نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)
الحوار المتمدن-العدد: 3943 - 2012 / 12 / 16 - 13:51
المحور:
الادب والفن
شاعر المقاومة والثورة ...مظفر النواب
نبيل عبد الأمير الربيعي
القصيدة النوابية تتسم بالأسلوبية وثورة الحق على الباطل ,ولكن للشاعر النواب لم يصدر إلا ديوانه اليتيم (الريل وحمد) , مع العلم قد استطاع دراسة شعر النواب الكثير من النقاد إلا من تميز منهم وأبدع هم الناقدين ( محمد جبار وحسين سرمك ) .
لقد وصف الناقد سرمك الشعراء العراقيين بالبستان الذي (تدخلهُ فتجد شجراً باسقاً وثمراً جديداً يانعاً وطيوراً تغني بموسيقا ساحرة جديدة , لكنك حين تسير بين صفوف أشجار البستان الجديد ستقودك نهاياتها إلى أحشاء البستان القديمة منعشة معها و متواشجة , ومحتواه في إطارها العام ), كالجواهري ونازك والسياب والبياتي وبلند الجيدري والبريكان وسعدي يوسف ومظفر النواب الذي كان وريثاً شرعياً متمرداً وثائراً على السلطة الشعرية في الأدب العامي , فقد كانَ النواب وحده نسيج في غابة الشعر العامية , وقد أصبح رائد الثورة العامية الحديثة في الشعر الشعبي , فقد دخلَ في قصائد المجاز الشعري الحقيقي و في معانِ موروثة حتى تغنى بقصائده بالخطاب العاطفي بضمير الأنثى والهمّ الجمعي عشقاً ثورياً مع امتزاج نداء القلب في أغلب أبياته مثل ( أحب ايدك ...وجك .. ميّل ... دخيل الشوك ... أحب جفك)
وحك عين التشوفك ميّل
وأزود من مسافة ميل
راحت تنحر الذاري
من هذا نجد النواب قد ابتكر من خلال قصائده المهارة والحبكة المدهشة في ابتكار المفردات الحيّة , من خلال قراءة قصائده ومنها (غيلان أزيرح) حيث نجد اندفاع المرأة العاشقة وراء الحبيب الثائر , فكانت قصيدة معبرة في مهارة مدهشة :
يا غيلان , يا غيلان أزيرج , كلبي شيصبره؟
أخذ كل الزلم واملي السفن , يا عيني ... الله وياك
وفد جلمة عشك حلوة , أظن إلها مجان هناك
ذبها بسكتة العنبار ... يا غيلان .
كما تصف بعض قصائد النواب العنف المحبب الآسر الناجم عن تشابك بين الموت والحياة في وحدة جدلية :
زلمنة اتغني والخنجر ...يشك الروح (عالميمر)
لوَن كل الكصب ...غنّه .. بحنيني لشوفتك .. ياسملا
يسل الكصب سل أصفر
وأضن الماي يتمرمر
من خلال قصائد النواب فقد قرأ الشعب العراقي جميع قصائده وهذا ما لم يتحقق لجميع الشعراء في الحركة الشعرية الثورية , فكانت لنا فترة السبعينات من تغنى بقصيدة النواب ( وتريات ليلية ) حتى الأميين كانوا يحفظون منها بعض المقاطع , كانت فترة المدّ الثوري بين أبناء الشعب العراقي , فقد كانت قصيدتهُ تمثل الحداثة الشعبية في ذلك الوقت وما زالت تتداول بين الأوساط المثقفة لحد الآن.
لكن الشاعر النواب قد أحب بلده وكان الوصف الرائع لأرض العراق وشعب العراق , فقد تشرّبت روحه بأريج تراب العراق الطاهر من خلال قصيدته للريل وحمد:
ما أضن أرضاً رويت بالدم والشمس كأرض بلادي
وما أظن حزناً كحزن الناس فيها
ولكنها بلادي
لا أبكي من القلب
ولا أضحك من القلب
ولا أموت من القلب
إلا فيها....
لكن قصائد النواب كانت تمثل واقع العراقي المرّ وقد جسد شخوص حقيقيين في أغلب قصائده في ديوان (الريل وحمد) مثل (صويحب ,سعود, لعيبي , غيلان )وغيرهم في كل تلك النصوص, أما قصيدة مضايف هيل :
مَيْلن ...لا تنكطن كحل فوك الدم
مَيْلن...وردة الخزّامة تنكط سم
أو في قصيدة عشاير سعود:
هذولة احنة .. سرجنه الدم
عله اصهيل الشكر ... يا سعود
خلينة زهر النجوم ..
من جدح الحوافر سود
أو قصيدة جدي أزيرج:
من دمّج..
خذينه العرسة خزّامه
خذينه بركعّ لحزنه..
رسمنة خنجر ..بسجنة
وكتبنة حروف بحزامة
تتسم قصائد النواب بالإبداع , فكانت بضمير الجماعة لكل القصائد الوطنية والتي تتعامل بعذابات الشعب , أما القصائد العاطفية فالشاعر يكتب بضمير المفرد المتكلم لأنهُ شأنه الأنا العليا , فكان الشاعر يستولد الأفعال من مسمياتها وأسمائها, وبسبب تربيتهُ البيئية على شاطيء دجلة, ونضاله في أهوار الجنوب , فقد اتخذ في قصائده مفردات " القصب , الهور , الشريعة , الطين , السقي , السنابل , الكاع , الشمس ":
وأشمّس روحي بالسنبل
يحي بروجة شمس..
يسكي السفن والناس
يسكيها.
آفه يا كاعنه!
السحكتها
وانسحكت عليها
جيوش يا بو جيوش
وما بدلت طبايعها....
فهو يجسد الأرض بانتهاكها من قبل الجيوش كوحوش كاسرة , فقد تحطمت عذابات الثوار في مشاريعهم الثورية لتحرير الشعوب من القهر والاستبداد والغدر و الاحتقار , ولكن نتيجة الثورات في الشرق قد نجحت أقزام الرجال وأدعياء السياسيين ومكرهم المدمرّ في السيطرة على الدولة والبلد , وبالعكس من ذلك , فقد انكسرت أحلام الثوار على صخرة السياسة وخاصة في بلاد الرافدين , فقد أصبحت حياة السياسي في الوقت الحاضر عبارة عن العهرّ والبذاءة والسرقة والسلوك المنحرف والاعتداء على الحريات العامة وحرية الصحافة والتظاهرات واتصفوا بالتزوير , فقد حطموا مستقبل بلدنا ومستقبل أطفالنا ونهبوا ثرواتنا , فهم أحط من الزانيات وعهرهنّ, فقد أصبحت الشريعة وفق المفهوم السياسي حيلة لصوصية وحماقة , فهو يريد الإنسان للمعبد لإداء الطقوس والخرافة والتمسك بالمقدس بينما خلق الإنسان للوجود للعمل وتحسين الواقع والذات والتحرر من العبودية مهما كانت وحتى إن كانت للرب, وعندما يسرق السياسي صوتك فهو يسرق وجودك الإنساني , ولذلك لا يخشى رجل السياسية المتدين إلا الشاعر الثائر الذي ينصف التأريخ من أوساخهم.
لقد وضع النواب العقل في سجن المفردة , وقد صغرّ الكثير من الكلمات في قصائده, إذ تتجلى في لعبة التصغير أصلاً , وهو أول من أدخلها , ولم يستخدمها بقية الشعراء , فقد كانت الطابع الطاغي في أغلب القصائد عند الشعراء من التضخيم الرمزي الذكوري , أما النواب فقد أعاد للقصيدة العامية روحها الانثوية :
وحكك الشطر الأحمر
والليالي الغبرة
يكويعة
أموتن وانتي حدر العين
تتونسين.
اضافة إلى إن هنالك بعض المفردات الذكورية في الضمير المتكلم المذكر:
الكاع ضيجة من عكبكم
ما تسع حجّام
تنام العين, جي تعبانة مني
ومن نفسها ..تنام
ولك ردّوا...
حنيني إيكعد الميت
وحشتي اتطلع بليل الشته
شمس الربيع
أيام
لقد أدخل النواب الكثير من المفردات العامية العراقية في الخطاب الشعري , فقد كانت ذات مسحة مهنية متواضعة للمخاطب في استخدامها اليومي بين العراقيين , وأصبحت القصيدة هي المحركة للساكن والراكد , فقد اتسمت بالعمق الديناميكي , كما فرك النواب صدأ المفردات ليعيد إليها بريقها ويفجرها ويطلق طاقاتها المحتبسة لتصيب المشاعر والأحاسيس والنفس البشرية, ولترتفع إلى بهاء المخيلة:
جفنك جنح فراشة غضّ
وحجارة جفني وما غمض
فهي مفردات أقرب إلى الهمس والوجع الذي لا حدّ له:
جثير إكزازك بروحي...وأكولن حنّه
كانت صور شعرية لمشاعر وانفعالات وأفكار قد تجنب الشاعر الألفاظ السوقية , وقد استخدم النواب المفردة (كزاز)في الشعر العامي مثل ( زرازير البراري) و(المزبن, اللف , إنكّز , ميلن , نركيلة , مدك , ليطة , زردوم , اللجحه , زحير , ناموس , شكبّان , سماك , اتغرنكت, رصعه , فرفحت , الرزّة , ييزي , رازونة , اتّلني , سبوج , اتمزلك , إلبد , مدكك, الجّتات ).
ولذلك نجد النواب يمتلك المنجز الإبداعي العامي لعشرات المفردات العامية التي فركها الشاعر من غبار بلاده , لتجلى بأيادي ماهرة وتكون جاهزة للاستعمال .
#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)
Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟