أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - تأملات في خريف العمر














المزيد.....

تأملات في خريف العمر


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4323 - 2014 / 1 / 1 - 15:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في مقال مشترك انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي على شكل متفرقات، لا يبدو له صاحبا واحدا، لكن من الواضح أن من كتبه ومن أضاف عليه من نفس جيلنا؛ نحن من صرنا على أبواب الكهولة، جاء فيه: "نحن من وُلدنا في سنوات الستينات والسبعينات؛ آخر جيل مارسَ ألعاب الجري، ولعبة الاستغماية، ولعبَ بالكرات المصنوعة من الجرابين التالفة، وآخر من سجَّل الأغاني مباشرة من الراديو، نحن الذين كنا نركب السيارات بدون حزام أمان، لكنا كنا نصل بأمان، وكنا نتواصل بدون هواتف محمولة، ونمضي أوقاتاً طويلة في قراءة القصص، وسماع أم كلثوم، وكنا نلعب كرة قدم حقيقية مختلفة عما هي في البلاي ستيشن".

في صغرنا، اختبرنا الجوع والحرمان، وكنا نذهب لمدارسنا البعيدة مشيا على الأقدام، كانت "وكالة الغوث" تمنح كل طالب قرطاسية كاملة، ما عدى المبراة، وما زالت لليوم أتساءل لماذا !! كانت أبسط هدية تفرحنا: سيارة بلاستيكية، فرد مي، أو حتى كعك القرشلة، والذي غالبا ما كنا نراه حين يمرض أحدنا.

نعم، عشنا طفولتنا دون أن نعرف البامبرز والسيريلاك، وكبرنا قليلا بدون الإكس بوكس، أو اللاب توب، والأي باد، والتلفزيون ذو الشاشة المسطحة، أو ثلاثية الأبعاد، الذي فيه أكتر من 200 قناة (عَ الفاضي). ثم صرنا شبانا، خرجنا في المظاهرات، ومنا من حمل السلاح، اختبرنا شهقات القلب البريئة، وقصص الحب السريعة، التي كانت تنتهي دوما بالخيبات. عشنا حياتنا بدون الفيسبوك ولا تويتر ولا سكاي بي، ولا الهواتف الذكية، وأكلنا حقولا من الخبّيزة والبامية والسبانخ قبل أن نعرف الكنتاكي والهارديز.

بدأنا طفولتنا أواخر أيام عبد الناصر، وأول شبابنا تزامن مع خروج الفدائيين من لبنان، وها نحن نشهد بدايات ممالك الطوائف من جديد، ونجهل تماما ماذا تخبئ لنا مقبل الأيام !! ومع كل ذلك، لم نفقد الأمل ..

ولكن، ماذا يعني كل هذا ؟ وما أهمية هذه المخترعات ؟ فقد عاش أسلافنا من قبلنا بدون كهرباء ولا سيارات، وكانوا راضين ومرتاحي البال، واعتبرونا مدللين مرفّهين. أليس هذا ما يردده كل جيل لمن سيخلفه ؟ ألم يقل الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيبٌ سوانا ..

اليوم، أرقب ذلك المشهد من هذا الشاهق الزمني، وأتساءل: هل كانت خياراتنا دوما صائبة ؟! وأيُّ جيلٍ عاش حياته سعيدا ؟! وأي جيل تعرض للظلم أكثر من غيره ؟! ماذا جلبت لنا التكنولوجيا والرفاهية ؟ والأهم من ذلك: ماذا فعلت بنا الأيام !؟

ربما عاش جيلنا تحت سلطان الأب "البطريرك"، وتحت سلطان القبضة الأمنية للحكومات، بعضنا كان خانعا، وبعضنا ثار، وأكثرنا كان بين بين، لكن الأجيال الجديدة (ولحسن الحظ) ترفض كل السلطات، ومنذ عمر مبكر، أحيانا تعي ماذا تريد، وأحيانا تبدو تائهة .. بلا دليل.

كثير من أبناء جيلنا مضى عليهم وقت طويل، طويل جدا، منذ أن أنهوا الابتدائية .. لم يركضوا في أي شارع، لم يركبوا دراجة هوائية، لم يصعدوا تلة صخرية، لم تعانق صدورهم أي ريح .. أيُّ حياةٍ هذه ؟ تلك التي تمضي دون أن يحيوها !! يعيش أكثرنا في رتابة قاتلة، أو في صراع مع الحياة نفسها، وهو ينتظر .. ويؤجل فرحه إلى موعد لا يعرف متى يأتي .. ولكن في المقابل كثير منا شق طريق النجاح .. ووصل غايته.

في خريف العمر تثور الذكريات، وتخرجُ من كهفها العميق، منسابة كنسمة صيف؛ فنحِنُّ للأيام الخوالي، نُقلّب الصور، ونتأملها، وإذا ما صادفَ أحدنا صورة جماعية قديمة، سيتأملها أكثر، وسيحملق بعيون من فيها فرداً فردا، ليعرف من فيهم كان يبدو عليه واضحا أن الموت قد رشحه لنهاية سريعة !؟ ومن منهم حالفه الحظ ؟ وأحيانا نعيد تركيب الصورة من جديد، نستذكر كيف جئنا جميعا من كل صوب وحدب، وكيف جمعنا القدر في ذاك المكان أو غيره، وكيف تفرقنا، كما جئنا فرادى، مخلّفين وراءنا سحب دخان من الذكريات، أو أطيافا بعيدة بالكاد تُرى.

في خريف العمر تلحُّ علينا الأسئلة: هل جئنا في الزمان الخطأ، والمكان الخطأ ؟! هل كنا مجرد ضحايا حروب وصراعات فُرضت علينا ؟ أم كنا مجرد مرحلة انتقالية بين جيلين تفصل بينهما فجوة حضارية تفوق عمرنا بعشرات المرات !؟ أم نحن مجرد جسر كئيب صنعناه بآلامنا، لنردم به الهوة بين من سبقونا، ومن سيأتي بعدنا ؟ ولنصلح أخطاء لم نقترفها، ولنوفر حياة أفضل لمستقبل لن نعيشه ؟!

في خريف العمر تؤرقنا هواجسنا، ومخاوفنا، ونغدو أكثر حساسية، نندب أحلامنا التي ماتت وصارت نسيا منسيا، ونأسى على أيامنا التي سُفكت بلا ثمن، ومشاريعنا التي طواها الزمان، ونمسك بتلابيب كل لحظة بقيت لنا، لنعيش تفاصيلها، ولكي لا تهرب منا من جديد، في هذا العمر نحب الحياة أكثر، ونحب أحبتنا حتى يقتلنا الحنين.

في خريف العمر تشتعل عواطفنا بسهولة، كما تشتعل رؤوسنا شيبا، ولكن ببطء، وتنضج أفكارنا بفعل السنين، نافضة عن كاهلها الكثير من البديهيات، وكثيراً ما تبدو مرايانا قاسية، بلا رحمة، خاصة لمن وقف مع ذاته بشجاعة.

مرت علينا أصياف وشتاءات كثيرة، وربيع أخضر سرعان ما تبدد، ونحن الآن في خريف العمر، عشنا حياتنا بالطول والعرض، بحلوها ومرها، ضحكنا من الأعماق، صادقنا كثيرين، وودعنا أحبة غاليين، وأدمت قلوبنا الأحزان، عشقنا بصدق، وما زلنا عاشقين ..

انتظرنا الفرج كثيرا، وتعبنا من الانتظار، ومازلنا ننتظر ..
حلمنا كثيرا .. وسنظل نحلم ..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلاشنكوف
- على مشارف الخمسين
- هل خيارات الشعوب دائما صائبة ؟!
- الوجه الآخر لنيلسون مانديلا ..
- البعد الدولي وأثره على إخفاق الثورة الفلسطينية ..
- خواطر ثلجية
- تقلبات الزمن .. وتدافع الأجيال
- وما زالت الأرض تكشف أسرارها
- مواهب عربية
- حصاد ستة أعوام من حكم حماس في غزة - دراسة من جزئين 2/2
- عن التسامح والكراهية - هل نحن مختلفون ؟
- حصاد ستة سنوات من حُكم حماس في غزة .. دراسة من جزئين 1-2
- عن الانتحار في السويد
- على أرض السويد .. تعبتُ من المقارنات
- في الذكرى العشرين لاتفاق أوسلو .. ما له وما عليه
- تمرد على الظلم في غزة .. وجهة نظر
- سورية .. نذر الحرب والدمار الشامل
- جوهر الصراع الدائر في مصر
- ونجهل فوق جهل الجاهلينا
- لماذا قامت الثورة المصرية ؟؟


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - تأملات في خريف العمر