أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - برهان المفتي - الذاكرة














المزيد.....

الذاكرة


برهان المفتي

الحوار المتمدن-العدد: 4198 - 2013 / 8 / 28 - 16:45
المحور: الادب والفن
    


بعد أن أخذ الطبيب أشعة مقطعية لرأسي، أخبرني أن خلايا الذاكرة تلتهم الأجزاء الأخرى من الدماغ، وأنني في فترة قريبة قادمة سأكون مجرد جسد يحمل ذاكرة، قال ذلك وهو يحمل في يده وحدة ذاكرة ألكترونية ثم رماها مع بعض أوراق على مكتبه في حاوية قرب رجليه قائلاً " فيروس لعين فتك بها وبكل محتوياتها" ثم قال " أعتقد أن دماغك ملتهب بفيروس خطير" !
وصلت لمكتبي وفي الطريق زادت شراسة ذاكرتي، تذكرت حتى ماذا سيحصل بعد أسبوع من الآن، الأمر مربك عليّ، هل أملك ذاكرة تسبقني أم أنها هذيانات مريض على عتبة تحول دماغه إلى أرشيف ذاكرة بفعل فيروس محتمل يأكل خلايا الدماغ ويحولها إلى خلايا ذاكرة راكدة ؟!
تذكرت أنني بعد أسبوع من الآن وقفت أمام مرآتي المزعجة في الحمام لأحلق وجهي ، لكني حين نظرت في المرآة قفزت ذاكرتي إلى أيام لم تكن فيها لحيتي قد نبتت، ولا أحتاج إلى أن أمرر شفرة حلاقة على وجه طفل ناعم. الأمر مشوش وفوضوي في رأسي، هل أنا هنا أم في القادم، أم أعيش أيامي الماضية مرة أخرى في تأكيد على الذاكرة !
على مكتبي أوراق مليئة بالخطوط والملاحظات، فجأة أراها أوراقأ بيض قبل أن اكتب عليها، آراني أدخل إلى مكتبي قبل سنتين، لا زلت أحتفظ ببعض خصل الشعر فيما آراني ، أجلس على الكرسي، أتذكر أنني سأقع بسبب أرتباكي في أول يوم دوام في المكتب، حينها لم يرني أحد ولكني آراني الآن وأرى كيف يقع هذا الموظف الجديد المرتبك في مكتبه وأضحك !
لا، هذه فوضى غير حقيقية، أنني أتخيل ما أرى، الأمور كلها تبدو غير حقيقية، أي مرض هذا جعل ذاكرتي تلتهمني وتلتهم الصور التي أراها. أتذكر أنني كنت في زيارة لطبيبي قبل يومين حين قال لي أن ذاكرتي تلتهم باقي أجزاء دماغي وأن هناك فيروساً يسبب إلتهاباً في ذاكرتي...قبل يومين؟؟؟ لا هذا كان اليوم قبل ساعتين، ربما لا..ربما سأذهب غدا..لااااااااااااااااا.أضرب رأسي بيدي لأوقف زحف الذاكرة على ما بقي من دماغي.
أفتح عينيّ، في يديّ أوراق محاضرات ، فيوم غد هو أول يوم في إمتحانات التخرج، المادة صعبة، النمذجة الرياضية للعمليات الصناعية، نعم فأنا مهندس تخرجت منذ ثلاث وعشرين سنة ، أرتبك جداً فهناك فصول لم أقرأها بعد، أقرر أن أبدا بقراءة المحاضرات الآخيرة التي لم أحضرها، لا لا...حضرتها ، آراني أسرع إلى قاعة المحاضرات في الطابق الثاني، غير أن الدكتور سيمنعني من الدخول للقاعة بسبب التأخير وبعد ذلك قررت، أو سأقرر. لا أعلم الزمن، نعم سأقرر أن لا أحضر محاضرات هذا الدكتور.
لا..هذه الأوراق في يديّ هي مادة الإعراب في درس اللغة العربية ، نعم فهذه الغرفة التي كنت أدرس فيها سنة 1985 أيام الإمتحانات النهائية وأنا في الصف السادس العلمي، ليس لي مزاج في القراءة بعد سماع بيان الهجوم على البصرة، لا، هذه غرفتي سنة 1982 وأنا في الصف الثالث المتوسط، لا يهم، فالغرفة كانت هي نفسها حتى تخرجي من الجامعة، نعم، أنها سنة 1982 لأن هذا بوستر بطولة كأس العالم في إسبانيا. أخرج مسرعاً من الغرفة بعد سماعي صوت مذيع يعلن النصر المبين ! فآراني بين يدي أمي وهي تمشط شعري في أول يوم مدرسة، نعم هكذا لبست في أول يوم، قميص لؤلوي اللون برباط أخضر وسروال أخضر، سوف تأتي معي أمي للمدرسة وتقبلني في باب الصف..سيضحك الجميع بينما أبكي.
لكني هنا أمسك بندقيتي في ليلة باردة سنة 1991، صوت أنفجار قريب، أصوات مدافع، طائرات، أهرب فأسقط في بركة ماء من مطر يوم أمس، أنهض فأراني وجسمي كله مبلل وأنا واقف في وسط شارع فيأتي شخص لا أعرفه فيرشني بالماء، الشارع مزدحم، نعم ، هذه ليلة التي توقفت فيها الحرب سنة 1988. يناديني أحدهم ، نعم، فاليوم عندي مقابلة توظيف، لا، أنتظر، هذا صوت رئيس عرفاء الوحدة ينادي على أسمي في أوامر القسم الثاني لواجب الخفارة لهذه الليلة !
أضرب رأسي بيديّ ، أريد صوراً حقيقية، أهرب إلى القادم، لكن ذاكرتي هي الماضي، أصبحت ذاكرة، أو وحدة ذاكرة كما سيقول لي الطبيب الذي أنا في الطريق لزيارته بعد أن لازمني صداع مؤلم في اليومين الماضيين.
أطرق الباب...تفتح هي الباب وتقول: " لماذا رجعت...هل نسيت مفتاح السيارة كالعادة"
وأنا أصيح : أين الطبيب !!



#برهان_المفتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطة متكاملة - نحو كوكب ليس فيه تطرف ديني
- هل نسمع بوزارة إدارة الأزمات؟


المزيد.....




- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...
- رواية -خاتم سليمى- لريما بالي.. فصول متقلبة عن الحب وحلب


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - برهان المفتي - الذاكرة