوم، بينما استطاعت شعوب أخرى بمفكريها وفلاسفتها من استبدال ذلك الظلام بجديد حديث حر، ولم يستغلوا ضعف النظام الحاكم للقفز على الكرسي الكبير لينصبوا أنفسهم مستبدين جدد بذات الفكر القديم، وربما أكثر استبدادًا وسلفية وهو الأمر الأكثر منطقية، إن الدكتور يحرض الشعوب ضد حكامها لتمكين المتأسلمين مع بقائنا عبيدًا كما نحن الآن، وبالقطع سيكون حالنا أسوأ مما نحن عليه الآن بمراحل.

إن النضال اللاعنفي الذي يدعو إليه الدكتور هو كالسرطان، الذي يمزق المجتمع كي يثأر من الحكومة، إنه حتى وهو يعرض علينا جديده السلمي اللاعنفي حافظ بداخله على (سورس) العنف، والطبع يغلب التطبع.

إن عنفه اللادموي لا يحمل معنى الرضا والتراضي، فعنفه الديني ولا عنفه الثقافي يخرجان من مشكاة واحدة، وقودها الدم وتقيتها العدوانية الخبيثة، وكوكبها الدري المخفي وراء الخطاب المختال هو الاستيلاء على الحكم ولو على ردم من خراب، فالدكتور ليس لديه بديل يقدمه لنا بعد تدمير المجتمع، وبعد مقاطعة المواطنين للحكومة وللشركات الوطنية والوكلاء الذين يزودون النظام باحتياجاته، وعدم التعاون مع الحكومة عند حاجتها لشعبها وإضراب الصدمة للفلاحين والعمال، والاستقالة من العمل الحكومي وسحب الولاء عنها ورفض مساعدة أجهزة الحكومة.. إلى آخر ما قال من خراب ديار، إنه لم يقدم لنا البديل لأنه يعلم أن البديل أوضح من أن يشار إليه أو يُعرَّف، إنه الحل الرباني.. الإسلام هو الحل، فلا يبقى سوى القضاء على الحكومة والاكتفاء بمشايخ ومراجع الإخوان والسلفيين وبالأزهر بعد ذلك سندًا ومرجعًا، بعد أن تم إلغاء عقل الناس، بعد أن قضوا على المَلَكَة الغريزية الباحثة عن المعرفة، وكفروا العقل النقدي، وأصبح الناس يسألون مشايخنا وهم يجيبون على كل سؤال في كل شأن، هل مجتمع في الدنيا على هذا الحال له أى حقوق ضائعة من حقه أن يطالب بها؟

الغريب أنه وهو يعض على إيمانه بيده مع أخذه النضال اللاعنيف، فإنه باليد الأخرى يقر بما نقول، كما في قوله "جاء اصطلاح الانقلابات والثورات التصحيحية للتخلص من أنظمة ظلت تمارس القمع والاستبداد لفترات طويلة.. إلا إن الأنظمة الجديدة التى أتت بها الانقلابات لا تمثل تصحيحًا ولا بداية جديدة كما كان متوقعًا، وهنا يكمن الدرس التاريخي الذي يدفعنا إلى التحفظ على خيار الانقلابات، فاحتمالية تحول من يقومون بالانقلابات تحت شعار الحرية لأنظمة ديكتاتورية تظل احتمالية قائمة".

إن هذه العبارة تكاد تكون العبارة الوحيدة الصادقة فيما قال أبوحطب جميعة، وهو يقدمه تبريرًا وتأكيدًا لدعوته لبدائل العنف للتخلص من الاستبداد، وهو يعلم أن مجتمعنا ـ وهذا حاله ـ إن تغير فلن يتغير فيه سوى الوجوه والأسماء ودرجة الظلم، لأنه يستكمل صادقًا دون أن يعني نفسه أو جماعته قائلاً: "لأن هؤلاء الواثبين على الحكم لم يؤسسوا لتقاليد الحريات المدنية والتحول الديمقراطى"، إن الدكتور إن أراد حقًا خير الناس لانشغل بهم وبحث عن أسباب الاستبداد رغم تعدد الانقلابات والثورات وتغيير النظم الحاكمة مع كل حكومة في بلاد المسلمين، إن السبب هو استمرار الثقافة السائدة دون تغيير ودون أن تشذ حالة واحدة عن هذه القاعدة.

إن مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات على أصنافها شيء غائب عن ثقافتنا، وغير موجود في مخزوننا المعرفي ولا حتى في معجمنا اللغوي، لأنه لو كان متواجدًا لكان لدينا كل أنواع الحريات من قديم الزمان منذ السلف الصالح الذي نفترض هنا بالضرورة أنه هو من أسس للديمقراطية، إن قيمنا لا تعرف الحريات كما هي في الديمقراطية المحدثة، ولو كانت تعرفها كما يوعز لنا أبوحطب كي نستردها بالنضال اللاعنيف، لكان المسلمون أسبق الشعوب معرفة بها، ولنقلها الآخرون عنا؛ ولما انتظر العالم كله حتى يظهر أوجست كونت وروسو وفولتير ومونتسكيو.

وضمن مبرراته لنضاله اللاعنيف أن خيار الانتخابات الذي تلجأ له الأنظمة الديكتاتورية لا يؤدي إلى تحول ديمقراطي.. يؤدي إما للتلاعب بنتائجها أو إلغائها بالكامل.. كما حدث في بورما 1990 ونيجيريا 1993 وفي الجزائر 1991.. وتعمد النظم الديكتاتورية إقامة هذه الانتخابات في ظروف لا توفر المعايير المطلوبة لإجراء انتخابات نزيهة.

والرجل محق تمامًا في أن خيار الانتخابات لن يؤدي إلى تحول ديمقراطي، لكن ليس نتيجة تزييف نتائجها، فبفرض اكتمالها بكافة معايير الانضباط والالتزام الإداري، فإنها لن تفرز لنا عناصر من غير ذات المجتمع وذات الثقافة، إن مجتمع السادة والعبيد لن يفرز لنا من يقيم لنا الحريات، حتى أحزاب المعارضة لا تعرض في سوق الفكر ديمقراطية حقيقية ولا تقدم نموذجًا ديمقراطيًا حقيقيًا من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، كلها كالحكومة، طبعة واحدة، لأنها ثقافة المجتمع، كلهم عصابات تتصارع على الفريسة، والفريسة لطيفة مطيعة لأنها تطيع الله ورسوله وأولي الأمر منها، ولأن أبوالحسن الماوردي قد قال في الأحكام السلطانية: "إن أهل الرأي متى عقدوا البيعة للإمام لا يجوز لمخلوق نقضها، لأن الرعية عليها بموجب هذه البيعة الاستطاعة، والنصر للإمام ما وسعتهم الطاعة، ولا يحل لهم القيام عليه بحال"، هذا قول الفقيه، ومثله كان قول المثقف المستأنس، إذ يقول ابن هانئ الأندلسي قي المغرب يخاطب الخليفة:

"ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنـت النبي محمد

وكأنما أنصارك الأنصار"

وفي علوم الآداب تأدبنا بكتاب العقد الفريد إذ يقول في كتاب "اللؤلؤة والسلطانة": "السلطان زمام الأمور وميزان الحقوق وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدنيا وهو حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده، به يمتنع حريمهم وبه ينتصر مظلومهم وينقمع ظالمهم ويأمن خائفهم"، أما الحكماء من الفقهاء، فقد أفادونا بما انتهى إليه حشدهم: "إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام غشوم خير من فتنة تدوم، ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن، قال حذيفة بن اليمان ما مشي قوم قط إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله.. وقال عبدالله بن عمر: إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر، وإن كان الإمام جائرًا فعليه الوزر وعليك الصبر، وقال وهب بن منبه فيما أنزل الله على نبيه داود عليه السلام: إني أنا مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن كان لي على طاعة جعلت الملوك عليهم نعمة، ومن كان لي على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة".

الكل يقول نفس الكلام لأنه لا يعرف إلا ذات الثقافة الواحدة، ولا يعرف غيرها، ولو عرف لفاضل واختار ومؤكد أنه كان سيبدل ويغير، لذلك لا يسمح الفريق الإسلامي لغيره بالكلام في هذا الميدان تحديدًا، فهم وحدهم القادرون على تطبيق "حاكمية" الله في الأرض، دون أن يبرزوا لنا مرة التفويض المعطى لهم من الذات العلية بهذا الشأن، لاختيارهم أمناء على "حاكمية" الأرض دون كل المسلمين.

إن طلب "أبوحطب" بثورته اللاعنيفة في ضوء موقف الشرع هو خروج عن هذا الشرع، هو خروج عن الدين بالضرورة، إلا إذا كان مقصده تطبيق الشرع الإسلامي بعد ثورته اللاعنيفة، وهو يقصد هذا المعنى ولكن من وراء تقية فريدة جديدة في ابتكارها، ما يدهشنا أحيانًا من مدى التقدم التكنيكي للخطاب المتأسلم.

إن المجهول هو المنتظر بعد إسقاط الدولة ونظامها وتدمير مجتمعها، لأنه لم يقل لنا ما هى بدائله وخططه لإحلالها محل ما سيحدث من خراب شامل، الدكتور يتركنا حيارى من المجهول الذي سيأتي بعد تدمير المجتمع، هل سيظل متمسكًا باللاعنف؟ إن مطلب الدكتور باللاعنف هو لأن المسلمين لا يملكون أدوات الانتصار على الحكومات بالعنف، فماذا بعد إسقاط الدولة والنظام ومجيء المجهول للحكم؟ إن هذا المجهول سيملك أدوات العنف من جيش وشرطة؟ أم إن اللاعنف هو الخطوة التمهيدية للاستيلاء على أدوات العنف ليتم تفعيلها وممارستها من بعد التمكين؟

في تاريخنا مثل هذا نماذج أصيلة مكررة، فتاريخنا حافل بالكوارث، في تاريخنا بعد امتلاك الأمويين للقوة قاموا بتصفية آل البيت جميعًا بمن فيهم الأطفال الرضع والنساء والكهول؟! "محمد علي" قضى على المماليك بمذبحته الشهيرة منعًا لأي معارضة، فبأي المثلين سيتأسى الحاكم المجهول الآتي؟ وماذا سيفعلون بنا نحن فقراء المسلمين في سبيل دعم حكمهم؟ التدمير التام هو خاصية الثقافة البدوية لأنها كالقبائل تتصارع صراعًا صفريًا تتم فيه إبادة الآخر أو استعباده والاستيلاء على ممتلكاته، كذلك كان بدو إسرائيل من الأسباط، ذبح بعضهم بعضًا في رحلة الخروج، إسرائيل وهى من أصول بدوية، عند إقامة دولتها استدعت ذات الثقافة.

اليوم يفترض الرقي الإنساني، أن رفض العنف كأسلوب للنضال مطلوب ليس لأن المؤمنين لا يملكون القدرة على العنف وإنما يجب رفض العنف من باب أخلاقي، اليوم ليس المطلوب هو نضال العنف واللاعنف، المطلوب تعزيز أكثر فرق المجتمع إخلاصًا للديمقراطية ومدى قرب أو بعد هذا الفريق أو ذاك من حقيقة الديمقراطية.. اليوم من يستحق العقوبة وعدم المساندة هو الأكثر بعدًا عنها، الذى يطلب دولة دينية لا علاقة لها بمعنى الدولة في مجتمعات اليوم، وبتكوينها الديني لن تستطيع أي تغير من أجل أي تقدم ممكن، إن الدكتور أبوحطب كواحد من المتأسلمين لا يدعو هنا إلى تغيير القائمين على الحكم واستبدالهم بغيرهم، إنه لا يدعو إلى تبادل السلطة وتداولها، إنما يدعو إلى ثورة مدمرة كاسحة دون عنف تؤدي إلى تفكك المجتمع نفسه شظايا.


إن البديل الذي يقدمه لنا المتأسلمون يجب أن يحوز مشروعية محلية ودولية أيضًا، لكن هذا الخراب المستعجل لا يحوز أى مشروعية.. أبوحطب مثل الذي يريد أن يستخرج حصوة من مريض فيفتح لها من رقبته.

يبقى أن يعرف القارئ، أنه مع إيمان أهلنا المتأسلمين، فإنهم لا يجدون حرجًا في أفعال من نوع ولون ما سأسوقه الآن، فالفكرة التي قدمها أبوحطب وصراعه اللاعنيف وأدواته ووسائله كلها فكرة ثم شرحها عبر حوالي عشرة كتب لجين شارب، وله موقع يحوي هذه الكتب مجانًا على الشبكة الدولية للمعلومات، والعجيب أن أبوحطب لم يشر إلى شارب إلا إشارة عابرة لا توضح دوره كأرضية كاملة التمهيد لما قاله أبوحطب، يعني جايب سيرة شارب ليخزي العين ليس أكثر، وللمدقق أن يلحظ أن الدكتور عندما نقل بنوده لأساليب النضال اللاعنيف أخذ 139 بندًا من بين 198 بندًا، وترك ما ترك عن عمد وقصد، لأنها لا تتفق ومذاقنا الإيماني كمظاهرات العري النسوي، وما يشبهها، وبعد جمع ما أراد من بنود وترك ما أراد من بنود، فحشد أفضل الوسائل وأسرعها لخراب مصر. وقام بتشغيل كلام شارب لانتفاضة إسلامية لاعنيفة، وبينما كان شارب منتجًا مؤثرًا في المجتمعات الأوروبية، فإن كلامه المنقول إلينا عبر أبوحطب قد شابته النوازع ومطالب الأيديولوجيا الإسلامية، فأصبح غير صالح لنا ولا لغيرنا.

كلام شارب نفسه كان صالحًا لعالم يقف في مواجهة الاتحاد السوفيتي حتى انهار هذا الاتحاد، في زمن وفي ظرف مختلف، والأهم اختلاف ثقافة المستقبل، فبلادنا لا تخضع لحكومة واحدة، فهناك سلطة دينية وسلطة حكومية، وحسني مبارك لا يحكم مصر بشكل مطلق، فالأزهر يصدر الفتاوى "قانونًا" تسري في الواقع، ودار الإفتاء تفعل ذات الشيء، وتضغط على المواطنين بمزيد من التحريمات، لتوانيا وإستونيا وألمانيا الشرقية كلها كانت تحت هيمنة ديكتاتورية واحدة، هنا لدينا ديكتاتور موجود في الشارع ينتظر ساعة هيمنته، في لتوانيا عندما تم إسقاط السلطة الديكتاتورية، كانت الناس تطلب البديل وهو موجود لديها وهو العلمنة الكاملة بكامل الحريات والحقوق والمبادئ الديمقراطية، سقوط النظام هناك جاء بديله نظام ديمقراطي، وسقوط النظام العام هنا البديل الجاهز له هو الإخوان وإخوانهم من المتأسلمين، المشكلة أنه ليس لديهم حتى الآن أى بديل لا برنامج ولا دستور ولا شيء بالمطلق، ولا تعلم هل إذا أتاهم الحكم فهل سيحكمون ببركة دعاء الوالدين؟ لقد كان الصحابة والخلفاء يحكمون ببركة حضورهم زمن الوحي ومصاحبة الرسول والتعلم منه مباشرة، والإخوان أو غيرهم من فرق الإسلام السياسى ليسوا صحابة ولا مبشرين بالجنة، فما بال الإخوان لا يقدمون برنامجًا علميًا واضحًا ولا دستورًا، ويطلبون الكرسي بالعنف وباللاعنف وبأى أسلوب ممكن، إنهم يقدمون لنا المجهول.

إن سقوط نظام المجتمع في بلاد مثل بلادنا وفي ظل مناخ ثقافي كمناخنا لا يعني إلا عراقًا جديدًا كمثل صارخ بحجم الثارات في ثقافتنا، والتى لا يضبطها سوى استمرار النظام الضابط لهذا المجتمع، وهو غير نظام الحكم، بينما أبوحطب يوجه بنوده لضرب النظام الضابط للمجتمع، إنهم يريدون الحكم ولو بدمار النظام الاجتماعى العام، على جثث ألوف المصريين كما العراقيين، وعلى ردم من خراب الديار ودمار العمار.

إنهم لا يمانعون أبدًا ماداموا هم من سيحكم.

يا "أبوحطب" إن الإحصاءات في مصر تقول إن مجمل الوقت المنتج للموظف المصري هو ثلاث ساعات في الأسبوع، يعني هو في حال نضال لا عنيف غير موجه، هل هناك خراب أكثر من ذلك؟

هيه ناقصاك يا أبوحطب ؟!



#سيد_القمني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللا عنف والخراب العاجل (4)
- اللاعنف ..... والخراب العاجل (3)
- اللا عنف.. والخراب العاجل (2)
- اللا عنف والخراب العاجل (1)
- سيادة الفريق.. احسم أمرك الآن
- شخصية مصر.. فرادة الأصول
- شخصية المجتمع الصحراوي ( جزيرة العرب نموذجا )
- مذهب إسلامي جديد.. -شيعة مرسي-
- يسقط حكم العسكر.. شعار لئيم ضد وطن مأزوم
- ! حرب الجواسيس
- دراسة واقتراح مقدم للجنة الخمسين بشأن المواد الدينية بالدستو ...
- مصر تخوض حربًا عالمية ( 2) تمرد عبقرية مصرية
- مصر تخوض حربًا عالمية (1 من 4)
- لغم المادة الدينية بالدستور
- المعركة الوهمية ضد العلمانية
- من الدين إلى العلمانية
- العلمانية كضرورة زمانية
- تفويض للقوات المسلحة المصرية
- نداء.. نداء.. نداء
- حزب الظلام/ النور سابقاً/ وأمور أخرى


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيد القمني - اللاعنف والخراب العاجل (5)