|
المحضر
بشرى البستاني
الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 14:21
المحور:
الادب والفن
المَحضَر بشرى البستاني ** قالت له .. أتعبتك كثيرا ، ليتك تقول لي يوما : لا أستطيع لأطمئن .. أجابها بهدوء ، لن أقول لكِ : لا أستطيع أبدا ..
شعرت بضربة نُبل مفاجئة ، كانت واقفة فجلست ، أحست أنه غمرها بكل فروسية أجداده ، لم تجد ما تقول . هذا رجل غريب يرفض أن يعطي نفسه ، وهي امرأة أغرب ، لأنها لا تريد أن تعرف ليبقى السر وامضا ، هو رجل لا نهاية لرجولة طفولته ، ولا حدود لشهامة التناقضات المُشعّة التي يرسم بها أجوبته لها وسلوكه معها ، وهي في غيابه تتلاطم بخضمِّ حضوره فيها ، حتى تعلمت منه غضَّ البصر عن تفاصيل كانت مولعة بها ، وعن أسئلة لا يسألها فيشعل في روحها غيظا من عبير ، ويدعها في غيبوبة أرجوانية أجمل من كل صحوة. حينما انتهت المكالمة أمسكت رأسها ومسحت عنقود دمع . الدمعة مثل الكلمة تطهرنا ، تطفئ شيئا ما في الداخل .. اجتاحتها رغبة طفولية ، أن تمرغ دمعها بقميص طفولته المبتلّ بأحلامها الغامضة ، بكذبة واحدة تتمنى لو تركها على سمرة ضفائرها ، لكنها لا تحتاج لكذبه ، فصدق أصابعه أبلغ البراهين .. لا تعرف ماذا يبكيها ، كل ما تعرفه أن روحها معه تتسع أكثر ، ويكبر قلبها، وبصير لصوته أناملُ تفتح أزرارَ حلمها الأزرق ، وأجنحةٌ تسامح بها بلادة الأيام ، وعقم البشر الذين مروا بها وعرفت ما تيسر من غبائهم ، لتشعر أنها تتشكل من جديد نبضة فنبضة ، وناياً فناي . كل ما تعرفه انه علمها كيف تقول قولها هي ، لا قولهم هم ، وأن تنتزع ابتسامته من شهقة المحن لتلفه بحنو حريرها الأبيض.
حينما انتهت المكالمة غفت بقلادتها وخواتمها وأسورتها التي لا تستطيع بها النوم ، غفت خوفا من إطلاق نوبة صراخ اجتاحتها . الكل يذهب ويعود ، والكل يذهب ولا يعود ، وهو يتربع عرش ليلها ولا يذهب . ينهض في مراياها ويلتف بأغطيتها الوردية ، ويشاركها قهوة الصباح .
بدأ الإنسان بالخوف يوم اكتشف أن الزمن ليس دائريا ، آه ، إلى أين سيذهبُ بها هذا الزمن الخطيُّ إلهي . المتصوفة أنقذوها بتقطع الزمن وانفصاله ، لكنها لا تريد لهذه اللحظة أن تنفصل . إنها الوهج المشرق في غُصَّة فذة ، وهي لوعة لا تهدأ إلا لتستعر ، إنها عذاب نعيم مقيم تتفيأ قسوته وحنوه وتصحو في قيلولته.
- ذكريني لو نسيتُ شيئا .. وهو يدرك جيدا أنها لن تذكره إلا بشيء واحد .. هو أنها تنتظره . هو يعرف أنها لا تأبهُ بالأحداث والوقائع ، ولا بترتيب الزمن أو تكسيره وتداخله ، وأنها توارب معه حين تدَّعي السرد ؛ لأنها منهمكة بالشعرية وزمنيتها المربكة ، وهي من زمن ترتب طروق البرق بعد ما طال الكرى ، تفتح الليل لما يجب ان يكون ، للحرية وإشراق كينونته على عتمة روحها ولهفة ستائرها ، ووحشة أوراقها . تتحدى به الزمن ، وبحضوره تنتزع أنين الغيم ودموع الوسائد لتقذفها على ظهر شُرفة يتيمة ..
في الليل تدعوه ليجوبا المدن وسط الرصاص والشظايا وأصوات متفجرات لا تعرف من أين يأتون بها لقتل أهليهم ، وتحت الأعمدة يقفان لا لإشعال الحرائق ، بل لإشعال قناديل الكون حتى يُلقى عليهما القبضُ من مجهولين .
- قال الحاكم : ألا تعرفان أن التجوال ممنوع ..؟ - تجيب السيدة : نعم ، نعرف. - ما سبب وجودكما على الأرصفة إذاً ، وفي الليل ..؟ - لأنا محكومان بالنهار فقط ، فالنهار فضاء ما هو كائن ، أما الليل ففضاء ما يجب أن يكون ، وما يجب أن يكون هو ... خلاصنا.
- قال : كلامك غامض ، دعي الرجل يتكلم . - قال الرجل ، كلامها واضح ، ليس لديَّ ما أضيف. - قال : لا بد من ابتكار تهمة لسجنكما ، فابتكراها معا . - نظر كلاهما بوجه الأخر ، ونطقا معا دون حوار : الحرية . - هزَّ الحاكم رأسه موافقا ، وأقفل المحضر .
#بشرى_البستاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صمتك المرتابُ بما لا أدري
-
قلت للقصيدة تألقي ، قالت ، والرصاص ..؟
-
الشاعرة لم تمت بالرصاص
-
المواقف
-
وأرى نخلاً جنوبيا يعدو
-
شعر معد الجبوري ، عنفوان التجربة وتوهج الصحارى
-
شعر طالب عبد العزيز ، واللعبة الماهرة
-
الحب وإشكالية الوجود ..
-
قراءات
-
ضحايا غزة ... وحقوق الإنسان
-
واقع الثقافة العراقية ، إلى أين ..؟؟
-
كارثة الإبداع العراقي ، ومنافيه ... إلى متى ..؟
-
شعرية الأنوثة وقصيدة الجسد
-
الإشارات
-
بهاء الحب وإشكالية الغياب في مجموعة - قصائد حب على جدار آشور
...
-
نقوش الحب والجسد ، قراءة في مجموعة - أبشرك بي - لانتصار سليم
...
-
قصيدة القدس
-
في الغياب أتعثر بأنوارك
-
فتنة
-
رجاءات
المزيد.....
-
من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
-
وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
-
بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
-
دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
-
“أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع
...
-
علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي
...
-
استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق
...
-
-انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
-
فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
-
قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد
...
المزيد.....
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|