أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - وعّاظ سُلطان الزمان ومُختار العَصر والأوان نوري المالكي















المزيد.....

وعّاظ سُلطان الزمان ومُختار العَصر والأوان نوري المالكي


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 3987 - 2013 / 1 / 29 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما مِن زمان إلا وله سَلاطينه، ولكِن سَلاطين الأمس هُم ليسوا سَلاطين اليَوم، فقد تبَدّلت أحوال السَلاطين بتبَدّل الآزمِنة، وبَعد أن كان كثير من سَلاطين الأمس أهل للسُلطان بأصولِهم وهَيبَتهُم وأتكيتهُم، باتَ أغلب سَلاطين اليوم (إن كان فيهم مَن يَمتلك سُلطان نفسِه) مِن الأدعياء ومُحدثي النِعمة وأصحاب بُطون جاعَت ثم شَبعَت. طبعاً ليسَ السَلاطين هُم وَحدَهُم مَن تبَدّلوا بتبدّل الأزَمنة بَل وعّاظِهم أيضا، فشَتان ما بَين وعّاظ الامس ووعاظ اليَوم. لقد كان أغلب وعّاظ الأمس شُعراء ومُثقفين ورجال دين أحياناً كالطوسي وقِصّته مَع هولاكو وأبو يوسف وقِصّته مَع الرَشيد والمَجلِسي وقِصّته مَع عَباس الصَفوي وغيرهِم، وكانوا يُمارسون الوَعظ الإيجابي لسَلاطينهِم الى جانِب الوَعظ السلبي الذي نقصُدُه بهذا المَقال.أما وعّاظ اليَوم فهُم كأسيادِهِم طارئون نكِرات، ظَهَر بَعضُهُم مِن العَدَم، لدَرَجة يَصعُب مَعَها أن تجد له تأريخاً تستنِد عَليه.
إن أبرز مِثال على سلاطين اليوم هُو المالكي ومَن سَبقه مِن حُكام العراق مُنذ نصف قرن،الذين لم تكن لهُم مِن مُؤهِلات السُلطان سِوى أنهُم أعضاء في مُنظّمات سِرّية سَمّت نفسَها أحزاب، جائت بشَلاتيّة وصِبية مُترَيّفين مِن العَدَم ودَفعَتهُم الى الواجِهة ليُصبحوا حُكاماً للعراق، تُحَرّكهُم أصابع أسيادِهِم، وعُقد خلفتها بهم بيئاتِهم المَريضة التي جاءوا مِنها، وشَحَنات التَعظيم والمَديح التي تأتيهُم مِن وعّاظِهم. واليَوم نَرى المالكي ووعّاظِه يَتعامَلون بعُنجُهيّة وتَخبّط مَع تظاهُرات بَعض المُحافظات العراقية التي ترفع مَطالب شَرعية لكل العراقيين، فهو في حالة هِيستيريا واضِحة خوفاً على السُلطان الذي بَين يَديه، والذي يَبدوا أنه باتَ مُستعِدا للذِهاب الى أبعَد الحُدود للحِفاظ عَليه، كذلك وعّاظِه الذين باتَ ظهورهم على شاشة التِلفاز يُثير الإشمِئزاز، والذين يَبدو أنهُم مُستعدّين للذِهاب أبعَد مِنه للحِفاظ على سُلطانِه، مثل كمال الساعِدي وقمعِه للمُتظاهِرين بساحَة التحرير، وحَنان الفتلاوي وصِياحَها الهستيري لو مَس أحّدهُم سَيّدَها بهَمسة، والذليل عباس البياتي الذي لم يَخجَل مِن التصريح عَلناً أنه يُريد إستِنساخ سَيّدِه وسُلطانِه وولي نِعمَتِه. إن بقاء المالكي في السُلطة يُؤمِّن لأمثال هؤلاء مِن حَديثي النِعمة ما يَتنعّمون به مِن إمتِيازات وأملاك لم يَحلِموا بها في يوم مِن الأيام، فمِنهُم مَن تمّت ترقِيَته لخدَماتِه الجَليلة مِن واعِظ الى وَزير كعلي الأديب، أو الى نائِب لرئيس الجُمهورية كخضير الخزاعي، لذا نراهُم أكثر هيستيرية مِنه في الدفاع عَن قراراتِه وأفعالِه، وأساتِذة بالتزييف والكذِب وتشويه الحَقائق وتَحويل الحَق الى باطِل والعَكس، بل باتوا يُصَورون لسَيّدِهِم بأنه صاحِب كاريزما قيادية نادِرة ومُختار عَصره وحَكيم زمانِه وزَعيم البلاد الافضَل وخَيار الشَعب الاوحَد.
للتأريخ ولكي لانبخَس الناسَ أثمانَهُا البَخسة أصلاً،لابُد أن نُشير الى أن وعّاظ المالكي يَمتازون عَن غَيرهِم مِن وعّاظ السَلاطين بكونِهم يُمَثلون ظاهِرة فريدة ونادِرة في التأريخ السِياسي، إذ لم يَعرف التأريخ إمّعات وتابعين أذِلاء لأسيادِهِم كالمَوجودين ضِمن بطانة المالكي وحَوله مِن الوعّاظ، كما أنّهُم يَتناوَبون في لعِب دَور مُحامي الدِفاع عَن سَيّدِهِم في الإعلام وفق خُطة تبدو مَدروسة مِن جهاز إطلاعات، فبَين فترة وأخرى يُصبح أحّدهُم نَجم الفضائِيات دِفاعاً عَنه، تارة يَكون عباس البياتي أو حسَن السنيد وأخرى حَنان الفتلاوي أو هيثم الجبوري ومَرّة علي الدباغ أو كمال الساعدي أو سَعد المطلبي أو سَعدون الدليمي وأحياناً مَريم رويّس أو عَدنان السَراج أو خالد الأسَدي أو مَحمود الحَسَن والقائِمة تطول، ولكل نكِرة مِنهُم طبعاً أسلوبه وطريقته في الدِفاع عَن سَيّده، لكن يَجمَعهم أمران مُهِمّان، أولهُما وَلائهُم الأعمى لسَيّدِهِم وولي نِعمَتِهم، وثانيهما صَلافتِهم في الحَديث الى حُدود تتجاوز الادَب أحياناً.
إن ظاهِرة وعّاظ السَلاطين ليسَت بالجَديدة على المُجتمع العراقي، بل هي مُتأصّلة فيه بسَبَب طَبيعة أفرادِه القلقة المُرَكبة التي تجعَلهُم عُرضة للسُقوط بفخ هذه الظاهِرة، إذ يَعود تأريخها في العراق لما قبل الإسلام، ورُبما أكثر، لكن للأسَف لاتوجَد مَصادر تأريخية تسعِفنا في تأكيد هذا الأمر أو نفيه. مايُهمنا هو وجود هذه الظاهِرة في تأريخ العراق الحَديث، الذي بَدأ بتشكيل الدَولة العراقية الحَديثة على يَد العائلة الهاشمية مُمَثلة بفيصل الأول وولده غازي وحَفيده فيصل الثاني، الذين رَغم أنّهم كانوا أهل للسُلطان وعِز له، إلا أنّهم لم يَكونوا مُحاطين بوعاظ يُسَبّحون بحَمدِهِم ليل نَهار لأن أبرَز صِفتين لظهور الوعاظ لم تكن مَوجودة فيهم، وهُما جُنون العَظَمة الذي يَظهَر لدى حَديثي النِعمة، وإسباغ العَطايا على الأتباع لشِراء ذِمَمِهم، وحَتى حين كانوا يَمنحون عَطايا بَسيطة لبَعض الشَخصيّات التي تستحِقها، كان أصحابها يُجازوهم بالهجاء كما حَدَث مَع الشاعرين الرصافي والجواهري. بَدأت ظاهِرة الوعّاظ تتّسِع لكن ببطأ في زمَن قاسم والعارفين والبَكر بسَبب إمتلاكِهم للصِفة الاولى وهي جُنون العَظَمة، فظَهَر مِن الوعّاظ مَن وَصَف قاسم بالزعيم الأوحَد وأن صورته تُرى بالقمر ومِنهم مُثقفون وأكاديميون. ثم بَدأت هذه الظاهِرة تأخذ شَكلها الواضِح في زمَن صَدام الذي إمتاز بالصِفتين وعَرَف كيف يُوّظفها لإحياء هذه الظاهِرة المَوجودة أصلاً بتركيبة المُجتمَع العراقي، فظَهَر في زمانِه مِئات الوعّاظ الذين مَجّدوه وأوصَلوه لمَصاف الآلهة. بَعد صَدام تحَول هؤلاء الوعّاظ الى مَديح وتبجيل المالكي سُلطان الزمان ومُختار العَصر والأوان الذي يَحمِل نفس صِفات صَدام ويُحاول أن يُوظف نفس أساليبه للسَيطرة على الناس وشِراء ذمَمِهم وضمائِرهِم، وهُنالك اليوم الآلاف مِنهُم بَعد أن زادَ عَدَدهم طَردياً تبَعاً للزيادة الفلكية لواردات الدولة ومِيزانيّتها. الفرق الوَحيد هو إن صَدام كان يَأخذ جُزءً مِن الواردات لنفسِه، وجُزئاً للبلاد، أما الجُزء الاكبَر كان يَذهَب حَطباً لتَرسانة حُروبه العَبَثية التي أصبَحَت اليوم أثراً بَعد عَين، أما المالكي فهو يأخُذ كل الواردات لنفسِه، ثم يُعيد توزيع فتاتِها على إمّعاتِه ووعاظِه الذين يَملئون الدنيا بكلامِهم الفارغ وحُجَجهم الواهِية، دفاعاً عَنه.
لقد كان لوعّاظ المالكي دَور كبير بصُعود نَجمِه السَريع مِن لا شَيء ولا تأريخ ولا مُؤهِّلات، ووصولِه الى ماهو عَليه اليَوم مِن جاه وسُلطان بفضل تعظيمِهم وتأليههم له، وترويجِهِم لسِياساتِه وتبريرهِم لأخطائِه في الإعلام، وسَيَكون لهُم إن شاء الله دَور بسُقوطه وسُقوطِهِم الذي أتوقّع أن يَكون مُريعاً، خُصوصاً بَعد إقرار البَرلمان قانون تحديد مُدة رئاسة الحُكومة بولايَتين، وهو مايُؤشّر ربما لبداية نهاية المالكي ووعاظه الذين لم يَستوعِبوا فكرة تركِهم للسُلطة وهَرَعوا كالعادة لمَحكمَتهم الإتحادية لنقض القانون وإسقاطِه عِبر اللف والدَوَران على الدستور وتحريفه كما فعَلوا مَع نتائج الإنتخابات البَرلمانية السابقة، وهو ما أتاح لهم حينَها التجديد زوراً وبُهتاناً لولاية ثانية، لكن كيدَهُم سَيَرتد اليهم هذه المَرّة بأذن الله لأن مايُبنى على الخَطأ يَنتهي وَبالاً على أصحابه، وهي النِهاية التي أتوقعَها إن عاجلاً أو آجلاً للمالكي ووعّاظِه.

مصطفى القرة داغي
[email protected]



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كِذبة الرَبيع العربي وتلاشي الدَولة المَدنية العَلمانية
- العراق.. مِن دكتاتورية صَدام البائِدة الى دكتاتورية المالكي ...
- طيور ظلام الإسلام السياسي على أشكالها تقع
- المَركز والاقليم.. ومُقايَضة المالكي للدَم العراقي بكُرسي ال ...
- نوري سَعيد أفندي البغدادي.. سيرة عَطِرة
- هل إن الحل هو في تغيير الأنظمة العربية أم في إصلاح الشعوب ال ...
- جيل فريد ولكن.. بلا مَلامِح
- التيار الديمقراطي العراقي والإحتفال بإنقلاب 14 تموز .. ألمان ...
- ما هي قصة عِبارة (الشعب يُريد إسقاط النظام) ؟
- أزمة الأحزاب العراقية بين إرث تحالفاتها السابقة و واقع بناء ...
- المُتّهَم الأول محمد حسني السَيّد مبارك... أفندم أنا موجود
- القائمة العراقية رمز للمَشروع الوطني الليبرالي المَدني في ال ...
- السيناريو المُتوَقّع لإنتخابات العراق عام 2014
- ثورات الربيع العربي أم غزوات الظلام العربي ؟
- الشعوب العربية بين الخروج مِن حُفرة حُكامها والسقوط في هاوية ...
- عُقدة البعث وفزّاعة عودته للسُلطة
- ساسة العراق الجديد، سَبع صَنايع والبَخَت مَضايع
- أنها الثورات الرَعناء لا فخر وما غير هذا مِنها يُنتظر.. ليبي ...
- ثقافة الرقيب ودورها في تسطيح ثقافة و وَعي الشارع العراقي
- ساحة التحرير بين التظاهرات الشعبية والمَسيرات الحكومية


المزيد.....




- بايدن واثق من أن ترمب -لن يقبل- نتيجة الانتخابات الرئاسية
- حماس: إسرائيل غير جادة وتستغل المفاوضات غطاء لاجتياح رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- بايدن على قناعة بأن ترامب لن يعترف بهزيمة في الانتخابات
- قائد -نوراد-: الولايات المتحدة غير قادرة على صد هجوم بحجم ال ...
- أبرز مواصفات iPad Pro 13 الجديد من آبل
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- الجيش الإسرائيلي: معبر -كرم أبو سالم- تعرض للقصف من رفح مجدد ...
- -يني شفق-: 5 دول إفريقية قررت إنهاء عمليات الشحن البري مع إس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى القرة داغي - وعّاظ سُلطان الزمان ومُختار العَصر والأوان نوري المالكي