صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1161 - 2005 / 4 / 8 - 12:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من الخطأ الجسيم ان يذهب البعض من المجموعات السياسية السورية في اعتبار – الخطر الخارجي – المزعوم منطلقاً ذرائعياً للدعوة الى اجراء الاصلاحات الفوقية دون التغيير الجذري الشامل لكأن هذا البعض وجد – فجأة- سببا يلجا اليه بعد اكثر من ثلاثة عقود من حكم الحزب الواحد الشمولي، أو أراد اظهار مشاعره الوطنية الحريصة جداً علىالوضع القائم وصيانته من الهجمة(الامبريالية الامريكية العسكرية) باستحضار تجارب اخرى , والبعض هذا يعلم أن – الخطر الخارجي – ان وجد فهو على النظام وحده واذا ما اخذ مداه مستقبلا على الصعيد العملي فلا بد حينذاك وكمهمة وطنية من تجييره لمصلحة الشعب والوطن، ومطالب ذلك الخارج الذي يشار اليه عادة بصيغة الغائب باتت معروفة من الانظمة الاستبدادية في الشرق الاوسط ان بخصوص موقف الولايات المتحدة الامريكية, أو بلدان اوروبا , أو هيئة الامم المتحدة والتي تجمع على اجراء التغيير نحو الديموقراطية , والاحتكام للانتخابات النزيهة بمراقبة دولية , والتناوب على السلطة , واحترام حق الشعوب وحقوق الانسان , واطلاق حرية المرأة , وازالة الاضطهاد القومي عن كاهل القوميات التي لاتشكل اكثرية ومحرومة من الحقوق الاساسية ومعرضة للاضطاد , وحرية الاديان والمذاهب, والاسواق الحرة , والتعايش السلمي بين الدول والشعوب، وقد ادرجت هذه المطالب في وثائق تبنتها مؤسسات دولية على غرار هيئة الامم,والكونغرس الامريكي , والاتحاد الاوروبي , وهي كما تعبر عن نفسها موجهة الى الانظمة الحاكمة ومتطابقة جملة وتفصيلا مع ارادة الشعوب والحركات الوطنية والديموقراطية في المنطقة التي لم تستكن وواصلت نضالها بشجاعة قبل حدوث هذه الانعطافة وتلك المبادرات من جانب الغرب والمجتمع الدولي , بالرغم من كل الصعاب والمعاناة من المعتقلات والسجون والعذابات بما فيها التصفيات الجسدية والبقاء رهن الاحتجاز لسنوات طويلة والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية .
كان من الممكن بل من الانسب أن لايقدم النظام على اتخاذ خطوات مثل اطلاق سراح مجموعات من المعتقلين السياسيين أو غيرها لاحقاً تحت ضغط العامل الخارجي بعد ان كانت ابواقه تنفي ليل نهار وجود اي معتقل سياسي سوري او اجنبي في منابر المحافل الدولية وامام الشعب السوري ، وكان سيحسب الاجراء ايجابياً لو اتخذ قبل سنوات استجابة للارادة الشعبية والوطنية , اما بعد تحرير العراق , وبعد ان اصبح ظهر النظام مكشوفاً وأذعن للقرار الدولي 1559 بالخروج من لبنان جيشاً ومخابرات بهذه الطريقة المذلة ودون أي تضامن عربي واقليمي وبمعزل عن أي تعاطف شعبي لا في لبنان ولا في سورية، فإن ما حدث يفصح بوضوح عن طبيعة الانظمة الشمولية الاستبدادية غير القابلة للاصلاح والتغيير واستحالة التصالح بينها وبين الديموقراطية لان الاخيره مناقضة لوجودها خاصة وان مظالمها وجرائمها وخطاياها طوال عقود بحق شعوبها ماثلة للعيان وموثقة من شانها جلب الحكام للمساءلة امام القضاء العادل تحت ظل أي عهد تكون فيه الكلمة للقانون.
هناك شبه اجماع - ما عدا قلة من المتضررين - على ضرورة احداث تغيير حقيقي وخاصة على صعيد اعادة صياغة الدستور, واجراء الانتخابات , وتحقيق النظام الديموقراطي التعددي , واجراء الاصلاح السياسي بابطال قوانين الطوارئ والاحكام العرفية , واصدارقوانين لحرية الاحزاب والصحافة والاعلام. وهناك ايضاً شعور عام بالمسؤولية الوطنية بخصوص حل المسألة القومية الكردية عبر الحوار السلمي والاستجابة لارادة الشعب الكردي في تقرير مصيره السياسي في اطار الوطن الواحد وعلى قاعدة الصداقة والعيش المشترك بين الشعبين الكردي والعربي وسائر القوميات والفئات السورية الاخرى.
لقد فرح الكرد باستقبال شبابهم المعتقلين منذ عام الذين افرج عنهم وهم ينتظرون بشغف استقبال الآخرين ومعرفة مصير المققودين والمخطوفين، واذا كانت الجماهير الكردية وبحسها العفوي الصادق لم ترفع صور الحكام ولم تقم المهرجانات في مدح وتبجيل الحاكم فذلك يعود الى كون الخطوة ناقصة أولا ولم تترافق بتقديم الاعتذار للكرد وتعويض الضحايا وتقديم المجرمين الى العدالة وخاصة رؤوسهم من مسؤولي الاجهزة الامنية والادارية في المحافظات وفي دمشق العاصمة، وأخيراً وليس آخراً كيف يقوم شعب بتقديم الشكر لنظام لايعترف بوجود ولا بحقوقه القومية المشروعة. اما البعض من متزعمي المجموعات الكردية الذي نصب نفسه ناطقاً باسم "مسؤولين أمنيين كبار" وبشر بخطوات اخرى فهو في واد آخر حيث يتمنى أن تبقى الامور كما هي عليه وان لايحصل التغيير وأن تبقى الاجهزة الامنية على سابق عهدها في ادارة الازمة الكردية لان ذلك البعض سيكون بعكس ذلك أول المتضررين.
في خضم التغييرات المرتقبة وقد تكون مفاجئة سيحصل تبدل في وسائل التعاطي مع الكرد وحركتهم السياسية وستتحول العلاقة من الادارة الامنية الى الحوار السياسي عبر المؤسسات الحكومية والقوى الشعبية بصورة شفافة كما يحصل الآن في العراق بخصوص اقليم كردستان الفدرالي .
ان مقياس جدية السلطة الحالية- المؤقتة – ( على الاغلب ) والنظام الحاكم خلال التعاطي مع الحالة الكردية يعود الى مدى امكانية ايلاء الموضوع اهتماماً يتجاوز خطوات – الترقيع- واللعبة الاعلامية والايحاء باعادة حقوق المواطنة لمئات آلاف الاكراد التي سلبها منهم نفس النظام ، والانتقال الى اقرار التعامل الاستراتيجي مع الموضوع الكردي كقضية قومية وطنية ديموقراطية سياسية وكذلك تغيير اسلوب التعاطي ليس بنزع المسألة من دوائر الامن فحسب بل باغلاق القنوات التي كانت تمر عبر اكراد دمى موالين الى درجة التواطئ والذين تسببوا مشتركين في تعميق الازمة الكردية عبر الوشايات وفبركة الاتهامات ضد من سموهم با- المتطرفين- ورفع التقارير ضد الوطنيين الشرفاء.
ان الجيل الكردي الوطني الشاب الذي ذاق مرارة الحرمان من حق الوجود والتمتع بالحقوق، والمواطنه، جيل المواجهه السلميه الذي اثبت شجاعته الواعيه أو وعيه الشجاع- في احداث الثاني عشر من آذار قبل عام والذي خبر سيئات الادارتين الرسمية والحزبية الكردية خلال الازمة ، هو المرشح لقيادة المرحلة القادمة في الظروف المستجدة والذي سيضع حدا لمراحل التسويف والهرولة والانبطاح. وهو سيتعايش مع زمن تعميق وتفعيل حركات المجتمع المدني والعمل الاهلي المنظم والحركة السياسية الشفافة، والتغييرات الكبرى المنتظره.
تظهر الدلائل والمؤشرات ان الحالة الكردية الراهنة في سورية عرضة لاحتمال حصول بعض التطورات وليس بالضرورة ان تكون بمجملها في خانة الايجابيات , والمتوقع الاسوأ هو احتمال نجاح احدى المحاولتين الجاريتين الان بدفع وتخطيط وتنسيق مشترك من بعض مراكز قوى السلطة : واحدة باتجاه اسثمار عملية اطلاق المعتقلين الكرد ليس لتبييض صفحة النظام داخليا وخارجيا فحسب بل لابعاد الزخم السياسي الكردي عن خارطة المعارضة الديموقراطية السورية التي يجد الكرد لهم فيها موقعا مميزا , او استمالته , او تحييده , وهنا يبرز دور – الموالين – الكرد من افراد ومجموعات في تنفيذ هذه الخطة . وثانية تهدف الى التركيز الاعلامي على منطقة الجزيرة السورية ذات الاغلبية الكردية دون غيرها من المناطق الكردية وتطرح مسالة المعتقلين والمحرومين كمسالة – كردية جزراوية – وتشير في مجال الحركة القومية الى الاهمية الاستراتيجية النفطية للجزيرة ومجاورتها لكردستان العراق وتركيا ووجود الجيش الامريكي بالجوار لكانها تهدف الى اثارة الغرائز والدفع باتجاه – عسكرة – الموضوع والتلويح بخطر مزعوم جديد , والمحاولاتان كما تظهران تحملان الجزرة والعصا .
ليس مسموحا للمتضررين من عملية التغيير قطف ثمار الهّبة الشعبية الكردية أو وقف مسيرة الحركة القومية الكردية التي من المأمول ان تتحذ لها نهجا جديداً وتاخذ العبر والدروس من احداث العام الماضي .
ليس مسموحاً للمتربصين بتصوير اعادة الجنسية للمحرومين منها كسقف نهائي للمطالب الكردية - رغم اهميتها - وتحويل الانتصار الى هزيمة قومية – وطنية ووقف العملية في منتصف الطريق لانها لم تأخذ مداها بعد فتحقيق الانتصار الاول بتحرير المعتقلين والانتصار الثاني بتوقع انتزاع حق المواطنه للمحرومين ليسا إلا بداية الطريق الطويل لان الانتصار الاكبر بانتزاع الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في اطار سوريا ديموقراطية تعددية موحدة خالية من الدكتاتورية وحكم المخابرات .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟