أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - وتريات الحب والحرب : رواية 46














المزيد.....

وتريات الحب والحرب : رواية 46


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 4281 - 2013 / 11 / 20 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


- 46 -
لم أحاول ذات يوم البحث عن النصف الآخر الذي تعرفت عليه بالصدفة الخالصة، علماً أنه ذات مرة، صعدت صبية إلى جواري في السيارة التي تقلني من محافظة إلى أخرى، تحمل وجهاً جميلاً فيه من الإغواء ما يحفز النظر إليه، وكانت تنظر إليّ بين لحظة وأخرى كمن تريد القول أين رأيت هذا الوجه ؟
هذه النظرات وحدها كانت كفيلة بفتح باب الحديث الذي قد يفضي إلى تحديد موعد للتعارف أكثر، وارتباط المصيرين . ولأنني لم أكن أسعى إلى البحث عن النصف الآخر، ولا أطمح بإقامة علاقة عابرة ينتج عنها عذاب للضمير، فقد غضضت الطرف عن تلك النظرات، في وقت كانت فيه مثل هذه المصادفة كفيلة بولوج مختلف أنواع المغامرة فيما لو لم أنظر إلى الاتجاه الآخر من الشارع الذي أخذ مني الكثير من التفكير وحال بالتالي دون ركوب صهوة المصادفة والتذرع بها والذهاب نحو الانفلات من قيود التقاليد التي نشأت عليها .
أعترف الآن أنني تجاهلت تلك النظرات خوفاً من أن تتمارى في عيني وتنعكس صورتها ويحدث معي الشيء ذاته، فنغدو ضحايا الانعكاس المتبادل لصدفة غير محسوبة . وتساءلت في حينها : هل هي حساسة بما يكفي لتلتقط الرفض الذي لم أعبر عنه بكلمة واحدة ؟
أعتقد أن الرغبة لديها كانت مصدر هذا التصرف، ربما من أجل اكتشاف عالم كان وما يزال مغلقاً عليها . وكنت لاحظت ليس فقط التساؤل عن مكان رؤية هذا الوجه، بل أيضاً بريقاً ينبعث من عينيها يؤكد رغبتها في مغامرة عابرة إن لم تكن ستفضي إلى زواج . هذا التصرف أزعجني باعتباره ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالحب الذي ينتج عنه إنجاب الأولاد والالتزامات الصارمة بحقوق الزوجية .
صحيح أنني لم أكن أفكر بالزواج ولم يخطر ببالي في تلك الفترة، ولكن فكرته كانت في نظري آنذاك عارية لا مضمون لها قبل أن يشق الإنسان طريقه نحو مستقبل آمن يضمن له الاستقرار المادي والنفسي اللذين يشكلان حجر الأساس في أي زواج ناجح ومستقر .
وعندما وصلت إلى البيت كانت الضجة في رأسي قد هدأت واختفت الصورة وملامحها التي أخذت من عقلي حيزاً وأثارت فيّ التفكير الذي حاولت من خلاله النظر إلى الشارع للتخلص منه .
في البداية قرأت القليل من الخجل في عينيها، غير أنه تبخر سريعاً . لم يدم سوى لحظة واحدة، هي اللحظة التي قررت فيها عدم النظر تجاهها واستبدال الوجه بالشارع والمحال التجارية والناس المارين من بين صرخات الباعة المتجولين .
وعندما ابتعدنا عن الناس والسوق وصرخات الباعة المتجولين، لم أكف عن التفكير بها . أعترف أنني دفعت ثمناً باهظاً أثناء التفكير بها، ثمناً تجسد في الحرمان من الحالات الاستثنائية التي تشعرني بالنشوة والسعادة عندما أمر بالسيارة من هذه الأماكن التي لي معها ذكريات كثيرة واظبت على استعادتها بين فترة وأخرى حتى لا أفقدها تماماً .
كنت، وأنا طفل، أمر يومياً من محافظات الجنوب إلى محافظات غزة، مع والدي الذي ما أن يصل غزة حتى يبتسم منتصراً وبحنان أفتقده الآن، ثم يمسك بيدي ويقتادني إلى محل بائع الحلويات الأكثر شهرة في تلك الفترة كي يشتري ما يطيب من الحلويات التي تعودت عليها حتى يومنا هذا .
ثم يأخذني إلى بيت عمتي ألعب مع أبنائها إلى أن يعود قبل غروب الشمس بقليل . وكنت وسيلته الوحيدة التي تسهل عليه المرور من حاجز أبو هولي الذي أقامه جنود الاحتلال لفصل غزة عن جنوبها بغية تعطيل أعمال المواطنين وحرمانهم من التنقل بحرية حتى يستمروا تحت وطأة الخضوع لمشيئتهم .
وكانت اللافتة المرفوعة على الطريق والمكتوب عليها "حاجز أبو هولي " تثير في نفسي الكثير من التساؤلات والاستغراب . وفي اللحظة التي أراها أبدأ بتخيل هذا الطريق الذي لفترة طويلة اعتقدته موجوداً منذ قرون خلت، وأن هذه اللافتة ما زالت على حالها في استمرارية متواصلة لتحدي الزمن رغم كل التقدم والتحولات العمرانية التي بدأت تضرب المنطقة وبالقرب منها مباشرة .
وكنت، كلما اقتربت من اللافتة فقدت الحماس الذي كان دوماً يلفني ليحل محله شعور تافه وإحساس بغربتي عنه أنا الذي لم أكن أعرف وقتئذ أن هذه اللافتة إنما أقيمت هنا من أجل تجزئة قطاع غزة حتى يسهل على الاحتلال السيطرة عليه .
وشعرت في تلك اللحظة بعدم الأمان . ليس بسبب وجود اللافتة، بل لأن الصبية التي جلست إلى جواري نزلت بالقرب منه وفي عينيها نظرة غجرية لم ألاحظها طوال الطريق .



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وتريات الحب والحرب : رواية 45
- وتريات الحب والحرب : رواية 44
- وتريات الحب والحرب : رواية 43
- وتريات الحب والحرب : رواية 42
- وتريات الحب والحرب : رواية 41
- وتريات الحب والحرب : رواية 40
- وتريات الحب والحرب : رواية 39
- وتريات الحب والحرب : رواية 38
- وتريات الحب والحرب : رواية 37
- وتريات الحب والحرب : رواية 36
- وتريات الحب والحرب : رواية 35
- وتريات الحب والحرب : رواية 34
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 33
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 32
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 31
- وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 30
- وتريات الحب والحرب : رواية الفصل29
- وتريات الحب والحرب : رواية الفصل28
- وتريات الحب والحرب : رواية الفصل27
- وتريات الحب والحرب : رواية الفصل26


المزيد.....




- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - وتريات الحب والحرب : رواية 46