أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل - الذئاب التي تحرسنا اكلت كل شيء














المزيد.....

الذئاب التي تحرسنا اكلت كل شيء


محمد اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 4299 - 2013 / 12 / 8 - 00:04
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

الذئاب التي تحرسنا اكلت كل شيء
محمد اسماعيل

ضياء الغبش المستفيق على نفسه توا، يشق خرير الفجر.. قطرة قطرة، تضاعف رغبتي في العودة الى وثارة مخدعها، وهي تغفو حالمة بفرسان الحكايات، يخطرون فوق سروج الخيل.. بيضا، ويتوارون مخلفين انفاسهم، تطيب طيات النوم.
نهضت من السرير، على انغام صوتي الطروب، متجهة نحو حوض الحليب، المرصوف بقاشان ماسي ازرق، يلمع، مثل مرايا زاهية تعكس نبضات قلبها الذهبي، المترع بالحنين.
ملأت الحوض بالحليب...
كم يحتاج خيالي من مساحات، لرعي الابقار التي احتلبها المزارعون، حتى إمتلأ الحوض.
انسابت بين مويجاته، طافية، تسطع بذراعين فاتنتين، فوق البياض، وانا اغني.. اصداء صوتي الصادحة، ترجرج البحر والليالي.
والحرب، عند اعتاب الذاكرة، تصهل.
لقيا من زمن غابر، شجت عين المنقبين الآثاريين، الذين اكتشفوها، واطرشتهم، واخرست ألسنتهم.. صدعهم الزيتون.. لم يمهلهم حتى يفهموا شرطة الصحراء، سر الزيتون الذي تفجر في جوفهم، حالما اخرجوا جثة المحارب، من تحت طبقات الصحراء.
فوجئوا بغصينات زيتون، تورق من احداقهم، وصمم يشبه نسغا اخضر، صاعدا في قرمة جذع زيتونة ميتة، سال في آذانهم، واستشرى طعمه المر يشقق تفطرات السنتهم.
ثم تاهوا في الصحراء، يعمهون... الى ان وجدهم رجال الشرطة الصحراوية، وماتوا بين ايديهم، قبل وصول سيارة الاسعاف، التي تباطأت بالقدوم، من مركز المدينة، الى رحاب الآخرة.
-هل انت ثملة؟
-مفطورة عن خمس طبقات من الدلال.
-لا تخذل نشوتها.
قال مدير اعمالها، بينما هي تواصل العوم في الحليب، تشرب وتسبح وتستزيدني طربا.
-انعتقت روحك من أسر الجسد المغلول الى جماله.
-سبعة امزجة طباق.
الحف مدير اعمالها:
-لاتخذل نشوتها، انك ان فعلت، ما ادري شيصير! واصل الغناء، واصل.. مزيدا من الطرب.
يلها اشلاهيك عني يالها
فوك متنة والنخيلة يا لها
يلها اتعود الليالي يا لها
فوك ضمر والضوايا مركدات
ظل يحثني على الغناء، يحث ويحث، حتى بان بياض ابطيه، وغمزني بشيء من شاطئ الحليب.
دب في اوصالي رفيف النشوة.. نشوة مشعشعة طرت لها.. طرت حتى تخوم البحر والليالي، تائها في الظنون، من عليائي، بين فضاءات الكون خارج المجرة.
والحرب عند اعتاب الذاكرة تصهل!
تصدعت حواس اعضاء البعثة الآثارية؛ فلاذوا بالموت متزيتنين، قبل وصول سيارة الاسعاف، التي طاش بها البطء، حد التقهقر للوراء.
رمقتني بنظرة من طرف عينها.. نظرة خضراء، مترعة ببياض الحليب، وهو يصطفق بلذاذة..
.. مويجات عذبة..
.. احاطت رقرقة الحليب بجسدها الغض تروي تكوراته..
.. لظى..
..اتلظى.. لهيب معجزة في مرمدة جسدي المستعر، تفك مغاليق السر؛ فلم اتمالك مشاعري، طرت محلقا في الاثير، تحليقا هادئا مستكينا مرهفا.. وئيد التاجج.
تواريت في الفضاء، وما زال بريق عينيها يومض في ذاكرتي، مثل قنديل متوهج في قلب الظلام.
حينها، كان الوقت ثابتا.. لا يتقدم، واحساسي به يتضاعف، متراكما على نفسه.
ابتلعتني اقاصي ذاكرة الكون، اغني، محدقا بالحرب المحتدمة تحتي، على الارض، تمحق المشهد.. تدمر كل ما يطول صدى القذائف.
وانا في عليائي.. ارنو لليل يتصدع.. تتصدع اركانه وينهار؛ جراء شدة العصف، كأن ماكنة حرى، عطست، او مذنبا مهولا، لف ذيله حول حزام الارض، وادارها بجنون، كالمغزل، تطوي معها الماء والهواء والنوايا والهمم...
انا مطرب السيدة، التي تنعم بالديباج والحلي والحليب، لا اعنى بقعر الكون، اذا ما انبعج.. لا احفل بنازلة في قرية نمل، تدك جحورها، لا يقلقني الموت المضطرم.. يجتث الحياة ويفصد عروقها ويتركها ترعف في الظلام.. في ثقوب الكون اللانهائية المعتمة.
ضحك غامر، اغترف من فيضه و... عيناي مغرورقتان.
انجبته امه غرابا اسحم، ضحك الجميع لولادته، وتطيّر ابواه تشاؤما، وتشمت الكارهون...
اكفهر وجه ابيه، سبع ليال، وربطت امه نفسها الى شجرة آدم، عند ملتقى النهرين.. تبكي، لافة غرابها الوليد بالقمائط، كالاطفال.
عمل محاربا جسورا، ذا سيف عنيد، اصابته شظية، بترت نصف ساقه، فنهره الضابط:
-هذا تنصل من المسؤولية، تحاسب عليه.
فتوقف عن التأوهات، متضرعا:
-ربنا ازرعنا في الانقاض، ريثما نستريح؛ فنعود من هزيمتنا، مع المنتصرين.
كان على شفى نجمة من مغيب القمر، يوم امطروه بالزيتون المخصب، فادركته آية الظلام، ليستبدل جمجمة الخطر والعظمتين المتقاطعتين، بفم رامض مفغور، وصمونتين متقاطعتين، عائدا الى مسبح الحليب.
كف عن كل ما يوهن قواه، التي وجد نفسه بامس الحاجة اليها، يوم عاد من البحر الى آخر الجبال، رابطا (لامته) الى عنقه، برباط البسطال.
مشيا على الاقدام، من الكويت الى بغداد، والبسطال المتدلي من العنق وسام انتصارنا على الاشقاء.. اذا رميت يصيبني سهمي.
لا شأن لنا بسياسة غابرة، فلأحصر غرائزي بمسبح الحليب...
عروه.. يربطونه الى جذع زيتونة في الساحة العامة، تساقطت اوراقها تزينته، فصاح ولم تطعه حنجرته:
-ظهري حمى ودمي حرام.. الله الله في دمي.
وقفت امه مع المتفرجين:
-أما آن لاهذا الفارس ان يترجل؟
قال واحد من المتبضعين (!؟):
-اكرام الميت دفنه.
لحظت عناكب ذات اذرع كثار، تعشوشب جثتي.. عظايا متقرية وخنافس وصراصر.. تتقاتل فيها؛ ثأرا للحقيقة (!؟) وكيوبيد يحمل رشاشا يوغوسلافيا، يطلق ماسا وذهبا وفضة، احالت المدينة الى عشاق مولهين به.. جالا ونساءً. حلقت الغربان فوق جثتي، في سرب مهيب، تستقبل تعازي الاطيار الشقيقة والصديقة.
اقمت اياما عدة، مصلوبا على الزيتون، حتى انفجرت، ونامت هي نوما رخيا.. مرهفا.. منغما، على ايقاع صوتي:
-طرادتي تدحك رمل واجرها
وكانون قلبي للصبح واجرها
لو اني احكي لكم سالفتي انة واجرها
جا شيب الجاهل قبل ما يكبر!
بكى شيطان الصحو الذي ذكرها بالغابرين، وبقيت وحدي، مصغيا الى رجع صدى صوتي، وامامي عدة مشدودة برباط بسطال قديم، ابلاه العتق، ملقاة باهمال، عند حافة الحليب. وسيارة الاسعاف قادمة تتقهقر...



#محمد_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عباس عبود يقرأ ما بعد الديكتاتورية
- حواسم الاربعاء هيئة النزاهة بحاجة لمؤازرة الشعب والحكومة
- صدمة المحاصصة
- لا وجل طائفيا في مكتب النجيفي
- سدرة الضوء.. تأطير مكاني للوقت
- ثلاثية المنادقة
- قيادات الانتقال السياسي
- صوتها في البناء الحضاري
- سعيد بن جبير يموت بمغازلة القمر
- انقذوا الحوار المتمدن من برامج الاسلمة المنظمة
- الرئيس الإيراني والمحرقة اليهودية
- ثورة وفاء سلطان.. هي الثورة التنويرية القادمة في المنطقة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل - الذئاب التي تحرسنا اكلت كل شيء