أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - نطاق خشبة المسرح بين التقليد والتجديد















المزيد.....



نطاق خشبة المسرح بين التقليد والتجديد


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4245 - 2013 / 10 / 14 - 12:48
المحور: الادب والفن
    



Galileo Galilei: E ppur si muove, Egitto
غاليليو غاليلي: "و لكنها تدور" يا مصر...


تغيرت النطاقات المشهدية على مر العصور، في المسرح الغربي، منذ اليوناني إلى اليوم. فمختلف التوزيعات والأشكال أخذت في التكون طالما أن الأعمال الدرامية وتمثيلها تطلب ذلك، وأخذت تكتسب مدلولاً هو، في رأينا، يتعلق بالثقافة والقيمة التي تعطيها الثقافة للمسرح لدى كل شعب.
إنه لمن المدهش أن يكون في ما يسمى بـ "المسارح الوطنية" (اليوناني، الإسباني، الإنجليزي) تلاقٍ في الفضاءات الدرامية، ومن خلالها يميل الجمهور إلى الالتفاف حول الممثلين، أي أن القاعة تميل إلى معانقة خشبة المسرح بشكل كامل أو جزئي، في حين أن الجمهور في مسرح "على الطريقة الإيطالية" يجلس أمام الخشبة. وهذا الوضع يتطلب في الحالة الأولى مشاركة فعالة من الجمهور في العرض، تفاعلاً درامياً، ويتطلب في الحالة الثانية موقفاً نائياً، سلبياً من قبل الجمهور. وتقوم نظريتنا على وجود علاقة سميوطيقية بين وضع الفضاء المسرحي والأعمال التي تمثل، إذ يبدو أنها تميل إلى معنى واحد.
ونفهم من "نطاق مشهدي" أنه مجموع الخشبة والقاعة، أي فضاء التمثيل والمشاهدة، أو فضاء الفعل وفضاء الرؤية، والعلاقات التي تقام بينهما. في تاريخ المسرح يمكن للفضاءات المشهدية أن تكون في بناء (مبنى مسرحي)، يتميز فيه جزء حيث يمثل الممثلون وجزء آخر يراهم الجمهور منه؛ أو يمكن أن يكونا فضائين "موجودين"، أي واحد حضري مع آخر مختلف (ساحة الكاتدرائية، ساحة البلدية، شارع يُغلق، مبنى مخصص لاستخدامات أخرى) يُجهز للتمثيل وبعد الانتهاء من التمثيل يعود إلى مصيره الاعتيادي.
وبصفة عامة، نجد أن الفضاءات- في أصلها- المبنية للتمثيل على علاقة بالحفلات الدينية، ليس فقط للطقس في حد ذاته، بل لفضاءات الاحتفال التي استغلت للتمثيل، كـ "فضاءات موجودة". ويمكننا أن نؤكد أن بداية النطاقات المسرحية تعود إلى المذابح والمعابد حيث كان تقام الطقوس الدينية بمشاركة المؤمنون يقودهم أو يمثلهم راهب، ولهذا عادة ما تكون مجهزة لإقامة الحفلات الدينية، أي دائرة المؤمنين الذين يشاركون بحضورهم حول الراهب. وبهذه الطريقة يظهر النطاق الملتف في المسرح الذي سيصل بدوره، بعد مغايرات جزئية في القاعة وفي العلاقات التي تضعها هذه مع خشبة المسرح، إلى ما يسمى بالمسارح الوطنية (اليوناني، الإسباني، الإنجليزي). والمجتمع الذي يخلق هذا النوع من النطاق المسرحي ويحافظ عليه (ملتف أو شبه ملتف) يتميز بنقطتين دائمتين: 1) المشاهد يعيش في المسرح مشاكل الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية و2) الشعب كله يشارك في التمثيل.
في الحالات الثلاث من المسارح الوطنية يبدأ المسرح بفضاءات موجودة تتطابق مع احتياجات تمثيل، توصيل وسماع الأعمال الدرامية، حسب قوانين علماء الأنثربولوجيا، على الأقل قبل أن تقوم التقنيات الحديثة بحل مشاكل مسافات رؤية وسماع كبيرة. نعتقد أن التغيير بدأ بإزاحة مكان التمثيل إلى أحد طرفي الدائرة.
وبالفعل يمكننا التأكد تاريخياً من أن الشعب اليوناني الكلاسيكي، الإسباني في العصر الذهبي، الإنجليزي في العهد الإليزابيثي، حضروا بشكل جماعي العروض الدرامية وانطلاقاً من نطاقات ملتفة (دائرة المؤمنين) أخذت تؤدي تدريجياً إلى فضاء مسرحي شبه ملتف، مع مغايرات تعطي طابعاً محدداً لكل واحد من النماذج الثلاثة.
وبعد إزاحة مركز الطقس إلى أحد أطراف الدائرة وفتحها، قامت أثينا بخلق ما يسمى بـ "المسرح اليوناني"، ويمكن أن يكون نموذجه مسرح ديونيسيوس في أثينا، أو العظيم في إيبداور Epidauro ويوزع الفضاءات على الممثلين والجوقة والمشاهدين، حسب الأشكال التي تتطلبها الأعمال، إذ أن فيها جزءاً حوارياً (ممثلون) وجزءاً مُغنى (جوقة). وسيكون للفضاءات الثلاث: الدرامية، اللهوية، السينوغرافية أيضاً تاريخ في تطور المسرح اليوناني؛ الآن سنشير فقط إلى إبداع فضاء مشهدي شبه ملتف.
يعود المسرح الإسباني أيضاً، الذي يقوم نموذجه على حوش Corral الكوميديا، إلى فضاء موجود: فضاء من طابق مربع، به فناء مركزي، أو شارع يغلق وتصل شرفاته، من الجوانب، حتى نهاية المسرح الملاصق للعمق، مما يخلق نطاقاً شبه ملتف، بالإضافة إلى أن المشاهدين يمكن أن يجلسوا في خشبة المسرح نفسها. والمباني المبنية بعد ذلك مباشرة للمسرح كانت تقلد هذا التخطيط، وهو ما يمكن مشاهدته في كورّال دي ألماغرو وتحدد مكاناً للتمثيل وآخر واسعاً بما فيه الكفاية للجمهور، ويتوزع الجمهور في المنطقة الخلفية، في ما يطلق عليه "لاكاثويلا" la cazuela، أي في العمق، وفي المقاصير أو الأروقة، وتقع في الدائرة الرأسية في مختلف الأدوار، وتمتد إلى الجوانب حتى عمق الخشبة. وبما أن البداية في شارع مغلق فإن تخطيط القاعة يكون على شكل حافلة، وليس في دائرة المسرح اليوناني. وعندما تصل الأجزاء الجانبية إلى مدخل الخشبة فإن النطاق لا يصبح ملتفاً ويتحول إلى نطاق مواجه، وهو ما يجعله يلتقي مع النموذج الروماني الذي يمتد في المسرح الذي "على الطريقة الإيطالية".
يبدأ المسرح الإنجليزي أيضاً في مكان موجود: المباني الدائرية (أو متعدد الأسطح)، المغلقة وبلا نوافذ حتى الدور الثاني، وكانت عادةً ما تستخدم في عروض فيها حيوانات، ولهذا فإن المقصورات كانت تقام ابتداءً من الطابق الأول لتفادي الأخطار. ويوضع المسرح، كما في المسرحين الوطنيين الآخرين، في طرف الدائرة الأكثر بعداً عن المدخل. ويكون الجمهور على الرمل وفي مقاصير الطابقين الثاني أو الثالث، وهما يساويان الشرفات في المسرح الإسباني. والنقطة الأكثر بروزاً في المسرح الإنجليزي، في ما يتعلق بالنطاق المشهدي، وبالنسبة للمسرح اليوناني والمسرح الإسباني، هي المساحة الأكبر التي عادة ما تكون موجودة في خشبة المسرح التي تتقدم نحو القاعة أحياناً.
وفي المسارح الوطنية يتم الحفاظ على الاتصال المستمر بين الممثلين والجمهور: اليوناني يقوم به عبر الجوقة، وهي تحتل الجزء المخصص للمشاهدة، إلا أنها تُدرج في التمثيل: المكان المخصص للفرقة الموسيقية فضاء متقاسم من التمثيل والمشاهدة، ويشكل فضاءً متوسطاً في النطاق المسرحي. في المسرح الإنجليزي وفي الإسباني يختفي فضاء الفرقة الموسيقية، إلا أنه ينقص دائماً خط فاصل مطلق بين الجمهور والممثلين، مثلما سيحدث في مسرح "على الطريقة الإيطالية"؛ المشاهدون يقتربون من الخط الفاصل بين الخشبة والقاعة، وبدخول الخشبة نفسها أو تقديم القاعة من جوانب الخشبة، بعيداً عن القناديل. هذا بالإضافة إلى أن المسرح الإنجليزي طور ما يطلق عليه "خشبة الإطلاق" التي كانت تدخل فضاء الجمهور وتضاف إلى الفضاء المخصص بصفة عامة للمشاهدة.
يقام النطاق المسرحي في المسرح الروماني على أساس التطوير التصاعدي للنموذج اليوناني؛ فيفقد شيئاً فشيئاً الفضاء المتوسط المخصص للجوقة، أي الفرقة الموسيقية، ليضاف إلى فضاءات الجمهور ويقلص النطاق الموزع على فضائين، وينظم بتخطيط مواجه. يتحرك الممثلون حتى خط جلوس الجمهور ابتداءً منه؛ والجمهور لا يشارك في التمثيل ولا يعيشه من الداخل، ليتحول حتى تأكيده إلى عرض لهوي بشكل نهائي.
والفضاء الدرامي الذي كان يقام في اليونان في بناء في الهواء الطلق، بعيداً عن المدينة، بصفة عامة في الجزء الذي يقع خلف الأكروبول يقع في روما في خط مع شارع، ليدخل الحياة اليومية كفضاء تسلية يومية، وبنطاقه المواجه يشير إلى مدخل مختلف للجمهور وللممثلين. ويتحول المسرح في روما إلى مبنى حضري، مبني بالكامل من الأرض، دون استغلال المنحدرات الطبيعية أو منحدرات الجبال المعدة بمدرجات، وفي الوقت نفسه تُدرج العروض في الحياة اليومية، مع تبادل اللهو والعمل، ثم تخلت الأعمال عن الجنس المأساوي لمعالجة مواضيع يومية تقوم على العلاقة والمعاشرة في الحياة.
وقد اِستُرد هذا التنظيم في عصر النهضة الإيطالي (مسرح فيسنزا Vicenza) وانتشر، منذ نهاية القرن السابع عشر، في أوروبا كلها حيث كان سائداً، مع مغايرات في شكل القاعة (صينية / حافلة)، تعديلات في المقاصير (متتالية، مع فواصل، بطابق أو اثنين أو ثلاثة) والديكورات مرسومة (كواليس وأسقف) أو ثلاثية الأبعاد، حتى نهاية القرن التاسع عشر. وهو ما يعرف بمسرح "على الطريقة الإيطالية" أو "مسرح نصف الصندوق" الذي ينتهي بالضرورة إلى مسرح الكلمات، في فضاء سينوغرافي ذي "قاعة مؤثثة بشكل مقبول".
وقد تغير مفهوم المسرح جذرياً وهكذا يشاهد عندما نقارن تصميم مسرح يوناني مع تصميم مسرح حضري من القرن التاسع عشر، على سبيل المثال. كما أن أهمية التراجيديات اليونانية حلت محلها يومية المشاكل العائلية (علاقات آباء-أبناء، العلاقات بين الأزواج، العلاقات مع الجيران)؛ والجمهور الذي يحضر بكثافة العروض اليونانية، وهو ما تؤكده سعة مسارحها، حل محله جمهور برجوازي يتسلى بعرض نقائصه. ومع ذلك، وكما تمكنا من إثباته، لا توجد قطيعة جذرية في أية لحظة من تاريخ المسرح، فكل شئ يسير بشكل تطوري، تصاعدي، باتباع التوجهات التي تبعتها الثقافة.
والواقع أنه بينما كان المسرح في كافة المدن متوسطة الحجم في أوروبا وكان إيطالياً، اختفى أي أثر لأي نموذج آخر، والأعمال هي التي تشكل ما يطلق عليه المسرح الواقعي، كوميديا الصالون أو الكوميديا البرجوازية. وشيئاً فشيئاً، وبمبادرة من بعض التعديلات التي يوعز بها في المدن الكبرى، أخذ المسرح في البحث عن أشكال أخرى، أحياناً يحاول العودة إلى نماذج سابقة، وأحياناً أخرى يجرب أشكالاً جديدة؛ ومع ذلك لم يُفرض بعد نموذج جديد يتناسب مع المفاهيم الدرامية الجديدة ومع ما هو مشهدي. وعندما يحدث الانتقال من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين تحدث فكرة معممة: تجديد المسرح الإيطالي لتحل محله أشكال أخرى من النطاق المشهدي، أي البحث عن أشكال جديدة للثقافة الجديدة. وفي كل الأحوال ينتهي قرن ويبدأ آخر والموقف هو نفسه: البحث، أو بصفة عامة يثبت وجود أزمة. سنحاول معرفة كيف أن هذا التقليد المعمم (طوال أكثر من قرنين بقليل) يفتح المجال أمام التجديدات التي تفرض نفسها جزئياً وتخلق فكرة ضرورة التغيير.
إن تطبيق الإضاءة الكهربائية في التمثيل الدرامي يغير الإمكانات الأنثربولوجية للرؤية وللتوصيل ويتسبب في تغيير حاسم في فهم الصورة البشرية والأِشياء، وعليه الفضاءات المشهدية. في هذه الظروف (الثلث الأخير من القرن التاسع عشر) يوضع موضع شك التنظيم المواجه في النطاق الدرامي الذي يبدو حسب بعض المنظرين سبب ابتعاد الجمهور. وتُستغل إمكانات الإضاءة كنظام سميوطيقي ووظيفي على يد مخرجين مسرحيين، من بينهم السويسري أ. أبيا A. Appia والإنجليزي إ. ج. كرايغ E.G.Craig؛ وكلا الإمكانيتن، التعبيرية والوظيفية، تدرجان بشكل نهائي في الإخراج وتشكلان سبباً من أسباب تغيير الفضاء السينوغرافي في القرن العشرين. من الناحية السميوطيقية نجد أن إمكانية استخدام الإضاءة في المسرح لها أهمية كبيرة، إذ يكشف أيضاً عن أن المسرح يمكن أن تكون له أنظمة أخرى رمزية وليس فقط لفظية. وفي مسرح حيث كانت البذلة هي المستخدمة يومياً (الإسباني)، أو المستغلة من التي يتركها النبلاء (الإنجليزي) والحركات كانت محدودة بسبب الخشبة وفي كل الأحوال كانت تكيفية بيئية من الواقع اليومي، وجزئياً فإن نظام العلامات الوحيد الذي كان يستخدم لبناء الأسطورة كان لفظياً. هناك اتفاق مسرحي مضمر: التمثيل تمثيل، وليس تقليداً واقعياً، والشخوص يتميزون كرومانيين مثلاً بكلامهم، وليس بالبذلة؛ والكلمة تحمل المشاهد إلى المكان والزمان الذي يريد، أما الباقي فيتم في هذا الاتفاق الدرامي الذي يستغني عن أي بناء معماري للعلامات.
وفي هذا الوضع دخلت إمكانية تقنية الإنارة؛ وبينما تُكتشف قيم عاطفية وتعبيرية في الضوء، من الممكن تكثيف الكلمات وشخصيات الممثلين ومن الناحية السميوطيقية تتعامل الإضاءة مع نظام العلامات اللفظية على قدم المساواة، مشيراً إلى أن هذا النظام ليس الوحيد في المسرح.
لن يقتصر التغيير على الفضاءات السينوغرافية، بل يشمل كل الفضاءات المعترف بها في المسرح وهي، في رأينا، أربعة: الدرامي الذي خلقته الأسطورة fá-;---;--bula، وهو فضاء خيالي، ويمكن أن تكون هكذا الأمكنة التي تحدث فيها حكاية رواية؛ الفضاء المشهدي أو الخشبة: وهي مكان واقعي، مبني بصفة عامة قبل التمثيل ومخصص له، ويمكن أن يكون مكاناً مجهزاً لأغراض أخرى ومعداً بشكل مؤقت لتمثيل؛ الفضاء اللهوي Lú-;---;--dico، يبدعه الممثلون بحركاتهم ويمكن أن يعالج على خشبة مسرح، أو في "فضاء موجود"؛ وأخيراً الفضاء السينوغرافي، وهو نتيجة ملائمة الخشبة، بالديكور، مع الفضاء الدرامي: الفضاء الفارغ وهو الخشبة يتحول داخل قصر إلى شارع، إلى قاعة مؤثثة بشكل لائق؛ يتحقق لكل واحدة من الأعمال، مع الأخذ بعين الاعتبار كيف أن الخشبة المحددة في أبعادها وإمكانياتها يمكن أن تتلاءم مع مطالب الفضاءات الخيالية للحكاية.
وفي ما يتعلق بالنطاقات المشهدية فإن الفضاءات الدرامية تبحث في القرن العشرين عن تجديد لا يجد المساندة فقط في استخدام الإضاءة الكهربائية وفي إمكانيات توجيهها واستقطابها (فضاء مضئ هو فضاء مشهدي، إذا تحرك فيه الممثلون)، بل أيضاً في المعارف الجديدة للتقنية التي يطبقها المعمار (الرمزية والتكعيبية)، التصوير الزيتي، السينما، إلخ. تقام مسارح دوارّة، قاعات في اتجاهات مختلفة، مسارح مركزية كحلبة، مسارح رأسية، قاعات في زاوية، إلخ.، وتبدع نطاقات مسرحية ملتفة، مواجهة، متعددة، متعددة التكافؤ، أو مسرح تام.
بعد كسر احتكار مسرح "على الطريقة الإيطالية" الذي حدث، في رأيي مع اكتشاف الضوء الكهربائي وتطبيقه في التمثيل الدرامي، ألقى مسرح القرن العشرين نظرةً على تاريخه وحاول تجديد ذاته بأشكال كانت قد استخدمت في حقب ذهبية للمسرح، والآن يمكن الوصول إليها بمزيد من الفخامة أو السهولة، نظراً للتقدم التقني.
عند تحليل التجديدات والطليعة سنجد أن كثيراً من الحلول التي قدمت للجمهور كانت قد تمت محاولتها في تاريخ المسرح، وتشير أحياناً إلى علاقة مسرح-قاعة، ومرات أخرى إلى أبعاد خشبة المسرح، إلى تنظيم المدرجات، ثابتة أو متحركة، إلخ. ومن ناحية أخرى فإن المؤلفين يعالجون مواضيع جديدة أو يعالجون الموضوعات القديمة المعروفة طريقة معالجة جديدة ويطالبون باقتراح تعديلات في فضاء التمثيل؛ وهناك تفاعل مكثف مسرح-قاعة، وفي الوقت نفسه رغبة في إحلال فضاءات النموذج الإيطالي المتصلبة إلى حد ما بفضاءات أكثر انفتاحاً أو أكثر مرونة.
إن جذور الأسباب الأخيرة للبحث الدؤوب عن التجديد في خشبة المسرح تعود إلى الرغبة في الحفاظ على توصيل مسرح-قاعة، الذي فُقد في الكثير من الأحوال، إما لأن الكلمة اكتسبت دوراً بارزاً مفرطاً ("مسرح الكلمات") ويقرب المسرح من الأنواع الروائية، وفيها نجد أن عملية التوصيل سميوطيقية، ليست تفاعلية، أو لأن العلامات الغير لفظية على المسرح أزاحت الكلمة من التمثيل وتزمع تقليص المسرح إلى مجرد فرجة.
ويحاول البحث تقديم أحداثاً تاريخيةً في خطوطها الأكثر اقتضاباً، وهو تقليد لا يقتصر مباشرةً على مسرح "على الطريقة الإيطالية"، إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار نماذج "المسرح الوطني"، وهي سابقة. كما يحاول شرح أسباب أزمة، لم تحل بعد من قبل مسرح القرن العشرين. ويحاول بشكل خاص البدء على أساس اعتبار الأحداث لتفسيرها سميولوجياً. وآمال القرن الجديد يمكن أن تأتي من عولمة المشهد الدرامي، من إدراج أشكال نص وتمثيل ثقافات أخرى: الشرقية، العربية، السوداء، الأصلية في أمريكا، إلخ.، ولها معنى درامي مختلف عن الأوروبي، أو يمكن أن تأتي من بحث في التقليد السابق على المسرح الإيطالي وتجريب كافة الاحتمالات، تحت مظلة التكنولوجيات الجديدة والمعارف العلمية والأنثربولوجية.
غير أن التجديدات الأكثر بروزاً في القرن العشرين لم تحقق في أي حال نموذجاً جديداً للمسرح. لا يوجد "مسرح وطني" يملك مواضيع ذاتية، فضاءات ونطاق درامي متطابق مع الموضوعات الجديدة، طريقة تمثيل جديدة. كانت هناك عروض درامية عظيمة، وكان هناك مؤلفون عظام، مخرجون وممثلون عباقرة، ولكنني أعتقد أنه لا يوجد مسرح جديد يُجْمِل ويكون تعبيراً عن موقف للإنسان أمام المشاكل التي تقدمها له الحياة في العصر الحالي.
ومن منطلق هدف العثور على هذه الخطوط الأساسية للتجديد والتغيير، سنحاول وضع تصنيف يقوم على المعايير التي تعود إلى أصلها، لهذا سنميز:
أ‌) الفضاءات الدرامية للمؤلف: المسرحة teatralidad المصممة من قبل النص
ب‌) الفضاءات المشهدية والسينوغرافية للمخرج: استقبال العمل على المسرح من خلال الديكور
ج) مسرح المهندسين المعماريين: مفهوم فضاء فارغ، ذو نمط عام، مخصص لإخراج أعمال (تحقيق فضاء درامي محدد)، ولعمل المخرج المشهدي (سينوغرافيات محددة).
ورغم أن من الناحية النظرية يتم تمييز هذه الأصول الثلاثة في التجديدات والتعديلات التي يقدمها المسرح للجمهور الحالي، فمن الضروري الاعتراف بأن تفاعل العناصر الجديدة ثابت، مهما يكن المصدر. هذا بالإضافة إلى أن نصوصاً كثيرة أعدت خصيصاً لتمثيل محدد يتم تنفيذها على مسرح ليس هو المناسب، ويتناسب مع شكل آخر لفهم المسرح. وهكذا يمكن الحديث عن نص مسرحة تعبيرية أو رمزية، فعلى سبيل المثال بعض نصوص بايي إنكلان Valle Inclá-;---;--n أو آخر لغارثيا لوركا Garcí-;---;--a Lorca تم عرضها في مسرح "على الطريقة الإيطالية" وحسب جمالية واقعية. والنتيجة أقل فنياً من التي حُصل عليها عندما أخرجت مسرحية "أضواء بوهيمية" Luces de Bohemia حسب الجمالية التعبيرية الموجودة بشكل كامن في النص وواضح في مفرداته، مع استخدام تعبيرية الضوء، وحركة اللوحات، وغموض الشرائح الملونة، إلخ في مسرح خشبته واسعة، دون حدود مفروضة من قبل الديكورات المرسومة على الطريقة الإيطالية؛ وكانت النتيجة مختلفة اختلافاً جلياً عندما يتم عرض مسرحية "يرما" في مسرح تقليدي (1994) حسب جمالية واقعية، وعند اكتشاف معنى رمزي للتمثيل، مثلما فعل بيكتور غارثيا Ví-;---;--ctor Garcí-;---;--a، باتساق مع مسرحة النص ومع موضوعه.
أ) مسرحة النص Teatralidad
نصوص القرن العشرين الدرامية لها معنى في التمثيل مختلف عن الموجود في الأعمال الدرامية الكلاسيكية (اليونانية، الإسبانية، الإنجليزية)، والرومانسية (القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) والواقعية (كوميديا الصالون). ومسرحة المؤلفين، كيفما يمكن تحليلها في النصوص وليس فقط الدرامية، بل الفنية بصفة عامة، تتفق مع مفاهيم أنثربولوجية وثقافية جديدة. ومفهوم الشخص يتغير جذرياً لأسباب تاريخية (حروب: هزائم وانتصارات)، نفسية (فرويد) واجتماعية (تطورات اجتماعية)؛ ورجل القرن العشرين كان أقل غبطة وأقل ثقةً في نفسه من رجل القرن التاسع عشر، وشخصية الممثل، وكذلك مسافاته، وحركاته، وأفعاله، يمكن أن تكون ويمكن أن تفسر حسب المفاهيم الجديدة. هذا بالإضافة إلى أن الإنسان يقف في بُعد شخصي جديد: إنه مركز تطورات تقنية يكتشفها هو نفسه ويطورها، إلا أنها في الوقت نفسه تضعه نسبياً في أبعاد كونية، دينية وأنثربولوجية أخرى؛ بالطريقة التي كان على إنسان عصر النهضة أن يفهم أن الأرض ليست مركز الكون، وكان على إنسان القرن العشرين أن يتحمل مسؤولية وضعه النسبي في مجموع الخلق. والإنسان فاعل تغيير بنشاطه، إلا أنه هدف تغييرات، في أثر التغذية الرجوعية Feedback الذي يربكه أحياناً.
والمسرح، مثلما حدث دائماً في التاريخ، يلوم هذه التغييرات ويحاول تقديم علاقات الإنسان الجديدة مع الآلهة (رفض)، مع رجال آخرين (عدم تواصل)، مع الأِشياء (عدم معرفة)، تقديماً درامياً، ويبدو أنه يسير نحو عدمية Nihilismo، نحو نوع من اللاشئ في شخصيته الذاتية، رغم أنه أكثر إبداعاً ولديه معارف أكبر من أي وقت مضى. ومفهوم "إنسان" يهاجم من جانب الفلسفة بغية تفكيك ضماناته، حتى إلغاء معنى هويته: ففن تأليف وتمثيل الأنا Dramaturgia واستخدام المونولوج يتعارضان مع اختفاء الفاعل وعدم التوصيل الحواري. وتعالج نصوص ستريندبرغ Strindberg، بيراندللو Pirandello، الوجودية لسارتر ونصوص مسرح العبث (إيونسكوIonesco وبيكت Beckett)، من زوايا مختلفة، علاقات الفاعلين بالأشياء، إلخ. وهذا التغيير يفسح المجال أمام تفسيرات لنظم العلامات مختلفة عن التقليدية: فمسرحية "إنريكي الرابع Enrique IV" يتم اخراجها بإضاءة جانبية للإشارة إلى الشك ونسبية الأفكار والمواقف: وغياب إضاءة سمتية تسيطر على خشبة المسرح يجعل، مع الأضواء الجانبية، رؤية الأِشياء بشكل جزئي وبظلال مفرطة؛ هذا على عكس بريخت يطالب برؤية إضاءة سمتية كي يثبت أن مسرحه يعرض حكايات واقعية، ولا يُخفى أي مصدر يمكن أن ينتج معنى. وهذا يحدث مع نظام سميوطيقا الإضاءة، وكذلك مع نظم سميوطيقية أخرى، علامات أخرى ومكونات علامات أخرى.
والتعبيرية، التي تستخدم الإضاءة كأحد نظم العلامات الأولوي، تشير إلى كرب الإنسان مقصوراً على شخصيته؛ ومسرح العبث يبرز عدم قدرة الإنسان على الاتصال، من أجل المعرفة وحتى من أجل الإحساس؛ والمسرح الملحمي نقيصة تاريخية تزمع حمل الإنسان على التأمل في تاريخه الخرب؛ وفي النهاية مسرح الهرب الذي يزمع الهروب من واقع هو دائماً مُر، غير مفهوم ونسبي.
وهذا الموجود في النصوص يتطلب أشكالاً مناسبةً لتقديم البلبلة، الشك، عدم الاتصال إلخ.، في فضاءات ليس كافياً ملئها بأثاث قاعة بورجوازية. ويتحول التحدي إلى المخرج الذي يجب عليه أن يجد التعبير المشهدي المناسب. وقصدية الإخراج لا تتضح فقط من خلال الكلمة، بل من مجموع العلامات كلها الموجودة في تزامن على المسرح. يجب الأخذ في عين الاعتبار أن تمثيلاً درامياً هو حكاية ووطريقة حكايتها لتقديم نظرة ذاتية، زاوية اعتبار، تقييم للأشياء والأشخاص. على الجمهور أن يعرف قراءة كل هذه العناصر الجديدة التي تنبثق عن الأعمال.
ب) فضاءات المخرج المشهدية والسينوغرافية
حقق مخرج المسرح أهمية كبيرة في مسرح القرن العشرين، إلى درجة أنه في الكثير من الحالات يتم الحديث عن مسرح مخرج أكثر من مسرح مؤلف أو مسرح ممثل. كانت النصوص الدرامية حتى القرن التاسع عشر تؤلف في كلمات ثم تنشد على المسرح في جو خلق تقليداً للحياة اليومية، أي أن عمل المؤلف كان أساسياً لخلق الأسطورة والمشهد، نظراً للارتباط بين الكلمة والجو، الكلمة الخارجية والتفكير، الكلمة كأداة علاقة كفء بين البشر. أما نصوص القرن العشرين، دائماً من منطلق هذه الرؤية العامة التي نتبعها، فتستخدم الكلمة ليس فقط في بعدها كعلامة،بل كحدث صوتي، في ماديته، للإشارة إلى حضورها على غرار ما تقوم به الصورة أو الصرخة أيضاً؛ والكلمة، نظراً لصيغة تجليها، يمكن أن تشير إلى حالات نفسية، على سبيل المثال، حوار السيد والسيدة مارتين في المشهد المعروف من مسرحية "المغنية الصلعاء" وهو يلقى بطريقة متعبة ومملة للإشارة إلى التعب وتكرار عملية التعرف anagnó-;---;--risis نفسها، ذات الجذور الكلاسيكية؛ والإلقاء بطريقة مأسوية يمكن أن يشير إلى كرب يضمر عدم امتلاك أي ضمان في التعرف على الشخوص، نظراً لأن الزوجين يتم التعرف عليهما عبر الظروف التي يلتقيان فيها؛ والكلمة أيضاً لها قدرة على الإيحاء بأجواء، مثلما تفعل الأشياء، على سبيل المثال، أسرة تصيح توحي بنفس الجو المترتب على نشر ملابس في الواجهة: إيغون ولف Egon Wolf، الكاتب المسرحي التشيلي، يقارن المهاجرين الإيطاليين الذين يتكلمون كثيراً وبصوت مرتفع بالمهاجرين التشيكيين، المقيمون في عاصمة تشيلي سانتياغو، الذين يتكلمون بتمهل وبلا حدة صوت؛ والكلمة علامة للبشرية مقابل التخلي عنها في مسرحية "وحيد القرن" على سبيل المثال، إلخ..
عندما يقرر المخرج المسرحي إعطاء شكل مشهدي لقراءته لعمل ما تكون أمامه مجموعة إمكانيات تشمل كافة نظم العلامات التي ستستخدم على المسرح، وتتخطى قدرتها في النص المكتوب ببعده المشهدي. والنظم الرمزية للمشهد تضم الكلمة، حيث يجب الانتقاء بين كل هذه الإمكانيات المشهدية، حتى الإضاءة، الحركات، المسافات، الأِشياء، الملابس، إلخ.، التي لتواجدها على المسرح، تتحول إلى علامات يجب أن يكون معناها متقارب مع المجموع.
واليوم يُعترف بما قام به من خلال الإضاءة والأحجام مخرجون مثل أبيا Appia وكريغ Craig؛ المعجزات التي حققها ستانيسلافسكي من خلال الكلمة وسيطرتها ومخرجو مدرسته الواقعية النفسية؛ والعظمة التي يعطيها بيسكاتور Piscatorأو رينهاردت Reinhardt للمسارح، كإطار وبانوراما للفعل التمثيلي؛ التعبيرية التي يحققها غروتسكي عبر جسم الممثلين. من الضروري تعليم الجمهور قراءة العلامات التي يقدمها له مخرج المسرحية، وهذا ليس سهلاً دائماً.
إن النزاعات التي يمكن أن تنشأ ووجدت بين مؤلفين ومخرجين، أو بين الغيورين على جوهر المسرح الكلاسيكي والتفسيرات المسرحية التي أجريت لبعض الأعمال، لنزاعات كثيرة ويمكن أن تحدث في أيٍ من نظم العلامات التي تستخدم. أعتقد أن الأكثر لفتاً للانتباه هي تلك التي حدثت فيما يتعلق بالملابس: الشخوص الكلاسيكيون، سواء أكانوا اليونانيين أم الإليزابيثيين، مرتدين ربطة عنق وسترة، أثاروا احتجاج الكثير من الصفائيين Puristas، بينما نجد أنهم حاولوا سميوطيقياً في بعض المناسبات إعطاء شكل مسرحي لفكرة أن النزاعات التي كانت تعطي موضوعاً للمسرح الكلاسيكي لا تزال هي نفسها في المسرح المعاصر، وفاعل النزاعات، الإنسان، هو نفسه، مرتدياً جلباباً أو سترةً.
وهذا ليس أكثر من مثال للبانوراما التي تقدم للمخرج المسرحي: فمن ناحية إعطاء شكل مناسب لمواضيع جديدة تصممها الأعمال حسب مفهوم المسرحة لدى مؤلفها، ويمكن أن تكون مناسبة أو لا (يكفي التفكير في نص تشيخوف أو في اخراج ستانيسلافسكي)؛ ومن ناحية أخرى تحديث عملية إخراج الأعمال الكلاسيكية، وهي لكونها كلاسيكية تدخل كقيم في تاريخ المسرح وترد على نزاعات خارج الزمن.
يجب أن نعترف أن كثيراً من تجديدات مخرجي مسرح القرن العشرين تتجاوب مع هاتين الإحداثيتين: أ) البحث عن المشهدية espectacularidad (. Spectacular nature--;-- showiness) المطابقة للمواضيع الجديدة وب) الحصول على حدثنة للكلاسيكيين.
ج) مسرح المهندسين المعماريين
لا تقام المباني، مثلما في حالة الإخراج، حسب كل عمل. فخشبة المسرح بكل أبعادها وإمكانياتها التقنية من إضاءة وحركة ورؤية، إلخ.، فضاء عام يتلاءم مع كل واحدة مع عمليات الإخراج المحددة بواسطة سينوغرافية تعطيها طابعاً، توسعها أو تحددها. وفي هذا الاتجاه يمكننا القول إن مخرج المسرح يقف في المركز بين مبدعَيْن وعليه أن يوائم: إبداع مؤلف يقدم له حكاية في فضاء درامي خيالي، وإبداع مهندس معماري يقدم له فضاءً مسرحياً حيث يجب أن يشغل الفضاء الدرامي من خلال الملاءمة السينوغرافية.
وقد شيد المبنى المسرحي في القرن التاسع عشر على أساس مفهوم حضري. فالمدن المثالية يجب أن يكون فيها كاتدرائية، مبنى فخم للبلدية ومسرح، وكان نموذجه مسرح سكالا في ميلانو بمقاصيره، وخشبته الواسعة وزخارفه وفيرة، ويخصص لتمثيل أي نوع من العروض. وفي الثلث الأخير من القرن ظهرت أشكال معمارية أخرى للمسرح أخذت تشق طريقها وجمع بينها رفضها لتخطيط مسرح "على الطريقة الإيطالية".
وفي باريس، إلى جانب المسارح، شيدت فضاءات مختلفة لمختلف العروض؛ وفي لندن انتشرت "المسارح الصغرى"، وفي غالبية المدن الأوروبية جهزت "قاعات موسيقى"؛ بينما قام السيرك، التمثيل الإيمائي Pantomima، وقاعة الموسيقى Music-hall، إلخ.، بتأهيل فضاءاتها الخاصة؛ بنيت ساحات للبانوراما، مبانٍ دائرية بقبة، مثل الكوليزيوم الذي شيد في لندن بين 1924 و1927: ويوضع الخيال في خدمة الفخامة في مبانٍ مخصصة لعروض ضوء ولون. ويُدخل المسرح بعض المستجدات المشهدية الواردة عن الفُرَج الأخرى ويمكن القول إن تنوع الفضاءات المسرحية والمباني المسرحية أصبحت واقعاً في أوروبا القرن العشرين لأسباب متنوعة.
تنظم خشبة المسرح للحصول على خدع الإضاءة، استخدام الشرائح المصورة (Loutherbourg, Daguerre--;-- Windsor)، التي تسمح بتغييرات سريعة للمشاهد واختيار أجزاء الخشبة عبر الإضاءة الأكثر قوة أو اللون المختلف، وكذلك الحصول على تصميمات أولى وحتى على تصميمات مفصلة، مثلما حدث مع التعبيرية؛ والتغيير السريع في السينوغرافيا يتم أيضاً عبر الخشبة المتعددة (لندن، 1781)، أو الدوارة ( Lautenschlager 1896)؛ ويتحول الجمهور من خشبة إلى أخرى ويتابع الحكاية بسهولة أكبر، في مقابل تغييرات مباشرة في حضور الجمهور ante oculos كانت تثير السرور في المسرح الإيطالي. وبعض هذه الأدوات التي يقدمها المهندسون المعماريون كانت معروفة في أشكال أخرى ووسائل أخرى في المسرح السابق: المنصة الدوارة استخدمت في المسرح اليوناني مع عربات أو مع آلات، وكانت معروفة في اليابان في مسرح كابوكي Kabuki.
كما تمت إعادة بناء مسارح قديمة مع تزويدها بتقنيات جديدة وإمكانيات حركة وتغيير مشهدي وملاءمتها مع الاحتياجات الجديدة. في عام 1850، في باريس، نشر كليمو كونتا Clément Contant وجوزيف فليبي Joseph Philippi كتاب " Parallele des principaux théatres modernes de l´Europe et des machines théatrales françaises" الذي تحول مبكراً إلى مرجعية لكل بناء مسرحي، إلى جانب المجلدات الثلاثة التي نشرها بين 1896 و1897 إ. و. ساتشاس E. O. Sachas تحت عنوان " Modern Opera House and Theatres¨. والوثائق المتعلقة بالمبنى المسرحي واسعة وصارمة ويمكن للمهندسين المعماريين أن يأخذوا في الاعتبار أشكالاً وحلولاً للفضاءات.
ويزمع "مسرح المهندسين المعماريين" أن يكون فضاءً تعبيرياً في حد ذاته، مع احترام المطلب الأدنى من الفضاء المشهدي الموزع على جزأين: واحد للفعل (الخشبة) والآخر للرؤية (القاعة). ونظراً لأن كل مبنى مسرحي لا يقام لعرض واحد، بل للكثير من العروض، فإنه يحتفظ دائماً بالتوتر الجدلي الحتمي بين فضاء مجهز وفضاء فارغ يجب أن يضم العديد من العروض. و"القاعة الفارغة" لأبيا Appia، و"سقف، أرض وحائطان" لكرايغ Craig؛ "الموائد الأربع" لكوبو Copeau، "الدكان الصغير أو مخزن الحبوب" لأرتو Artaud، أو "قاعة الاجتماع" للو كوربوزييه Le Corbusier، والأكثر قرباً بعد "الفضاء الفارغ" لبيتر بروك P. Brook، تنتمي إلى مفهوم الحدود الدنيا، التي تتضاعف المغايرات على أساسها، ويمكن أن تفهم النطاق المسرحي على أنه مواجه، أو متلف أو كفضاء وحيد فيه يتسلى الجمهور، يشارك أو يتفاعل مع الممثلين، أي المسرح والقاعة.
تتوالى عمليات التجريب، وتحتمي الاتجاهات في أصول مختلفة، تدمر وتشيد مبانٍ بطريقة مستمرة. ولا يزال يقال عن المسرح إنه في أزمة دائمة: أزمة مؤلفين، مخرجين، مهندسين معماريين؛ أزمة أعمال ومبانٍ، في توتر مع التمثيل. والتغييرات المختلفة، التجديدات، التعديلات، الإبداعات، كلها لها هدف واحد: جذب للمسرح مجتمع ابتعد عنه، بسبب منافسة وسائل فرجة أخرى، وربما بسبب إفساد طبيعة الفن الدرامي نفسه.

* أصل الدراسة بالإسبانية وهي لكارمن بوبيس نابيس الأستاذ في جامعة أوبييدو، إسبانيا، والترجمة لي.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور حركة الإستعراب الإسباني
- الكاتب الإسباني أنطونيو غالا: الأندلس تتملكني، فهي الهواء ال ...
- تأثير نوبل نجيب محفوظ على الترجمة من العربية إلى الإسبانية
- عالم الأندلسيات محمود مكي يترجل إلى الآخرة من بلاد الأندلس
- الغيطاني وجدلية المجرد والمحسوس في -متون الأهرام- *
- الشاعر رفائيل ألبرتي : تأثرت بالشعر العربي الاندلسي وغارثيا ...
- الإسلاميون والديمقراطية في مفترق طرق
- سورية في قلب أم الدنيا
- الرؤيا في شعر البياتي
- لا تجبروا جيش الشعب المصري على أن يكون فاعلاً على غرار جيوش ...
- أزمة اللغة في -المسرح الجديد- في إسبانيا
- مشاهد بعد معركة الإخوان المسلمين
- العرب بين الإنتحار واللهو بتطبيق الشريعة: مصر على شفا جَرف ه ...
- من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية
- التأليف الموسيقي في خدمة الصورة السينمائية (الخطاب الموسيقي ...
- توظيف وتطبيق العلامات المسرحية
- حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل
- مكان الطقس في سميوطيقة العرض
- السارد في المسرح
- سميولوجيا العمل الدرامي


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - نطاق خشبة المسرح بين التقليد والتجديد