أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - صواريخ أرب أيدول














المزيد.....

صواريخ أرب أيدول


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4072 - 2013 / 4 / 24 - 11:25
المحور: المجتمع المدني
    


للفلسطينيين مع الاحتلال الإسرائيلي قصة كفاح طويلة ومريرة؛ تعددت أشكالها وصورها ومحطاتها .. وإلى الآن لا يبدو في الأفق القريب نهاية عاجلة لها. وفي كتابه "حياة غير آمنة" يصف "شفيق الغبرا" تجربة الفدائيين الفلسطينيين في لبنان، ويقول: "تعلمنا من اللبنانيين الإقبال على الحياة في أحلك الظروف، وهم تعلموا منا فكرة تقبل الموت والتعايش معه" .. وبالرغم من طول التجربة الفلسطينية في الكفاح الوطني وتنوعها وثرائها، إلا أن البعض يصر على اختزالها في قالب واحد، مع حرص غريب على إظهارها بصورة قاتمة، لا يظهر منها إلا قصص الشهداء والأسرى والمواجهات الدامية، ومصادرة أشكال الكفاح الأخرى بتجلياته وعبقريته المذهلة، وتغييب أنماط المقاومة والصمود، التي تفيض بمظاهر الحياة الطبيعية، وتزخر بالمعاني الإنسانية والحضارية.

فكما قدَّم الفلسطيني مآثر خالدة في الفداء والبطولة والتضحية، سالت فيها دماء غزيرة؛ إلا أن الحالات النضالية التي ارتبطت بالفن والثقافة والإبداع الإنساني كانت الأشهر والأطول تأثيرا، وفي هذا السياق تقوم بعض المنظمات والأندية الأهلية بين فترة وأخرى بتنظيم مهرجانات غنائية، أو استضافة فرق فنية عالمية، أو إقامة فعاليات ثقافية وفنية ورياضية متعددة، مثل مهرجان الرقص المعاصر، وغير ذلك .. مثل هذه الأنشطة تعترض عليها أحياناً بعض القوى الوطنية (بما فيها قوى يسارية) بحجة احترام دماء الشهداء ومعاناة الأسرى .. وفي أغلب المرات تجابَه بسيل من الانتقادات الحادة من قبل قوى إسلاموية وتقليدية، التي تصفها بالخلاعة والفسق والمجون، وتتهمها بنشر الرذيلة.

فإذا اعتبرنا أن الموسيقى والرقص والغناء هي نوع من الاحتفال بالحياة، وتعبيراً عن الإقبال عليها بابتهاج، وإعلاءً لقيمة الفن والجمال والحب .. فإن رفضها هو رفض للحياة الطبيعية، وتعميم لثقافة الموت، ونشر للهمّ والغم والأحزان ... ونحن هنا أمام نوعين من الرفض: الأول يرفض أي نوع من الاحتفالات والمهرجانات الفنية في أوقات وظروف معينة لاعتبارات وطنية، لكنه يقبلها في ظروف وحالات أخرى. أما الثاني فيرفضها بصورة مطلقة، وفي كل الظروف لاعتبارات أخلاقية وأيديولوجية، بحجة أنها تشيع الفاحشة.

لسنوات طويلة في الانتفاضة الأولى، حظرت القوات الضاربة على الناس إقامة الحفلات، بما في ذلك حفلات الأعراس. اليوم، يمكننا طرح السؤال عن مدى نجاعة وصوابية مثل هذا النهج، وقياس أثره على الأجيال، وهل يتعارض الفن والفرح مع النضال المباشر مع الاحتلال ؟! وهل تقديم التضحيات يعني بالضرورة أن يترافق معها الأحزان، وأن تُفرض هذه الأحزان على كل المجتمع ؟!
عندما برز الفنان الفلسطيني الموهوب "محمد عساف" في برنامج "أرب أيدول" ظهرت أصوات عديدة تنتقده بحدة، بل وتنتقد كل من يشجعه أو يصوت لصالحه، وتقارن بينه وبين الأسير المضرب عن الطعام منذ أشهر طويلة "سامر العيساوي" !

"سامر العيساوي" بطل فلسطيني صنع معجزة، ولا أحد يختلف على ذلك، وهناك إجماع شعبي ورسمي على دعمه ومساندته .. لكنه ليس الحالة النضالية الوحيدة في فلسطين .. العيساوي مثل الكثير من الجروح النازفة في الجسد الفلسطيني .. التي تكشف عن عجزنا جميعا، وأحيانا تفضح ضعفنا وجهلنا .. لكن البعض يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة، ويصر على تبرئة ذاته باتهام الآخرين.
"العيساوي" يناضل بصبر وشجاعة نادرة من أجل حريته، و"عساف" يغني من أجل الحرية .. كلاهما بطل ولكن بطرق مختلفة. وما عملية المقارنة بينهما إلا نوع من المزايدة، أو سوء في الفهم، ناجم عن عمليات خلط مفتعلة لتؤدي أدوارا سياسية غير بريئة. من يشجع "عساف" أو يصوّت لدعمه لا يمكن أن يكون عائقا أمام تحرير "العيساوي".

من ناحية ثانية، فإن لتوقيت الهجوم على "عساف" دلالات أخرى؛ إذْ يأتي في الوقت الذي تنفذ فيه حكومة حماس في غزة حملة على الشبان بشكل خاص، تستهدف إلزامهم بقَصة شعر معينة، ومنع ارتدائهم البنطلونات "الساحلة"، إلى غير ذلك من محددات (أخلاقية) تريد حماس أن تفرضها على المجتمع، بينما يطل علينا الشاب "عساف" بقصة شعر ومظهر عصري لا تقبل به شرطة حماس. ما يعني أن تألق "عساف"
ونجاحه المبهر سيضع الكثير من علامات الإستفهام والتشكيك بحملة حماس على شباب غزة، وسيظهر للعالم أن أولويات حماس واهتماماتها "الشكلية" ليست ضمن المسار الصحيح.

صحيح أن الفن (الملتزم) اقترن بالثورة الفلسطينية منذ بداياتها، وأدى أدوارا وطنية لا تقل أهمية عن البندقية والكلمة والمظاهرة .. لكن الفن بصورة عامة هو التزام بقضايا الإنسان ومشاكله واحتياجاته العاطفية والنفسية. وصحيح أيضاً أن الفنان "عساف" غنّى للكوفية وللوطن والأسرى والشهداء .. لكنه بقدر ما هو مناضل هو أيضا فنان، وقبل ذلك كله هو إنسان، يغني للفن والجمال والحياة .. ليبث الأمل في قلوب الناس، ويزيل عنها طبقات الصدأ والتكلس .. وحتى عندما غنى لفلسطين، غنى بفرح وحبور .. وأطل على العالم بابتسامته المشرقة، ليقول لهم بصوته الشجي أن شعب فلسطين أناس عاديون .. بشر طبيعيون .. وأن قصة كفاحهم الملحمية فيها فصول من الحب والبهجة والاحتفاء بالحياة.

الموسيقى التي يصدح بها "عساف" (وكل زملائه الرائعين) هي صوت المحبة والتواصل والتقارب بين المجتمعات العربية وفق الهوية الإنسانية .. بل هي لغة العالم التي لا تعترف بالحدود السياسية، ولا بالفروقات بين البشر على أسس عرقية وإثنية، وهي التي تنقّي القلوب من أدران الكراهية والعنصرية والشوفينية، وتخلصها من شحنات الغضب والكبت.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة بحق سلام فياض
- باسم يوسف .. ظاهرة إعلامية خطيرة
- أبو تغريد .. صيحة الاحتجاج الأخيرة
- لو لم تكن السوريات جميلات ؟!
- مئويات .. خرائط .. ومخططات
- تحولات الزمن
- هل المرأة ضحية للتحرش الجنسي ؟
- الثقافة الوطنية في مواجهة الحركات السلفية
- موقف حماس والحركات السلفية من الثقافة والجمال
- أمريكا اللاتينية .. نماذج فريدة من الزعامة
- اقتراح بشأن عيد الحب
- لماذا أخفقت الثورة الفلسطينية !؟ مراجعة شاملة مختصرة
- الحرب في مالي .. هل هي حرب على الإسلام ؟!
- باجس أبو عطوان .. فدائي من الزمن الجميل
- دار الحنان .. (اللي بالعطيفية)
- حروب غبية
- كيف يفكر العقل السياسي العربي ؟!
- وصف مختصر لمشهد مكثف
- في مفهوم توازن الرعب .. بين الفلسطينيين والإسرائيليين
- الحرب على غزة .. هزيمة أم نصر ؟


المزيد.....




- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...
- صحيفتان بريطانيتان: قانون ترحيل اللاجئين لرواندا سيئ وفظيع
- قبالة جربة.. تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الغني سلامه - صواريخ أرب أيدول