أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - يوم سقط التمثال














المزيد.....

يوم سقط التمثال


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4030 - 2013 / 3 / 13 - 16:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كان من أول مشاهداتي، وأنا أقطع الطريق من "كراج البولمان" في الرقة إلى منزل أهلي بعد أكثر من 16 عاما من الغياب، تمثال ضخم لحافظ الأسد في ساحة قريبة من الكراج. كان هذا في الأيام الأخيرة من عام 1996.
وقت اعتقلت عام 1980، لم تكن هناك تماثيل للرجل الذي كان يحكم البلد منذ عشر سنوات فقط حينها. نصب الرجل تماثيله في كل أرجاء البلد، بعد أن كان قتل عشرات ألوف السوريين في مطلع الثمانينات وحبس عشرات الألوف، وأهان الجميع. كانت إقامة التماثيل احتفالا بنصر الحاكم على المحكومين، وتجسيدا ماديا لنرجسية السلطة المطلقة. وهي بعد "فزّاعات" تخيف عموم السوريين على نحو ما يفترض أن تخيف فزاعات الحقول العصافير.
التمثال الكبير في الرقة سقط يوم 4 آذار. أسقطه سوريون ثائرون في مشهد استثنائي، ثم داسوه بالأقدام وضربوه بالأحذية، وبال عليه رجل كهل. وقارنوا بفخر بين إسقاطه بأيديهم وإسقاط تمثال صدام على يد الأميركيين قبل عشر سنوات: بأيدينا أسقطناه لا بيد غيرنا!
نائيا عن الرقة طوال العامين الأخيرين، قضيت يوما طويلا على النت أتابع ما يجري في مدينتي، أول مركز محافظة يخرج كليا على سيطرة النظام، ويُعتقل فيه المحافظ ورئيس أحد الأجهزة الأمنية وأمين فرع حزب البعث.
السلطة تنهار في الرقة: التمثال والممثلون يسقطون في يوم واحد. في العربية رابط اشتقاقي بين التمثال والممثل. التمثال ينوب عن أصل، والممثلون عن أصيل (الكلمتان من جذر واحد أيضا). الأصل والأصيل: قائدنا الأبدي الذي أورثنا لابنه العصابي!
في اليوم نفسه بدأ القصف على المدينة بالطيران والمدفعية. وفي اليوم التالي أيضا، ويسقط مواطنون. النظام يرد بالنار على محطمي أيقوناته.
في ساحة عرنوس وسط دمشق تمثال ضخم على قاعدة مرتفعة، يعلو رؤوس من يمرون بالساحة أو يجلسون على مقاعدها. يحلم دمشقيون بأن ترمز إزالته لخلاص مدينتهم، والبلد ككل.
في حلب، كان تمثال "القائد الخالد" منصوبا بين مسجد وكنيسة في وسط المدينة. بهذا تتجاور الأديان السورية الرئيسية الثلاث: الإسلام والمسيحية و..."الأسدية".
وقت استدعيت إلى "فرع المنطقة" في أيلول 2001، كان من المشاهدات المدهشة أن هناك 13 تمثالا نصفيا متفاوتة الحجم، والعديد من الصور لحافظ الأسد في المكتب الفسيح والفخم للواء هشام اختيار، رئيس الفرع آنذاك (قتل مع أمنيين آخرين في عملية غامضة في تموز من العام الماضي). لماذا ليس صورة واحدة أو تمثالا واحدا؟ ربما لأن الأمر يتعلق بدين مجادل فيه، ورجال هذا الدين في حاجة إلى طرد الوساوس في شأن مقدسهم. ملء الفراغ بالأنصاب لا يترك مجالا لشياطين الشك.
الأجهزة الأمنية هي معابد هذا الدين الأسدي.
كان سبب استدعائي حينها أني ذكرت شيئا في مقالة عن مذبحة حماة 1982. التذكر من محرمات الديانة الأسدية. المخابرات تحرس التحريم.
بعض السوريين يحطمون تماثيل حافظ الأسد لأنها ترمز للطغيان. وبعضهم لأنها "أصنام" تعبد من دون الله، وفقا للرؤية الإسلامية. ينبغي القول إنه يتكثف في تماثيل الطاغية السوري ضيق الفرق بين الفهمين. هذا طغيان رفع نفسه إلى مرتبة مقدس. الأسدية دين ودولة، وتقويض دينها وتحطيم دولتها يسيران معا.
يوم سقوط التمثال في الرقة، وصلني من صديق شاب أن والده الطبيب، وكان سعيدا بإسقاط التمثال وتحرير المدينة، سيدخر لي قطعة من صنم الطاغية هدية.
ما كان يمكن أن أختار هدية أرفع من هذه.
كان تمثال حافظ يحرس انعدام ذاكرتنا حيال تاريخه وتاريخ نظامه. بامتلاك قطعة منه نستعيد الذاكرة، ونتدرب على رواية حكايتنا الطويلة والمؤلمة.
من يروي حكايته يرث أرض الكلام ويملك المعنى، يقول محمود درويش، الشاعر الفلسطيني العظيم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناقض الكبير للثورات العربية
- ثورة في المملكة الأسدية
- ثلاثة أشكال للعنف في الثورة
- من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة
- -من بدل دينه فاقتلوه-!
- ثلاثة أشكال للنزعة السلمية في الثورة السورية
- استحضار كربلاء في -قلعة العلمانية-!
- عمر عزيز
- قطع رأس أبي العلاء
- عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية...
- ثورة أكثر، سياسة أكثر
- سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟
- تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية
- الأسد أو لا أحد/ الأسد أو نحرق البلد: نظام العدمية السياسية
- المراقب المثالي والصراع السوري


المزيد.....




- ما أوجه التشابه بين احتجاجات الجامعات الأمريكية والمسيرات ال ...
- تغطية مستمرة| إسرائيل تواصل قصف القطاع ونسف المباني ونتنياهو ...
- عقب توقف المفاوضات ومغادرة الوفود.. مصر توجه رسالة إلى -حماس ...
- أنطونوف: بوتين بعث إشارة واضحة للغرب حول استعداد روسيا للحوا ...
- مصادر تكشف لـ-سي إن إن- عن مطلب لحركة حماس قبل توقف المفاوضا ...
- بوتين يرشح ميشوستين لرئاسة الوزراء
- مرة أخرى.. تأجيل إطلاق مركبة ستارلاينر الفضائية المأهولة
- نصائح مهمة للحفاظ على صحة قلبك
- كيف يتأثر صوتك بالشيخوخة؟
- جاستن بيبر وزوجته عارضة الأزياء هيلي في انتظار مولودهما الأو ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - يوم سقط التمثال