أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناصر موحى - يوم رشيت فيه المدير















المزيد.....

يوم رشيت فيه المدير


ناصر موحى

الحوار المتمدن-العدد: 3954 - 2012 / 12 / 27 - 23:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مهما قاسيت وعانيت في طفولتك فالحنين لتلك الايام الخوالي بأمكنتها وأناسها وأجواءها يشدك شدا حتى وأنت بعيد عنها بآلاف الأميال وعشرات السنين .حنين نوستالجي قد يصالحك مع نفسك ومع ماضيك كلما أتتك اخبار مفرحة ممن يعايشون اليوم في نفس الامكنة في شروط احسن وأريح , لكن الحنين يتوشح بالمرارة الإحباط متى أخبرت أن الظروف السوسيواقتصادية لساكنة الامكنة ظلت تتراجع منذ لحظة مغادرتها بشكل مهول نتيجة التهميش الممنهج ونتيجة تسلط نخبة محلية فاسدة لن تشبع نهمها المتوحش في بنياتها التحتية حتى تحولها الى أطلال للترحم والبكاء .
مؤسسة تعليمية ام زريبة للخرفان...
ثانوية الشريف الادريسي بالجماعة القروية" اسول " التي درست فيها سنواتي الاعدادية اواسط الثمانينات تغلي هاته الايام على وقع مقاطعة التلاميذ للدروس نتيجة تدهور مذهل في جودة الخدمات التربوية وشبه انعدام الصيانة في التجهيزات والبنايات لمستوى يجعل التحصيل العلمي الجيد من سابع المستحيلات .
فحسب مطالب التلاميذ فالمختبرات فارغة من ادواتها البيداغوجية والمكتبة تناثرت كتبها القليلة خارج المؤسسة بين ايادي معروفة وخفية . داخلية البنات اقرب لإسطبل نتن من مؤسسة تربوية لدرجة لم يرغب المدير في الدخول اليها خوفا من التقيؤ , تكسرت اقفال ابوابها وبدون حراسة لتجنب تسللات المجرمين نحوها ليلا . اما وجبات الأكل المقدمة داخلها فتعافها الكلاب لرداءة الجودة وهزالة الكمية. ناهيك عن انعدام الانارة في الاقسام واستحالة ايجاد مرحاض واحد صالح لقضاء الحاجة .اما وسائل التدفئة فحلم بعيد المنال في منطقة تصل درجات الحرارة فيها الى اقل من 5 درجات على مدى 4 اشهر كاملة . لكن الأكثر إيلاما للتلاميذ حسب تعبيرهم هي تصرفات جزء من الطاقم التربوي والاداري الذين دخلا في نوع من التحالف لتبادل المصالح ضدا على مصلحة التلميذ التي يجب ان تكون فوق كل اعتبار . فبعض الأساتذة يعتبرون انفسهم في عطل مفتوحة تتخللها الدراسة لأنهم بعيدون عن اية مساءلة ولايملكون ذرة من الضمير المهني بل ويلعبون ادوارا زجرية في مواجهة مطالب التلاميذ العادلة والمستعجلة . أما المدير واعوانه فيبدو انهم لايفرقون مابين مسؤولية شيخ قبيلة اختير للدفاع عن مصالح ابناء قبيلته وومسؤولية ادارة مؤسسة تربوية من مهامها السهر على تلقين المتعلمين التربية على مبادئ المواطنة حيث يتساوى الافراد امام القانون في الحقوق والواجبات ومحاربة كل اشكال الميز العنصري والطائفي والقبلي وغيرها .وانسجاما مع الطبيعة البوليسية للدولة المغربية فقد نودي على وزارة الداخلية في شخص القائد لتحل المشكل بطرقها الترهيبية المعهودة وتهدد الابناء المضربين وآباءهم بحرمانهم من الدراسة و التوظيف في الوقت الذي ظلت فيه وزارة التعليم الوصية على القطاع بعيدة عن تحمل مسؤولياتها وكأنها غير معنية بالمرة , ماعدا تطوع النائب الاقليمي السخي جدا بإرسال خمسمائة درهم كمزانية لإصلاح الملاعب الرياضية التي ظلت كما هي منذ افتتاحها سنة 1986 .
انا والمدير والرشوة
في نفس المكان ونفس الجدران وربما نفس الكراسي ذات صباحات اكتوبرمن سنة 1987 دخلت على مدير المؤسسة بعد أن أذن لي بالدخول ومعي تلميذ يصغرني بقليل .
بدون ان يلتفت الينا بادرنا بالسؤال وبنبرة جادة وحادة قائلا :
_ اشكاين عندكم مع الصباح ؟
اجبته بكثير من التلعثم رغم انني لست معنيا :
- كل مافي الامر سعادة المدير أن ام هذا التلميذ طلبت مني أن ارافقه لمكتبك لتعطيه ورقة الدخول لأنه تأخر في الالتحاق بالمؤسسة لأسباب عائلية.
نظر المدير الينا وعلى محياه نرفزة تبدو مصطنعة وخاطب التلميذ :
- إذهب لأمك وقل لها ان تأتيني بشهادة طبية بنفسها في اسرع وقت قبل أن اشطب على اسمك من لوائح المؤسسة . ثم نظر إلي بحدة اشد صارخا :
- اما أنت فاغرب عن وجهي حالا والتحق بقسمك قبل أن ألحقك به , ولا أريد أن أراك ثانية في مكتبي .
بعد اسبوع على الحادث التقيت جارتنا مع ابنها بمدخل الاعدادية وكانت متيقنة أنها ستمكن ابنها من الالتحاق بالمؤسسة هذه المرة وكأن شخصا دلها على سر فك طلسم مشكلته مع السيد المدير .طلبت مني أن اقول للمدير بأنها تحمل هدية لوزجته وتريد رؤيتها فقط .
لم اتشجع للخطوة وكنت خائفا جدا من ردة فعل المدير خاصة بعد تحذيره الاخير لي . لكن توسلات المرأة وطمأنتها لي على أن العملية مضمونة النجاح لم تترك اي مجال للتردد .توجهت رأسا لمكتب السيد المدير المحترم .
ماأن فتحت الباب حتى انتفض في وجهي :
-صباحاتو لله ...أش جابك عاودتاني واقيلا باغي تسجل شي واحد آخر .
- لاياأستاذ غير الام ديال داك التلميذ راها فباب الكوليج اوبغات تشوف الزوجة ديالكم المحترمة.....
وكأني رميت سطلا باردا من الماء على رأس المدير وقلت كوني بردا وسلاما على من كاد ان يكون رسولا .
انقلب مزاج المدير مائة وثمانين درجة واصبح هادئا وطيبا وخاطبني بلطف قائلا:
-سير اولدي وريها الدار ولاتتأخر عن حصتك الدراسية .
التحق التلميذ بقسمه في نفس اليوم وعادت الام الراشية لقريتها بعد أن دفعت كيلوغرام واحد من اللوز كهدية بداية الدخول المدرسي للسيد المدير.
عدت الى القسم وقد تلقيت أهم درس عن الرشوة في حياتي .ورغم اني كنت رائشا اي واسطة في تلك اللحظة التي تحول المدير الجبل الى مرتشي نذل فقد علمتني منذ ذلك اليوم ألا أحترم الالقاب والصفات والمؤسسات مهما علا شأنها إلا من خلال المضامين التي يمنحها لها الافراد والجماعات .
اعتقدت أن مرور ربع قرن من الزمن المغربي كفيل بأن يغير الكثير من العقليات المتحجرة والسلوكيات المشينة لدى غالبية النخبة الساهرة على تكويين الأجيال القادمة والتي ترفع على الاقل نظريا إلى مصاف الأنبياء لكن يبدو أن الماضي بكل اوساخه يعيد انتاج نفسه في حاضر يدور كمطحنة في حلقة مفرغة لاتطحن الا القيل من الورود المشعة التي تينع حتى في تربتنا المتصلبة وشتاءنا الطويل .
تواريخ بدون تعليق :
1-يطل على ثانوية الشريف الادريسي وقرية اسول جبل بادو الذي عرفت تضاريسه آخر المواجهات البطولية لمقاومي المنطقة ضد الاحتلال الهمجي الفرنسي في غشت 1934 والتي تكبد فيها العدو خسائر فادحة .
2-في 1987 تم افتتاح دار للشباب بالمركز القروي وظلت مقفولة الابواب ثلاث سنوات مع أنها كانت جاهزة بمكتبتها ومرافقها . وذات يوم تحولت لمركز قيادة اسول وتبخرت دار الشباب وكل محتوياتها في صمت تواطأ فيه المنتخبون والسلطة ضد على حق شباب المنطقة في متنفس كان سيكون الوحيد لهم .
ربما هذا ماتطلق عليه مقولة جزاء سنمار او هكذا يكافئ الوطن ابناءه...



#ناصر_موحى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنانون ام كراكيز ؟
- لحظة بوح مغربية..
- وصايا لابد منها قبل السفر على طرقات المغرب..
- التعليم ...تلك فضيحتنا الاولى
- من اجل حفل ولاء وبيعة للتنمية...
- الملكية المغربية والمتاجرة بالمآسي الانسانية
- وهم التعددية بالمغرب !
- الدولة المخزن واهانة رموزها
- دفاعا عن ملك المغرب !
- مخزن الظل بالمغرب
- في تابين كل حاكم طاغية قبل الرحيل !!
- وبكامل قواي العقلية أنا إرهابي!
- نعم لدستور محمد السادس بطعم البيعة!
- فقرات من المشاكسة الأدبية المعنونة - بولمحاين -
- حركة 20 فبراير للتغيير بالمغرب ودرس سيدي إفني
- هل وصلت رسالة الشعب المغربي ياسادة؟
- رسالة إلى ملك المغرب قبل فوات الأوان...
- ملك المغرب من جائزة نوبل للسلام إلى مسيرة الحب والهيام
- تكنولوجيا التواصل ...ذلك المهدي المنتظر
- مستملحات ومستحمرات مغربية لسنة 2010


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناصر موحى - يوم رشيت فيه المدير