أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد الغني سلامه - باجس أبو عطوان .. فدائي من الزمن الجميل














المزيد.....

باجس أبو عطوان .. فدائي من الزمن الجميل


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 15:05
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


ربما كانت أغرب رسالة تصل للقصر الملكي؛ رسالة موجهة للملك الأردني الحسين بن طلال، وموقعة باسم "باجس أبو عطوان". سأل الملكُ رئيس ديوانه: من هذ الذي يخاطب الملوك بهذه اللغة !! لا بد أنه شخص مهم .. وماذا يقصد بعبارته: "أدعوكم لتحريك قواتكم المسلحة على الفور، للثأر لشهداء السمّوع، والدفاع عن قرانا وخِـرَبنا" !! جاء في تقرير رئيس المخابرات العامة: "شاب مجهول، عمره ستة عشر عاما، يسكن في بلدة فلسطينية اسمها "دورا" .. ترك المدرسة قبل سنة، يعمل مع والده في مقهى البلدة الوحيد ... ".

مـرَّ عام كامل، لم يتلقَّ باجس ردا من القصر، وبينما كانت أخته هيفاء عائدة من مدرستها في آخر يوم دراسي، وفي طريقها نحو "خربة الطبقة"؛ حيث كان أهلها يستعدون لموسم الحصاد، كان رهط من الخِرب المجاورة يتراكضون من أمامها بشكل محموم، في عيونهم علامات خوف وقلق، وما أن عادت مع أهلها مساء للبيت، حتى علم الجميع بالخبر الفاجع: وقعَت النكسة.

كان "باجس"، قد سمع منذ سنتين عن مجموعات فلسطينية مسلحة تشن غارات على مواقع إسرائيلية، تطلق على نفسها "قوات العاصفة". من هؤلاء الفدائيون ؟ كيف يصل إليهم ؟ هل يكتب لهم رسالة ؟ وإذا كتب لهم هل سيردون عليه ؟! كان يترقب سماع أي خبر عنهم، يتطلع لرؤيتهم، يتمنى قدومهم لجبال الخليل.
لم ينتظر "باجس" طويلاً؛ فقد جاءت خلية فدائية وضربت هدفا قريبا من "خربة الطبقة". سرعان ما عرف طريقه إليهم، وعلى الفور جعل من المقهى الذي يعمل فيه مع والده حلقة اتصال، ومركزا للدعم اللوجيستي. ما هي إلا أشهر معدودات، حتى قامت سلطات الاحتلال باعتقال أبو باجس، ثم هدمت لهم المقهى، والبيت.

لجأ "باجس" للجبال، رافضا تسليم نفسه، كان الحاكم العسكري يعرف معنى اعتقال فتاة فلسطينية لأناس يعتبرون المرأة عنوان شرفهم؛ فاعتقل أختيه (هيفاء وعبلة) في محاولة يائسة لليّ ذراعه، ولأشهرٍ عديدة، كلّما ذكّـرَهُ أحد بأختيه الأسيرتين، كان يجيب: "احنا في زمن الثورة، وكل شي اختلف". ثم يغنّي بصوت مرتفع: طل سلاحي من جراحي ..

منذ الآن، صار "باجس" "أبو شنار" .. وسيعيش "أبو شنار" في الجبال، متنقلا من وادي إلى آخر، مثل نحلة تحمل رحيق الثورة، وجعبتين رصاص، ونايٍ يؤنس وحشته في الليالي الطوال .. شكّلَ مجموعة ضاربة من أربعة عشر فدائيا، وعلى مدى سبعة أعوام، نفَّذ ما يزيد عن المائة وخمسون عملية ..

كان يضرب في جوف الليل، مُسـخِّراً عتمته، متخفياً تحت جنحه، وفي أطراف النهار، متسللا ً بين زخات الرصاص، أو كامنا تحت الردم، صامدا صمود النخيل في سنين القحط .. يختفي فجأة في أوقات حرجة، ثم لا يلبث حتى يظهر بسرعة كما أنه البرق في بهيم الليل، محتفظا بابتسامته، ومن عينيه يشع بريق الأمل، الموت يحوم من حوله، وهو يؤجله سنة بعد سنة. كانت كل هجماته مركزة على دوريات الجيش، لم يقتل مدنيا واحدا، حتى معسكرات الجيش القريبة من المدنيين كان يتجنبها؛ فقد كان يخشى أن ينتقم الاحتلال من القرى والخِرَب الفقيرة.

سبع سنوات وهو يقارع الاحتلال، لم تحد بندقيته بوصة واحدة عن قبلتها .. صار أهزوجة شعبية .. وزغرودة على شفاه الصبايا .. وحكاية ترقى لمستوى الأسطورة .. كان أرقَ المحتلين ووجعهم .. والمطلوب الأول على قوائم الاغتيال، ظل مخبأه سرا غامضا حيَّـرَ الجميع .. كلما نصبوا له كميناً أفلت منه، فقد كان يحفظ جبال الخليل بتلالها وقيعانها وحجارتها وكهوفها. وذات مرة وجد نفسه مطوقاً بفرقة من القوات الإسرائيلية، ولا سبيل أمامه للمناورة؛ فانسل بخفة الفهد في تجويف صخري ضيق، بالكاد أدخل جسمه فيه ثم أغلقه بحجر جيري كبير، بحثوا عنه حتى سخرت منهم حجارة الوادي، وارتدوا خائبين.

انتقل "باجس" مع فدائييه إلى منطقة الجوف؛ هناك احتفظ بسر مقره الجديد حتى يوم شهادته؛ حين خانه صديق مقرب، وأعطاه صندوق ذخيرة ملغَّم. كان باجس متلهف على تلقيم الكلاشن بمشط مذخر، لم يكن يعلم أن لحظات قليلة بقيت له على أرض أحلامه؛ فما أن فتح الصندوق حتى انفجر بوجهه، ارتمى "باجس" على كتف رفيقه "علي ربعي" وظل ينزف إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، أما "علي" فقد نسي جراحه ودمه الذي ظل ينزف حتى صبغ باب الكهف بالأحمر القرمزي، وروى به الحقول المجاورة.

أخيرا عرف الجميع سر مخبأه الأخير .. كهف كنعاني قديم، يبدأ بفتحة ضيقة مخفية، لكي يعبرها الفدائي كان يزحف على بطنه عشرين مترا، تنتهي بدرج قديم يفضي إلى مغارة أثرية محفورة في الصخر، كان الرعاة الكنعانيون يلجؤون إليها في حالات الطوارئ، كان باجس ورفاقه يتحصنون فيها، وهي في نظرهم قلعتهم الأخيرة، وملاذهم الآمن، لم يكن ممكنا لإسرائيل كشفها، لولا خيانة العميل الذي باع نفسه للشيطان.

بعد موته، ظلَّ "باجس" يخرج كل مساء .. يتفقد بيوت الفقراء، ومغاور الثوار .. ينادي على الأيائل .. يعزف بنايهِ لصخر الوادي، يتغزل بكرمة حلحول، وشوارع دورا، يقلّم أغصان البلوط برفق، وظل الشنار يفقس في كل ربيع أربعة عشر حجلاً جميلا .. وظلت تحمل في مناقيرها عناقيد العنب، وتلقي بها على مثواه الأخير .. على كهف كنعاني آواه ورفاقه سبع سنين ..

كان يقول سأهديكم دمي تسقون به بساتينكم .. فتعطيه الأرض حنونا وريحان .. ثم يقول سأعطيكم دالية تنبت من جبهتي، وقمرا شَـوَتْهُ الشمس .. على أن تعطوني عَلماً، وخارطة لا تنقص بوصة.

في العام الماضي، كتب تلميذٌ في كلمة الصباحية: سنعطيك علما واحدا، وخارطة كاملة .. لا تنقص بوصة واحدة .. هذا وعد العاصفة يا باجس .. هذا وعد فتح.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دار الحنان .. (اللي بالعطيفية)
- حروب غبية
- كيف يفكر العقل السياسي العربي ؟!
- وصف مختصر لمشهد مكثف
- في مفهوم توازن الرعب .. بين الفلسطينيين والإسرائيليين
- الحرب على غزة .. هزيمة أم نصر ؟
- الحرب على غزة .. قراءة من زوايا مختلفة .. الجزء 1
- كانَ وجْهُكِ ضَاحِكَ القَسَماتِ .. طَلْقُ .. ثم تغير المشهد ...
- كلمة للرئيس أبو مازن .. أرجوك إبق مصمما على موقفك
- الأطفال المجندون .. لا يعرفون العيد
- يكفي يا هنية - على هامش زيارة أمير قطر لغزة
- تجنيد الأطفال في إسرائيل
- أطفال طالبان
- قفزة فيليكس، والمفتول الفلسطيني وتحطيم الأرقام القياسية
- هل هؤلاء بشر !؟
- من بغداد إلى غزة .. حرب على الثقافة
- في ذكرى اتفاقية أوسلو - هل هنالك إمكانية لإلغائها ؟!
- 13 دقيقة هزت العالم الإسلامي .. هل يستحق الفلم كل هذه الضجة ...
- عن الربيع الفلسطيني - محاولة لفهم ما يجري الآن في فلسطين
- راشيل كوري تفضح الاحتلال مرتين


المزيد.....




- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى الاستنف ...
- اتحاد النقابات العالمي (WFTU – FSM)”، يُدين استمرار المحاكما ...
- شاهد ما قاله السيناتور ساندرز لـCNN عن تعليق أمريكا شحنات أس ...
- م.م.ن.ص// يوم 9 ماي عيد النصر على النازية.. يوم الانتصار الع ...
- آلاف المتظاهرين احتجاجا على مشاركة إسرائيل في -يوروفيجن-
- من جهينة عن خيمة طريق الشعب في مهرجان اللومانيتيه (1)
- السويد.. آلاف المتظاهرين يحتجون على مشاركة إسرائيل في مسابقة ...
- مداخلة النائب رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية في الج ...
- أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل ...
- مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة أمستر ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد الغني سلامه - باجس أبو عطوان .. فدائي من الزمن الجميل