أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - خذ معك كتاباً إذا دخلت مدينة الحلة














المزيد.....

خذ معك كتاباً إذا دخلت مدينة الحلة


أحمد الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 1142 - 2005 / 3 / 20 - 13:48
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


اشترك التاريخ والجغرافية بصيرورة مدينة الحلة، واحة حضارية تنهل ما يديم خضرة بساتينها الوارفة من مياه نهر الفرات العذبة، مستمدة ارثها الحضاري من بابل، سيدة حواضر العالم القديم، مزدانةً بعبق الجنائن المعلقة، أحدى عجائب الدنيا السبع التي بناها نبوخذ نصر لزوجته سميرأميس، وزاهية بالانطلاقة الأولى للشرائع والقوانين الإنسانية مدونة في مسلة حمورابي، تتوسط أرض وادي الرافدين، غافية على أكتاف الفرات القديم الذي يعرف اليوم بـ(شط الحلة)، عروسا للنهر واهب العطاء ومجدد الخصب.
الحلة اليوم نتاج 900 عام، سفر تاريخي طويل وذكريات ورجال وفكر وانهار ونخيل وغزاة، شهدت خيول السلاجقة والبويهيين والتتار، من هنا مرت خيول هولاكو وتيمورلنك وخيل عاكف التركي وكتيبة مانجستر الإنكليزية، كلهم رحلوا والحلة باقية، مقاربة الحاضر بالماضي، متطلعة اشراقة موعد آت، واثقة من قدومه بالبشارة، رحيل أفراد اليانكي عابري المحيط.
هنا كان حمورابي يسهر ويكتب مسلته، وهنا مر نبوخذنصر والاسكندر المقدوني، والمحقق الحلي على الأرض جالساً يكتب الشرائع، وابن إدريس قبل قرون كتب مؤلفه( السرائر) والبرسي انشغل بالسيميا وحروفها، أحب حرف الباء، وأحب الدائرة شكلا هندسياً. ومن خصب هذه الأرض وتراكم الفكر تزود العلامة الحلي متاعاً في سفرته الى إيران.
أبدعت شعراً فراتياً عذباً بحسب تعبير أحمد شوقي، ذكره علي الخاقاني في شعراء الحلة، ج2، ص377، وأشار الى أن أحمد شوقي مفتون بشعر الشاعر السيد حيدر الحلي، قادته الصدفة الى لقاء أحد طلاب البعثة العراقية في طريقه الى السوربون، وعندها طلب من ذلك الطالب أن يقرأ شعراً فراتياً، قرأ له من نتاج بعض الشعراء المعاصرين، لم ينل شوقي مراده مما سمع، وأخذ أمير الشعراء المهمة على عاتقه قارئأ لامية للسيد حيدر الحلي الى أخر بيت في القصيدة.
مدينة أسهمت عبر الحقب في حركة ثقافة البلد، من بيوتاتها برز الشاعر صفي الدين الحلي، وابن خلفه المشهور ببنده المعروف في تاريخ الشعر العراقي، وحماد الكواز الذي دون اسمه في ديوان الشعر العربي المعد من قبل الشاعر ادونيس، وعن أحوال ناسها وأزقتها كتب عبد الرزاق الحسني في جريدته الفيحاء، ومن سفح تل الرماد بالأمس، (المعروف بالجبل أو حديقة الجنائن المعلقة حاليا) انطلقت أول مظاهرة عمالية منتصف الأربعينات، تحمل لافتة تؤطر مطلب الشغيلة، تحديد ساعات العمل وعطلة الجمعة، وفي هذه الحديقة الحلّية وقف رعيل من رجال الفكر والتنوير أمام وهجة كاشفة مسجلة في ذاكرة التاريخ، صورة جمعت كل من كامل الجادرجي والجواهري وباقر سماكة ورؤوف جبوري، وهنا في هذه الحسينية التي اندرست حينما وثب عليها جسر كان بناته من الهنود، قرأ صاحب عبيد وملا محمد على القصاب مرثياتهم عن الإمام الحسين أبو الأحرار، وعلى تربتها وفي مكان ظليل أنتظمت أولى حلقات تلاميذ الشيخ عبد الكريم الماشطة عضو مجلس السلم العالمي، وهنا كان موقع بيت السيد القزويني، ديوان حافل بأهل المدينة ووجهة مواكب العزاء ومكان انعقاد مجالسهم الحسينية، وفي أحد أركانه نهل محمد مهدي البصير درساً في حب الوطن عندما حظي بلقاء معلم الوطنية الراحل جعفر أبو التمن، وفي غرفة بيت أخر كانت تشرف على هذا الزقاق فك طه باقر رموز ملحمة كلكامش، وفي وسط هذه البيئة نشأ علي جواد الطاهر شيخ النقاد في العراق وتلميذه الذي أحب عبد الجبار عباس، وفي أجوائها أستلهم سامي سعيد الأحمد أفكار دراساته عن الآثار، ومن ضوء قنديل بدأت طقوس القراءة مزدانة بالكتب والمخطوطات المتنوعة، ناقلتها المدارك والأكف عبر الزمن، وما زالت فضاءات الحلة ساحة لجدال الفكر، لم تتوقف عند حدود الأزمنة المتعاقبة، إبداعات متنوعة في مختلف المجالات، فنتاج ناجح المعموري في الآونة الأخيرة بالإضافة الى مجال القصة والرواية والنقد، عدداً من المنجزات الإبداعية التي لاقت صدى واسعاً في الوسط الأكاديمي والثقافي العراقي والعربي، تتجلى فيها قطاف رحلاته الى أعماق الميثولوجيا، وافتراش مدارج المعابد، والتواصل الكوني مع آلهة وملوك الأساطير، حوارات مع جلجامش وآنانا ودموزي، مفاتيحه منهج تقشير الأسطورة، وطموحه استجلاء ما خلفته الحضارة العراقية القديمة. ويقف اليوم ممسكا بعمود خيمة الشعر العراقي أبنها الشاعر موفق محمد الذي ولد قريباً من نهرها، ومازال متألقا يقذف وجوهنا بجمرة الشعر، ويوقد بالكلمة شموع الأمل وسط أنفاق الظلام، و من فرشاة فاخر محمد تتأطر أجمل اللوحات تماهياً مع الأصول الأسطورية ورموزها الأولى، مشتغلا بوعي متقدم على الموروثات فقدم فناً تشكيلياً برؤية معاصرة يشار له بالبنان.
مدينة يتوالد فيها الفكر والشعر والفن، زاهية بكل الإبداعات الخلاقة نتاج أبنائها من المثقفين والكتاب والفنانين والأدباء والأكاديميين، فالحلة مدينة التوازن المعتدلة الأنفاس، وأحداقها واسعة تغطي كل ما يقع تحت بصرها.
مضى ذلك التاريخ العريق وتلك الرحلة الطويلة التي قطعتها الحلة عبر تسعة قرون، بقيت قباب الأعلام تحكي قصة مدينة أندرس سورها مع الزمن، وخانات المسافرين وتكايا الزهاد، ومدارس العلوم، تحكي قصة الولادة ورحلة القرون الغابرة. ولا زال الحلّيون يعيشون الأزمات التي حاقت بمدينتهم، وشيوخها يتذكرون حدائق المدينة الجميلة، ومدخل المدينة البديع، وساحاتها التي هجرها الجمال فتحولت فوضى واختراقاً للمألوف، وجسورها التي أصبح أقدمها ساحة للتبضع، وهم يتأملون أمكنة اختفت ولا يمكن استعادتها، ويحلمون بمجد مشترك للتاريخ والجغرافيا ضاع عسى أن يردوا جزءاً منه.



#أحمد_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرس الدم
- البذرات الأولى لنهضة المرأة العراقية
- نداء من أدباء ومثقفي بابل عن ما بعد الوحشية في التاريخ العرا ...
- ثورة الإمام الحسين (ع) عطاء فكري متجدد
- انطباعات عن يوم عراقي مشرق
- قائمة (اتحاد الشعب) ضمانة ليسار عراقي معافى
- هواجس أمام أنظار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العر ...
- الرقابة الانتخابية ضرورة لكسب ثقة الناخبين
- النص الكامل لقصيدة فتاوى للإيجار للشاعر المبدع موفق محمد
- همسة علها تجد آذاناً صاغية
- الانتخابات المقبلة جدلٌ بين الإستئثار والآمال الوطنية
- خطوات جدية على طريق إنجاز الانتخابات
- ديمومة الحوار المتمدن مفخرة لكل الحالمين بغد أفضل
- راهنية الانكفاء في العراق ما بعد انهيار الدولة
- لاعنون لإحتلال العراق وقانعون بالتواجد الأمريكي في الخليج عب ...
- أضواء على ندوة مركز الحوار الديمقراطي التي استضاف فيها مكتب ...
- وقفة مع قرار نادي باريس
- المؤتمر الدولي عن العراق في شرم الشيخ بين الذاكرة والطموح
- عرفات الوجدان الفلسطيني المُوَحِدْ
- مشاركة الناخبين العراقيين في الخارج نجاح للمفوضية في أول اخت ...


المزيد.....




- سعيد يأمر باتخاذ إجراءات فورية إثر واقعة حجب العلم التونسي
- بايدن يخطئ مجددا و-يعين- كيم جونغ أون رئيساً لكوريا الجنوبية ...
- شاهد.. تايوان تطلق صواريخ أمريكية خلال التدريب على المقاتلات ...
- عشرات الجرحى جراء اصطدام قطارين في بوينس آيرس
- في أقل من 24 ساعة..-حزب الله- ينفذ 7 عمليات ضد إسرائيل مستخد ...
- مرجعيات دينية تتحرك قضائيا ضد كوميدية لبنانية بعد نشر مقطع ف ...
- شاهد.. سرايا القدس تستهدف الآليات الإسرائيلية المتوغلة شرق ر ...
- شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة بشرق خان يونس
- واشنطن: -من المعقول- أن إسرائيل استخدمت أسلحة أميركية بطرق - ...
- الإمارات تستنكر تصريحات نتانياهو بشأن -مشاركتها- في إدارة مد ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - خذ معك كتاباً إذا دخلت مدينة الحلة