|
ثورة الجنون والموت
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 12:45
المحور:
المجتمع المدني
في البدء لي أن أقول ، أن العالم هو المرآة التي نتعرف فيها على أنفسنا ولذلك فأننا حينما نقرأ الموضوعات التي يدركها الوعي ، فأننا في الحقيقة إنما نقرأ تاريخ الوعي الكلي الذي تنبثق منه مرآتنا الخاصة . وبناء على ماسبق أستطيع أن أقول ، إذا كانت الثورة تقتات أفكار مضى عليها أكثر من عشرة قرون علينا أن نسميها ثورة الموتى ، فهذا وحده العنوان الذي يليق بها ! إذ تصاب البشرية بالخبل حينما تتصارع على الله ، وعلينا إلا نتفاجأ بذلك ، أن الآم العقل الغربي تم تشخيصها ومعالجتها ، بينما آلام العقل الشرقي أو العربي بالتحديد مازالت في طورالتشخيص ، حيث ظل العقل العربي مبتوراً وخارج التاريخ بعد أن أدار ظهره لأبن رشد وأبن خلدون كما أنه لم ينصت لصوت بيكون وديكارت وصرخته المشهورة : " أنا أفكر إذاً أنا موجود " ، و لم يقرأ ملامح وجه التنين الذي أطلقه هوبز ، ولم يستوعب فهم سبينوزا للدين ونشدانه لثقافة الفرح إذ ظل متمسكاً بثقافة الحزن ونبش القبور بحثاً عن مسارب جديدة يطلقها خزان العنف المدفون ، ولم ينتبه للفاهمة البشرية التي تحدث عنها جون لوك وليبنتز وديفيد هيوم ، ولم يستفد من روح القوانين والشرائع التي تتبعها مونتسكيو ، لهذه الأسباب وغيرها لم ينجز " عقده الإجتماعي " الذي أشار له جان جاك روسو وأستفادت منه أوروبا وكل العالم المتمدن ، وظل يتخبط في خارطته الإقتصادية وثرواته ظلت منهوبه ، حيث لم يفهم معنى " ثروة الأمم " التي شخصها آدم سميث ، بعد كل هذا .. « أين نجد إذا هذا المبدأ المتعالي على التجربة ؟ أنجده في الدين والأوامر الإلهية ، وهي سلطة خارجة عن العقل ؟... إنما نريد مبدأ آخر جديدا يعلو على التجربة ويفوقها ، لكنه من جهة أخرى لا يخرج عن العقل ونطاق ذاتيته . لقد وجد كانط هذا المبدأ ، وسماه " الواجب " » كما يقول عبدالرحمن بدوي ، وكانط هذا العبقري الذي قال ذات مرة : " لقد أيقظني هيوم من " السبات الدوغمائي " ، فمن إذن سيوقظ العقل العربي من سباته الدوغمائي ؟ ومكينته هشة لاتحتمل خام الديزل ولا أفكار هيغل بمفعولها القوي ، ولامطرقة نيتشه التي تهدم الأصنام ، و بأختصار شديد ، حينما نفهم كل مامضى ونفهم نظرية تحوّل الطاقة والنظرية الداروينية والديالكتيك ستتغيّر زاوية تفكيرنا ونفهم معنى الأنطولوجيا ، و لحظتها نستطيع القول بأن تحولات الطاقة و الداروينية تمر عبر النشوء والإرتقاء بحالة جدلية ديالكتيكية تمنحنا بعدها الثالث الانطولوجي ، وبإمكان الظاهراتية " ذات النبرة الخافتة المستمرة في الفلسفة " أن توصلنا لذلك ، و الظاهراتية أو الفينومينولوجيا هي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحدسية للظواهر كنقطة بداية ( أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبرتنا الواعية كما أشرت له في بداية المقالة ) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة وأساس معرفتنا بها . غير أنها لا تدعي التوصل لحقيقة مطلقة مجردة سواء في الميتافيزيقا أو في العلم بل تراهن على فهم نمط حضور الإنسان في العالم . يمكن أن نرصد بداياتها مع هيغل كما يعتبر مؤسس هذه المدرسة إدموند هوسرل ، تلاه في التأثير عليها عدد من الفلاسفة مثل : هايدغر وسارتر وموريس ميرلوبونتي وريكور . وتقوم هذه المدرسة الفلسفية على العلاقة الديالكتية بين الفكرة والواقع ، و شعار الفينومينولوجيا الهوسرلية هو الاتجاه الى الأشياء ذاتها من خلال الوعي البشري الخالص ، ومطابقته مع الواقع ، وفي واقعنا الإنساني الحديث والسياسي بالتحديد يتمثل بأن تكون دساتيرنا الجديدة مطابقة لميثاق حقوق الإنسان العالمي ، ويظل هناك سؤال يدور في الذهن ، والسؤال هو : متى سيكون العقل العربي منفرداً ويتجاوز مرحلة " الثدي " إلى مرحلة " الفطام " ؟ أن الاندماج بالقبيلة أو بأي أشياء أخرى تشطر الإرادة وإذا ما استمرت على ما هي عليه فأنها تعوّق عملية النمو ، ويبدو لنا لن نعبر دون الأستعانة بمشرط ميشال فوكو (1926 - 1984) الفيلسوف الفرنسي ، والذي يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين ، حيث درس وحلل تاريخ الجنون في كتابه " تاريخ الجنون " , ليحلل لنا هذا الجنون المستشري في خارطتنا وعقلنا العربي ، ومثلما عالج مواضيع مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون وابتكر مصطلح " أركيولوجية المعرفة " وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة كما في " تاريخ الجنسانية ". فنحن بحاجة لعيادات ومؤسسات تعالج أمراضنا المستفحلة والغرائبية وعقلنا في نفس الوقت ، الذي وصلت به الجريمة إلى حد شق بطن الإنسان ووضع رأسه بداخله وإعادة خياطته ، هذا التفنن بالإجرام الذي لم يكن له مثيل في التاريخ البشري ، وإلى من يعلمنا حرية التحاور وتقبل الآخر ، حينها فقط سنعرف " المجتمع المفتوح وأعدائه " كما شخصه كارل بوبر ، أو مفكر يعيد لنا تأويل نصوصنا ويخلصها من حالة الشيزوفرينيا المصابة بها مثل " غادامير " ، أو عالم إجتماع مثل بيير بورديو الذي شخص " بؤس العالم " ليشخص لنا بؤسنا الذي أستمر معنا لعشرة قرون أو أكثر ، وآخر مثل تودوروف الذي تابع " روح الأنوار " ، لينير لنا الدرب ويخرجنا من هذه الظلمة ، التي منحتنا الجنون والموت .
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهية النضال
-
إغماضة عين
-
أنها روحي المبتورة .. وطني
-
المكنسة : الديمقراطية وحقوق البدون في الكويت
-
الأنترنت كتب مرثيتكم الأخيرة
-
الثقافة والحرية في الوطن العربي والكويت .. إلى أين ؟
-
علي السبتي : السياب قبل حالات الهلوسة كتب رسالة وطلب مني أن
...
-
المخرج المسرحي سليمان البسام : حتى المهرجانات اخترقت من قبل
...
-
هل مات كرومويل ؟ فلنشنقه أذن ! ..
-
وداعاً الطاهر وطار ... صرختك باقية للأبد
-
عرس البغدادي
-
نستولوجيا الحضور والغياب
-
الجذمور والمسامرة الدولوزية النيتشوية
-
مسامرة دولوزية
-
مسامرة نيتشوية
-
نعم .. الأرز للكويتيين فقط
-
نعم صحيح يا دخيل الخليفة
-
افعل للغير ما تودّ أن يفعله الغير لك
-
المثقف العضوي ومعنى الضمير
-
قوة الفرد في التغيير والحتمية التاريخية
المزيد.....
-
الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
-
الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل
...
-
-التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا
...
-
نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح
...
-
8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون
...
-
مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
-
بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم
...
-
طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
-
تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
-
مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|