أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فضيل التهامي - ثورة 25 يناير المصرية و الصراع العربي- الإسرائيلي















المزيد.....


ثورة 25 يناير المصرية و الصراع العربي- الإسرائيلي


فضيل التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 4160 - 2013 / 7 / 21 - 04:45
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    




لقد كانت نشأة إسرائيل بقرار أممي رفضه كل جيرانها الإقليميين سببا في أن يصبح محيطها
الجيوستراتيجي مصدرا مستمرا للتهديد في أغلب الفترات , و بالتالي أسست سياساتها الدفاعية وفقا
لتغيرات البيئة الإقليمية التي تنتمي إليها.
فقد تميزت المرحلة ما بين 1948 الى1979 بتحديات أمنية انبنت على عقيدة إزالة الدولة العبرية
من الوجود كحل نهائي للقضية الفلسطينية, و إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي . أما مرحلة
1979(تاريخ توقيع معاهدة السلام ) إلى2010 , فقد شهدت تغيرا في نوع التهديد و ارتفاع حدته
الذي أتى من كيانات غير دولاتية (حزب الله و منظمات التحرير الفلسطينية)
وبعد كل هده التحديات التي واجهتها إسرائيل , استطاعت إلى شيئا ما توسيع نطاق التطبيع مع
اغلب الدول العربية و الإسلامية بإقامة علاقات دبلوماسية عقب توقيع اتفاق اوسلوا سنة1993 ,
إلا أن هدا لم يمنع ظهور تحديات أمنية بالنسبة للدولة العبرية قادتها إلى حربين مع حزب الله في
2006 و حركة حماس في 2008 . دون أن ننسى الرغبة الإيرانية في محاولتها تحييد هدا الكيان من
خريطة الشرق الأوسط.
وفي الوقت التي كانت فيه اسرائيل و بتزكية من حليفها الاستراتيجي ( الولايات المتحدة الامريكية
) تسعى لتثبيت المشروع الصهيوني , و محاولتها القضاء على كل تحرك يسعى لبناء الدولة
الفلسطينية و تحقيق السلام في المنطقة (وقد اتضح هدا بعد تقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين
الى الأمم المتحدة وتهديد الولايات المتحدة باستعمال حق الفيتو), لينتفض الشارع العريي ضد أنظمته
التسلطية التي ساهمت بسياستها التطبيعية مع الكيان الصهيوني فى" التكالب"على القضية
الفلسطينية,سواء بشكل مباشر او غير مباشر.
ودحض كل الأطروحات القائلة بغياب الانسجام و الوحدة بين مكونات الشعوب العربية و الإسلامية,وصعوبة تحقيق المشروع النهضوي العربي و الإسلامي ,
و تجاوز السياسات الجزيئية التي أدكتها الدول الغربية و اسرائيل, لتتضح على ارض الواقع
هده الإمكانية بعد أن انتفضت الأقطار العربية مطالبة بالكرامة و العدالة الاجتماعية و انهاء الحكم
التسلطي.
فكل هده التطورات في الساحة العربية التي أفضت بتدحرج رؤوس الأنظمة تباعا ,أشرت على وجود
تغيرات جوهرية في السياسات المتبعة على المستوى الداخلي التي ستنعكس خارجيا خصوصا بعد
صعود اطراف سياسية عرفت بسياساتها الراديكالية, و مواقفها المتصلبة اتجاه الكيان الصهيوني,
ولهده الأسباب فان الثورة المصرية ستؤثر على اسرائيل بعد ظهور ملامح التغير في موازين القوى
في المنطقة, خصوصا أن الدولة العبرية تعي اهمية استمرار عملية السلام حتى وان اعتبروه باردا
" حسب قولهم".
وقد تجلى هدا التأثير مباشرة بعد انهيار نظام حسني مبارك حيث ارتبك البيت الاسرائيلى و تعرض
لزلزال عنيف رغم محاولتهم إخفاء دلك. ليجندوا كافة الوسائل و الاليات الرسمية و الغير الرسمية
لدراسة و فهم ما حصل و كيفية التعاطي معه من أجهزة المخابرات و مراكز الدراسات و الابحاث ذات
الصلة بمركز صنع القرار بإسرائيل.

فما هي تداعيات الثورة المصرية على الجانب الإسرائيلي؟وما هي انعكاساتها على القضية الفلسطينية؟
كافتراض اولي يمكن القول أن انهيار نظام حسني مبارك ، و نجاح الثورة المصرية ،وصعود قوى اسلامية راديكالية ، (الإخوان المسلمين و السلفيين) قد يفضي الى القضاء على الاهداف الإستراتيجية التي رسمتها اسرائيل بتزكية صهيوامريكية ، وتسهيلا من طرف الانظمة العربية المتهاوية ,و تضييق الخناق والعزلة على الكيان الصهيوني , إضافة الى تضييق هامش التحرك الاسرائيلى و الامريكي في المنطقة.
فهدة التداعيات و غيرها قد تنعكس إيجابا بإعطاء دفعة قوية للقضية الفليسطينبة بعد المساندة الغير المشروطة للشعب الفلسطيني الذي ظل مضطهدا في ظل النظام الإقليمي السابق خصوصا بعد الإحساس المتنامي بالمصير القومي المشترك التي أثبتته الشعوب العربية, فهده الدفعة للقضية الفلسطينية قد تتوج بالمصالحة الوطنية بين فتح و حماس وإعادة ترميم البيت الداخلي الفلسطيني.
ومن هنا يمكننا أن نطرح بعض الاسئلة الفرعية و محاولة الإجابة عليها في خطة بحثية موجزة:
1- ما هو موقف اسرائيل من الثورة المصرية؟
2- ما مدى تأثير هده الثورة على الجانب الاسرائيلي؟وما قدرتها على قلب التوازنات في المنطقة؟
3- ما هو مستقبل القضية الفلسطينية في ظل هدة الاوضاع؟
4- ماهي انعكاسات الثورة المصرية على القضية الفلسطينية؟
للإجابة عن هده الأسئلة سنحاول تقسيم هده المقالة الى محوريين اساسيين:نرصد في الأول تداعيات الثورة المصرية على الجانب الاسرائيلي،مبرزيين أهم المواقف الاسرائيلية ( الرسمية و الغير الرسمية ) اتجاه الثورة من جانب،و تجليات تأثيرها اتجاه الدولة العبرية من جانب أخر.
اما المحور الثاني سنعالج فيه انعكاسات الثورة المصرية على القضية الفلسطينية، مبرزين هده الانعكاسات على المستويات التالية: - معاهدة السلام ،المقاومة الفلسطينية ،الشعب الفلسطيني ،و السلطة الفلسطينية.
- .

1- تداعيات الثورة المصرية على الجانب الإسرائيلي.
1-1 المواقف الإسرائيلية اتجاه الثورة المصرية
تشكل مصر أهمية كبيرة في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي،ودلك راجع الى مكانتها الاستراتيجية، سواء في مرحلة الحرب مع اسرائيل ، او بعد توقيعها لمعاهدة السلام.وقد عززت مصر مكانتها كقوة كبيرة و متماسكة جعلتها قادرة على الصمود أمام الدولة العبرية،يتبوؤها مكانة متقدمة في ادارة الصراع في المنطقة.
ورغم توقيعها اتفاقية "كامب ديفيد"مع اسرائيل ،بقي الصراع محتدما على مجموعة من المستويات، ومن ضمنها الصراع على النفوذ الإقليمي في المنطقة، لتعتمد اسرائيل في إدارة هدا الصراع على عامل القوة لتهميش الدور المصري"الإقليمي و العربي "، و تضييق هامش التحرك عليها اتجاه قضايا الصراع ،وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وقد ساعد في تحقيق هده السياسة وجود حكم في مصر قائم على الفساد و الاستبداد.
وبعد أن انتقلت رياح التغيير من المحيط العربي و الاقليمي(الثورة التونسية) الى مصر،دخلت اسرائيل في أزمة سياسية،وحيرة إستراتيجية غير مسبوقة، بعد إخفاق كل أجهزتها الاستخباراتية في توقع اندلاع الاحتجاج،وما مدى توقع قوتها و اهدافها النهائية.وقد اتضح هدا جليا في تحذير رئيس الوزراء الاسرائيلي الغرب مغبة السماح بهزيمة مبارك،لأنها لا تخدم الغرب و اسرائيل حسب قول "نتانياهو".
وبعد سقوط نظام حسني مبارك،ظهر التخوف الاسرائيلي الحقيقى من الثورة ، والدي سيكمن أساسا في طبيعة النظام الذي سيتولى الأمور من بعد مبارك , بحيث خشيت أن يحدث ما حدث في ايران عام 1979 بعد تحقيق الثورة و خلق القطيعة مع اسرائيل،و الدخول معها في صراع طويل.وما يزيد الطين بلة أن إسرائيل فقدت خلال الاعوام الماضية الكثير من شعبيتها الدولية جراء سياساتها اتجاه الفلسطينين، و تأزم علاقاتها مع تركيا خلال الاعتداء الاسرائيلى على اسطول الحرية أتناء توجهه لفك الحصار في قطاع غزة.
وقد تأكد هدا التخوف الاسرائيلى بالملموس مباشرة بعد تصاعد الأحداث في مصر، على المستوى الرسمي (تصريحات المسؤوليتين الإسرائيليين) ،او المستوى الغبر الرسمي ( الصحف و مراكز الابحاث).
فرسميا ألقى "نتانياهو"كلمة أمام "الكنيست" الاسرائيلى عبر فيها عن تخوفه من تصاعد الأحداث في مصر، ومدى انعكاساتها على الداخل الفلسطيني ،كما عقد وزير الخارجية " ليبرمان "اجتماعا طارئا لبحث تداعيات تنحي مبارك عن السلطة، باعتبار أن هدا الوضع يهدد اتفاقية السلام و الاستقرار بالمنطقة، أما على الصعيد الأمني ،فقد أسرعت اسرائيل إلى إقامة جدار حدودي مع مصر، ونشر قواتها، وإعلانها حالة التأهب خوفا من تنفيذ عمليات في الداخل على خلفية التطورات المصرية. ليؤدي هدا الخوف الى خلق اضطرابات و اصطدام و مشادات داخل البيت الاسرائيلى بعد أن هاجمت ز1عيمة المعارضة "تسيفي ليفني" الحكومة واصفة اياها بالضعف،ووجود فراغ سلطوي داخلها لعدم نجاعة آلياتها الاستخبراتية لعدم توقعها لما حدث.
أما المواقف الغير الرسمية، فقد ظهرت من خلال التوافد الإعلامية- سواء المرئي ام المكتوب-، و تقارير لمراكز الابحاث و الدراسات ،فقد أعربت اغلب الصحف الصادرة عشية تنحي مبارك عن السلطة عن حدوث تغيير جدري في المنطقة ، فقد عنونت صحيفة هارتس: "زلزال في الشارع العربي "، لتضيف صحيفة يدعوت احرنوت: "شرق اوسط جديد"...
عموما فقد أجمعت تحليلات الصحف أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغيرات جذرية ، ليست في مصلحة اسرائيل و الولايات المتحدة، ولها تاثيرات وخيمة على الأوضاع الإستراتيجية للمنطقة برمتها، إضافة الى صدور أبحاث اسرائيلية اجمعت بدورها أن ما حصل هو كارثة ،فاجأت اسرائيل في المنطقة ، يمكن أن تقلب كل شىء رأسا على عقب في غضون الأيام المقبلة.
1-2 تجليات تأثير الثورة المصرية على إسرائيل
لقد أكدت الدوائر الرسمية و الغير الرسمية الاسرائيلية سواء المؤسسة الأمنية،و القادة،او الباحثون و الخبراء ،ان الثورة المصرية و التحولات التي تشهدها المنطقة العربية حتما ستؤثر على اسرائيل:وقد تشمل عدة مجالات،تأتي في مقدمتها مستقبل اتفاقية السلام،و طبيعة العلاقات الثنائية بين البلديين مستقبلا،و تأثيرات هده الأحداث على الوضع الاقتصادي و العسكري،و موازن القوى في المنطقة.
فبعد انهيار نظام حسني مبارك،سعت اسرائيل لدى الولايات المتحدة للحصول على موقف واضح من القاهرة إزاء اتفاقية السلام،فجاء الموقف المصري عبر تصريح المجلس الاعلى للقوات المسلحة الملكية بعد تسليمه مسؤولية إدارة الدولة.ليؤكد أن مصر ملتزمة بكل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها،لتتنفس اسرائيل الصعداء ،مؤكدة أن هده الاتفاقية تخدم البلديين و الاستقرار في المنطقة.
ورغم دلك عبرت مصر أنها لن تبقى خزانا استراتيجيا لإسرائيل كالعهد السابق،معبرة بان هده الاتفاقية ليست مقدسة بالشكل الذي يمكن أن تتصوره اسرائييل.اما الجانب العسكري فمن المتوقع أن الدولة العبرية ستعزز ترسانتها العسكرية،فقد أشار "غابي اسكناري" رئيس الأركان السابق:انه حان الوقت لبناء قوة عسكرية لمواجهة التطورات المحتملة،مؤكدا أن اسرائيل لا تحتاج فقط لأسلحة جوية ،و طائرات ف16 و م 16 ،بل تتطلب تكوين سلاحا بريا قويا،مضيفا بان ميزانية الدفاع في هده الظرفية تحتاج المزيد من الدعم و التقوية لمواجهة الأخطار المحتملة التي تهدد الأمن القومي الاسرائيلى،خصوصا بعد تزايد الإسلام السياسي(حسب قوله).
وفي نفس السياق أكد "افريام هاليفي "رئيس الموساد السابق،أن اسرائيل ستخوض مستقبلا معارك عديدة على العديد من الجبهات في آن واحد،وعلى الجيش الاسرائيلى ان يكون مستعدا على فتح حروب على أكثر من جبهة.

إضافة الى ما سبق،والى جانب هده المخاطر و التحديات التى اصبجت تواجه اسرائيل (حسب تصورها) تراجعت مكانتها الإستراتيجية بعد توقعات أظهرتها مراكز الابحاث ،وتراجع وضعها السياسى خصوصا فيما يتعلق بنجاعة الحكم ، وانتشار الفساد،و الاستقرار السياسي،حيث جاءت في مرتبة متأخرة ضمن قائمة منظمة التعاون و التنمية( المرتبة26 ضمن31 دولة ).
عموما فقد كان هناك إجماع في ردود الأفعال و التقديرات و المواقف الإسرائيلية –سواء الرسمية او الغير الرسمية –بوجود مكمن الخطورة في تطور الأوضاع المصرية استراتيجيا،إلا آن هده التجليات انبنت على مجموعة من المحددات حسب التصور الاسرائيلى:
_ المحدد الاول: السلام مع الجانب المصري الذي اعتبرته اسرائيل كنزا استراتيجيا،ساهم فيه نظام مبارك من خلال مواقفه المرنة اتجاه الدولة العبرية، ومنع ما أطلق عليه ب" الاستقرار في الشرق الاوسط "و محاربة " القوى المنطرفة" المثمتلة في الحركات الاسلامية،وإضعاف قوة حماس بعد تصدرها الانتخابات الفلسطينية عام
2006.
كما يمثل السلام مع مصر و الدول العربية(حسب التصور الاسرائيلى) قيمة سياسية و نفسية،أما العودة الى حالة الحرب و اللاسلم سيؤثر بشكل كبير على الأوضاع ،مما سيدفع الى تزايد التهديدات المتوسطة و البعيدة المدى التى تهدد بآمن وجودها .
_ المحدد الثاني: بعد صعود قوى الاسلام السياسي الى السلطة قد يعمل على تغيير معادلة المرور في قناة السويس،وخليج العقبة،و مضايق تيران،الشىء الذي سيؤثر على تجارة الدولة العبرية مع الشرق،وخاصة آن نحو ثلث واردات اسرائيل و صادرتها من الشرق واليه تمر عبر البحر الاحمر. ومن جهة اخرى تتخوف اسرائيل من منع عبور سفنها الحربية في قناة السويس التى استغلتها في الاعوام الماضية لمنع مرور الاسلحة الى قطاع غزة بمشاركة امريكية.
_ المحدد الثالث: ترجح اسرائيل، و بصفة كبيرة من تحسن العلاقات المصرية بحركة حماس،مما قد يفك الحصار على القطاع،و تعزيز مكانة هده الحركة عربيا و إقليميا،خصوصا بعد الدعم المتزايد لإيران اليها.كما تخوفت كداك الدولة العبرية من ما فد يحدث في حدودها مع مصر من تهريب السلاح الذي قد يقوض امنها القومي.
_ المحدد الرابع: لقد أدركت اسرائيل آن تأزم علاقاتها مع مصر قد تتخذ منحى تصاعدي،على مجموعة من المستويات،و خصوصا الجانب الاقتصادي،باعتبار آن مصر هي المزود الرئيسي بنحو 40 في المائة من الغاز التي تحتاجه اسرائيل.

عموما فقد بنت اسرائيل حساباتها بما يتيح لها قدرا من حماية امنها القومي،فكل ما تسعى اليه هو آن تسود في مصر ،و باقي الدول العربية و الاسلامية ظروف لا تنطوي على تغيير الوضع الراهن،لان مشروعها الصهيوني قائم اساسا على بث التجزئة و إضعاف القوى الاخرى.
فهدا التصور يتقاطع مع المشروع الامبريالي الغربي الذي يسعى بدوره إبقاء المنطقة ضعيفة و مفككة و متخلفة ماديا و معنويا و حضاريا لعدم خلق تهديد فعلى لاسرائيل،و خدمة المشروع الامبريالي في المنطقة .
2- انعكاسات الثورة المصرية على القضية الفلسطينية
بالرغم من أن ثورة مصر ما زالت في بداياتها، وأن صورتها ما زالت غامضة، ونتائجها لم تتضح بعد، وأن الأولوية التي يفكر فيها المجلس العسكري الأعلى ، في الوقت الراهن، ستركز نحو السياسة الداخلية لمصر وحفظ الأمن، وإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، ومجلسي الشعب والشورى، والاهتمام بالاقتصاد المصري المهدد بالانهيار، وأن السياسة الخارجية لمصر ، ستنحصر في التريت الى حين اكتمال معالم الاستقرار الداخلي، إلا أن القضية الفلسطينية ستكون أول المتأثرين بالثورة المصرية، ، التي يتوقع أن تشهد تغييرا حقيقيا بعد الثورة، ولكن بشكل وبطيء نسبيا. وانطلاقا من هنا يمكننا حصر تداعيات الثورة المصرية على القضية الفلسطينية في عدد من القضايا التي كان لمصر دور بارز فيها في مرحلة حكم مبارك:
- معاهدة السلام المصرية- الاسرائيلية (كامب ديفيد):
بعد انهيار نظام مبارك ،من الأكيد أن نلاحظ تغيرات في السياسة الخارجية المصرية وبما يتوقع من تغير في الوقائع السياسية و العسكرية على ارض الواقع،سيكون انعكاس على القضية الفلسطينية: وقد لاحظنا ملامح هدا التغير
من خلال تصريح نبيل العربي:"نحن وقعنا المعاهدة مع (إسرائيل) ويجب الالتزام بها ولكن لابد من الحسم في بعض القضايا التي لم تلتزم بها (إسرائيل) بدقة مثل البند الذي يقول: لابد من أن تلتزم (إسرائيل) بالسلام مع الدول الراغبة فيه، وذلك لم يحدث مع فلسطين التي وافقت على السلام مع الجانب "الإسرائيلي"، ومطلوب إنهاء "النزاع" بين فلسطين و(إسرائيل) وليس إدارة "النزاع"، وتركيز الجهود وفي أقرب فرصة لتسوية "النزاع" وذلك لصالح (إسرائيل) وفلسطين والعالم كله، ونحن لن نكون كنزاً استراتيجياً لـ(إسرائيل) كما كانوا يقولون على عهد مبارك، نحن سنلتزم فقط بالتعاهدات".
وانطلاقا من هده التصريحات يتضح ان اتفاقية السلام المبرمة بين اسرائيل ومصر لن تبقى على الشاكلة التي كانت عليها في السابق،إضافة إلى أن مصيرها لن ينتهي بسرعة مطلقة.،لكنها ستشهد تغيرا ملحوظا في الايام المقبلة.
_ المقاومة الفلسطينية:
إن التغيرات التي تشهدها مصر في الوقت الراهن ،حتما ستؤثر ايجابيا على المقاومة الفلسطينية ،خاصة بعد صعود المعارضة الإسلامية،وهي قوى معروفة بدعمها للمقاومة الفلسطينية،و رفضها للمفاوضات وفق الصيغة التي كانت تتم عليها من قبل،حيث ما زالت هده الحركات الاسلامية ترفض اتفاقية "كامب ديفيد "،ومن المنتظر دعم هدا الملف "ملف المقاومة "بشكل كبير خصوصا بعد وصولها الى السلطة،و التي ستساهم في إخراج مصر بما يعرف بمحور الاعتدال العربي،الى محور جديد قد يغير التوازنات في المنطقة لصالح المقاومة ،و القضية الفلسطينية بشكل عام.
- انعكاسات الثورة المصرية على الشعب الفليسطيني و حركته الوطنية:
لقد أثرت الثورة المصرية سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة على الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، باعتبار أن تغير الاوضاع في مصر هو الذي سيقف في إصرار السلطة الفلسطينية على رفع سقفها التفاوضي مع الجانب الاسرائيلى ،و طرح القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة ،اضافة الى أن ظهور مؤشرات توحي على تغير السياسة الخارجية المصرية اتجاه القضية الفلسطينية سيشجع السلطة الفلسطينية على تحديها و عدم انصياعها للضغوطات الموجهة ضدها من طرف القو ى المعادية للفلسطينيين.
وفي نفس السياق يمكن القول أن الثورة المصرية حررت السلطتين "فتح و حماس " من الاشتراطات المصرية السابقة المتعلقة بعقد المصالحة بينهما ،كما حررت ايضا الحركات و الفصائل الفلسطينية من علاقات الارتهان و الاملاءات لبعض الانظمة العربية و الاجنبية،مما سيدفع و يشجع الشعب الفلسطيني على التحول من خيار التسوية في دولة على جزء من فليسطين ( الضفة و القطاع ) نحو خيارات اخرى بديلة من قبيل استعادة مشروع " الدولة الفلسطينية الموحدة و عاصمتها القدس الشريف" التي تتعايش فيها كل الديانات و القوميات في سلم و سلام.

_تداعيات الثورة المصرية على السلطة الفلسطينية: فقد جاءت الثورة المصرية متزامنة مع نشر قناة الجزيرة للوثائق المتعلقة بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، وعلى رأسها ، ملفات اللاجئين والتنسيق الأمني ، فالثورة المصرية قد تتمخض عن جملة من التداعيات قد تعطي بعض العبر و الدروس للفلسطينيين،ك:
- تعزيز مفهوم النضال الشعبي من أجل التحرر والتغيير كسنوات الانتفاضة الأولى، 1987-1993.
- تعزيز أسس النضال الوطني وترسيخ واقع التعددية والحياة الديمقراطية والعمل لإنهاء واقع الانقسام والتفرقة والتوقف عن استمرار الارتهان لعملية التسوية مع إسرائيل.
-الثورة المصرية يمكن أن تتيح للفلسطينيين التحول نحو خيار الدولة الواحدة "ثنائية القومية" أو دولة كل المواطنين يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب، خاصة وأن الثورات العربية اثبت أنه ليس ثمة مستحيل لتعايش القوميات و الديانات..
- استعادة مصر لدورها الإقليمي والقومي في المنطقة سيمنع من تشجيع الانقسام والتفكك على الساحة الفلسطينية و رفع الحصار على قطاع غزة.

.
خلاصة:

يمكننا أن نستخلص مما سبق أن التحولات السياسية في العالم العربي و مصر خصوصا سيفضي الى تغير في ملامح النظام الاقليمي العربي ،بصعود المجتمعات العربية الى مسرح السياسة و التاريخ ،مما سيدفع هدا النظام لان يكون اكثر قوة واكثر حساسية إزاء التحديات الخارجية التى تواجهه لاسيما نحو اسرائيل،خصوصا بعد صعود المعارضة الاسلامية الى السلطة وظهور ملامح تغير السياسة الخارجية لمصر، مما سينعكس ايجابا على القضية الفلسطينية الذي تعامل معها النظام السابق بشكل يخدم الاجندة الامريكية و حليفها الاستراتيجي "" اسرائيل ".
لكن هدا التغير المنتظر من االجانب المصري قد تحكمه اولويات اخرى كتحقيق الامن الداخلى ،و النهوض بالاوضاع الاقتصادية للتعافى من اضرار و مخلافات الثورة .
فعموما و رغم كل التحديات الداخلية التي تواجه مصر إلا أن تعاطيها مع القضية الفلسطينية لن يكون كالسابق،ولن تخدم أهداف اسرائيل الاستراتيجية ،بل قد تتحول للضغط عليها و تقزيم تحركاتها في المنطقة، الشىء الذي سيدفع بالبيت الفلسطيني الى الترميم و تحقيق المصالحة،و رسم استراتيجية للمقاومة و تحرير الارض، و قيام دولة فلسطين، عاصمتها القدس الشريف.


المراجع المعتمدة:
1- جورج قرم ,انفجار المشرق العربي:من تاميم قناة السويس الى غزو العراق(1956-2006), ترحمة محمد علي مقلد , دار الفرابي الطبعة الاولى 2006.
2- محمود معاد عجور, قلق في تل ابيب ,مجلة السياسة الدولية,عدد184 , ابريل 2011 .
3- توفيق المديني, ربيع الثورات الديمقراطية العربية,مجلة المستقبل العربي, عدد 386 .
4- حسن البراري , اسرائيل على الخريطة الجديدة للشرق الاوسط , مجلة السياسة الدولية ( ملحق تحولات استراتيجية ), العدد184 , ابريل 2011.
5- محسن محمد صالح, السلوك الاسرائيلي اتجاه الثورات العربية,مجلة شؤون الاوسط ,عدد 138 , ربيع 2011 .
6- اثر التغيرات في البلاد العربية على القضية الفلسطينية, تقرير استراتيجي صادر عن مركز الزيتونة للدراسات و الاستشارات ، ابريل 2011 .
7- محمود محارب ,اسرائيل و الثورة المصرية , سلسلة تقييم حالة,المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات (معهد الدوحة) 2011.
8- إبراهيم عبد الكريم’ خيري عمر ,مروان الاسمر ,ثورة 25 يناير المصرية .تقرير صادر عن مركزدراسات الشرق الاوسط الاردن, ابريل 2011.
9- احمد يوسف احمد و نفين مسعد , حال الامة العربية: رياح التغيير (خلاصة التقرير الصادر عن مركز الدراسات الوحدة العربية) , مجلة المستقبل العربي , عدد 389 .
10- ماجد كيلاني،الثورات العربية الشعبية و تاتيراتها على القصية الفلسطينية ،مجلة شؤون عربية العدد 147 ،خريف 2011
-11 ندوة " تداعيات الثورة المصرية على القضية الفلسطينية" عقدت بمركز الحوار العربي
- 12 حسين ابو النمل ، تداعيات الثورة المصرية فليسطينيا ، مجلة شؤون الاوسط ، عدد 138 ،ربيع 2012.

-
فضيل التهامي
باحث في القانون الدولي العام و العلوم السياسية
المغرب



#فضيل_التهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين ميكيافليي و ماركس -القيمة الفردية العليا -
- الرؤى الغربية اتجاه الصراع العربي – الاسرائيلي ( القدس تحديد ...
- ملاحظات حول حركة تمرد المغربية
- إيران و الأمن القومي العربي.
- موقف الحسن الثاني من عدم تنفيذ اتفاقية تسوية الحدود المغربية ...
- حركات الإسلام السياسي : بين الصعود و السقوط


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فضيل التهامي - ثورة 25 يناير المصرية و الصراع العربي- الإسرائيلي