أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الرقة... صورة -مستعمرة داخلية-















المزيد.....

الرقة... صورة -مستعمرة داخلية-


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4032 - 2013 / 3 / 15 - 16:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


صارت الرقة محافظة في مطلع ستينات القرن العشرين. "استقلت" عن دير الزور التي صارت سنجقا عثمانيا قبل أن تصير الرقة محافظة بقرن كامل. وبين المدينتين حساسية المدن المتجاورة، وفي العمق منها التعالي اللشائع في سورية للمدينة، الدير، على الريف.
الرقة مدينة ريفية، مساحتها 22 ألف كيلو متر مربع، وكان سكانها نحو 25 ألفا في أواخر ستينات القرن العشرين. نمت بصورة انفجارية في السبعينات مع بناء سد الفرات في الطبقة (55 كم غرب الرقة، الاسم الرسمي للبلدة هو "الثورة"، وبحيرة السد اسمها "بحيرة الأسد")، وما بعد عبر ثلاث عمليات: ملاك الأمن والشرطة والجيش، وأكثر ملاك البيروقراطية والتعليم من مدن أخرى عموما، وعموم الأمنيين غير رقاويين؛ وسكان ريفيون تركوا قراهم مع اكتمال تداعي اقتصاد الاكتفاء المحلي وتمام تنقيد الاقتصاد السوري في الستينات (بعد اقتصاد المبادلات العينية) والتفجر السكاني في الريف بفعل مكافحة الأوبئة (ملاريا، كوليرا، جدري...) وتراجع وفيات الأطفال؛ ثم وافدون من محافظات أخرى يجدون في المدينة فرص عيش أوسع وأقل كلفة، ومنهم أطباء وموظفون سابقون ومعلمون وتجار.
ربما يكون سكان الرقة اليوم فوق ربع مليون، النواة الرقاوية الأصلية قد لا تتجاوز 20%. فإذا كانت المدن السورية كلها تعاني من عسر هضم الوافدين إليها، لأنها "أكلتهم" بسرعة كبيرة (أو "أكلوها" هم، كما قد يقول "شامي أصلي")، فإن الرقة أقرب إلى مدينة مُنفلشة، مدينة بلا مركز ولا مِعدة. ليس للرقة مركز تجاري حِرَفي قديم، مثل دمشق وحلب وحماه.
إنها مدينة أخلاط، لا يشعر أحد فيها بالغربة لأن الجميع تقريبا غرباء. وإذا كان هذا يحرمها من شخصية مميزة، فإنها يسبغ عليها صفة انفتاح وترحيب.
الانفلاش ظاهر في عمران المدينة. فهي مدينة ممتدة، الوحدة السكنية فيها غالبا بيت مع حوش. لكن البناء متعدد الطوابق يزداد انتشارا اليوم.
في العهد الأسدي، ومنذ الثمانينات بخاصة، تطور لدى الرقاويين (سكان المدينة القدامى والوافدين إليها من أريافها) شعور بالاضطهاد والاستغلال. كانت المناصب العليا في المخابرات دوما، وفي الإدارة غالبا، من غير الرقاويين.
حكمها في الثمانينات محمد سلمان حكما مطلقا ينسخ بنية حكم حافظ الأسد في سورية ككل. كان يعتقل رفاقه "الحزبيين" (= البعثيين) الذين لا يرضى عنهم، وكانت تهمة بعث العراق سيفا مصلتا على رؤوسهم.
شارك الرجل وضباط المخابرات في فلاحة وزراعة البادية، على حساب غيرهم من النافذين المحلين. فإذا جاء الموسم جيدا وضعوا الغلة في جيوبهم، وإن كان الموسم سيئا لم يخسروا شيئا. سماه الرقاويون الوالي. ومن "منجزاته" أن بنى قصرا مهيبا لنفسه، تُسوِّره أسوار عالية لا يرى من الخارج ما بداخلها، ولا يدخلها إلا المقرّبون.
بعض قصر "الوالي" أشيد على حساب ثانوية الرشيد، الثانوية الأقدم والأكبر في الرقة، بنيت أيام الوحدة مع مصر، وكانت نموذجية من حيث البناء والتجهيزات، والملاعب. في جهة منها ملعب كرة يد وكرة سلة وكرة طائرة، ووفي الجهة الأخرى ملعب كرة قدم، وحوله مضمار لألعاب القوى، وتبطن سورها صفوف من أشجار الكينا والسرو والصنوبر... فضلا عن نبتات السياج الدائمة الخضرة.
"الوالي" صار فيما بعد وزير إعلام طوال سنوات وزارة محمود الزعبي (1987-2000). وكان له الفضل الثاني، بعد أحمد اسكندر أحمد في السبعينات، في محورة الإعلام السوري كليا حول عبادة حافظ الأسد.
عهد سلمان هو العهد الذهبي للمخابرات في الرقة (وفي سورية كلها).
وربما في الرقة أكثر من غيرها تظهر العلاقة بين المخابرات والتراكم الأولي. المخابرات تُخوِّف، الناس يشترون أمنهم بالمال، المُخيفون يغتنون. كان أشباه المقدم عزيز، رئيس مفرزة الأمن العسكري في الرقة في التسعينات، ينهون خدمتهم وهم فاحشو الثراء، مثلما كان ضباط الاستعمار البريطاني في أفريقيا والهند.
هذا الرباط بين الطغيان والاستغلال هو ما دعا ناشطين في الرقة إلى وصف مدينتهم بأنها "مستعمرة داخلية". تُحكَم بالقوة وتنهب بلا رحمة، وتترك للخراب.
بين سبعينات القرن العشرين واليوم، سار الميل العام باتجاه تدهور على مستوى الخدمات والمرافق العامة، ومظهر المدينة يعطي انطباعا بالبؤس. في الصيف غبراء كالحة، وفي الشتاء تتحول شوارعها المهملة إلى طين. يُنسب إلى عبد السلام العجيلي، الطبيب والأديب والسياسي السابق، و"الرقاوي الأصلي"، قوله عن المدينة: في الرقة كل شيء زفت إلا الشوارع!
سكان ريف الرقة "شوايا"، وهم اسم يدل سكان أرياف منطقة الجزيرة العرب عموما، ممن ليسوا بدوا رُحّل، ولا سكان مدن حضريون، وليسوا بالمثل فلاحين عريقين بالزراعة. في سورية تمثيل معرفي سلبي للشوايا، يسهم في إهمال المنطقة كلها على مستوى التعليم والخدمات والمرافق. يستخدم الشوايا كقوة قمع في المخابرات (يأخذ عليهم الحموية أنهم كانوا من أدوات الفتك بهم في شباط 1982)، وفي أعمال خدمة الضباط في الجيش، وكثير منهم عمالة غير ماهرة في المدن السورية وفي لبنان.
وفي ريف الرقة الشمالي قرى كردية متناثرة.
قد يكون هناك ضباط جيش رقايون، لكن ليس بينهم اسم معروف. وشبكة المحسوبية المتاحة للرقاويين ضيقة ومحدودة التأثير، مكونة أساسا من شيوخ عشائر، كان يستخدمهم النظام لضمان ولاء جماعي، ويوفر لهم ولمحاسيبهم منافع ثانوية.
واقع شبكة المحسوبية الضعيفة التأثير هذا يُلجِئ الرقاويين إلى الرشوة تيسيرا لمصالحهم المشروعة. هذا عنصر إضافي في شرط المستعمرة الداخلية.
تدين الرقاويين في الريف والمدينة شعبي وتقليدي. التدين الفقهي والعالم نادر أصلا. ليس هناك فصل صارم بين الجنسين، وفي الريف الاختلاط واسع. لكن هناك صعود للسلفية منذ سنوات. وغطاء الرأس الشعبي الذي كان يكشف غرة المرأة وجدائلها يتراجع اليوم لمصلحة السفور أو "الحجاب الشرعي". البرقع نادر، ومميز للسلفيين. هؤلاء في صهعود نسبي في سنوات ما قبل الثورة. تبدو لي السلفية بعثية جديدة، وتخاطب قاعدة اجتماعية مماثلة لم تعد تخاطبها البعثية.
غير تمثال ضخم لحافظ الأسد، كان أكثر ما لفت نظري في دقائقي الأولى في الرقة بعد 16 عاما ونصف من الغياب، ليل 21/12/1996، هو الوسخ الكثير في الشارع عند حديقة الواحة. في مطلع السبعينات كانت الواحة جنينة صغيرة بديعة الجمال، تقع غير بعيد عن ساحة الساعة التي يتفرع منها شارعا تل أبيض والوادي.
التمثال سقط يوم 4/3/2013. اكتمل "تحرير" المدينة في اليوم التالي بالسيطرة على مقر فرع الأمن العسكري. كان فرعا الأمن السياسي وأمن الدولة قد وقعا تحت سيطرة الثائرين المسلحين قبله.
وقائع هذين اليومين تصلح تعريفا للتحرير في سورية: تحطيم أجهزة المخابرات، وإسقاط التمثال و... تنظيف الشوارع.
"المستعمرة الداخلية" هي أول مركز محافظة يخرج من سيطرة النظام في سورية. تبقى الخشية عليها من عدوان مفارز النظام في المناطق المحتلة، وبخاصة الفرقة 17 شمال المدينة ببضعة كيلومترات، اللواء 93 في عين عيسى (60 كيلومترا شمال الرقة)، ومطار الطبقة، فضلا عن صواريخ سكود.
في اليوم التالي لإسقاط التمثال والتبول عليه، قصف طيران النظام المدينة، ووقع أكثر من عشرة شهداء غير بعيد عن مسرح السقوط الذي منح الرقة مشهدا تاريخيا مؤسسا لعهد جديد. القصف بالطيران شبه يومي. ولا يبدو أن له غرضا غير الانتقام وتنكيد عيش السكان.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم سقط التمثال
- التناقض الكبير للثورات العربية
- ثورة في المملكة الأسدية
- ثلاثة أشكال للعنف في الثورة
- من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة
- -من بدل دينه فاقتلوه-!
- ثلاثة أشكال للنزعة السلمية في الثورة السورية
- استحضار كربلاء في -قلعة العلمانية-!
- عمر عزيز
- قطع رأس أبي العلاء
- عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية...
- ثورة أكثر، سياسة أكثر
- سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟
- تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية
- الأسد أو لا أحد/ الأسد أو نحرق البلد: نظام العدمية السياسية


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الرقة... صورة -مستعمرة داخلية-