أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي















المزيد.....

ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 3988 - 2013 / 1 / 30 - 22:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ربما يكون من العبث أن نحاول إلقاء الضوء على فكر الفيلسوف الألماني الراحل لودفيج هيجل في هذه الأسطر البسيطة، ناهيك عن سرد ملاحظات على هذا الفكر. لذا، اخترت العنوان الذي يشير بالفعل إن أن ما سيرد هو مجرد ملاحظات خاطفة على هذا الفكر الذي استطاع بحق أن ينشئ بنيانا فلسفيا متكامل الأركان، مثل في جزء منه حجر أساس متين لكل الفكر الجدلي الذي تلاه بما فيه الفكر الماركسي، رغم الانتقادات الحادة التي وجهها الماركسيون إلى جدل هيجل.
وفي هذه العجالة السريعة سيكون التركيز على ثلاثة محاور من فكر هيجل، وهذه المحاور هي: ما إذا كان جدل هيجل مثاليا أم ماديا، إلى جانب رؤيته للحرية، وما إذا كان فكر هيجل يدعم مبدأ الثورة من عدمه. ونعود فنؤكد أن ما يلي هو مجرد مرور سريع على فكر هيجل في هذه النقاط الثلاثة، بما يزيد عن مستوى الخواطر، ولكنه لا يصلح إلى مستوى الدراسة الفاحصة المتأنية.

هيجل والجدل حول جدله!
يعرف جدل هيجل بأنه مثالي، إلا أن هناك أصوات تؤكد أن هذا الجدل هو مادي بامتياز، وتستند هذه الأصوات إلى أدلة من صفوف الماركسيين أنفسهم، ومن بينها بعض كتابات الزعيم السوفيتي الراحل فلاديمير لينين التي أشار فيها إلى مادية فكر هيجل، ومن بينها قوله: "يبدو هذا ماديا للغاية"، وذلك في إشارة إلى ما قاله هيجل من أن الأشياء عليها أن تبدو في الواقع أولا قبل أن تبدو في التاريخ.
كما أن تأكيد هيجل أن الوجود هو نقطة الانطلاق الأولى للجدل باعتباره المصدر الأساسي للأفكار تحفز من يؤيدون المزاعم القائلة بأن جدل هيجل هو جدل مادي بامتياز. ومن بين هؤلاء مجاهد عبد المنعم مجاهد، والذي انتقد في "كتابه هيجل: قلعة الحرية" (مكتبة دار الكلمة — 2008) ما ذهب إليه فريدريك آنجلز من أن جدل هيجل مثالي ويقف على رأسه، مشيرا إلى أن الجدل مادي ويقف على قدميه.
إلا أن ببعض التدقيق في الجدل الهيجلي يمكن القول إن هذا الجدل له نقطتا انطلاق؛ النقطة الأولى هي الوجود، وبالتالي يطلق عليه مادي، أما النقطة الثانية فهي الأفكار، لذلك من الممكن أن يقال عنه إنه مثالي؛ أي من الممكن وصفه بأنه مادي ومثالي في آن. إذن، في تقديري الشخصي، يمكن القول إن الوصف الأفضل للجدل الهيجلي هو أنه "مادي تصوري". كيف ذلك؟!
عندما يقول هيجل إن الوجود هو النقطة الأساسية التي ينطلق منها الفكر، فهذا دليل على أن جدله مادي، ولكن عندما يقول إن التطور يحدث انطلاقا من تطور الأفكار فإن هذا يعني أن الجدل فكري تصوري، وبالتالي فهو يقع في منزلة بين المنزلتين؛ أي ليس ماديا بامتياز ولا مثاليا للنهاية، فهو "مادي تصوري".

هل هيجل معارض للثورة؟!
يرى هيجل أن الثورة الفرنسية كانت ثورة ضد الطغيان وأيدها في البداية بحماس، إلا أنه عاد وعارضها بشكل كبير عندما طالبت بالديمقراطية لأنه يرى أن الديمقراطية ليست هي الطريق الأساسية التي يتعين على البشر أن يسلكوها بالنظر إلى أن الحكم الناجم عنها سيكون حكما ناجما عن الرغبة التلقائية في السعي نحو الحرية، وهو ما يتنافى مع ما يريده هيجل للإنسان من تحكيم للعقل لا بالحس التلقائي. كيف ذلك؟!
يقول ماركيوز إن هيجل جعل "مهمة تحطيم قبضة الحس العام المشترك مهمة خاصة يضطلع بها المنطق الجدلي". وبالعودة إلى فكر هيجل نفسه، فقد كان يرى في الثورة الفرنسية معجزة لأنها هدمت البناء القديم، ولكنه كان يرى أنها تعجز عن بناء منظومة جديدة، لأنها استندت إلى الإرادة العامة للشعب الفرنسي بما يشمل إرادة الغوغاء مما قاد إلى الإرهاب والفوضى. كذلك فقد كان "هيجل دائم الإصرار على أن الدولة الحديثة تتصف بدرجة عالية من التعقيد وتعدد الأجهزة والوظائف بحيث لم تعد الديمقراطية المباشرة تصلح في ظلها. فالاعتقاد في إمكانية مشاركة الأفراد المنعزلين مشاركة مباشرة في تسيير شئون الدولة كما كان يحدث في دولة المدينة اليونانية يعد سذاجة سياسية ووهما ديماجوجيا". وذلك وفق ما ذهب إليه أشرف منصور في مقاله "قراءة جديدة لفلسفة هيجل في الدولة".
إذن، هيجل لا يعارض الثورة كفكرة، ولكنه يرى أن الديمقراطية هي الخطر الحقيقي على الدولة، ويرى أن التعقيد الذي تتصف به أجهزة الدولة الحقة يدفع نحو وجود مؤسسات وسيطة مثل النقابات أو الطبقات من أجل تسيير مصالح المواطنين الذين لا يجب أن يمارسوا الفعل السياسي بأنفسهم، لأن ممارسة الأفراد الفعل السياسي بشكل مباشر قد تدفع بالبلاد نحو الغوغائية، مثلما حدث في الثورة الفرنسية. الحل في رأيه أن الثورة تقوم لتسقط الظلم، وبعد ذلك يتم تطبيق مفهوم الدولة الحقة ذات الأجهزة المعقدة.

الحرية... ما الحرية؟!
كموقف مبدئي، يرفض هيجل فكرة الحرية المطلقة، ويرى أن الدولة كيان وجد من أجل الحد من حرية الإنسان بما يحقق حرية المجتمع. إذن، في رأيه الحرية هي حرية الكل لا حرية الفرد فحسب. ويرى أن حرية الفرد بالمعنى المطلق تنطوي على حرية غير مسئولة لأنها تتضمن حرية الغريزة والدوافع البهيمية، بينما الحرية المرشدة أو تلك التي تم التوصل إليها كـ"قرار" إنساني هي الحرية المسئولة لأنها حرية الفكر، وهذا الفكر يقود الإنسان إلى التخلي عن جزء من حريته في سبيل تحقيق — كما سبق أن قلنا — حرية المجموع.
تتناقض هذه النظرة مع النظرة الليبرالية التي ترى أن الإنسان حر بالمعنى المطلق. وهذا التناقض يعيدنا إلى النقطة السابقة المتعلقة بالثورة. فهذا التناقض يطال أيضا مفهوم الثورة بين هيجل والليبراليين، لأن المفهوم الليبرالي للثورة يعني الإطاحة بالطغيان، والانطلاق نحو حكم الإرادات الفردية، وهو الحكم الذي يأتي من خلال الاحتكام للشعب وأغلبيته بحيث تصبح الإرادة الجماعية عبارة عن مجموع الإرادات الفردية.
هذا ما يرفضه هيجل، وقد أوضحنا في النقطة السابقة البديل الذي يقدمه هيجل وهو الدولة العتيدة بمؤسساتها، وهي الدولة التي يستقي مفكرنا الكبير نموذجها من الدولة البروسية، الأمر الذي دفع البعض إلى اتهامه بالرغبة في تكريس الديكتاتورية والطغيان. فكيف تستقيم، إذن، دعوته للحرية مع تحبيذه للنموذج الديكتاتوري؟!
في الواقع سيكون من الظلم أن نقول إن هيجل يحبذ النموذج الديكتاتوري، ولكن كل ما في الأمر أنه يحبذ الإطار العام على المستوى التصوري المفهومي، لا على المستوى التطبيقي. هو يريد دولة ذات مؤسسات تستطيع أن تكفل الممارسة السياسية بما ينقيها من الممارسات الغوغائية التي لوثت الثورة الفرنسية من وجهة نظره. ولكنه لا يرغب في أن تكون دولة ديكتاتورية تقيد الحرية الفرد. وبهذا يمكن التوفيق بين دعوته للحرية وبين رغبته في تقييد هذه الحرية، فهو يريد تقييد هذه الحرية انطلاقا من سعيه نحو الممارسة المثالية الخالية من الدوافع الدنيئة بما يليق بالمفهوم المثالي للإنسان.
إن نظرة هيجل للإنسان تريد منه أن يكون الكائن المثالي، وهو لن يكون هكذا إلا إذا تحرر من الدوافع الدونية، وهذا التحرر يأتي من خلال القيود التي يضعها الإنسان على نوازعه بحيث يتحرك نحو الخير بدافع من التفكير (الشيء الأكثر مثالية ونقاء عند هيجل) لا بدافع غريزي بهيمي يربأ هيجل بالإنسان عنه.

إذن، هيجل كان منطقه مثاليا وماديا في آن، ولم يسع إلى تقييد حرية الإنسان ولكنه وضع قواعد تنظم ممارسة الحرية الإنسانية بما يضمن الكمال الإنساني، وهو الأمر الذي دفعه إلى معارضة الممارسات التي أسفرت عنها الثورة الفرنسية والتي تمثلت من وجهة نظره في الإرهاب والفوضى، ولكنه أيد فكرة الثورة في حد ذاتها باعتبارها وسيلة للإطاحة بالطغيان والنظم الديكتاتورية.
وكلمة أخيرة، هذه ليست دراسة تحليلية فهذا لن يكون في ما لا يزيد 1300 كلمة، ولكنها — كما قلنا في البداية — نظرة تتجاوز مستوى الخواطر، ولكنها لا ترقى لمستوى الدراسة.



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إحسان عبد القدوس... لماذا الآن؟!
- هند والدكتور نعمان... والحالة المصرية عربيًا!
- الثورة المصرية... ثورة لم تكتمل
- الحكاية الأحوازية المنسية عربيا
- ماذا تبقى لكم؟!
- رؤى حول بعض نظريات تفسير نشأة المجتمع وتطوره
- -العالم الآخر الممكن- لم يعد ممكنا!
- المنتدى الاجتماعي العالمي في مهد الثورات العربية... بين اليس ...
- المرأة بين حضارات الشرق والغرب
- الإسلام... بين النقيضين!
- شموئيل عجنون... القلم الكاذب
- الترجمة لفظا وتاريخا وعِلْما
- أصناف العقل الإنساني (3)
- البطل
- رجال في الشمس... عندما يصبح الظل طريقا للاحتراق...!
- أصناف العقل الإنساني (2 )
- أصناف العقل الإنساني (1)
- المسألة القومية لدى التيارات الفكرية المختلفة... نظرة رصدية
- نوبل للآداب.. أم لأشياء أخرى؟؟!
- ‎25 يناير... هل هو ثورة؟!!


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين محمود التلاوي - ملاحظات خاطفة على الفكر الهيجلي