أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - برهان المفتي - من الچايخانة إلى البرلمان - رحلة الشاي العراقي















المزيد.....

من الچايخانة إلى البرلمان - رحلة الشاي العراقي


برهان المفتي

الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 20:28
المحور: الادب والفن
    


من الچايخانة إلى البرلمان
رحلة الشاي العراقي

تقرير – برهان المفتي
راقصة رشيقة ، ذو حزام ذهبي على خصر جميل، ترقص فوق مسرح بلوري، ثم تعطيك فمها لتسقيك شراباً حلواً وتشعرك بدفء حميم.
هذا ليس مقطعاً من خيال ألف ليلة وليلة، ولا حلم متشرد على رصيف بارد، بل هو ما نفعله نحن العراقيون كل يوم، صغاراً وكباراً، وإذا كان ما كتبت هو شعور شارب الشاي، فلا أعتقد أن شعور اللواتي يشربن الشاي يختلف جمالاً وجموحاً عن هذا، بل ربما يفوق هذا الإحساس بمراحل تجعلها هي بدر البدور حين تنظر إلى سطح الشاي المتلألىء فترى فوقه قمراً هو في الأصل صورة وجهها!
لهذا المشروب طقوس عراقية تشمل مراحل إعداد الشاي كافة، طقوس تجعل العائلة العراقية والعراقيين ضمن القائمة المتميزة لأفضل متذوقي الشاي في العالم.
التوليفة
فالعائلة العراقية تقوم بخلط الشاي من مصادر متعددة للوصول إلى توليفة خاصة بحسب مزاج ونكهة العائلة العراقية،وقد خسرت العائلة العراقية هذه الميزة أيام الحصار القاسي حين لم يكن للعائلة العراقية مجال لتعدد مصادر الشراء بل كان نوعاً واحداً ومفروضاً وهو ما أطلق عليه العراقيون تسمية (شاي الحصة).
تقوم أم البيت بخلطتها الخاصة بجمع الشاي ، ربع كيلو من هذا وشيء من ذاك، ثم مقدار من تلك النوعية، ثم تقوم بخلط المزيج فوق قماش غالباً يكون من الخام لإمتصاص الرطوبة، ثم تفتح بعض حبات الهيل وتدسها بين حبيبات الشاي وتضع الخليط في عبوة محكمة الغلق. وغالباً تقوم أم البيت بهذه الخطوة قبل أنتهاء المتوفر تحت الإستخدام، وذلك لضمان تغلغل رائحة الهيل في الخليط المحفوظ وضمان تمازج مكونات الخليط.

القوري
تتميز العائلة العراقية بإعداد الشاي في أوعية فرفورية هي (القوري)، بل أن هذه (القواري) هي من الممتلكات العزيزة لأم البيت فتحافظ عليها كشيء عزيز ضمن ما تملك، ولكل أم بيت عراقية مجموعة متميزة من (القواري) ، بل أن الوالدة – كجزء من عطائها – تقوم بإهداء (قوري) من مجوعتها الخاصة إلى إبنها أو أبنتها كهدية زواج، ولا زلت أحتفظ بهدية متميزة من والدتي رحمها الله وهي قوري فرفوري قديم بلون أخضر زمردي وبنقشة متميزة أخاف حتى أن أضعه فوق النار، فهو يبدو لي كديك معتز بنفسه وبدلاله وليس وعاء لإعداد الشاي ووضعه على النار.
ورغم هجوم القوري المعدني الإستيل والفافون إلا أن العراقي والعائلة العراقية والچايخانات العراقية ظلت محتفظة بهذا التقليد المتميز. وشيء آخر يتميز به القوري الفرفوري، وهو جماله وطريقة جلوسه على عرش (الكتلي) فوق المدفأة وسط العائلة أيام الشتاء أو فوق (السماور) في الحديقة أيام الربيع أو فوق الطباخ في ليالي الصيف وسحور رمضان.
الإستكان
رغم تعدد البحث في أصول (إستكان) من تركية وإنگليزية وهندية إلا أن الجميع متفقون على أنه وعاء شرقي لشرب الشاي East Tea Can . فالأنگليز يستخدمون أكواب الشاي بدلاً من الإستكان والمصريون يستخدمون (الخمسينة) وهي نوع من القدح الزجاجي لشرب الشاي بينما ظل العراقي محتفظاً بروح الشاي في الإستكان.
ويأتي أجود أنواع الإستكان من تركيا، والنوع المفضل لدى العراقي هو المذهب بحافة خفيفة، وذلك لحب العراقي أن يسمع صوت ملعقة الشاي وهو يحركها لتجانس حبات السكر في الشاي، وهو صوت يطرب عليه العراقي ويقول فيه مثلاُ معروفاً لمن يعطي وعوداً دون العمل بالقول " أسمع طگ إستكاين چا وين الچاي". وقد حاولت الصناعة العراقية في زمن مضى أن تنتج إستكان عراقي من مصنع زجاج عراقي، فكانت النتيجة كوميدية، إستكان بخصر مشوه لا يثبت على شيء، ولا يقاوم حرارة الشاي، حتى صار مثلاُ للتذبذب فيقول العراقي للشخص المتذبذب " كأنه إستكان عراقي" ! كما أن من الهدايا المميزة التي كانت العائلة العراقية تتبادلها بينها هي هدية نص درزن إستكان مذهب، وكانت تلك الهدية تقدم في مناسبات الخطوبة أو الولادة.
الرائحة
يصر العراقي أن يضيف رائحة متميزة إلى الشاي، فبالإضافة إلى وضع بعض حبات الهيل في الخليط أثناء التوليفة، تقوم أم البيت بإضافة حبات أخرى أثناء إعداد الشاي، والعوائل في شمال العراق تستخدم نبات (العطرة) لإضافة رائحة ونكهة متميزة جدا للشاي. والعطرة نبات للزينة في البيوت العراقية توضع في الغالب عند مدخل البيوت لإضافة رائحة منعشة للمدخل خاصة حين رشها بالماء، وهذه الرائحة والنكهة مع رائحة الهيل تميز نكهة شاي الشمال العراقي عن شاي بقية المناطق في العراق.
التخدير
وهي مرحلة إعداد الشاي، والكلمة تدل على التأني في إعداد الشاي أو إعداده على نار هادئة كشخص تحت تأثير التخدير. والكل يذكر الأغنية العراقية " خدري الچاي خدري" والتي تدل على أهمية (التخدير) في إعداد الشاي العراقي. ويعرف المتذوق العراقي إن كان الشاي (خدران ) أو لا من رائحة الشاي، فالشاي (الخدران) له رائحة طيبة متميزة بينما الشاي غير (الخدران) لا يقبله العراقي ورائحته بالنسبة للعراقي منفرة !
وللوصول إلى التخدير المضبوط، تقوم الأم العراقية بوضع الماء في الكتلي ثم الإنتظار لحين الغليان، ثم تضع الشاي في القوري وتسكب عليه الماء المغلي وتحكم غلق غطاء القوري لتضمن عدم تطاير الروائح الخفيفة من أوراق الشاي، ثم تضع القوري فوق فوهة الكتلي على الطباخ لتضمن (تخدير) الشاي على البخار الخارج من الماء المغلي في الكتلي، وهي بذلك تضمن تخدير الشاي وتضمن كذلك المحافظة على القوري الفرفوري. وبعد أن تتأكد من إنتهاء تخدير الشاي بحكم خبرتها في تذوق الشاي ورائحة الشاي (الخدران) تقوم بفتح غطاء القوري ثم رش قطرات ماء بارد على الشاي ، وتلك عملية مهمة إذ أن تلك الرشة من الماء تحبس الروائح الطيبة في الشاي وكذلك تنزل (بثل) الشاي إلى قعر القوري.
السكر:
يعرف العراقي أن نوعية السكر أو (الشكر) يؤثر على طعم الشاي بمجمله، فتراه يدقق في البحث عن نوعية جيدة صافية. وكان العراقيون يستخدمون طريقة الدشلمة في شرب الشاي وهي بوضع قطعة من سكر أو سكر القند تحت اللسان ثم شرب الشاي المر. كما أن هناك عوائل قليلة جداً وأغلبها من الذين درسوا في أنكلترا يستخدمون مكعبات السكر في شرب الشاي. إلا أن الغالبية من العوائل العراقية تستخدم السكر الأبيض في شرب الشاي، ويحب العراقيون في الغالب الشاي الحلو بل أن بعضهم يكون مبالغاً في كمية السكر في الإستكان إلى درجة أنه يقوم بلعق بقايا السكر من قعر الإستكان مستخدماً ملعقة الشاي بعد الإنتهاء من شربه !
الوقت
تبدأ العائلة العراقية يومها بالشاي، وينهي غداءه بالشاي، ثم شاي العصر وهو ما يميز العائلة العراقية. فشاي العصر مناسبة إجتماعية كمنتدى حوار تصر العائلة العراقية عليه، وهذا التوقيت يكون قبل غروب الشمس بساعة أو أكثر، ويكون مع الشاي أنواع من الكعك أو الجبن الأبيض مع أوراق النعناع الطازجة التي تزرعها العائلة العراقية في الحديقة قرب حنفية الماء تحديداً أو الكليچة وفي بعض الأحيان مع (لحم بعجين) وهي الحالة التي تكون مع زيارات لعوائل أخرى.
ويكون (شاي العصر) مناسبة يومية لمراجعة أخبار الدوام لرب البيت وأبناء العائلة وكذلك مجالاً لكي تنقل فيه أم البيت غير الموظفة أخبار البيت والجيران إلى أبنائها وزوجها. وغالباً ما يكون شاي العصر توقيتاً لزيارة مفاجئة من الجيران ! كما أن بعض العوائل لديها جلسة شاي في المساء وخاصة ليالي الشتاء الطويلة والباردة.
الچايخانة
وهي كلمة تركمانية وتركية بمعنى مكان تقديم الشاي على وزن كلمات أخرى في اللهجة العراقية مثل (خاستخانة) مكان التمريض أو المستشفى و(بنزينخانة) لمحطات الوقود . ويقال أن الشاي دخل إلى العراق مع غزو نادر شاه أو مع الولاة العثمانيين، وأياً كان التاريخ إلا أن هناك وصفاً لبغداد " ما بين چايخانة وچايخانة هناك چايخانة" وهو وصف قريب لما كان موجوداً من مقاهٍ في منطقة شارع الرشيد وتحديداً المنطقة القريبة من سوق السراي والمتنبي الآن حيث كانت هناك مقاهٍ متراصة صارت علامات أدبية بسبب ما كانت فيها من نقاشات بين الشعراء والأدباء حتى أن بعضها حملت أسماء أولئك كمقهى الزهاوي حيث كان الشاعر والمفكر جميل صدقي الزهاوي يأخذ له زواية فيه، كما أن بعضاً منها اشتهرت بأسماء مطربين ومطربات لأنها كانت تذيع أسطواناتهم بأستمرار لكي يستمتع العراقي بالطرب وهو يتذوق الشاي مثل مقهى أم كلثوم ومقهى فريد الأطرش ومقهى القبانجي. وقد صارت الچايخانات تحت رصد الاجهزة الأمنية في مختلف مراحل الحكم في العراق لأنها مكان تجمع الشباب والموظفين والمتقاعدين وتبادل الأفكار والنقاشات.
هوية عراقية
كما يقولون أن العربي يُعرف بشربه لحليب النوق والقهوة المرّة، فأن العراقي يُعرف بالشاي. والشاي العراقي لونه أقرب إلى الأحمر غير الغامق جداً. والشاي يربط العائلة العراقية ببعضها في جلسات الشاي كما تربط العوائل العراقية ببعضها في زيارات الشاي المعلنة والمفاجئة، كما أنه يوحد العراقيين جميعاً فالشاي موجود في جلسات الأحزاب كافة وفي جلسات مجلس النواب أمام الجميع رغم خلافاتهم على إقرار قانون معين أو إنسحابهم، فالإنسحاب لا يؤثر على حصتهم من الشاي البرلماني .



#برهان_المفتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا...أنت والآخر
- إتباع بالمكروه
- موسم الليل
- أهل الكف
- أنا هنا...ثم هناك
- هذا أنا
- من أوراقي
- زوايا حادة
- طريق بيتي
- خلف الزجاج
- لقطات شديدة الكثافة
- الذاكرة
- خطة متكاملة - نحو كوكب ليس فيه تطرف ديني
- هل نسمع بوزارة إدارة الأزمات؟


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - برهان المفتي - من الچايخانة إلى البرلمان - رحلة الشاي العراقي