أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - مصر.. خطوة للأمام .. عشر خطوات للوراء















المزيد.....

مصر.. خطوة للأمام .. عشر خطوات للوراء


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 23:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




في عام 1902 ظهرت في مصر أول ترجمة مطبوعة لمسرحية شكسبير" هاملت". على غلاف الكتاب برز اسم المترجم " طانيوس أفندي عبده الكاتب المجيد " وجاءت صفة الكاتب المجيد الملحقة بالاسم من طانيوس أفندي لتعريف القراء بنفسه. وطانيوس أفندي أديب وصحفي لبناني كان من رعيل المنورين الأوائل في مصر. وكان قد ترجم المسرحية قبل طباعتها بخمسة أعوام وقدمها على المسرح عام 1897. وحين عرضت المسرحية لاحظ طانيوس أفندي عبده الاستياء الذي عم بين المتفرجين في الصالة وغضبهم من الظلم الذي تعرض له هاملت وموته في نهاية العمل! وقرر بينه وبين نفسه أن لشكسبير الحق في أن يؤلف مايشاء لكن هناك ، أما في مصر فإن طانيوس أدرى بأحوالها، وكل واحد بحريته لكن في بلده وفي حدوده ، وشكسبير على العين والرأس بس ما يتنططش بقى . وهكذا قام طانيوس أفندي بتعديل نهاية المسرحية وجعل هاملت يواصل حياته بل وينتزع عرش والده ليهدأ المتفرجون بانتصار العدالة. على هذا النحو ألف طانيوس أفندي نهاية مختلفة تماما للعمل الشهير. ولم يكن كاتبنا المجيد عابر طريق في الثقافة، فقد كان مترجما عريقا أصدر سلسلة " الروايات القصصية" وظهر منها أربعون عددا، وجريدة " الشرق اليومية" ومجلة " الراوي" الأسبوعية وقدم أعمالا عديدة للمسرح، لكنه بتأليفه تلك النهاية الجديدة لهاملت كان يسقط على العمل أماني الجمهور البسيط وربما أمنيته هو أيضا بإنصاف المظلوم. حادثة أخرى حين بدأت الثقافة العربية في عشرينات القرن الماضي تتعرف إلي الفكر الاشتراكي بفضل رواد أوائل مثل شبلي شميل ونقولا حداد وسلامة موسى، وأخذ مثقفون عرب في ترجمة الكتب الماركسية من الانجليزية إلي العربية. وكان من ضمن الأعمال التي ترجموها حينذاك مقال كتبه لينين زعيم الثورة البلشفية بعنوان " خطوة للأمام .. خطوتان للخلف"، تناول فيه ظاهرة الانقسام داخل الحزب الواحد. وحين قرأ المترجم عنوان المقال ألح عليه سؤال : إذا كانت الثورة - حسب العنوان - تتقدم خطوة واحدة وتتراجع خطوتين، فلابد أنها في المحصلة النهائية ستتراجع ! وظن صاحبنا أن عنوان الطبعة الانجليزية تشويه متعمد لأفكار لينين الثوري والذي يستحيل بداهة أن ينادي بهزيمة الثورة في نهاية المطاف ! من ثم جعل المترجم للتقدم خطوتين ونشر المقال بعنوان" خطوتان للأمام .. خطوة للخلف "! لتنتصر الثورة ! مرة أخرى يسقط المترجم تصوره وأمانيه على الواقع. على أية حال تم استدراك تلك الأخطاء لاحقا، عندما ظهرت " هاملت " في ترجمة دقيقة لشاعر القطرين خليل مطران، وعندما نشرت ترجمة مقال لينين بحذف الخطوة الزائدة من تقدم الثورة ! وبقيت لنا من تلك الأعمال الأدبية والسياسية قيمتها الحقيقية وما تطرحه من أسئلة. بقي من هاملت حيرته وتساؤلاته الفلسفية العميقة ، وبقي من لينين ملاحظته حول أن التقدم خطوة والتراجع خطوتين ظاهرة نلمسها " في حياة الأفراد وفي تاريخ الأمم .. وأن الشعب رغم جميع التعرجات والخطوات إلي الوراء سيرص صفوفه أكثر فأكثر". وعندما يدور الحديث عن ثورة يناير التي أسميناها انتفاضة أوانتفاضة يناير التي أسميناها ثورة ، فإن النظرة الأعم والأشمل خلال الحديث هي أن ثمة تعرجات وخطوات للوراء لكن مصر لن تلبث بعدها أن تندفع إلي الأمام نحو أهدافها. وخلال ذلك الجدل أسأل نفسي في صمت : هل أن ما تشهده مصر هو خطوات مؤقتة للوراء.. استعدادا للتقدم؟ أم أنها خطوات للخلف في اتجاه ثابت نحو التراجع ؟. بمعيار التفاؤل يمكننا أن نقول إن وصول الأخوان للحكم خطوة للخلف، وأن الغضب الشعبي على حكمهم خطوتين للأمام. لكن هناك الكثير من الظواهر التي تثير القلق. على سبيل المثال كيف يمكن لانتفاضة – ثورة أن تبدأ لنحو عام تقريبا متخذة شعار " إسقاط حكم العسكر" وترتد منادية بحكم الجيش مرة أخرى؟ . كيف يمكن لانتفاضة – ثورة أن تهب لخلع رأس الطغيان وتنتهي بتكريس رأس طغيان آخر؟ كيف يمكن لحركة شعبية أن تثور تحت شعار الحرية فتحصد الاستبداد مجددا؟ كيف يمكن لحركة شعبية تبدأ بالدفاع عن الوطن أن تنتهي بتلك المساحات الشاسعة من الفوضى التي تهدد الدولة والجيش بالتفكك لتصبح مصر لقمة سائغة لأمريكا وإسرائيل؟ كيف يمكن لانتفاضة – ثورة أن تقوم لتطوير الدستور وانتزاع المزيد من الحريات فتنتهي بتقليص الحريات وبدستور يكرس الفاشية؟ . كيف يمكن لحركة شعبية تنتفض على الفقر والتخلف أن تمضى لمزيد من الفقر والتخلف؟ هل يمكن النظر إلي كل ذلك باعتباره " خطوتين للخلف " تندفع بعدها الثورة إلي الأمام ؟ أم أن ذلك التراجع سمة أصيلة لتلك الانتفاضة لن يعقبها تقدم أو خطوة للأمام؟ . هل أن كل ما نفعله هو أننا نسقط أمنياتنا على الواقع ونغير النهاية على الورق بينما تمضى القصة بنهايتها الحقيقية في اتجاه آخر؟
إن أكثر ما يثير القلق في كل ذلك أننا لا ندري من الذي يحدد شعارات وتوجهات وحركة الانتفاضة الثورة. من الذي بلور ذات يوم شعار إسقاط حكومة أحمد شفيق ليحل بدلا منه عصام شرف؟ من الذي طالب بإسقاط حكم العسكر لينادي الآن بعودة العسكر؟ من الذي رفع الآن ، وكيف، وبأية آلية سياسية ، شعار العصيان المدني؟ وإلي أي شعار آخر سيقودنا لاحقا؟. في كل ذلك لم يؤد التراجع إلي خطوة للأمام ، بل إلي مزيد من التراجع: من أحمد شفيق لعصام شرف وصولا إلي هشام قنديل. ومن مبارك وصولا إلي مرسي، ومن هامش حريات إلي قبضة فاشية مقنعة بالدين، ومن دستور سيء إلي الدستور الأسوأ. هل أن كل ذلك التراجع أمر من صميم الثورة التي لم تبخل بالدماء وبخلت بتوجه اجتماعي واقتصادي حاسم؟ هل أن كل ذلك التراجع من صميم انتفاضة بذل أبناؤها لأجلها أرواحهم بدون أن تبذل الجهود اللازمة لتنظيم حركتها ؟
أظن أن أولى الدروس وأكثرها وضوحا أن الثورة الانتفاضة التي تدور في فلك الإصلاح السياسي – بعيدا عن المطالب الاجتماعية – لا تحصد في نهاية المطاف حتى الإصلاح السياسي، وأن الثورة الانتفاضة التي تهب من أجل الديمقراطية بمعزل عن برنامج اقتصادي ووطني، لاتحصد حتى الديمقراطية. كانت الشعارات الأساسية ليناير هي الإطاحة برأس النظام، وتعديل الدستور، والانتخابات النزيهة، وبرلمان يمثل الشعب، ولأن كل تلك الأدوات كانت منفصلة عن علاج مأساة الفقر والتفاوت الصارخ في الدخول، والبطالة ، والتبعية ، وأزمة السكن ، والعلاج ، فإن الثورة لم تضع يدها حتى على تلك الأدوات. وعجزت القوى المستنيرة ، الوطنية ، عن تشكيل مجلس شعبي ووطني لقيادة الثورة ، وعجزت حتى عن التنسيق فيما بينها خلال ردود أفعالها على حكم الأخوان، وظلت شعارات مثل " عيش . حرية. عدالة اجتماعية " في حدود الشعارات العامة المطاطة التي افتقدت أية قوة أو نفوذ في الواقع الفعلي. ولا يكفي هنا تكرار أن " الثورة مستمرة " ، لأن تلك العبارة تصبح خالية من أي معنى بدون العمل من أجل برنامج يضمن استمرارية تلك الثورة – الانتفاضة. لذلك يطرح د. رؤوف حامد مبادرة جديدة ينادي فيها بضرورة بلورة مؤسسات الثورة ، وضرورة الوصل إلي جماعية القرار الوطني لمفكريها. هذا أو أننا سنظل نسقط أمنياتنا على الواقع ، ونرى في خيالنا أن " هاملت " مستمر يواصل الحياة، وأنه انتزع عرش والده وأن العدالة قد انتصرت، بينما تمضي المسرحية الحقيقية في اتجاه آخر، أو أننا نكتب " خطوتان إلي الأمام " لأن هذا ما نتمناه.



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمق صغير لشعب كبير
- رؤوس الفن المقطوعة .. أم كلثوم وأبو العلاء وطه حسين
- انبذوا العنف .. حين نمارس العنف ضدكم !
- حكايات النفوس الميتة
- مرحلة انتهت بحكم الإخوان .. ومرحلة تنهي حكم الإخوان
- إنهم يقتلون الأدباء .. أليس كذلك؟
- معركة القضاء المصري معركة الثقافة
- والله طيب يا حمص أخضر !
- ثقافة الهوان في دستور الإخوان
- دعونا نجرب عاما جديدا
- الطوابير المؤنثة .. وصانعة المستقبل
- استفتاء شعبي آخر .. وتصبح - لا - قوة مؤثرة
- مصر والدستور .. زكيبة الدقيق والعصا
- مرسي والإخوان .. كلهم تكلموا باسم الدين !
- ومض
- الثقافة والجلافة فيما جرى مع علاء الديب
- الإخوان ذراع الطغيان
- قبضة الفاشية في إعلان دستوري بمصر
- يكفي أيها اليوم أنك جئت.. لكي لا أعاتبك
- كيف منحنا قلوبنا للرصاص الذي انهمر ؟


المزيد.....




- وزير الدفاع الإسرائيلي ردا على تصريحات بايدن: لا يمكن إخضاعن ...
- مطالبات بالتحقيق في واقعة الجدة نايفة
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينتج برامج تلفزيونية ناجحة في ال ...
- سويسرا: الحوار بدل القمع... الجامعات تتخذ نهجًا مختلفًا في ا ...
- ردًا على بايدن وفي رسالة إلى -الأعداء والأصدقاء-.. غالانت: س ...
- ألمانيا ـ تنديد بدعم أساتذة محاضرين لاحتجاجات طلابية ضد حرب ...
- -كتائب القسام- تعلن استهداف قوة هندسية إسرائيلية في رفح (فيد ...
- موسكو: مسار واشنطن والغرب التصعيدي يدفع روسيا لتعزيز قدراتها ...
- مخاطر تناول الأطعمة النيئة وغير المطبوخة جيدا
- بوتين: نعمل لمنع وقوع صدام عالمي


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - مصر.. خطوة للأمام .. عشر خطوات للوراء