أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم الحيدري - أدورنو وتصنيع الثقافة















المزيد.....

أدورنو وتصنيع الثقافة


ابراهيم الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 4331 - 2014 / 1 / 10 - 18:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تصنيع الثقافة أو ثقافة التصنيع مصطلح صاغه الفيلسوف الألماني وعالم الاجتماع النقدي تيودور أدورنو(1895-1973). وهو من أهم مصطلحات النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت. ففي كتاب "جدل التنوير" لهوركهايمر وأدورنو(1947) ظهر أول مرة مفهوم جديد في علم الاجتماع النقدي أطلق عليه أدورنو "تصنيع الثقافة"، حيث رأى بأن هناك مصانع تنتج ثقافة، بالرغم من ان الثقافة لم تكن يوما ما إنتاجاً صناعياً، كما هي اليوم. ولم تعد الثقافة تتخذ لها مكاناً في بناء فوقي مستقل نسبياً، لأنها أخذت ترضع من البنية الاقتصادية وتتحول إلى صناعة.
لقد تحول الإنتاج الثقافي والفني الذي يضخه المجتمع الصناعي التقني المتقدم إلى آلية مستوعبة للمجتمع الصناعي المغترب وفكره التخديري الذي يتمثل بثقافة شعبية جماهيرية تشبع حاجات جماعية ولكنها تتحول إلى وسيلة هيمنة وتسلط وذلك بسبب تطور التكنولوجيا تطوراً لاعقلانياً وسيطرتها غير المباشرة التي تظهر في المشاركة الجبرية للملايين في عملية الإنتاج والاستهلاك وموافقتهم عليها دون مقاومة.
الثقافة المصنعة تُنتجُ اليوم بمصانع تبيع سلعاً ثقافية تهدف إلى التلاعب بأفراد المجتمع وجعله سلبياً وعاجزاً عن طريق استهلاك المتع السريعة والمغرية وعن طريق وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التي تمتلخ الأفراد من واقعهم وتجعلهم يركضون لاهثين وراء بضائع المدنية البراقة بغض النظر عن ظروفهم المعيشية. والخطورة التي تسببها تكمن في السلع الثقافية التي تخلق حاجات نفسية لا يمكن إشباعها إلا من خلال المنتجات الصناعية.
في النظرية الجمالية لأدورنو مفهوم خاص للحداثة في الفن لا يخرج عن سياق أطروحته في تصنيع الثقافة التي طرحها ، منطلقا من ان العمل الفني والتجربة الجمالية في عصر الحداثة والمجتمع الصناعي المتقدم تعيش في وضع متأزم، لخضوعها إلى تقنيات غير مرئية يحددها ويسيرها المجتمع الرأسمالي. وإذا كانت هذه الأزمة لا تمثل "نهاية الفن"، فإن الفن فقد وظيفته الاجتماعية وأصبح موضوعا هامشياً وزائداً عن اللزوم في تحرير الحاجات الجمالية. فالرياضة والإعلام والتلفزيون والموضة وغيرها من وسائل الدعاية تقدم للأفراد بدائل جديدة وذلك بسبب التغيرات التكنولوجية التي حدثت في القرن العشرين، التي " ثوَرت " الإمكانات التقنية وقادت إلى توسيع وامتداد كبير للفنون وخاصة في تقنيات الطباعة وفن التصوير والفيلم ،وأخيرا تقنيات الصوت والصورة، ولكن في ذات الوقت، أدت إلى تجزئة الفنون وانتشار الفنون الترفيهية بدلا من التمتع بالفن الرفيع والتبصر العميق فيه.
فبواسطة التقنيات الجديدة للثقافة الجماهيرية أصبح الفن "البرجوازي" عتيقا ولم تعد له تلك "الهالة والفرادة والأصالة" الفنية التي دعا إليها فالتر بنيامين ، وهذا في الحقيقة مؤشر على انحطاط الذوق الجمالي الذي كان يقوم على النظرة الطبيعية والمباشرة وكذلك على الرصيد الاجتماعي لأي عمل فني. وبدلا من ذلك ظهر الفن المجّزأ إلى الوجود والموجه إلى الجماهير، كما في الفيلم والتصوير، الذي يطلق العنان للفئات غير الواعية، ويجعل من عناصر الواقع الجديدة في متناول الجميع تقريبا، ومن منظور زمني ولكن مشوه. ومن هنا يبدو لنا أن أدورنو لا يهتم بالفن الجماهيري بقدر ما يهتم بصحة واستقلالية العمل الفني وتحرره من تصنيع الثقافة وتسطيحها الذي يظهر في الفنون الرفيعة وفي الموسيقى على وجه الخصوص، التي تمنح للفنون الحس المعاصر والحديث وذلك برفضها الواقع من أجل إعادة إنتاجه وتغييره وخلق " الفن الأصيل" الذي يحمل إمكانية هدم ما هو قائم، الذي يمثل جميع أنواع الخلق الفني وليس التشكيلي وحده ، الذي يتشبه بكل ما هو راهن وساخن ومغترب ويتطلب الجدة والتفرد والدينامية والتنافر، لأن الطابع المميز للتجربة الفنية هو المغايرة لما يجري في الواقع.
وينطبق رأي أدورنو على الموسيقى أيضا، التي يفترض بها ان تظل وفية على إعطاء مصداقية لقول الحقيقة، لأنها آخر التعبيرات البريئة عن الحقيقة في الفن. ولكن الموسيقى الحديثة وكذلك الفنون التشكيلية والأدب، تقف اليوم على حافة ما يمكن تسميته فناً، لأنها تجعل من الصدفة أو الحادثة أحد العناصر الأساسية فيها، وهو نزوع نحو وظيفة جديدة في المجتمع الاستهلاكي الحديث بعد ان فقدت مواقعها القديمة لصالح سلطة وسائل الدعاية والإعلان.
يقول أدورنو ان "امتلاخ الفن من قبل الفن نفسه" لا يعني إخراس الفنون، وإنما يصبح الفن، بواسطة الثقافة المصنعة، فناً غير مرهف، لأنها تتحول اليوم إلى بضائع، كاسيتات(CD) لبيتهوفن وشونبيرغ، وأعمال لغوية وكتب يمكن شراؤها على شكل كتاب للجيب. وفي نفس الطريقة الميكانيكية تقدم فنون الكلام الأخرى.
الشيء الحاسم بالنسبة لأدورنو ليس بيع الفنون والاتجار بها، وإنما الطريقة التي تتغير بها الثقافة والفنون لتصبح بضاعة مصنعة، وكذلك الكيفية التي تتحول بها إلى بضاعة شعبية رائجة.
ويأتي أدورنو بأمثلة عديدة ،منها موسيقى الجاز في أمريكا كنموذج آخر للثقافة الشعبية المؤد جلة. فالموسيقى، بحسب أدورنو، كالنظرية، يجب ان ترتفع على الوعي السائد للجماهير، لأن البحث عن العواطف الحقيقية والعميقة لا يمكن التحقق منها في المجتمع المعاصر بسهولة، وربما يكون ريتشارد شتراوس آخر موسيقي برجوازي له أهمية، ولكن في ذات الوقت يجب القول، بانه لا توجد في موسيقاه، كما أشار إلى ذلك آرنست بلوخ، أي سلبية، وأنها خالية من أي بعد جمالي.إنّ الثقافة المصنعة، بحسب أدورنو لا تشبع بكل بساطة حاجات المستهلكين، وإنما تدفعهم إلى الاندماج في النسق الاجتماعي العام، الذي يرتبط بالثقافة السائدة، التي تتجدد باستمرار وتندمج بالنسق العام بحيث لا تترك لعفوية الجماهير أي أثر يذكر، وتجعلهم يتحركون في فضاء لا يستطيعون فيه تحقيق استقلاليتهم.
والشيء الحاسم، كما يقول أدورنو، ليس بيع الثقافة والفنون والاتجار بها، وإنما الطريقة التي تتغير بها الفنون والثقافة لتصبح منتجات سلعية تعرض كبضاعة مصنعة، وكذلك تغير الثقافة لتتحول إلى بضاعة شعبية رائجة.
كما ان الثقافة الجماهيرية التي تطورت بصورة عفوية من قبل الجماهير هي مشكلة بذاتها، لأن الجماهير في الواقع لا تتكون من أفراد مستقلين، وإنما من ذوات مدفوعين بتبعيتهم الاقتصادية وبشروط العمل السائدة في المجتمعات الصناعية الليبرالية إلى الركض وراء التيار الجارف، مثلما يحدث مع موسيقى التسلية المخادعة.
إنّ الثقافة الشعبية المصنعة على نطاق واسع إنما تمثل خطراً على الفنون الرفيعة ذات الجوهر الفكري والفني الرفيع. فعلى العكس مما تشبعه الثقافة المصنعة على نطاق واسع من سلع، فإن الحاجات الاجتماعية والنفسية الحقيقية هي الحرية والاستقلالية والإبداع التي تشيع السعادة الحقيقية.



#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة والاعتراف بالحرية
- النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت
- علي الوردي.. جمع بين رصانة الفكر وبساطة الأسلوب فأحبه الناس
- أدب ما بعد الحداثة
- على الوردي والتغير الاجتماعي في العراق
- تحديات العولمة وخيار الحداثة
- سؤال النهضة والحداثة 2-2
- الشخصية العراقية
- سؤال النهضة والحداثة (1/2)
- النظرية الجمالية عند تيودور أدورنو
- العنف ضد المرأة
- يجب ان لا يكون التسامح واجبا ؟
- هاينريش هاينه روح الشعر الألماني
- هل اصبح العرف العشائري بديلا للقانون؟
- النزعة التنويرية في فكر المعتزلة
- عمانوئيل كانت : مبدأ التنوير ، - كن شجاعا واستخدم عقلك بنفسك ...
- النظام الأبوي/البطريركي وتشكيل الشخصية العربية
- خطر تنامي القبيلة والطائفة في العراق
- البداوة المقنعة
- الاختلافات والفروق البايولوجية والاجتماعية بين الرجل والمرأة


المزيد.....




- قرش يهاجم شابًا ويتركه ليهاجمه آخر بينما يحاول الهرب.. شاهد ...
- اكتشاف شكل جيني جديد لمرض ألزهايمر يظهر في سن مبكرة
- نتنياهو: إسرائيل يمكنها -الصمود بمفردها- إذا أوقفت الولايات ...
- شاهد: إجلاء مرضى الغسيل الكلوي من مستشفى رفح إلى خان يونس
- دراسة: الألمان يهتمون بتقليل الهجرة أكثر من التغيّر المناخي! ...
- رغم الاحتجاجات.. إسرائيل تتأهل لنهائي مسابقة الأغنية الأوروب ...
- البنتاغون قلق من اختراق روسيا لمحطات -ستارلينك- واستغلالها ف ...
- الدفاعات الروسية تسقط صاروخين أوكرانيين استهدفا بيلغورود غرب ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صواريخ أطلقت من رفح باتجاه إسرا ...
- العراق يدعو 60 دولة إلى استعادة مواطنيها من ذوي عناصر -داعش- ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم الحيدري - أدورنو وتصنيع الثقافة