أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بشير صقر - استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. و الأمية السياسية (4) نحو الأمية نسير .. بفصول شرشر وفلفل .. وكتاتيب الأنصارى .. ملاحظات نقدية لأوراق مشروع هيئة محو الأمية و تعليم الكبار - أتعلم .. أتنور -















المزيد.....


استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. و الأمية السياسية (4) نحو الأمية نسير .. بفصول شرشر وفلفل .. وكتاتيب الأنصارى .. ملاحظات نقدية لأوراق مشروع هيئة محو الأمية و تعليم الكبار - أتعلم .. أتنور -


بشير صقر

الحوار المتمدن-العدد: 4299 - 2013 / 12 / 8 - 15:13
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


" إن طريقة التدريس الصحيحة لا تُختَرع اختراعا ؛ بل وليست نتيجة الخيال ، إنها تنبع من أهداف المدرسة ومن المشكلات التى تنشأ بشكل طبيعى أثناء العملية التعليمية ".. بديهية تعرفها أوساط المهمومين بقضية الأمية ويتجاهلها كل المعادين للعلم والمعرفة والذين لاهم لهم سوى تأبيد الجهل فى مجتمعاتهم وتكريس حالة التخلف التى تعيشها شعوبهم بمبررات شتى لا تصمد أمام النقد أو المواجهة.
فقد قامت الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار منذ عام 1996 بعد أن ورثت مهمة اللجنة القومية للقضاء على الأمية بالإعلان عن مشروع جديد اشتهر باسم مشروع " أتعلم .. أتنور" وهو فى نفس الوقت اسم كتاب الدارس الذى قررت تدريسه للأميين منذ ذلك التاريخ فى عهد الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم.
وبمجرد قراءتنا لعنوان الكتاب آنذاك ولتوقيع الوزير توسمنا خيرا لأننا نعرف أن الوزير كان رئيسا لمنظمة الشباب الاشتراكى فى العهد الناصرى؛ وبسبب اختلاف اسم الكتاب عما عهدناه وعما كان يُعدّه الدكتور عبد الدايم الأنصارى ( مقرر اللجنة القومية ) للأميين من عودة لنظام الكتاتيب القديمة لكن بطراز أكثر تخلفا ، إلا أن انطباعنا السابق تبدد بمجرد قراءتنا لما كتبه المؤلفون و الوزير فى مقدمته .
فقد أدركنا على الفور أن الأمور فى مجال محو الأمية تسير على نفس النهج القديم وربما أكثر سوءا وتَحول الانطباع إلى رأى معاكس فور قراءة نصوص الكتاب وموضوعاته كاملة .. لماذا ..؟ تلك هى الأسباب :
أولا: موجز عن كتاب " أتعلم.. أتنور " :
1-ذكر مؤلفو الكتاب ( خمسة من أساتذة الجامعة ومُراجع ) أن مدة الدراسة 3 شهور ( أى 78 يوما بدون عطلات الجمعة ) ؛ وتبلغ ساعات الدراسة 144 ساعة ؛ وعدد دروس الكتاب 26 درسا منها درسان للحساب والباقى للأبجدية وبذلك :
• يحتاج الدرس إلى 5,5 ساعة [144 ساعة على 26 درس ]
• وتشغل الدراسة 1,85 ساعة فى اليوم ( 144 ساعة على 78 يوم ) أى 110 دقيقة أى حصتان يوميا مدة الحصة 55 دقيقة .
• وبذلك يحتاج الدرس إلى 6 حصص ( 5,5 ساعة على 55 دقيقة ) أى 3 أيام.
2-فى الدرسين الأول والثانى ومن خلال 9 كلمات يدرس الأمى 14 حرفا تمثل نصف الحروف الأبجدية فضلا عن المد بالياء ؛ والتاء المربوطة والمفتوحة ؛ وأداة التعريف ( ال ) بنوعيها.. أى أن الأمى يدرس ( 50 % ) من الحروف فى 7,5% من الدروس فى أسبوع واحد ( أقل من 4% من مدة الدراسة ) .
3-ثم بثمانى كلمات أخرى يدرس 5 حروف جديدة ليصل ما درسه الأمى فى الدرس الثالث إلى حوالى 19 حرفا تقدر بثلثى ( 67 % ) الأبجدية ، وفى الدرس التالى يصل إلى 22 حرفا بنسبة 78 % من الحروف . وبعد درسين آخرين يكون قد أنهى دراسة 25 حرفا بنسبة 89 % من الحروف .
4-و خلال سبعة دروس أخرى لا يدرس سوى حرفين ليبلغ العدد 27 حرفا أى بنسبة ( 96 % ) ؛ ولا يكمل الحرف الأخير إلا بعد أربعة دروس أخرى ( أى فى الدرس الـ 18 ).
وإذا ما استبعدنا الدرسين ( رقم 4 ، 12 ) اللذين خُصصا للحساب يكون الدارس قد أنهى الحروف الأبجدية فى 16 درسا من 26 هى عدد دروس الكتاب.
5-وبناء على ذلك يدرس الأمى نصف الحروف الأبجدية فى 12 حصة أى أنها تستغرق الأسبوع الأول ، ترتفع إلى 19 حرفا فى 6 حصص أخرى أى (عشرة أيام من بدء الدراسة )؛ وعليه فهل تتسع الأيام العشرة لأى حوار خارج الأبجدية بين المعلم والدارسين ؟
5-وإذا ما عرفنا أن الأميين يكون أغلبهم ممن لم يدخلوا المدرسة أصلا بسبب ضعف استيعاب المدارس للأطفال فى سن 6 سنوات؛ والنسبة الأقل ممن تسربوا منها( انقطعوا عن الدراسة) أو ارتدوا للأمية ( أى نسوا ما تعلموه ) فهل يمكن جَمْعهم معا ؟ وهل سيتمكن المعلم من التعامل معهم بشكل صحيح ؟ نظرا لتباين مستوياتهم فى معرفة حروف الهجاء ومن ثم فى استجاباتهم ..؟ وهل يمكن أن تتساوى فترة إتقانهم ما تعلموه ..؟ أو تتساوى حصيلتهم خلال فترة محددة ؟
أو هل يمكن لمن لم يدخل المدرسة أن يدرس 19 حرفا أبجديا إضافة إلى الأرقام من 1 إلى 1000 والأعداد المكونة من 3 أرقام (الدروس من 1 إلى 4 ) فى أسبوعين فقط ؟.
لقد ظلمتهم جميعا أفكار مؤلفى الكتاب أكثر مما حاصرتهم الأمية علاوة على أنها حولت المعلم إلى مقهور جديد يضاف للدارسين الذى لن يعطى بالا للكتاب وسينحيه جانبا ويستأنف عمله بطريقته الخاصة إن كان مخلصا ؛ أما إذا لم يكن كذلك فسيغلق باب الفصل ويسرّح الدارسين.
6-ما هى العبرة من دراسة الحروف بهذه الكثافة فى البداية ( 25حرفا فى الأسابيع السبعة الأولى ) ..؟ ، ولماذا تتقلص إلى 3 حروف فى الأحد عشر درسا التالية التى تتخللها فترة توقف لمدة 6 دروس من (8 – 13 ) ..؟
7-خصص الكتاب درسين فقط للحساب ( 4 ، 12 ) وتحدث عن استخدام الدارسين للآلة الحاسبة وقصد بذلك أن يتعرفوا على مجرد قراءة الأرقام والأعداد وإجراء العمليات الحسابية بالآلة الحاسبة . فهل تدفع مثل هذه الفكرة الدارسين لإعمال العقل و التفكير أم تعطله ؟ إن استخدام الآلة الحاسبة ليس معناه أن نكف عن تعليم الدارس كيف يكون الجمع والطرح وبقية العمليات الحسابية ؛ لأن استخدام الآلة الحاسبة لم يكن يستهدف تجهيل البشر بل توفير الوقت وادخار الجهد ؛ فأنْ تجمع هذه وتضرب تلك .. وتقسِم هذا وتطرح ذاك.. لابد للدارس أن يجيده أولا قبل استخدام الآلة. ويزداد العجب عندما نعرف أن مؤلفى الكتاب أساتذة أكاديميين وهو ما يدفعنا للشك فى أن السبب يرجع لعدم درايتهم.
ثانيا : مضمون كتاب " أتعلم .. أتنور " :
تشمل دروس الكتاب خمسة وعشرين موضوعا منها :
من أنا ؟ - بطاقتى الشخصية – بطاقتى العائلية – شهادة الميلاد – عقد الزواج – رعاية الأسرة – الأمية خطر- الدواء فاسد – حق التعليم – حق العلاج – حادث سعيد – رحلة إلى أبيس ( زراعية ) – فرصة عمل ( المدن الجديدة ) – تعالوا ننتخب – المجلس الشعبى المحلى – نهر النيل – قطرة الماء – كيف تتقدم بطلب للحصول على وحدة سكنية – طلب إجازة - بلاغ للشرطة – دفتر التوفير.
ورغم تنوعها إلا أن المضامين التى تتضمنها فى كتاب الدارس سطحية والأسئلة المقترحة للحوار هزيلة ولا تسفر إلا عن علاج بعض المشاكل فى أفضل الأحوال ؛ ولا تدفع الدارس للتفكير ولا إلى التوصل لأسبابها الفعلية .
باختصار تتناول مجموعة مشاكل لا قضايا ، وتُبقى على عقلية الدارس خاملة وتؤبّد وضعه الاجتماعى والمعيشى والسياسى دون طرحه للمناقشة.
إنها نموذج مكرر لحبس الدارس فى الدائرة التى تسببت فى فقره وأميته دون دفعه للبحث خارجها عن الأسباب الحقيقية لها.
ثالثا : تعليق على المفاهيم والأفكار الحاكمة لتجربة " أتعلم .. أتنور " :
أ-الجانب السياسى :
سبق للدولة أن أسست فى عصر السادات مجلسا أعلى للأمية كانت أداته التنفيذية هى اللجنة القومية للقضاء على الأمية التى تناولنا إحدى تجاربها ووثائقها فى الحلقة السابقة ( الثالثة ) وأوضحنا قدر الطاقة كيف انتهت – من الناحية العملية – إلى اختزالها فى كتاتيب محور نشاطها الرئيسى هو استخدام ( جزء عمّ من القرآن الكريم ، وكراسة ، وقلم ) لمحو الأمية الأبجدية ( التى لا أمية سواها.. !؟ ) بقراءة وحفظ وكتابة آيات الجزء القرآنى فى ثلاثة شهور .
وفى سياق التعتيم على تدمير التعليم النظامى الذى يشكل أحد أهم أسباب الأمية ؛ وأكدنا على أن استمرار انحداره من ناحية أخرى استمرار الأمية وتوسيع وتعميق الروافد التى تصب فى مجراها.
-وامتدادا لهذا النهج الذى تتّبعه الدولة أسست فى عهد مبارك الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار التى استأنفت المسار السابق للجنة القومية للقضاء على الأمية ولكن فى زىّ حديث ؛ فبدلا من كتاتيب لجنة الأنصارى القومية استحدثت مشروع " أتعلم .. أتنور "الذى بدا براقا من خارجه لكنه عند تفحصه بدقة وُجِد أنه يتبنى نفس المفهوم التقليدى لقضية الأمية التى لا تحيد عنه الدولة ، ورغم ما يَنصح به – على سبيل التمويه – من حوار ضرورى بين الأميين ومعلمهم لا يلبث أن ينكشف زيفه بتمحيص دروس الكتاب وتفاصيل الموضوعات التى يتضمنها وصياغاتها ، فلا تجد أدنى إمكانية لإجراء ذلك الحوار المزعوم نظرا لتغليب " تعليم الأبجدية" على فرصة الحوار بسبب كثافة الدروس المقررة والتى لا تعطى وقتا لذلك ؛ علاوة على أن موضوعات الكتاب لا تخرج عن تأبيد وضع الأميين ولا تتعرض لأزماتهم الفعلية ولا لأوضاع المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية حتى برغم وجود موضوعات تتعلق بالانتخابات وحق العلاج و التعليم وكذلك فرص العمل فى المناطق الزراعية والمدن الجديدة، والمجلس الشعبى المحلى؛ ليس هذا فحسب بل تستغرق فى أمور هامشية وشكلية مثل بطاقة الهوية وشهادة الميلاد وعقد الزواج ولا تتجاوز فى عرضها أية قضايا تتصل بمعاناتهم الحقيقية .باختصار تتعرض الموضوعات لمشاكل ثانوية دون التوغل فى أبعادها وجذورها.. ومن ثم فالحديث عن الحوار دون خلق مقدماته نوع من اللغْوْ. ولذلك يسير المشروع " أتعلم .. أتنور " فى نفس طريق كل التجارب السابقة القائمة على المفهوم التقليدى لقضية الأمية الذى يختزلها فى الجهل بالأبجدية وبالتالى فى كفاحها.
-وللحقيقة فإن ما تقوم به الدولة ممثلة فى وزارة التعليم والهيئات التابعة المنوطة بمحو الأمية هو منع المحاولات الجادة من الاستمرار إما بوقفها فى مهدها والتعتيم عليها إعلاميا ؛ أو بحصارها وخنقها ؛ أو بقطف ثمارها إيهاما بأنها التى زرعتها وذلك إن فشلت فى محاصرتها وذلك :
* بسن التشريعات والقوانين التى تحْرِم المحاولات الجادة من إصدار شهادات إتمام المهمة بنجاح ومنح الدارسين مستندات محو أميتهم.
* أو بمركزة نشاط محو الأمية فى هيئة يكون للدولة حق الانفراد بإدارتها والإمساك بمفاتيحها وهو ما حدث فى عهد السادات عند إنشاء الهيئة القومية للقضاء على الأمية ، وفى عهد مبارك إثر إنشاء الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار.
* أو بالسطو على بعض الأفكار التى تستخدمها المحاولات الجادة والاستعانة بها فى سياق مغاير ( تقليدى ) خصوصا فى إصدار الكتب للدارسين والمعلمين لدرجة اقتباس عناوينها ؛ فكان كتاب " أتعلم أتنور" اقتباس لـ " تعلم تحرر " الذى أصدرته اللجنة المسكونية مع أن الاقتباس ليس عيبا طالما لا يٌعيق المحاولات التى اقتبس منها وبالذات إذا ما كان يدفعها للأمام كما هو الحال فى تجربتى اللجنة المسكونية ، والتنمية القاعدية بمنطقة برج نور الحمص بمحافظة الدقهلية فى الفترة 1975 – 1980 .
- الادعاء بأن تجربة كتاب " أتعلم .. أتنور " التى بدأت عام 1996 تجربة غير مسبوقة كما جاء فى مقدمة مؤلفى الكتاب نصا [ نأمل أن نكون قد وفقنا فى إعداد دليل المعلم على هذا النحو غير المسبوق فى مجال محو الأمية ] ، فإذا جاز ذلك على التجارب الحكومية فلا يمكن تعميمه بالنسبة لمجال محو الأمية بكامله الذى يتضمن النشاط الأهلى ، فتجربة اللجنة المسكونية كانت فى أوائل السبعينات ، ومشروع التنمية القاعدية ببرج نور الحمص بالدقهلية كان فى الفترة ( 1975 – 1980) ، وتجربة الثقافة الجماهيرية بالجيزة كانت فى ( 1981 – 1982 ) وجميعها أسبق تاريخيا من تجربة " أتعلم .. أتنور" ، علاوة على عملية الخلط - الذى شابها - بين المفهوم التقليدى وغير التقليدى باعتماد أسلوب الحوار الذى هو جزء أصيل من المفهوم الأخير ؛ ورغم اقتباسه والنصح باتباعه من جانب مشروع " أتعلم أتنور " إلا أنه - عمليا - لا يتيح فرصة حقيقية لاستخدامه وتطبيقه .
ب- الجانب التكنيكى:
استهلّت الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار التى تشرف عليها وزارة التعليم كتابها " أتعلم .. أتنور " بخطأ فنى فادح رصدنا مفرداته دون ذكر عنوانه عند الحديث عن دروس الكتاب أعلاه فى (موجز عن كتاب " أتعلم أتنور " ).
ويتمثل الخطأ فى اتباع طريقة [ الكلمة الكاملة ] فى تعليم الأبجدية مبتعدا عن كل الطرق الأخرى المتبعة فى تعليم الأبجدية [ كالهجائية ، والصوتية ، والصوتية التحليلية التركيبية ..إلخ ) وهذه الطريقة على وجه التحديد ذات تاريخ سئ فى التعليم المصرى حيث سبق اتباعها فى المدارس الحكومية منذ أكثر من ثلاثين عاما وفشلت فشلا ذريعا واشتهرت بطريقة ( شرشر وفلفل ) .
وأتذكر كيف كان الأطفال آنذاك يحفظون الدرس عن ظهر قلب لكنهم فى نفس الوقت غير قادرين على التعرف فى الكتاب على جمله أو كلماته التى يرددونها كالببغاوات .. ويتعثرون فى الكتابة لو أمْليَت عليهم عبارات قصيرة مما يحفظونه. وهذه الطريقة هى المفضلة لدى المعلمين الأمريكيين لسببين :
* أن اللغة الإنجليزية حافلة بعدد كبير من الكلمات القصيرة والسهلة .
* ولأن الهجاء فيها يختلف عن النطق اختلافا كبيرا من كلمة لأخرى كما فى الكلمات الأربعة culture & enough& high & solder) ) ولأن الحرف يُنطَق بطرق مختلفة فى الكلمات المختلفة فحرف الـ T نُطقه مختلف فى كلمتى (light & picture ) وحرف الـi نطقه مختلف فى كلمتى (night & pin ) وحرف الـ O نطقه مختلف فى كلمتى ( sone & cold) وحرف الـ A نطقه مختلف فى كلمتى (sad & same ) ، بينما يتشابه النطق للحرفين A & O فى كلمتى ( gold & called) . لذا كان من العسير فى اللغة الإنجليزية الاعتماد على الحروف وحدها أى على الطريقة الهجائية (وهى تعليم الحرف واحدا بعد الآخر ثم تكوين الكلمات ) أو على الطريقة الصوتية ( قراءة الكلمة .. حرفا حرفا ثم نطقها كاملة .. وهكذا ) أما فى هذه الطريقة ( الكلمة الكاملة ) المشهورة بـ ( شرشر وفلفل) ينشغل الأطفال بحفظ الكلمات الكلية ويُعْفون من مشقة تعلم الأصوات وما يقابلها من حروف وهذه الطريقة هدفها الأساسى هو إعطاء الدارس أكبر قدر من الفرص للتعرف على الكلمة و" قراءتها بمجرد النظر" .
ولذا فإن طريقة ( شرشر وفلفل) .. وتكملتها ( فلفل نط أكَل البط) أثبتت فشلها فى اللغات التى يكون هجاؤها بسيطا ولا يختلف صوت الحرف فيها (منفصلا أو ضمن كلمة ) كما فى اللغات العربية والروسية والعبرية.
وإذا كانت الطريقة قد فشلت فى مصر فى التعليم النظامى مع التلاميذ الصغار الذين تكون قدرتهم على الحفظ والترديد عالية.. فستكون بالقطع أشد فشلا مع الكبار الأقل قدرة على الحفظ والترديد وأكثر خجلا ولا يقْنعون بترديد ما لا يفهمونه.
لذلك فأول العوامل الطاردة للأميين من فصول الدراسة فى تجربة " أتعلم .. أتنور " هو هذه الطريقة ( شرشر وفلفل ) ، ناهيك عن مضاعفاتها التى تقطع الطريق على عودتهم للفصول مرة أخرى؛ بسبب حالة الكوميديا التى تنتاب الدارسين فى الفصول أو فى المنازل إزاء ضعف قدرتهم على التعرف على الحروف فى الكلمات التى يرددونها أمام بعضهم أو أهلهم فى المنازل وما يتخلق منها من مواقف مضحكة.
وطريقة (شرشر وفلفل) هى التى دفعت بمؤلفى كتاب " أتعلم .. أتنور" لحشد 14 حرفا فى الدرسين الأول والثانى من الكتاب بل وأعطتنا تفسيرا لها ؛ وهو ما أجبرها أيضا على التوقف منذ نهاية الدرس السابع تماما حتى نهاية الدرس الثالث عشر دون إضافة حرف جديد ، وهذا الارتباك يشرح لنا كيف تطبق الأفكار النظرية بشكل ميكانيكى مفتقر للحنكة والإبداع بسبب انعدام الخبرة العملية والمعرفة الفعلية بخصائص الأميين وخصالهم.. ومن ثم بما يناسبهم من طرق تعليمية.
-وما يزيد الطين بلّة هو ما حدده الكتاب فى ص13 كتعليمات إرشادية للمعلم ببدء تعلم الكتابة منذ الدرس الأول. فكيف لأميين بعضهم فلاحون لا يجيدون إلا استخدام الفأس والعصا أن يمسكوا القلم فى الدرس الأول أى فى الأيام الثلاثة الأولى من دخولهم الفصول. ليبدأوا الكتابة..؟
إن إحدى الاعتبارات والنصائح بالغة الأهمية التى يسوقها علماء التربية فى هذا الشأن هى [ ضرورة فهم شخصية كل ( كل ) فرد من الأميين حتى لا يكون الجهد الذى يبذله أقل أو أكثر مما يناسبه خصوصا من الناحية النفسية ] . والخطر الأكبر المرجح هو أن يكون ذلك الجهد أكبر مما يناسب الأميين فى هذه التجربة بالذات من الناحية النفسية.
أما النصيحة الأخرى والمرتبطة بالسابقة فهى [ إن التدريب على القراءة والكتابة فى آن واحد يمكن ( يمكن ) أن يُثبّطَ عزيمة الأميين إذا ما طُرِح فى المراحل الأولى من التعليم ].
ولذا بدأنا المقال بالفقرة الشهيرة ( طريقة التدريس لا تُخترع اختراعا بل تنبع من أهداف المدرسة ومن المشكلات الطبيعية التى تصادفنا أثناء العملية التعليمية ).
ولذا فإنه بدءا من نهاية الدرس الثالث حين يبدأ الأميون فى تلقى دروس الحساب .. وبكثافة غير معهودة أو متوقعة تتضاعف المشكلة أمامهم وهو ما يضيف عبئا جديدا إلى الأعباء التى يلقيها الكتاب على عاتقهم.
خاتمة :
يقول وليم جراى فى الجزء الثانى من كتابه ( تجارب الأمم الأخرى فى محو الأمية ) 1962 صفحة 145 [ محو الأمية ليس غاية فى ذاته ؛ بل هو جزء متكامل من حملة واسعة للقضاء على جميع الظروف التى تعوق رخاء الفرد وتؤخر تقدم الجماعة ].
لذلك فمشروعات محو الأمية التى تقوم بها الدولة فى هذا الشأن تعوق رخاء الفرد وتؤخر تقدم المجتمع .. وليس لدينا برهان أنصع مما وصل إليه المجتمع من انهيارات دفعت به إلى الثورة ؛ ومن تدهور هز هيبة مصر على المستوى الإقليمى والعالمى .. وهو انعكاس صادق- من زاوية محددة- لحالة التعليم المصرى بشقيه النظامى وغير النظامى وبسبب اتباع المفهوم التقليدى فى مكافحة الأمية فى مشروعات الدولة والأجهزة التابعة لها .
وهذا – فى تقديرنا - لم يأت وليد الصدفة أو العشوائية لكنه توجّه مقصود ومتعمد ؛ لأنه لا يستهدف سوى الإبقاء على وضع الأميين ( ضحايا الآلية الاجتماعية السائدة ) ولا يرغب فى تغييرها أى لا يريد تعديل الإطار أفضى إلى أميتهم واستمرارهم مقهورين ؛ ولأنه يبتعد- بشكل واع - عن المفهوم غير التقليدى الذى يربط الحرف بالكلمة بالمشكلة الاجتماعية التى يعانى منها الأميون الراغبون فى التخلص ليس من أميتهم فحسب بل من كل ما يعطل تحررهم وانطلاقهم وتوظيف طاقاتهم الكامنة أو المحبوسة من إسارها نحو الحرية والرخاء والعدل ، وهو ما لن يتحقق إلا من خلال حوار مجتمعى شامل كالذى يمكن أن يدور بينهم وبين المعلم فى فصول محو الأمية للبحث عن أسباب البؤس الراهنة والتنقيب عن حلول لها؛ وهو ما يعنى مفهوما مختلفا عما تتبناه الأجهزة الحكومية وكتبا وكلمات وموضوعات وقضايا مغايرة بل ومعلمين آخرين مثقفين- قادرين لا تعوزهم الخبرة ولا التخصص ولا الشجاعة - غير من تنتدبهم الأجهزة من وزارة التعليم أو تستعين بهم من أفواج الخريجين " و تتعاقد معهم بالراس".
[ إن السعى من أجل صالح الأميين يستلزم القدرة والتخصص والتجربة العملية والخبرة والكفاية والإيثار ، ومهما كنا خبراء فلا يمكن أن نصل إلى نتائج ذات بال إذا ما أعوزتنا الشجاعة والإخلاص وحب خدمة الناس والمثابرة.] هذا ما يُذكرنا به وليم جراى أحد أعلام التربية القلائل.
فهل يتحلى القائمون على تعليم الأميين بمثل هذه الخصال أو ببعض منها ..؟!
لقد قطعت تجربة اللجنة القومية لمحو الأمية فى ثمانينات القرن الماضى وتجربة الأكاديميين فى التسعينات وحتى الآن بأننا سائرون [ نحو الأمية بفضل كتاتيب الأنصارى وفصول شرشر وفلفل التى أسسها وأصر عليها مشروع " أتعلم .. أتنور " ].
وإلى حلقة قادمة..



#بشير_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استنهاض الثقافة الجادة .. وبعث التنوير.. والأمية السياسية ( ...
- استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. والأمية السياسية (2) ...
- استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. والأمية السياسية فى م ...
- حيث لا وقت نبدده فى المماحكات.. لنضع النقاط على الحروف .. عن ...
- مأساة بعض شباب منظمات المجتمع المدنى فى مصر: قراءة فى مسودة ...
- استيعاب - المضللين - من أعضاء جماعة الإخوان .. الوهم الأشد خ ...
- لو افترضنا جدلا ..
- عن الجيش المصرى .. والثنائية المفتعلة ( ثورة أم انقلاب..؟ )
- طريقان لا ثالث لهما .. التطهير وإعادة البناء.. أو المصالحة و ...
- حائط الصد الأخير.. وحديث عن النخب
- لكى تعود مصر .. ونعود فراعنة مرة أخرى : جففوا منابع التمويل ...
- مدخل لحل مشكلةالإسكان فى الريف المصرى والمناطق الزراعية المس ...
- شواهد مزعجة تعترض مستقبل الثورة المصرية : هل يتكرر سيناريو ث ...
- ( ثورة جديدة ونداءات مريبة بالمصالحة)
- مصالحة .. أم محاصصة جديدة برعاية الجيش المصرى
- ثورة جديدة - ونداءات مريبة بالمصالحة
- الجوع .. وأوهام الأمن الغذائى فى مصر
- تمهيدا لثورة معادية فى ريف مصر فى 30 يونيو القادم: بقايا الإ ...
- مرة ثالثة عن عزلة اليسار وانقسامه .. بعيدا عن المواعظ ولحاقا ...
- مساهمة أخرى فى الحوار حول أسباب عزلة اليسار المصرى وانقسامه


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على بيان -حماس- بشأن مفاوضات وقف إط ...
- الجنائية الدولية: ضغوط سياسية وتهديدات ترفضها المحكمة بشأن ق ...
- أمطار طوفانية في العراق تقتل 4 من فريق لتسلق الجبال
- تتويج صحفيي غزة بجائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة
- غزة.. 86 نائبا ديمقراطيا يقولون لبايدن إن ثمة أدلة على انتها ...
- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بشير صقر - استنهاض الثقافة الجادة وبعث التنوير .. و الأمية السياسية (4) نحو الأمية نسير .. بفصول شرشر وفلفل .. وكتاتيب الأنصارى .. ملاحظات نقدية لأوراق مشروع هيئة محو الأمية و تعليم الكبار - أتعلم .. أتنور -