أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - انفجار .. فجأة .. صدفة .. تطوّر















المزيد.....

انفجار .. فجأة .. صدفة .. تطوّر


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 4071 - 2013 / 4 / 23 - 22:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هذه هي الخطوات الأولى لوجودنا في هذا العالم، بل ولوجود العالم نفسه، وكل خطوة لها تفسيرها العلمي المقبول في المجتمع العلمي العالمي، ولعلَّنا في انتظار اكتشاف خطوات أخرى سابقة أو لاحقة لهذه الخطوات الثلاث، وليس في وسعنا عمل شيء سوى انتظار ما قد يستجد إن لم يكن لنا أن نسهم في إحدات هذه المستجدات المتوقعة. ومن المؤسف فعلًا أننا لا نساهم فعليًا في أيّ منجز علمي مُفيد للبشرية، ونكتفي بانتظار ما يُنتجه الآخرون؛ فنظل نتجادل حوله كالبلهاء، إمَّا بادعاء أنَّ هذه الإنجازات معروفة ومذكورة في كتبنا المُقدسة، أو بأنَّ هذه الإنجازات غير صحيحة بالمُطلق أو سخيفة وعديمة الجدوى، رغم أنَّ أي إنجاز علمي يكون قد استغرق سنوات من البحث المضني والجاد، حتى يظهر إلى الوجود. ومن المؤسف أكثر، أن يتصوّر أحدنا أنَّه بإمكانه إسقاط أو إنكار إنجاز علمي بمجرّد مقالٍ هنا أو هناك، أو لأنَّه فقط لا يروق له، أو حتى لأنَّه يطعن في مُعتقداته التي تربى عليها، وتلقنها منذ صغره. في البدء يجب علينا أن نعرف أنَّ النظريات العلمية لا يتم نشرها وتدويلها إلا بعد فحصها واختبارها من قبل لجانٍ علمية مُتخصصة، فالأمر ليس كأي فتوى قد يُصدرها فقيه، دون رقابة أو محاسبة، بل إنَّ الحقل العلمي يمتاز بشروط صعبة ومقيّدة للغاية، وإن لم تنجح أيّ نظرية في اجتياز هذه الشروط، فإنَّها لن تر النور أبدًا. وتخضع كل النظريات العلمية إلى تجارب دقيقة ولمرات عديدة حتى يتم التأكد من صحتها، قبل السماح بنشرها في المجالات العلمية أو حتى الاعتراف بها، ومن ثم تدريسها في المدارس والجامعات. إذن فالأمر ليس بتلك البساطة التي يعتقدها البعض، وحتى تلك النظريات العلمية الناجحة والصحيحة، لا تسلم أبدًا من النقد العلمي المُستمر، بل تظل كل النظريات قيد الدراسة والتحقق باستمرار، لأنَّ العلم لا يعترف بما هو ثابت وصحيح بالمُطلق، وتلك واحدة من أهم مميزات العلم والحقل العلمي، وواحدة من أسباب قوة العلم الحقيقية، ولهذا فإنَّ أيَّ خطأ أو تدليس في أيّ نظرية علمية، يتم اكتشافها من داخل الوسط العلمي أولًا، لأنَّ هذا مُتعلقٌ في المقام الأول بما يُمكن تسميته بميثاق الشرف العلمي، والذي قد لا نجد له أثرًا في أيّ حقلٍ آخر. ودون الخوض في شروط البحث العلمي، وتعقيداته وقيوده، التي من شأنها أن تهبنا الطمأنينة حول النتائج العلمي النهائية، فإنني أرغب في هذا المقال تشريح بعض المصطلحات المُستخدمة في الحقل العلمي التطبيقي والتجريبي، لأنَّه من الواضح أنَّ كثيرًا من الناس يخلطون بين معاني هذه المصطلحات، باعتبارها مصطلحات لها معانيها المتمايزة عن معانيها المُستخدمة في اللغة المُستخدمة خارج الحقل العلمي.

أولًا: الانفجار
عندما نستخدم كلمة (انفجار) في استعمالاتنا اليومية، فإنَّها قد لا تعني شيئًا آخر غير ما قد يتناهى إلى أذهاننا للوهلة الأولى، ككلمة مُشتقة من الفعل الماضي (فَجَّرَ) وتُشتق منها المفردات التالية: تفجير، مُتفجرات، مُنفَجر، انفجار. وهو فعل ينتج عنه طاقة وحرارة كتفجير قنبلة أو ديناميت أو غيره، ويعتقد البعض أنَّ مصطلح الانفجار الكبير، المُستخدم في الفيزياء، كنظرية تحاول شرح وتفسير الكون، لا يخرج عنه كونه اشتقاقًا للفعل الماضي (فَجَّرَ) واستخداماته المتداولة خارج الحقل العلمي، ولهذا فإنَّ البعض ينتقد نظرية الانفجار الكبير ولا يقبل بها، على اعتبار أنَّ الانفجار لا يُمكن أن ينجم عنه نظام دقيق كالنظام الكوني الذي نعرفه، فمن الطبيعي جدّا، بل ومن البديهي أنَّ الانفجار يُولِّد فوضى وخرابًا ودمارًا، وليس نظامًا. فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ هل الانفجار الكبير انفجارٌ بالمعنى الحرفي المُستخدم في حياتنا اليومية؟ هل يُشبه انفجار قنبلة نووية لامتناهية الطاقة؟ أم أنَّ لمصطلح الانفجار استخدامات أخرى في الحقل العلمي؟

الحقيقة أنَّ الانفجار الكبير Big Bang لا يعني أبدًا انفجارًا بالمعنى المتداول والمُستخدم في حياتنا اليومية الاعتيادية، بل يعني ببساطة (الظهور) وهو على هذا لا يستلزم ما يستلزمه الانفجار بمعناه الشعبي المتعارف، ومن هنا تسقط حجّة الرافضين لنظرية الانفجار الكبير كتفسير لنشأة الكون، على اعتبار أنَّ الانفجار يجب أن ينتج عنه فوضى وليس نظامًا، رغم أنَّه لا يوجد نظام مطلق في هذا الكون، ولكن تلك مسألة أخرى قد نتطرق إليها في مقالٍ آخر منفصل، ولكن ما يمهنا هنا هو إيضاح وتبيان مصطلح (الانفجار) المُستخدم في الحقل العلمي، حيث أنَّه لا يعني أبدًا أيًّا من تلك المعاني المستخدمة خارج الحقل العلمي، فهو يعني الظهور فقط، ولهذا فإنَّنا نجد مصطلح الانفجار مُستخدمًا كذلك في جانب علمي آخر، إذ يُطلق العلماء مصطلح (انفجار) على تلك الحقبة الزمانية التي ظهرت فيها الأنواع الحيّة لأوَّل مرّة، واتفقوا على تسمية ذلك العصر بالعصر الكمبري، والانفجار الكمبري، بالضرورة، لا يعني انفجارًا بالمعنى الشعبي المتداول؛ أي أنَّه لم يحدث انفجار نتجته عنه الأنواع الحيّة، بل هو مصطلح يُعبَّر عن ظهور مفاجئ للكائنات الحيّة لأوَّل مرَّة. إذن؛ فليس هنالك انفجار بالمعنى المتداول، وإنما هو مجرّد ظهور مفاجئ.

ثانيًا: الفجأة
قلنا إنَّ الانفجار الكبير لا يعني انفجارًا بالمعنى المتداول، وإنما يعني الظهور المفاجئ للمادة والطاقة والزمان والمكان والقوى الأساسية المعروفة، تمامًا كما هو مصطلح (الانفجار الكمبري) الذي لا يعني انفجارًا أدى إلى ظهور الكائنات الحيّة، وإنما يعني فقط الظهور المفاجئ للكائنات الحيّة، ولكن ماذا يعني الظهور المفاجئ؟ وماذا يُقصد بالمفاجئ في هذا السياق؟ هل نعني بالفجأة: انقطاع التسلسل المنطقي والضروري لحدوث أيّ ظاهرة، كما هو مُتعارف عليه عند استخدمنا لكلمة فجأة؟ عندما ننظر إلى نقطةٍ مُحددة من المكان، ولنطلق عليها اسم: النقطة X، وقلنا: "إنَّ العنصر Z ظهر فجأةً في النقطة X" فهذا يعني أنَّه قبل ثانيةٍ واحدةٍ من جملتنا هذه لم يكن للعنصر Z أيّ وجود في النقطة X، وبمعنى آخر: إنَّه لم يكن هنالك أيّ تسلسل زمني أو حدثي لظهور العنصر Z وبالتالي فإنّض قولنا إنَّ العنصر Z ظهر فجأةً أيّ أنَّه قفز من العدم إلى الوجود بشكله المُكتمل كما هو. فهل عندما أطلق العلماء اسم (الانفجار الكمبري) على الحقبة التي ظهرت فيها الكائنات الحيّة، وقصدوا بذلك (الظهور المفاجئ للكائنات الحيّة) كانوا يقصدون فعلًا هذه القفزة الكاملة من العدم إلى الوجود؟ وهل عندما قالوا إن الكون ظهر فجأةً من الانفجار الكبير، كانوا يقصدون المعنى ذاته؟

الحقيقة؛ أنَّ معنى الفجأة هنا مختلفٌ تمامًا عن المعنى الذي نستخدمه ونعرفه نحن خارج الحقل العلمي، ففي الحقل العلمي لا وجود لقفزةٍ كاملة من العدم إلى الوجود، بل كل ظهور هو ظهور مكتمل التسلسل تمامًا. إذن؛ فمن أين جاءت كلمة (فجأة)، وماذا تعني؟ عندما قال العلماء إنَّ الكائنات الحيّة ظهرت فجأة في العصر الكمبري، فإنَّهم يعنون تمامًا أنَّ هذه الكائنات ظهرت في حقبة زمانية تتراوح بين 10 إلى 13 مليون سنة تقريبًا، وهي فترة طويلة، تنفي فهمنا المُعتاد للفجأة، ولكنها مفاجئة بالنسبة أو بالمقارنة مع عمر الأرض، إضافةً إلى أنَّ مصطلح (الفجأة) هنا يُشير إلى انقطاع في إحدى التسلسات الزمانية، بمعنى أنَّ العلماء لا يعرفون بالتحديد كيف أو لماذا أو ما هي أسباب هذه الظاهرة، فهي بالنسبة إليهم مفاجئة، ولكن هذا لا يعني أنَّ الكائنات أو حتى الكون ظهر قافزًا من العدم إلى الوجود، دون تسلسل، يكمن الأمر هنا في عدم معرفة العلماء إلى أجزاء من هذا التسلسل فقط. ففي ظاهرة الانفجار الكبير، يُعتبر الانفجار حدثًا مفاجئًا، لأنَّ العلماء لا يعرفون التسلسل الذي سبق هذا الانفجار (الظهور)، ورغم أنَّ الظهور نفسه تطلب وقتًا مُقدرًا من الزمن، وهو ما ينفي فكرة الفجأة الشعبية المُعتادة، إلا أنَّ هذا الوقت بالنسبة إلى عمر الكون نفسه يُعتبر ضيئلًا جدًا، ولكن هل افترض أحدهم أنَّه لم يكن ثمّة وجود للمادة قبل الانفجار الكبير؟ الحقيقة أنَّ العلماء لا يعرفون تمامًا ما الذي كان قبل لحظة الانفجار الكبير بشكل دقيق، ولكنهم واثقون تمامًا، من فكرة أزلية المادة، وهذا ما جعل العلماء يذهبون بعيدًا في وضع فرضيات، كلها قائمة على أساس أزلية المادة، فوضع بعضهم فرضية الأكوان الموازية، وبعضهم وضع فرضية أنَّه كانت ثمّة أعداد لانهائية من الانفجارات الكبيرة. فهم لا يعلمون ماذا كان قبل الانفجار، ولكنهم يعلمون أنَّه كان وجود للمادة، وليس المادة بمفهومها الحسي البسيط المعروف في الفيزياء الكلاسيكية، ولكن ربما المادة بمفهومها الكوانتمي الحديث، أو ربما مادة بمفهوم أو طبيعة لم يستطع العلماء التوصل إليها حتى الآن. ما يهمنا في هذا المقام هو أنَّ الفجأة لا تعني القفز مباشرةً من العدم إلى الوجود دون تسلسل زماني أو حدثي، فمثل هذا التصوّر ليس موجودًا أو واردًا لدى العلماء، ولا وجود له إلا في القصص الخيالية فقط.

ثالثًا: الصدفة
في لغتنا اليومية، هل نفرّقُ كثيرًا بين مفردة (فجأة) و (صدفة)؟ عندما نقول: "قابلتُ زيدًا صدفةً" فهل هذه الجملة شبيهة بجملة: "قابلتُ زيدًا فجأة"؟ يبدو أننا فعلًا لا نفرّق بين الصدفة والفجأة، فالصدفة حدثٌ يحدث فجأة، والفجأة تعبير عمّا يحدث بالصدفة، وكلاهما، في نهاية الأمر، تعبير عن شيء يحدث دون تخطيط مُسبق. فهل للصدفة في الحقل العلمي ذات المفهوم؟ هل عندما أقول: "الخلية الأولى نشأت بالصدفة؟" قد يعني أنَّه نشأة فجأةً؟ لقد رأينا فيما سبق أنَّ مفهوم القفز المُباشر من العدم إلى الوجود، هو مفهوم مرفوض ولا وجود له في الحقل العلمي، ولكن ثمّة من يفهم الصدفة على أنَّها خبط عشواء، بمعنى أنَّها شيء فوضوي غير مُخطط له، وكأنه يجب أن يكون كل شيء مخططًا له مُسبقًا، وفي حياتنا اليومية الاعتيادية ثمّة ملايين الأمثلة على حوادث تحدث مُصادفةً، ولا يكون لنا يدٌ في التخطيط لحدوثها فعلًا، فلماذا يجب أن يكون ظهور الحياة مُخططًا له؟ الإجابة ببساطة: "لأنَّ عقيدتنا تقول بإنَّ هذه الحياة ظهرت بتخطيطٍ مُشبق من الله" ولهذا فهم يرفضون مفهوم الصدفة هذه، لأنَّها تلغي دون الإله وتُحيّده تمامًا.

يحلو للكثيرين الاستشهاد بمقولةٍ تُنسب إلى الإمام أحمد بن حنبل، الذي كان على موعد لمناظرة أحد المُلحدين، فكان أن تأخرَ الإمام عن الموعد قليلًا، ثم بعد فترةٍ من الزمان جاء، فلما سأله المُلحد عن سبب تأخره، قال: بأنَّه لم يجد قاربًا يعبر به النهر إلى الضفة الأخرى، واضطر للانتظار طويلًا، حتى هبّت عاصفة، وبدأت بعض القطع الخشبية المتناثرة بالالتحام مع بعضها البعض حتى كوَّنت قاربًا، فركبه وعبر به النهر. عندها صاح المُلحد: "هل تسخر مني يا إمام؟" فنفى الإمام أحمد بن حنبل السخرية من كلامه، وسأله: "ولماذا تعتقد أنني أسخر منك؟" فأجابه المُلحد: "لأنه لا يُمكن أن تتجمّع قطع خشبية مع بعض البعض صدفةً لتكوّن قاربًا." عندها أجابه الإمام أحمد بن حنبل: "غريب؛ كيف لا تؤمن بأنَّ قطع خشبية يُمكن أن تتجمّع صدفة لتكوّن قاربًا، وتؤمن بأنَّ هذا الكون البديع جاء صدفة!" وبالتأكيد كانت تلك ضربةً قاضيةً للمُلحد الذي لم يجد ما يرد به على الإمام أحمد بن حنبل. وبصرف النظر عن أنَّ هذه القصة حدثت فعلًا أم لم تحدث، فإنَّ الفكرة الواردة في هذه القصة هي ما تهمنا، فهل الصدفة تعني العشوائية فعلًا؟ وهل يُمكن لأيّ ظاهرةٍ أن تحدث دون تخطيط مُسبق؟ الصدفة، في الحقل العلمي، قانونٌ قائم بحد ذاته، وهي لا تعني العشوائية التي نعرفها، بل هي تعني أنَّ حدوث أيّ ظاهرة طبيعية لا يتطلب تفسيرًا من خارجها، بل تحدث الظواهر الطبيعية فقط عندما تتوفر العوامل المناسبة لحدوثها، ولقد تناولت مفهوم الصدفة في العلوم، والمُراد بها في أكثر من مقال بالشرح والأمثلة، ولكن لا بأس من الإعادة.

كانت فكرة ظهور الحياة لأوَّل على كوكب الأرض من أكثر الأفكار غرابة وإثارةً لدهشة العلماء، وبدأ عدد كبير من العلماء في البحث حول هذه المسألة ليعرفوا (كيف ظهرت الحياة على الأرض؟) حتى جاء العالمان يوري وميلر ليضعا فرضية علمية تقول: إنَّ الحياة بدأت بشكل تلقائي عندما توافرت الظروف والعوامل المناسبة لذلك، وحاولوا الاستفادة من نتائج العلوم التي كانت متوفرة في ذلك الوقت، سواء من علماء الجيولوجيا أو غيرهم، ليعرفوا الصورة التقريبية التي كان عليها كوكبنا في ذلك الوقت، ثم حاولوا محاكاة تلك الظروف في المعمل، وجاءت النتيجة صادمة لهما، وللجميع، إذ نجح العالمان في تكوين أو تخليق 26 نوعًا من الأحماض الأمينية في المعمل، وهذه الأحماض الأمينية تعتبر البنية الأساسية لتكوين الخلية الحيّة، وكان بإمكانهم أن ينتجوا هذه الأحماض الأمينية في كل مرَّة يُعيدون فيها التجربة. والنتيجة التي خرجوا بها هي أنَّ توافر الظروف والعوامل المناسبة فعلًا تساعد في ظهور الظاهرة صدفةً أي بشكل تلقائي، وبدون أيّ تخطيط مسبق أو فعل إلهي سابق. ولكن المُحبط بالنسبة إليهما كان في أنَّ معلوماتهما التي اعتمدا عليها كانت معلومات خاطئة أو غير دقيقة. هذا الأمر دعاهما للإقرار بخطأ التجربة، ولكن الواقع يقول إنَّ توافر الظروف المناسبة يُساعد في ظهور الظاهرة بشكل تلقائي، وهذا ما نراه في الطحالب التي تنشأ وتتكوّن فقط عندما تتوافر الظروف الملائمة لظهورها، وكذلك الصدأ ينشأ مصادفةً فقط إذا توافرت العوامل المناسبة والملائمة له، وهكذا فإنَّ كل شيء يحدث في الطبيعية يحدث بالصدفة، أي بشكل تلقائي، بدليل أنَّه أصبح بإمكاننا تفسير حدوث هذه الظواهر، ولم نعد نعتمد على أنَّ الإلهة هي التي تُحدث هذه الظواهر، فظاهرة مثل ظاهرة المطر، هي ظاهرة طبيعية كان يُعتقد أنَّ الإله هو المسؤول الأوَّل عن حدوثها، ولكننا الآن نعرف أنَّ توافر العوامل المناسبة لحدوث المطر هو ما يحدث المطر، وليس الله ولا أيّ قوى ميتافيزيقة أخرى: مقدار معيّن من الحرارة + مقدار من الماء = تبخر. بخار الماء + سطح بارد = مطر، والأطفال في المراحل الأولية في المدرسة يعرفون ما يُسمى بتحوّلات المادة، من الصورة السائلة إلى البخار ومن البخار إلى الجامدة ومن الجامدة إلى السائلة، دون أن يكون هنالك إله أو أيّ قوى ميتافيزيقية تقوم بإحداث هذه التحولات.

إذًا فالمقصود بالصدفة هو التلقائية وليست العشوائية، والمقصود بالتلقائية تحديدًا هنا، هو توافر العوامل الطبيعية المناسبة لحدوث الظاهرة، حيث أنَّ هذه العوامل تتوافر بصورة تلقائية وليس بوعي مُستقل وسابق، وإلا لكان من حقنا أن نتساءل عن هذا الوعي الذي يتسبب في إحداث كوارث طبيعية في مناطق مأهولة بالحياة البشرية وغير البشرية. فأيّ وعي هذا الذي يتسبب في تكرار هطول الأمطار في المناطق الاستوائية، في حين يموت الإنسان والحيوان وكل أشكال الحياة في مناطق أخرى بسبب الجفاف.

رابعًا: التطور
لا أنوي هنا التحدث عن نظرية التطوّر، فلقد شرحتُ النظرية في مقالين سابقين، كان أحدهما بعنوان (شرح وتبسيط نظرية التطوّر) والآخر بعنوان (فنتازيا التطوّر) وأنصح بقراءة هذين المقالين، لمزيدٍ من المعلومات عن نظرية التطوّر وآلية التطور، ولكني فقط في هذا المقال سأحاول شرح مفهوم التطور وتفكيكه، فالتطوّر بصورة عامة يعني (التغيّر مع مرور الزمن) وربما لا يختلف اثنان، في زماننا هذا، على أنَّ كل شيء مُتغيّر، ولا وجود لشيء ثابت على الإطلاق. ويُقال إنَّ المُتغير هو الشيء الوحيد الثابت في هذا الوجود، فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا نستبعد تغيّر الكائنات الحيّة؟ غير أنَّ التطور كمفهوم علمي لا يعني التغيّر المحض فحسب، بل هو شرح وتوصيف لآلية هذا التغيّر. وعمومًا فإننا في بحثنا عن ظاهرة وجود الإنسان نقف أمام نظريتين أو فلنقل فكرتين: الفكرة الأولى هي فكرة التطور، والفكرة الثانية هي فكرة الخلق الإلهي المستقل. الفكرة الأولى تقول إنَّ الإنسان، وجميع الكائنات الحيّة، لم تكن بهذا الشكل قبل ملايين السنين، بل هي في تطوّر مستمر، وأنَّ جميع الكائنات الحيّة تمتلك سلفًا مشتركًا واحدًا، وأنَّ تطور هذه الكائنات الحيّة يحدث بسبب طفرات جينية نادرة الحدوث، وأنَّ الانتخاب الطبيعي يعمل على إبقاء السمات الصالحة، ويتجاهل السمات غير الصالحة. الآن، هل هنالك إمكانية للتأكد من أجزاء هذه النظرية؟ نعم؛ فبإمكان كل شخص أن يذهب إلى متحف التاريخ الطبيعي ليفهم هذا الأمر، أو كذلك أن يقوم بدراسة علم الأحياء (البيولوجيا) أو حتى دراسة علم الجينات ليعرف ويتحقق من مكوّنات هذه النظرية، بل وكل جزء منها، هذا إن لم يكن بحاجة إلى الاعتماد على المصادر الأولية لهذه النظرية أو ليس لديه ثقة كافية بالعلماء والهئيات العلمية التي تعترف بالتطوّر. إذن؛ فمن الممكن لكل باحثٍ عن الحقيقة أن يتحقق من مكوّنات هذه النظرية. النظرية الأخرى تقول إنّ الله خلق الإنسان بيده من الطين، ثم ترك الطين لينشف حتى أصبح كالصلصال، وبعد ذلك نفخ فيه الروح، فأصبح كائنًا من لحم ودم وأعصاب وعضلات وأحشاء، ثم إنه أخذ من ضلع هذا الكائن وخلق الأنثى، وأخذ هذا الكائن البشري الأول بالتكاثر عن طريق زواج المحارم، كل شخص يتزوج أخته، حتى جاءت البشرية التي نراها. الآن، هل بإمكاننا التحقق من كل أجزاء هذه النظرية؟ بالتأكيد، لا، فنحن لا نمتلك أي معلومات عن (الله) ولا نمتلك أي معلومات عن (الروح) ولا نمتلك أي معلومات عن آلية تحوّل التمثال الطيني إلى كائن من لحم ودم وأعصاب وأحشاء داخلية. فأيّ النظريتين سوف نأخذ بها؟ ولماذا؟ هذا هو الاختبار الحقيقي لكل شخص يدعي احترام العلم، ويدعي في الوقت ذاته عدم إيمانه بالخرافة، فإذا كنتَ، عزيزي المؤمن، ترفض نظرية التطوّر، لأنها بالنسبة إليك مجرّد خرافة سخيفة تقول بأنَّ الإنسان كان قردًا، وتطوّر، فلماذا لم تقف أمام نفسك وتسألها إذا كنت ترفض نظرية التطوّر لكونها خرافة، فلماذا تؤمن بقصة الخلق الإلهية هذه؟ هل هنالك مُبرر علمي واحد تستند عليه في إيمانك بهذه النظرية؟ أنا، وكل التطوريين، نمتلك أدلة علمية لا تحصى نستند عليها في تصديقنا بنظرية التطوّر، فما هي أدلتك أنت؟ الحقيقة أنك لا تملك إلا إيمانك فقط، وهذا ليس شيئًا مُعيبًا، ولكنه فقط منافٍ للمنطق، فنحن نبني إيماننا على مقدار ما نملك من الأدلة، وليس العكس، فأنتَ عزيزي المؤمن، تبني أدلتك على مقدار إيمانك. وهذا منافٍ للمنطق.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السَّببية مقبرةُ الإله
- فنتازيا التطوُّر
- دردشه فقهية: تعدد الزوجات
- خرافة التكليف الإلهي للإنسان
- كوانتم الشفاء
- شرح وتبسيط لنظرية التطوّر
- لا تناظروا المسلمين حتى ...
- العلم من وجهة النظر الدينية
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 3
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 2
- في الرد على د. عدنان إبراهيم - 1
- بين موت المسيح وقيامته
- تفسيرٌ غير مُقدَّس لنصٍ مُقدَّس
- تأملات في العقيدة المسيحية
- عن المسيحية والبالتوك - 6
- عن المسيحية والبالتوك - 5
- عن المسيحية والبالتوك - 4
- عن المسيحية والبالتوك - 3
- عن المسيحية والبالتوك - 2
- عن المسيحية والبالتوك - 1


المزيد.....




- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - انفجار .. فجأة .. صدفة .. تطوّر