أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الغني سلامه - تحولات الزمن














المزيد.....

تحولات الزمن


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 12:36
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في الأزمنة السحيقة كان تاريخ البشرية بأكمله يُقرأ كوحدة واحدة، ويقاس بالعصور، وكانت تمر على المجتمعات الإنسانية قرونا كاملة دون أن يطرأ عليها تغييراً يُذكر، ومع تزايد عدد البشر وانتشارهم في أصقاع مختلفة من الأرض، صار لكل منطقة ما تاريخها الخاص بها، وصار المقياس الزمني أقصر قليلا، وهكذا، ومع كل تطور كانت تحرزه الإنسانية صار التاريخ يأخذ منحى أكثر تخصصا، والوحدة الزمنية تقصُر، وتحتمل أحداثا أكثر وأهم. أي أنه جرى تكثيف للوحدة الزمنية التي تفصل كل تاريخ عن آخر. فبعد أن كانت بالقرون صارت بالأيام، وأحيانا بالساعات، فما كانت البشرية تحتاج مئات السنين لتنجزه صارت تنجزه بأسابيع قليلة، وما كانت تحتاج لإتمامه سنوات، صارت تتمه على أكمل بوجه في غضون ساعات أو ربما دقائق.

وقبل قرن من الزمان أو أكثر قليلا، كان لأشياء بسيطة قدرة مدهشة على إنتاج أحداث ضخمة؛ مثلا كان يكفي كتابة مقال صحافي للتسبب بمجزرة، أو نشر كتاب لإنشاء دولة، أو عقد مؤتمر لتأسيس حزب تاريخي، أو إذاعة خبر لتحريك شعب بأكمله، أو تصريح زعيم لإشعال حرب .. وهناك أمثلة حقيقية على كل ما تقدم ذكره، قد لا يتسع المجال لذكرها هنا.

اليوم اختلف الوضع كثيرا؛ فمع الانتشار الهائل لوسائل الإعلام، ومع وجود آلاف الصحف والمجلات وقنوات التلفزيون التي تنشر في كل ساعة مئات الأخبار والتقارير، ومع ملاين الكتب والمقالات والأبحاث التي تتناول شتى المواضيع .. صارت تلك الأشياء الصغيرة بحاجة لجرعات مضاعفة عشرات المرات حتى تمتلك قدرتها على التحريك والفعل.

وهذا يحمل في ثناياه جوانب سلبية خطيرة، حيث جرى غياب وتغييب عشرات النداءات والأصوات النبيلة والتضحيات الإنسانية التي كان من الممكن لها أن تنقذ كوكبنا من جهل أبناءه، ومن شرورهم. وأيضا بسبب ضخامة الأحداث وكثرتها وتسارعها وتنوعها، وقدرة الميديا المذهلة على توجيه دفة اهتمامات العالم، بالتركيز على قضايا معينة وتغييب أخرى، صارت قضية بحجم القضية الفلسطينية تتوارى أحيانا خلف أحداث صغيرة ومفتعلة. أما الجوانب الإيجابية في هذا التغير التاريخي فتتمثل في تقليص قدرة تلك الأشياء الصغيرة التي كانت تديرها "أيدي خفية" على إنتاج الشر، سيّما مع تنامي حالة من الوعي والتنبه لدى شعوب العالم.

وفي العصور الغابرة أيضاً، كان "الإمبراطور" يحكم بلادا شاسعة تزيد مساحتها (أو تقل قليلا) عن مساحة عشر دول حالية، وكان لديه جيش عرمرم، وحاشية من الوزراء والندماء والمتملقين، ويسكن في أضخم القصور وأفخمها، مع مئات العبيد والجواري والخدم والحراس، يأمر فُيجاب على الفور .. وكان يظن نفسه يملك الدنيا بكل متعها وأُنسها وكنوزها ونعيمها وخيراتها.

اليوم، أي إنسان عادي، يسكن في بلدة عادية وفي منزل متواضع، لديه من متع الدنيا وأسباب الراحة والسرور ما يفوق أضعاف ما كان يملكه ذلك الإمبراطور .. لديه الماء البارد يشربه في قيظ الصيف، ويأتيه دافئا في صنبور ينزل على جسده فينعشه في عز البرد، وبكبسة زر يأتيه الهواء العليل والضوء الساطع، ومن هاتفه النقال يتصل مع صديق له يستجم في القطب الشمالي، ويرى ويسمع حركة التماسيح في أدغال الأمازون، وعش نسر في جبال الأنديز، وحديث الرئيس الأمريكي مع زوجته في البيت الأبيض، وفي الشارع المجاور له يتسوق من أشياء لم يتوقع ذلك الإمبراطور أنها ستكون موجودة في يوم من الأيام، وسيأكل أشهى الأطعمة من كل مطابخ الشعوب، وسيشرب ما لا حصر له من أنواع المشروبات، وسيسافر إلى الصين محمولا على جناحي طائرة، في مقعد وثير، وسيطرب على صوت فيروز، ويسهر مع أفلام هوليود .. فكل هذه المتع وأسباب الراحة كانت لا تتوفر للإمبراطور، فكيف كان حال الناس العاديين، أو الفقراء المعدمين !؟

في المستقبل القريب (والبعيد) ستطرأ تغيرات أخرى مثيرة على سكان الأرض وأنماط حياتهم، من العبث نفي إمكانية وقوعها رغم استحالة ذلك الآن، فكما صار الآي باد والآي فون وغيرها المخترعات من صميم حياتنا الراهنة، بعد أن كانت رجما بالغيب قبل سنوات قليلة، سيشهد العالم أشياء جديدة ومختلفة لا يمكن لنا أن نتخيلها اليوم.

وفي كل هذه التحولات، قديما وحديثا ومستقبلا، عاش (وسيعيش) كثير من البشر أشقياء معذبين حائرين، وآخرين فرحين سعداء .. فللإنسان قدرة هائلة على التكيف مع كل الظروف .. وما عليه إلا أن يختار لنفسه ما يريد ..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل المرأة ضحية للتحرش الجنسي ؟
- الثقافة الوطنية في مواجهة الحركات السلفية
- موقف حماس والحركات السلفية من الثقافة والجمال
- أمريكا اللاتينية .. نماذج فريدة من الزعامة
- اقتراح بشأن عيد الحب
- لماذا أخفقت الثورة الفلسطينية !؟ مراجعة شاملة مختصرة
- الحرب في مالي .. هل هي حرب على الإسلام ؟!
- باجس أبو عطوان .. فدائي من الزمن الجميل
- دار الحنان .. (اللي بالعطيفية)
- حروب غبية
- كيف يفكر العقل السياسي العربي ؟!
- وصف مختصر لمشهد مكثف
- في مفهوم توازن الرعب .. بين الفلسطينيين والإسرائيليين
- الحرب على غزة .. هزيمة أم نصر ؟
- الحرب على غزة .. قراءة من زوايا مختلفة .. الجزء 1
- كانَ وجْهُكِ ضَاحِكَ القَسَماتِ .. طَلْقُ .. ثم تغير المشهد ...
- كلمة للرئيس أبو مازن .. أرجوك إبق مصمما على موقفك
- الأطفال المجندون .. لا يعرفون العيد
- يكفي يا هنية - على هامش زيارة أمير قطر لغزة
- تجنيد الأطفال في إسرائيل


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الغني سلامه - تحولات الزمن