أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل - ثلاثية المنادقة















المزيد.....

ثلاثية المنادقة


محمد اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3962 - 2013 / 1 / 4 - 22:45
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
ثلاثية المنادقة
محمد اسماعيل
بذرت "المنادقة" نطف بغال وحمير والله والله، لئن لم تزدرع، واسمع نهيق نبتها باذني، لاحرقن ترابها حرقاً فالمنادقة مدينتي العصماء، والتي ولدت وترعرعت بفي مزابلها التي تبلغ مائة وستة بيوت، كنت خلالها انظم حبيبات الظل، خرزاً في خيط ضياء الفجر الاول مسبحة اطويها منذ طفولتي حتى كبرت، قلقاً على مستقبل المنادقة، فنشرتها للمادقة موسم خصوبة، يدور من سالف السنين، زرعتها خلاله بالبغال والحمير، وها انا انتظر الريع المنهاق والثراء، مستشعراً شدة نمائها وهي تكاد تورق تحت اديم التربة، بتدفق حار، يذكي في غضاضتها لذة النهيق المبكر.
شلال الايام الساحت من سفح الزمان يسيل، وانا غارق في تأمل مزرعتي.
امس شهدت شهقة بغل نما في احد اركان المنادقة.. خفت.. وانتشى في روحي الفجر مستبشراً الخراب.
خشيت ان اقص ماشهدت على نفسي، فاكذبني كان هذا اسرع البغال للمنية، لقد جهضته الارض قبل الاوان فاختنق بالهواء ومات.
حزنت لاجله، وبقيت حزيناً طوال الموسم، الى ان سلخ اول حمار اظلافه عن مشيمة التراب، وتقافز بفرح، افرحني فقفزت له ضربت بكفي على ظهر الحمار، فسكن وقرت الارض ترابها، تحت فرصتنا، انا والحمار، فهدأ عصف الغبار، الذي سد عيون المنادقة واعمى ازقتها، ليغلق الناس الابواب دون العاصفة، ويظل وحش مالح، وحيد كآبته، يرفرف من مكان قريب.
- اني الذيب وآكلهم.
- ......
- اني الذيب وآكلهم.
- ......
لا ام لنا فتحمينا.
انهم قوم المنادقة " الحياديون " ، االذين ابتدأت القصة، وكأن لا وجوج لهم، فيها، وستنتهي ولن يوجدوا فاذا ما نط واحد منهم فسوف ادعوا ملائكتي عليه، يميتونه كمداً، على حبيبته الرعناء الحلوة، والتي هجرته، حتى ولو لم يكن قد احب يوماً في حياته.
شيئاً فشيئاً نضحت باقي الحمير، فاصلة حوافرها عن الجذور لتنطلق منغلقة، اما البغال تواشك مختلفة، لان البغل حيوان عقيم.
2
كلما اختلفت انا وزينب وازهار، دفن واحد منا نفسه حياً، ومات، تنكيلاً بالاخرين، الذين لا يوليانه اهتماماً كل لاه بشؤونه عن سواه فبعد ان متنا وبعثنا عدة مرات، لم نعد ننفعل بشيء.. تساوت مشاعرنا واستوت وانشغلنا بالف حيرة وحيرة، ليصة لا اول لها ولا آخر.. ولا حتى نعرف ماهي.
تنخرط زينب بالبكاء، دونما سبب، حزناً على حبيبها المجهول، فاذا ما اوقفناها، قالت:
- انه يستحق ساعتين من البكاء، وملء سطل دمعاً، وانا لم ابك بعد سوى ساعة ونصف سطل آخ لو تشوفونة مع انها هي ذاتها لم تراه.
الغرفة حارة، وانا اهم بزينب، تلك الشهية.. شهيدة شهوتها السمراء المملوحة.
احست بهمتي من تلقاء انوثتها، وبريق الشهوة الملتمع في احداقي، فنادت على الثعبان "هيت لك" وهشتني مثلما فعلت معي كليوباترا من قبل، عندما كانت عبداً فرعونياً ذا رنين صوفي وبقيت وحدي اناجي الخيبة.
- جا حظي ما ساوى الحيات
الناس قساوة، لاندم توسدت التراب وهلته فوقي ساعات اسبق خلالها الزمن، وزينب برفقتي على مرمى قبر من صفا، قاب ديجورين او اظلم، ثمة ضوء ألجه معها، اذا ماعدنا منه تكون قد دخلنا عالماً آخر، نغادره الى آخر فآخر وآخر حتى تستحيل الابواب عدماً.
هيمن صمت رصاصي معرش فوق الجميع، وقد انتظموا صفاً تحت التراب، يستعرضهم وحش مالح، وحيد كآبته، يرفرف من مكان قريب.
- اني الذيب وآكلهم.
- .....
- اني الذيب وآكلهم.
- .......
لا ام لنا فتحمينا
افترضنا الناس بيادق على رقعة الامحاء
- هنا يجلس عباس
- وهنا يجلس ظله
- مددتها مسافة بين عباس وظله، قد تؤدي الى انفصامهما.
ضحكنا، ثلاثتنا.. انا وزينب وازهار، وضحك الظل معنا، فجفلنا وتهجم عباس.
تذكرت اننا لانعرف عباس من قبل
- اي عباس؟
قالت:
- كان لنا عباس نتكلم عليه
بكسوف
- نخبئ خوذة محارب قديم، عتقته، وعقفت شاربيه السنين.. نزق، يتظاهر بالشجاعة والقوة عن وهن جبان لايعف اذا تولى ضعيفاً ولو لم تكن المنادقة سوى افتراض في قصة لما ابقى فيها حجراً على جحر... نسمي الخوذة "عباس" ونستودعها عذاباتها
3
ثمة غيمة تتكفئ جهة الارض لالتقاط افكار الموتى، تعرضها عبر نوافذ بيوت المنادقة لاتعرض على الاهالي سوى حياتهم، فخلاصة اليوم الواحد في المنادقة تتجسد في ذهاب الناس، تلقائياً، للمقبرة، ودفق انفسهم فيها احياءاً، كما لو يوفون نذراً قطعه اسلافهم للآلهة قبل التوحيد.
انها غيمة تلتقط الاسرار والمعلنات تبثها سواء بسواء حتى تتطلسم النوافذ وتستحيل عدماً، ممحية من جدران الغرف.
سار الناس في رهط مهيب نحو المقبرة احدهم شت متقهقراً وساح في براري المنادقة فرداً، غار في آفاتها ذات العيون العسلية ظل طوال التيه يفكر بعبد الرحمن الداخل، صقر قريش، حتى سئم التشرد هارباً من حتفه، فنبش حفرة في الخلاء توارى فيها القبور تزحف اليكم، اذا لم تذهبوا قبل لنا فسرينا متفائلين وهل يجرؤ المنذور منذ اسلافه على غير التفاؤل، عندما يموت ادلجنا مشفقين وقد احلولك الليل من حولنا حتى ابيض على نفسه من شدة الظلام.
بين لحظة وآخرى، نسمع باحدهم دفن نفسه ومات فنحتفل بتلك اللحظة متخذين منها عيداً محلياً، حتى صار للمنادقة " 81072 " عيداً محلياً، بعدد دقائق السنة، و... سوف اكتب رواية عن مدينة لها " 1440 " عيداً في اليوم الواحد، لذا اتاني الوقت والمزاج.
رهط الحي مازال يسير موكب نحو الموت من حولهم، على طول الطريق قبور الاسلاف، نصف مهدمة، تصدر صفيراً مظلماً تسيجها صيحات قرم الاشجار المقطوعة.
أومأ لي جدي: " تعالي " فهربت فزعاً، ألوذ بقبري او اسوي فوقه التراب.
صمت رصاصي تبثه الغيمة، عبر النوافذ، وقد انتظم الجميع في التراب صفاً، يستعرضهم وحش مالح.. وحيد كآبته يرفرف من مكان قريب
- اني الذيب وآكلهم.
- .....
- اني الذيب وآكلهم.
- .....
لا ام لنا فتحمينا.
متُّ طويلاً في قبري، وفاتني موعد القيامة، فقد رجعوا وحياتهم تنز من الاظافر، مثلما ينز الغيم من مسامات السماء.
ظهرت وقائع القيامة، عبر النوافذ، في عرض حي نقلته الغيمة المباشرة واجهتهم خلالها ساعات تسبق الزمان من يدخلها يلج عالماً العودة من تؤدي الى سواه، وسواه يفضي الى سواه، فسواه وسواه، حتى استحالت الابواب، عليهم عدماً، المنادقة، ليس بعيدة عن نفسها، الا بمائة وستة بيوت، تناظر المقبرة، بدءاً من مبزل المياه الثقيلة، وانتهاءً بالحريق، حسب ماتقضي النبوأة فالغناء ولد نامياً مع المنادقةـ منذ وضع الاسكندر حجر الاساس لها ودقه بقرنيه.
مالم يجاهر به الاسكندرن ونقلته عند الغيمة باطناً، لتبثه من النوافذ الى كل البيوت، دعاءه.
- اللهم اما حرقاً او غرقاً، لاترضى المنادقة عن احد ولا ترضي احداً عنها.
ثم صام، ومازال صائماً حتى هذا اليوم.
23/ايار/1998



#محمد_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيادات الانتقال السياسي
- صوتها في البناء الحضاري
- سعيد بن جبير يموت بمغازلة القمر
- انقذوا الحوار المتمدن من برامج الاسلمة المنظمة
- الرئيس الإيراني والمحرقة اليهودية
- ثورة وفاء سلطان.. هي الثورة التنويرية القادمة في المنطقة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد اسماعيل - ثلاثية المنادقة