أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - كل شيء عن الإلحاد [1]















المزيد.....


كل شيء عن الإلحاد [1]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4309 - 2013 / 12 / 18 - 18:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كل شيء عن الإلحاد
Atheism For Dummies
البروفيسور ديل مكغوان
ترجمة إبراهيم جركس

أحد أصدقائي قال معلّقاً عندما سمع بأنّي أقوم بتأليف كتاب عن الإلحاد بأنّه سيكون أكثر الكتب نحولاً على الرّفّ. يقول أنّه سيتضمّن جملة واحدة فقط: ((الملحدون هم أولئك الذين لا يؤمنون بالله)).
أجبته مقترحاً كتاباً عن الوادي العظيم غراند كانيون: ((غراند كانيون عبارة عن حفرة هائلة في أريزونا)). طبعاً هذه الجملة تبدو مختصرة ومختزلة ولا تمنحنا معرفة كافية ووافية عن وادي غراند كانيون _جغرافيته وتشكيلاته الجيولوجية، كيف أصبح هكذا، حياته البرية وتشكيلاته الصخرية، وأهميته من بين التشكيلات الجيولوجية العظيمة الأخرى على سطح الكوكب.
بنفس الشكل، إنّ أي كتاب حول الإلحاد يتوقّف عند تعريف الكلمة لن يفي هذه الفكرة المذهلة حقّها وهي أنّ (بغضّ النظر عمّا قد تخبرك إيّاه والدتك أو ما يمليه عليك حدسك) الله غير موجد فعلياً. وبذلك سيكون كتاباً ناقصاً كقولك: ((المتديّنون يؤمنون بالله))، والاكتفاء بقول ذلك. لكن في الحقيقة هناك المزيد لقوله حول الأمر.
الأشخاص الذين فكّروا مجرّد التفكير باحتمال ألا يكون الله موجوداً، وعبّروا عنها بصوت مرتفع ومسموع على الملأ، يشكّلون تهديداً نادراً ما يتمّ اكتشافه للتاريخ الإنساني الذي يتقاطع مع أكبر الأسئلة في الحياة:
• كيف وُجِدَ كل شيء؟
• ما معنى الحياة وما الغاية منها؟
• كيف يمكنك أن تكون إنساناً صالحاً وأخلاقياً؟
• ماذا سيحدث لنا عندما نموت؟
• هل هناك أحد ما يسيّر نظام كل هذا العالم؟
إنّ فكرة أنّ هناك قوّة غير مرئية خفية خلقت هذا الكون وأدارته بالتأكيد فكرة قديمة قدم العقل البشري. فمنذ اللحظة الأولى التي رأى فيها أحد أفراد الإنسان الماهر Homo habilis جاره وهو يقع من دون أن يقف مرةً أخرى، بحثت قشرته الدماغية الجديدة المنشأ عن تفسير للأمر. وبالافتقار إلى أي سبيل جديد لمعرفة ما الذي حدث فعلاً، قامت نفس القشرة الدماغية الجديدة بتقديم جواب كان "يبدو" حقيقياً.
لكن كل تخمين في التاريخ الإنساني كان "يبدو حقيقياً" كان يواجه بعض الشكّ من قبل أحد الأفراد. وعندما كان التخمين يتعلّق بموضوع "الله"، وارتفعت درجة الشكّ فيه إلى حدّ الاتهام القوي، عندئذٍ تكون قد أصبحت ملحداً.
"ملحد Atheist": إذا كانت هذه الكلمة تخيفك وترعبك، فأودّ إخبارك أنّك لست لوحدك في ذلك. فالناس مبرمجون على الخوف من عدّة كلمات. فعندما كان ولدي في الصفّ السابع جاء إلى المنزل وقال: ((هل تعلم؟... أعتقد بأني شيوعياً))، كنت قد شعرت بالخوف لدرجة أني كدّت اسقط عن الدرج. كان يتعلّم في المدرسة عن الأنظمة الحكومة، وقد رأى أنّ أفضل نظام بالنسبة إليه هو ذلك النظام الذي يتشارك فيه الناس ما هو في مصلحتهم وفائدتهم. لكنّي قد نشأت في حقبة السبعينات، وقبل أن أتعلّم أي شيء عن الشيوعية، كنت أسمع الكثيرون وهم يقولون أنّها لا يجب أن تطرأ على بال أحد، ولا ينبغي أن يعلم عنها أحدٌ شيئاً. كل ما كان بمقدوري القيام به هو الجفلة والخوف.
ونفس الأمر ينطبق على الإلحاد، لكنّه أمر لا ينبغي علينا الفزع والخوف منه. وأحد أهداف هذا الكتاب هو الكشف عن المعنى الحقيقي لهذا المفهوم وإزالة فتيل الخوف والفرع عنه.

الجزء الأول: نظرة أوضح إلى الإلحاد
*الفصل الأوّل: نظرة أقرب إلى الإلحاد
في هذا الفصل سنبحث عن طريقة طبيعية أكثر للنظر إلى العالم... ونراقب عملية تطوّر إحدى الأفكار المثيرة والرائعة على مرّ العصور... كما أنّنا سننظر إلى العالم عبر عيني إنسان ملحد نموذجي.
إنّ فكرة عدم وجود إله لهي من أكثر الأفكار إثارة. أغلب الناس ينشأون وهم يسمعون أهلهم يردّدون عليهم أنّ وجود الله هي من المسائل البديهية ومن المسلّمات، ولا يمكن لأي شيء أن يفسّر هذا العالم المعقّد والمذهل الذي نعيش فيه.
لكن، وعبر القرون، ظهر على المسرح بعض الناس الذين شكّكوا بوجود الله _حتى أنّ بعضهم توصّل إلى نتيجة مؤكّدة مفادها أنّ البشر هم من اخترعوا الآلهة، وليس العكس.
طبعاً إنّ مجرد البوح بذلك وعلى الملأ قد يسبّب إرباكاً وفزعاً بالنسبة للناس الذين يخالفون هذا الرأي. لذلك يمكنك الافتراض بشكل آمن أنّ أغلب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالأديان والآلهة قد حافظوا على صمتهم ولم يبوحوا بالأمر.
لحسن الحظ، هناك الكثير من الملحدين تحدّثوا على الملأ وباحوا بما في صدورهم، وما زالوا يفعلون ذلك حتى يومنا هذا، وإلا ما كان لهذا الكتاب أن يبصر النور، وبدلاً من كونك تقرأه الآن سوف تنظر إلى راحة يدك. لكنّ الكتاب موجود، وهذا الفصل يمنحك نظرة خاطفة عمّا ستراه خلال قراءتك لهذا الكتاب.
1) تحديد مصطلح الإلحاد

يمكننا وصف الإلحاد بأنّه أشبه ما يكون بالمظلّمة الكبيرة، إذ ينضوي تحته كل من لا يؤمن بوجود إله أو آلهة غيبية ماورائية. لكن تنضوي هذه المظلّمة درجات وأشكال مختلفة من عدم الإيمان والإلحاد، والكثير من الناس الذين يمتلكون وجهات نظر مختلفة في النظر إليه والتعبير عنه.
لقد أصبح الملحدون ملحدين لأسباب عديدة وكثيرة، لكنّها بعيدة كل البعد عن الصلوات غير المستجابة أو مآسي الحياة الكبرى. في الواقع نلاحظ أنّ هذه المآسي والكوارث الكبرى في الحياة هي التي تدفع الناس إلى الإيمان بالله بنفس الشكل والدرجة التي تدفعهم لعدم الإيمان به.
فصول هذا الجزء تقدّم له عدّة تعريفات وتحديدات لمفهوم الإلحاد بالإضافة إلى الكثير من المواصفات الأمر الذي من شأنه مساعدتك خلال قراءتك لهذا الكتاب.
_ رؤية الوجوه والأشكال العديدة لعدم الإيمان الديني
هناك الكثير من الطريق والسبل للإلحاد كما أنّ هناك العديد من الطرق والسبل للإيمان _درجات مختلفة، تأكيدات مختلفة، وتعابير مختلفة.
هنا أورد لكم بعض الأمثلة:
• المعادون للدين (وهم الملحدون الذي ينشطون في معارضتهم للدين ويعملون لتخليص العالم منه).
• التوفيقيون (وهم الملحدون الذين يؤكّدون على وجود أرضية مشتركة بين الديني وغير الديني ولا يرون أي اختلاف بينهما).
• اللاأدريون (وهم الأشخاص الذين يعبّرون عن لايقينهم ولاأدريتهم حول مسألة وجود الله وغالباً ما يزعمون أنّه من الصعب البتّ في هذا المسألة).
• الإنسانيون (هم الناس الذين يركّزون انتباههم على كيفية عيش حياة إنسانية صالحة وممتلئة في عالم طبيعي)
• الملحدون المتديّنون (ومن ضمنهم العديد من البوذيين، الهندوس، وغيرهم من الذين يحافظون على هويّاتهم وأفكارهم وفلسفاتهم الدينية بعيداً عن أيّة آلهة).
• المفكّرون الأحرار (وهم الذين يشكّلون أفكارهم الخاصّة عن الكون والعالم من دون أي تأثير لأي سلطة أو مرجعية دينية).
• غير التابعون أو "الأحرار" (إنّهم ليسوا متديّنين، لكنّهم مهتمّون بأي فئّة أو تصنيف على العموم).
حتى بعض الآراء الدينية (كالربوبية على سبيل المثال أو وحدة الوجود) توجد بشكل بعيد كل البعد عن أي مفهوم تقليدي عن الله، وهناك الكثير من الناس الذين يعتبرون مثل هذه الآراء أنّها تنضوي تحت مظلّمة الإلحاد. ويمكن لأي ملحد أو لاديني _ويصدف أحياناً أنّهم يقومون بذلك_ أن يتبنّى عدّة أفكار كهذه في آنٍ معاً. إنّهم يؤكّدون على عدّة أمور مختلفة، لكّنها عادةً لا تكون أمور متعارضة.
_ رؤية ما يؤمن به الملحد وما لا يؤمن به... ولماذا
لقد عرفت كل شيء عن التاريخ بفضل المؤرّخين وتعلّمته على أيدي مدرّسي مادة التاريخ. وتعلّمت الدين من خلال استماعي إلى المؤمنين وقراءة كتبهم المقدّسة بشكل مباشر. إلا أنّ أغلب ما يعرفه الآخرون عن الإلحاد قد تعلّموه أو سمعوه من أشخاص آخرين لا يمتّون بصلة للإلحاد، بل حتى أنّه لا يحبّون الفكرة ولا يطيقونها... وهذا أفضل مصدر لسوء الفهم والتضليل.
كنت قد ارتدّت الكنيسة لحوالي 25 عاماً ولعدّة أسباب، ومن بينها: العائلة والعمل، وكنت حينها لا أقلّ إلحاداً عمّا أنا عليه الآن. وكان فعل ذلك جزء لا يتجزّأ من تربيتي الدينية. لكن مرّة بعد أخرى، كنت أسمع كلاماً من المنبر حول أشخاص مثلي بدا حزيناً ومزعجاً. فكوني ملحداً، كان ينظر إليّ على أني إنسان دنيء جداً وأناني، لست ذكياً البتّة، وسيئاً حتى النخاع. سمعت بأنني لم أكن أبالي بالآخرين من حولي ولا يمكن الثقة بي، وأنّي توصّلت إلى قناعاتي من خلال اتباعي هواي، وأني أخدم آلهة مزيفة، إذ أني رفض الاعتراف بقدرة الله القدير.
في إحدى أيّام الآحاد كنت أستمع على موعظة في قاعة الكنيسة حيث كانت تضمّ مسيحيين متزوّجون من لادينيين _كانت زوجتي من بين هؤلاء بالمناسبة_ وكان الواعظ يشجّعهم على ترك شركائهم وأزواجهم ((لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ)) [2 كورنثوس 6: 14]. هنا، عند هذه النقطة، توقّفت عن الذهاب إلى الكنيسة كلياً.
إذا أردّت أن تعرف أكثر عن النظرة الدينية، فلا أنصحك بأن تختارني أنا. الأفضل لك أن تبحث عن أحدٍ آخر من ذلك الجانب. لكن إذا أردت أن تعرف شيئاً عن الإلحاد وعمّا يدور حوله، فاسمح لي أن أقول لك أنّ أفضل خيار لك هو أن تبحث عن ملحد فعلي حقيقي. وشاءت الصدفة بأني واحدٌ من هؤلاء، إذن تابع القراءة!
لاحقاً سأتحدّث ملياً عن معتقدات الملحدين الفعلية وسأقوم بتفنيد بعض الأساطير والأكاذيب الشائعة حولهم. أغلب الملحدين يأخذون موضوع الأخلاق والمبادئ الأخلاقية على محمل الجد، على سبيل المثال، ويرون أنّ الحياة تنطوي على معنى عميق وغاية سامية، ويجدون فيها الإلهام والهدف. نحن لسنا غاضبين من الله _على الأقل لسنا أكثر غضباً من البابا على تشاك، غله المطر عند المايا_ إلا أنّ هناك بعض الملحدين الذين وصلوا إلى ما هم عليه من إلحاد وعدم إيمان بعد أن حدث لهم شيء سيئ، إلا أنّ هذا السبيل ليس هو السبيل الشائع.
تذكير: أغلب الملحدين يتوصّلون على ما هم عليه من إلحاد بعد أن عملوا طويلاً على موضوع إلحادهم، ثم باتوا مقتنعين عن طريق أمور أخرى مثل:
1) إدراك حقيقة أنّ الأجوبة الدينية ليست كافية أو غير مقنعة.
2) مقارنة الأديان ودراسة كتبها المقدّسة.
3) دراسة الحجج الكلاسيكية التي يقوم عليها الإيمان.
4) التوصّل لحلّ مشكلة التعقيد Complexity Problem (وهي الفكرة القائلة بأنّ الكون على درجة عالية من التعقيد لدرجة أنّه من غير الممكن أن يوجد من دون خالق أو مصمّم) وفهم عملية التطوّر بشكل صحيح وفعلي.
5) ملاحظة التراجع الثابت للأجوبة الدينية.
6) إدراك عمر الكون وحجمه، بالإضافة إلى وقع هذا الإدراك على الفهم الإنساني.
7) ستكون نظرتهم إلى الكون شبيهة بنظرة أي إنسان مثقّف وعالِم إلى الكون من دون إله.
والكثير غيرها من الأمور الأخرى التي سنتطرّق إليها لاحقاً.
2) مسيرة تقدّم الإلحاد
أغلب الناس يعتقدون أنّ الإلحاد فكرة جديدة ومعاصرة. لكنّ جذوره في الحقيقة تمتدّ بعيداً وعميقاً في التاريخ، وسنذهب لاحقاً في رحلة زمنية لرؤية ذلك. فكما سيرغب التلميذ المسيحي بمعرفة الأمور المفصلية والهامّة التي حدثت منذ أكثر من 2000 عام، فالراغب بفهم أفضل وأوضح للإلحاد سيودّ أن يعرف شيئاً عن تاريخ الإلحاد ونشأته من أكثر من ثلاثين قرناً. والأقسام التالية تقدّم نظرة خاطفة إلى الموضوع.
_ في الماضي البعيد... وعبر مختلف الحضارات
يميل الناس للاعتقاد بأنّ هناك أماكن وأزمنة معيّنة تدخل في أساس وبنية دينهم ومعتقداتهم بشكل رسمي. فالهند مليئة بالهندوس حتى حافّتها. جميع الإغريق كانوا يعبدون آلهة الأولمب. جميع الناس في أوروبا العصور الوسطى كانوا مسيحيين. أليس كذلك؟
إلا أنّ نظرة أقرب تثبت أنّ جميع هذه المزاعم خاطئة ومضلّلة. فكما أنّ هناك في الولايات المتّحدة "ولايات حمراء" (جمهوريين) و"ولايات زرقاء" (ديمقراطيين) وكلّها ظلال مختلفة من الأرجوان، فإنّ كل مكان وفترة زمنية في التاريخ البشري تتضمّن عدّة وجهات نظر ومعتقدات مختلفة _ومن بينها: الإلحاد.
تذكّروا أنّ ليست جميع وجهات النظر والآراء تجد نفس الفرصة للتعبير عن نفسها في أيّة حضارة أو ثقافة. فالدين بشكل عام والغالبية المتديّنة بشكل خاص هي التي كانت تميل لكتابة التاريخ وتدوينه، وخصوصاً خلال الحقبة ماقبل القرن الثامن عشر. أضِف إلى ذلك حقيقة أنّ الإلحاد (أو الهرطقة والكفر) كان يعتبر جريمة يعاقب عليها المجتمع بالسجن أو الموت، لهذا السبب تجد ملحدين كانوا يعبّرون عن آرائهم ومعتقداتهم هماً في بعض الأماكن وخلال العديد من الأزمنة.
_ في الحقبتين القديمة والوسيطة
لكن كانت هناك أصوات للإلحاد تتردّد هنا وهناك، في الماضي البعيد وفي حضارات داخل أوروبا وخارجها. وسنقابل لاحقاً ملحدين من الصين القديمة، حيث كان الإلحاد موضوعاً مرحّباً به خلال النقاش والجدال بين الفلاسفة الصينيين... سنقابل ملحدين من الهند القديمة والوسيطة، وسنتعرّف إلى ديانات ذات مذاهب خالية من فكرة أو مفهوم الإله بشكل كامل... سنقابل ملحدين من اليونان القديمة، حيث كان الإلحاد مسألة مكروهة وغير مقبولة بشكل دائم... سنقابل شكوكيين دينيين في صدر الإسلام وصفوا محمد بالكاذب والمنافق... سنقابل بطلاً آيسلندياً من القرن الثالث عشر قال في إحدى المرات ((من السخف أن نؤمن بالآلهة))_ ثمّ عاش بسعادة إلى الأبد... سنقابل ثلاثة قرويين فرنسيين من القرن الرابع عشر تمّ التحقيق معهم من قبل أسقف خلال فترة محاكم التفتيش.
إنّ خيوط الإلحاد في العالم القديم والوسيط تمثّل قصّة يعرفها قلّة من الناس. حتى أنّ هناك الكثير من الملحدين الذين يجهلون قسماً كبيراً من تاريخهم. يمكنكم لاحقاً قراءة الفصلين الرابع والخامس ومشاركتهما مع أصدقاء ملحدين لك.
_ عصر التنوير
في أوائل القرن الثامن عشر، كان الإلحاد يمثّل تياراً كبيراً وجاداً في أوروبا. وقد تمّ تداول وثائق سرية تتحدّى الدين وتغالبه بالحجج لأكثر من خمسون عاماً، أي أنّها كانت سابقة للمراقبين بعدّة خطوات. عثر أبرشيون فرنسيون بين أوراق كاهنهم الكاثوليكي الذي توفّي عام 1729 على نسخ من كتاب كان قد كتبه الكاهن من أجلهم، يخبرهم فيه عن مدى كرهه وعدم إيمانه بالدين الذي جرى تلقينه إيّاه لأكثر من أربعين عاماً.
عند نهاية القرن، كان الفلاسفة في كل من فرنسا، ألمانيا وإنكلترا يتحدّون السلطة والأفكار الدينية بشكل صريح ومعلن ويعملون على تأسيس مفاهيم ومصطلحات معاصرة تتمحور حول حقوق الإنسان والحرية الفردية. وقد تتوّجت هذه العملية، في أفضل الحالات وفي أسوأها، بالثورة الفرنسية، عندما حدثت حالة تقارب مع دولة ملحدة ثمّ تبعتها طائفة الكائن الفائق وعهد الإرهاب _خبا الإلحاد في هذه المرحلة وانكفأ لبرهة من الزمن.
_ القرن التاسع عشر
إنّ فكرة عدم وجود الله لم تختفي أبداً بشكلٍ كامل، حتى عندما ألغاها نابليون لفترة من الزمن. لكنّها كانت دائمة أشبه بالجمر تحت الرماد وكان يظهر من حين لآخر على يدي شخص ما لم يكن يحتمل البقاء صامتاً.
الشاعر بيرسي شيللي كان أحد هؤلاء، ممّا أدّى لطرده من جامعة أوكسفورد عام 1811 للتعبير عن إلحاده وأفكاره الإلحادية. ثمّ قام النسويون الأوائل في كل من إنكلترا والولايات المتحدة بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم بوضوح شديد حول الدين ودوره كعامل معرقل في طريق تقدّم المرأة وتقدّمها.
ساعد العلم على دفع عجلة الإلحاد خلال القرن التاسع عشر. وعن طريق تحويل اهتمامه إلى دراسة العالم الطبيعي تحوّل داروين من كاهن متدرّب إلى شكوكي وأوجد حلاً لأصعب مشكلة معقدة كثيراً ما كان تمنع الناس من ترك إلههم والابتعاد عنه. وكما قال العالم البيولوجي ريتشارد دوكنز في إحدى المرّات، ربّما كان الإلحاد ممكناً قبل داروين، لكنّ داروين جعل الإلحاد ممكنّاً ليكون مذهب "الملحد المتعلّم والمُنجَز ثقافياً". لكن هناك موجة من الحركات حدثت بعد وفاة داروين بفترة قصيرة كان الغرض منها إخفاء عدم إيمانه والتغطية على إلحاده، ومن ضمنها بعض بضعة اقتباسات مختصرة ومقتضبة ومنزوعة عن سياقها من سيرته الذاتية بالإضافة إلى تلفيق حديثه وهو على فراش الموت مع مبشّر بريطاني مزيّف خالف بنفسه وصيّته الثامنة.
_ القرن العشرين
الحقيقة أنّ الإلحاد مثله مثل الدين لا يضمن أي تصرّفات جيّدة أو سلوك صالح، وتصبح عبارة ((القوّة المطلقة تفسد بشكل مطلق)) عبارة ملائمة بشكل تراجيدي في القرن العشرين. هناك الكثير من الأمثلة عن الفساد وانعدام الأخلاق في حالات السلطة المطلقة، عند الحكّام الملحدين (أمثال ماوتسي تونغ في الصين، جوزيف ستالين في الاتحاد السوفييتي، و بول بوت في كامبوديا) والحكّام المؤمنين والمديّنين (أمثال أدولف هتلر في ألمانيا، فرانسيسكو فرانكو في إسبانيا، وإيدي أمين في أوغندا).
لكن هناك أيضاً أخبار جيدة، ومن بينها النزعة الإنسانوية كحركة والانتصارات القانونية للفصل بين الكنيسة والدولة _وهذا أمر من شأنه أن يعود بالفائدة على الدولة والكنيسة.
القرن العشرين شهد أيضاً إحدى أروع التطوّرات في تاريخ الدين تتمثّل في تأسيس اثنتان من الديانات الاختيارية بين إلهين وازدهارهما: كنيسة الموحّدين الشموليين واليهودية الإنسانوية. وسنتطرّق إليها لاحقاً.
_ الإلحاد اليوم
ظهرت حركة إلحادية جديدة سُمّيت بـ"الإلحاد الجديد" ما أن بدأ الدين يوجّه الطائرات نحو المباني في 11سبتمبر عام 2001. ومع أنّ الملحدين كان لهم وجودهم المشهود منذ قرون عديدة، إلا أنّ الرعب والوضوح اللذان كانا يتخلّلان هذه اللحظة، والدور الواضح الذي لعبه الدين في هذه المسألة، كانت القشّة الأخيرة والنداء الصارخ للعديد من الملحدين واللادينيين. ظهر شكل جديد وقوي وصارم من الإلحاد كردّة فعل على تلك اللحظة، ومن بينها الكثير من الكتب والمدوّنات التي تنادي بإنهاء قمع حرية النقد الديني والسماع بالحرية الكاملة لنقد الأديان ودراستها ومقارنتها.
زيادة هائلة في الفكر والهوية والتنظيم والفعل الإلحادي عقبت الموجة الأولية. فبمساعدة البيئة الجديدة والعالم الافتراضي الجديد الذي قدّمته الشبكة العنكبوتية، أنجزت حركة الفكر الحر خلال عشرة أعوام أكثر بكثير ممّا حقّقته غيرها من الحركات الاجتماعية الأخرى خلال أجيال وقرون من الزمن.
ظهر شكل جديد أهدأ وأكثر إنسانية _لكن أقلّ عاطفيةً_ من الإلحاد خلال يقظة الملحدين الجدد، إلحاد جديد يميّز بين التعابير الحميدة والخبيثة من الدين، ويبحث عن أرضية مشتركة بين الديني وغير الديني، ويركّز اهتمامه على بناء مجتمع إنساني ورسم نظرة إيجابية بنّاءة للمستقبل. هذان الوجهان للنزعة الإلحادية المعاصرة أمضيا الكثير من الوقت وهما تتنازعان وتتجادلان فيما بينهما من أجل أفضل طريقة للمضيّ قدماً. بالرغم من أنّ هذا الجدال قد يكون مزعجاً، إلا أنّه قد يكون أفضل سبيل لتمييز الأفكار الجيّدة والصالحة عن الأفكار السيئة والخبيثة.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاق والقيم الأخلاقية
- العلم والإيمان
- منبع الأخلاق: هل نستمدّ أخلاقنا من عند الله؟
- هل عثر العلم على الله؟
- رد على ردود مقال ((قضية علمية ضدّ الله))
- قضية ضدّ وجود الله
- نهاية الدين
- كتاب ((كيف وُجِدَت الآلهة)) كاملاً
- كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [6]
- كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [5]
- كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [4]
- كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [3]
- كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [2]
- كتاب ((كيف وجدت الآلهة)) [1]
- سورة الأنفال: مثال صارخ عن الشر الإلهي عند محمد والمسلمين
- محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (8)
- محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (7)
- محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (6)
- الإسلام قارورة محكمة الإغلاق [1]... الدكتورة وفاء سلطان
- محمد: سيرة ذاتية_سيكولوجية (5)


المزيد.....




- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - كل شيء عن الإلحاد [1]