أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - إبراهيم ابراش - الانقسام الفلسطيني وتأثيره على المشروع الوطني















المزيد.....



الانقسام الفلسطيني وتأثيره على المشروع الوطني


إبراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 3899 - 2012 / 11 / 2 - 23:38
المحور: القضية الفلسطينية
    



مقدمة

غالبا ما يربط المحللون الانقسام في الساحة الفلسطينية بالانقلاب الذي أقدمت عليه حركة حماس منتصف يونيو 2007 وأدى لسيطرتها على قطاع غزة وما ترتب عليه من قطع التواصل بين الضفة وغزة وتشكيل حكومتين متعاديتين.نعتقد أن للانقسام جذورا أعمق من ذلك ويمكن قراءته من منظور أبعد مما جرى في يونيو 2007 وأبعد من كونه خلاف أو صراع سياسي بين حركتي فتح وحماس كما لا يمكن اختزاله فقط كحالة صراع على السلطة بين فتح وحماس،فما جرى في غزة هو تتويج لسيرورة من الخلافات العميقة و مراكمة لاستعصاءات إستراتيجية واجهت النظام السياسي الفلسطيني(المشروع الوطني) منذ تأسيسه كمشروع حركة تحرر وطني ،ثم تعمق وازداد إشكالا مع وجود السلطة الفلسطينية،بالتالي فإن الانقسام أثر استراتيجيا وبالسلب على ركيزتي هذا المشروع الوطني – المقاومة والتسوية السياسية- بما يطرح تساؤلات حول مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني برمته من منطلق أن المرجعيات الدولية للتسوية وللمقاومة والضرورات العملياتية تقوم على وحدة الضفة وغزة على أقل تقدير، ومن ناحية عملية فلا تسوية مشرفة ولا مقاومة ناجحة في ظل الانقسام وبالتالي لا فرص لإنجاز المشروع وطني في ظل الانقسام.
سنقارب الموضوع من خلال المحاور التالية:
أولا:في تعريف المشروع الوطني (موضوع الانقسام)
ثانيا:في مفهوم الانقسام وجذوره التاريخية (ديناميكيات الانقسام)
ثالثا:الانقسام الذي أوجدته اتفاقات أوسلو والسلطة وأثره على المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني.
رابعا:الانقسام الذي أحدثته حركة حماس وتأثيره على المشروع الوطني
خامسا:استشراف مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني في ظل حالة الانقسام

أولا: في تعريف المشروع الوطني (موضوع الانقسام)

قبل أن نتحدث عن الأثر يجب التنويه بأن المشروع الوطني ليس مشروع حزب بعينه ولذا يجب إسقاط الوهم أو التصور الذي يهيمن على تفكير البعض ويؤثر على سلوكهم السياسي بأن المشروع الوطني حكر على تنظيم حركة فتح أو أنه منظمة التحرير بواقعها الراهن أو مشروع أوسلو والاتفاقات الموقعة مع الإسرائيليين وما أفرزت من ترتيبات وتنسيق أمني أو هو حكومة سلام فياض، أيضا المشروع الوطني ليس مشروع حركة حماس أو أي من التنظيمات التي تقول بالمقاومة. المشروع الوطني هو مشروع معركة الاستقلال الوطني وهو نقيض الاحتلال ونقيض المشروع الصهيوني وبالتالي تعبير عن الكل الوطني.المشروع الوطني ليس ملكا لحزب بل ملكا لمن يستطيع تحمل استحقاقاته النضالية وحمايته من أي تدخلات خارجية تحرفه عن وجهته الوطنية فالمشروع الوطني رديف استقلالية القرار الوطني،فمن لا يملك قرارا مستقلا لا يمكنه أن يؤسس أو يقود مشروعا وطنيا.لا يمكن لشعب تحت الاحتلال أن يواجه الاحتلال ومناوراته واعتداءاته إلا في إطار مشروع وطني تحرري يتوسل كل السبل لتحقيق أهدافه ،المقاومة حيث تكون ممكنة وبالشكل المناسب لظروف المرحلة،والمفاوضات والتسوية السلمية عندما تتوفر شروطها.
إن من يروم قيادة المشروع الوطني عليه توسل كل الطرق السلمية والعسكرية ولكن في إطار إستراتيجية عمل وطني ولا تناقض ما بين نهج السلام ونهج المقاومة بمفهومها الوطني الشمولي.لم يكن الخلل في دعاة السلام أنهم ينشدون السلام والتسوية السلمية كما لم يكن الخلل بدعاة المقاومة أنهم يتمسكون بالحق بالمقاومة ولكن الخلل في الانقسام الاستراتيجي بين دعاة السلام ودعاة التسوية وهو انقسام يؤسس في رأينا على جهل بالسلام وجهل بالمقاومة ،ذلك أن كل حركة تحرر وطني هي مشروع سلام لأنها تهدف لغايات قانونية ونبيلة منصوص عليها في المواثيق الدولية ،فهذه تعطي الشعوب الحق بتقرير مصيرها والحق بالمقاومة لاستعادة حقوقها،وكل مشروع سلام يتضمن الحق بالمقاومة لأن امتلاك الحق بالمقاومة ومقومات الصمود يعزز موقف المفاوض حتى وإن لم يلجأ لممارسة الحق بالمقاومة وقت الجلوس على طاولة المفاوضات.
لأن المشروع الوطني مشروع سلام ومشروع مقاومة فإن كل الأعداء الراغبين بضرب وتدمير المشروع الوطني يشتغلون على جبهتين: استهداف مشروع السلام الفلسطيني القائم على التسوية السلمية العادلة، و استهداف مشروع المقاومة بمفهومها الاستراتيجي الوطني.ومن هنا يمكن اعتبار كل نهج أو تفكير متعارض ورافض للوحدة الوطنية ولوجود إستراتيجية عمل وطني واحدة يعتبر انقساما وخروجا على المشروع الوطني،كما أن كل نهج أو تصرف يؤثر سلبا على المقاومة بمفهومها الوطني الشمولي أو يصادر الحق بالمقاومة يعتبر انقساما وخروجا عن المشروع الوطني.
مع المعروف أن المشروع الوطني مر بعدة مراحل واخذ عدة صياغات ،فمن المشروع الوطني القومي الذي صاغته بنود الميثاق الأول عام 1964 إلى المشروع الوطني لعام 1968 والذي يقول بتحرير كل فلسطيني ورفض قرارات الشرعية الدولية، إلى مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الفلسطيني وهي الدولة التي تقبل بوجود اليهود المقيمين بفلسطين واعتبارهم مواطنين في الدولة الفلسطينية وهو المشروع الذي تم اعتماده في دورة المجلس الوطني الفلسطيني عام 1971 ،إلى البرنامج المرحلي لعام 1974 ،إلى مشروع الدولة المستقلة كما صاغه بيان إعلان الاستقلال عام 1988 ،إلى اتفاقات أوسلو 1993 ثم خطة خارطة الطريق فتفاهمات انابولس والتي تربط الدولة بالتسوية وبالقبول الإسرائيلي ،أيضا يمكن التطرق لمشروع حركة حماس وهو مشروع مبهم وغامض سياسيا حتى الآن –وسنتطرق له لاحقا- وكذا مشروع الجهاد ومشروع حزب التحرير الخ.
هذا التعدد في المشاريع والاستراتيجيات والتي تسمى وطنية والانتقال من مشروع لمشروع يشكك بمصداقية حقوقنا الوطنية وبجدية النخبة السياسية،كما أن وجود عشرة أو عشرين مشروع وطني –لكل حزب وحركة مشروع وطني- لا يعني وجود مشروع وطني فلسطيني ،فتعددية المشاريع الوطنية مظهر ضعف وليس مطهر قوة.
قبل الحديث عن الانقسام الداخلي لا بد من الإشارة إلى أن أخطر ما يواجه المشروع الوطني بصيغته الراهنة، المشروع المرتهن بالتسوية التي أسست لها اتفاقات أوسلو ولواحقها، هو الخلل التكويني المرتبط بالجغرافيا السياسية ،فهذا المشروع وبحكم الجغرافيا منقسم بين الضفة وغزة و مفتاح التواصل والربط بينهما بيد إسرائيل،وعليه ستكون إسرائيل جزءا من النظام السياسي المرتبط بالتسوية مما يجعل أيضا الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة محل شك.هذا الخلل هو الذي جعل انقلاب حماس والانقسام الناتج عنه سهل الحصول فالجغرافيا وإسرائيل كانا خير داعم ومعزز للانقسام.ومن هنا فإن فشل المشروع الوطني المنبثق عن تسوية مدريد وأسلو لا يعني التخلي عن المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني لا يسقط ما دام الاحتلال موجودا، بل البحث عن صياغة جديدة له تحرره من الارتهان لإسرائيل .
انطلاقا من هذا التصور للمشروع الوطني يمكن الحديث عن الانقسام ونتائجه.

ثانيا:في مفهوم الانقسام وجذوره التاريخية (ديناميكيات الانقسام)

الانقسام ، مصطلح جديد أضيف لقاموس المصطلحات السياسية للقضية الفلسطينية،وهو قاموس مكتظ بكل ما يعكس واقع الخلافات والصراعات والأزمات الفلسطينية وحالة عدم الاستقرار التي حكمت القضية منذ النكبة وحتى الآن:نكبة 1948، انتكاسة 1967 ،أحداث أيلول بالأردن، ،الخروج من بيروت،مجازر صبرا وشاتيلا ، الانشقاق في فتح،معارك البداوي ونهر البارد، الفصائل العشر في دمشق،جماعة أبو نضال ،جبهة الصمود والتصدي، اتفاقية أوسلو وما أحدثته من انقسامات ،فساد السلطة، سلطة غير شرعية ، قوى وطنية وقوى إسلامية، برنامج مقاومة وبرنامج مساومة، الانفلات الأمني ،فوضى السلاح ،الميليشيات المسلحة،عسكرة المجتمع ،سلطة العشائر والعائلات،الاغتيالات واختطاف الصحفيين الأجانب،الاقتتال الداخلي،انقلاب حركة حماس،فصل غزة عن الضفة،الحكومة الانقلابية في غزة ،حكومة (دايتون) في الضفة، الرئيس المنتهية ولايته،حكومة القتلة في غزة،حكومة العملاء في الضفة ،تحرير غزة من حماس واجب ديني ووطني،فشل حوارات المصالحة الوطنية،اعتقال المجاهدين وإطلاق النار على أقدام المعارضين السياسيين،معتقلات فلسطينية في غزة و مثيلاتها في الضفة،تصفية حركة حماس في الضفة ،تصفية حركة فتح في غزة،الموت بسبب الحصار، حكومة الأنفاق،حكومة النفاق ،صواريخ عبثية،مفاوضات عبثية، جبهة الممانعة،جبهة الاعتدال،الأجندة الخارجية،حكومة بدون برنامج سياسي، الخ.
لا شك انه يمكننا أن نستخرج من قاموسنا السياسي مفردات تعبر عن الجانب الإيجابي من المشهد السياسي :المقاومة والجهاد ،الصمود ،العمليات الاستشهادية ،انتفاضة الحجارة ،انتفاضة النفق،انتفاضة الأقصى،المجتمع المدني ،المسيرات والمظاهرات في الداخل والخارج ومواجهة الحصار الخ؟ إلا أن ما يؤسف له أن المصطلحات الأولى هي المعبرة عن الواقع السياسي المأزوم الراهن و الانقسام الأخير جاء تتويجا أو محصلة لها، فيما الأخرى مجرد شعارات أو تشتغل ضمن منطق الانقسام وبما يعززه وليس في إطار وحدة المشروع الوطني،ولذا لم تؤد لأي تقدم لا على مستوى مشروع المقاومة ولا على مستوى مشروع بناء الدولة،فمثلا الانتفاضة الأولى أدت لاتفاقات أوسلو وانتفاضة الأقصى ماتت بصمت مخلفة الاقتتال والانقسام دون أية مرجعة نقدية للأداء أو حتى التساؤل لماذا لم نحصد مقابل خمسة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى بالإضافة للدمار أي مكاسب سياسية؟.هذا لا يعني تجاهل ما قدم الشعب من تضحيات ولا تجاهل كل الجهود التي يبذلها ذوي النوايا الصادقة من القوى السياسية.

إن كان هذا هو الواقع من خلال المصطلحات والتعبيرات المعبرة عنه،فما هو مفهوم الانقسام ومتى بدأ؟
حتى نلم بنتائج الانقسام يجب أن نُعرِّف الانقسام وتعريف الانقسام يستدعي معرفة الشيء الذي انقسم .لا نقصد بالانقسام الخلافات والصراعات السياسية داخل النظام السياسي وفي إطار ثوابته،فهذه خلافات عادية تدخل في إطار التعددية السياسية وهي موجودة في كل الأنظمة السياسية وخصوصا الديمقراطية،ومن المعروف أن التاريخ السياسي الفلسطيني حافل بالخلافات وكل أشكال التعددية سواء الأيديولوجية أو تلك المفروضة بفعل أيديولوجيا البعد القومي أو البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية أو بفعل الجغرافيا السياسية،وإن كان ظهور منظمة التحرير الفلسطينية شكل تحولا نوعيا في العمل السياسي الفلسطيني بما مثلته من إطار موحد للفلسطينيين وهذا ما نصت عليه المادة 8 من الميثاق الوطني حيث جاء فيها ( المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين ولذلك فإن التناقضات بين القوى الوطنية هي من نوع التناقضات الثانوية التي يجب أن تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين الصهيونية والاستعمار من جهة وبين الشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية سواء من كان منها في ارض الوطن أو في المهاجر تشكل منظمات وأفرادا جبهة وطنية واحدة تعمل لاسترداد فلسطين وتحريرها بالكفاح المسلح.(إلا أن وجود المنظمة لم يمنع من ظهور تباينات وانشقاقات ما بينها وبين بعض الفصائل المنضوية تحت لوائها كالجبهة الشعبية أو منظمة الصاعقة أو جبهة التحرير العربية،أو داخل الحزب الواحد كالذي عرفته الجبهة الشعبية حيث انشقت عنها الجبهة الديمقراطية ثم الجبهة الشعبية –القيادة العامة،أو الانشقاقات التي عرفتها حركة فتح كخروج جماعة أبو نضال وأبو موسى وغيرهم الخ.
إلى حين ظهور حركة حماس والجهاد الإسلامي وقبل ظهور السلطة الوطنية الفلسطينية كان من الممكن إدراج الخلافات والانقسامات في إطار المشروع الوطني حيث لم تُشكل الجماعات المنشقة حالة انقسام حاد أو بديل للمشروع الوطني الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية،صحيح أن بعض القوى السياسية ذهبت بعيدا في نقد نهج منظمة التحرير إلا أنها بقيت أعجز من أن تشكل حالة انقسام مهددة للطابع الشكلاني والرمزي للمشروع الوطني،إما بسبب ضعف التأييد الشعبي لها أو لممانعة الدول العربية بالاعتراف بأي مرجعية للشعب الفلسطيني غير منظمة التحرير أو لأنها بقيت قريبة من أسس المشروع الوطني كطابعه الوطني العلماني التقدمي.ومن جهة أخرى ولأن مركز ثقل الحركة الوطنية كان خارج الوطن فلم تكن أي من الفصائل الفلسطينية تمارس سيادة حتى على المخيمات ،فقد كانت الخلافات والانشقاقات تأخذ طابعا فكريا وتنظيما فقط ولم تترك هذه الانقسامات تداعيات جغرافية حيث كان الشعب موحدا جغرافيا تحت سلطة الاحتلال أو خاضعا لسيادة الدول العربية المضيفة .
الانقسام الخطير محل النقاش ليس فقط الانقسام الجغرافي فبالأصل لم يكن هناك تواصل جغرافي بين غزة والضفة إلا في ظل الاحتلال،بل الانقسام الذي يهدد وحدة المشروع الوطني كمشروع حركة تحرر وطني بهدف واحد وإستراتيجية عمل وطني واحدة،الانقسام الذي يهدد المشروع الوطني كما صاغه بيان إعلان الاستقلال في الجزائر 1988. إن الانقسام محل النقاش هو الذي بهدد ركيزتي المشروع الوطني :المقاومة والتسوية السلمية.إنه الانقسام الذي يضرب بالصميم قدرة الشعب على الوصول لهدفه الوطني من خلال السلام العادل ومن خلال المقاومة كحالة وطنية شمولية،ولا تعارض ما بين السلام والمقاومة،بالتأكيد إن كان الانقسام يهدد مشروع أو هدف الدولة في الضفة وغزة فهو بالأحرى يهدد إمكانية ما هو أبعد من ذلك كالقول بتحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر.
نعتقد أن الانقسام الذي جرى منتصف يونيو 2007 وإن كان الأخطر في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية إلا أنه كان تتويجا لمفاعيل انقسامية وانقلابية تعرض لها المشروع الوطني. الخلافات والانشقاقات داخل فصائل المنظمة وعدم القدرة على تجاوزها ومعالجتها في حينه أوجدت المناخ المناسب للانقسام المعيق للتوصل لاستراتيجيه عمل وطني ولمشروع وطني محل توافق الجميع،مع قيام السلطة الوطنية تعمقت ونشطت المفاعيل الانقسامية ومبررات الانقلاب على المشروع الوطني التحرري،ثم مع تأزم السلطة وتعثر التسوية وتصاعد قوة حركة حماس أصبح الانقسام ضرورة لمشروع جديدة وهو مشروع حركة حماس الذي كان في حالة كمون منذ 1987 .

ثالثا:الانقسام الذي أوجدته اتفاقات أوسلو والسلطة وأثره على المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني.

كان من أهداف إسرائيل ومخططو التسوية أن يكون تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية حالة انقلابية على منظمة التحرير وعلى المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني،وإن كانت السنوات الأولى لتأسيس السلطة حملت آمالا واعدة عند الفلسطينيين إلا أن السلطة، وخصوصا في مرحلة ما بعد أبو عمار ،بدأت تنزلق تدريجيا بعيدا عن الآمال والطموحات الوطنية.ونعتقد أن الخلل الذي شاب ممارسات السلطة سواء على مستوى الفساد الإداري والمالي أو في مفاوضاتها مع إسرائيل أو على مستوى الفوضى والانفلات الأمني، أعطى حركة حماس مزيدا من المبررات لتُقدِم على انشقاقها وانقلابها.
وعليه،إذا ما قصرنا مفهوم الانقسام على الجغرافيا ووحدة السلطة فوجود السلطة لم بشكل حالة انقسام، أما إذا تحدثنا عن الانقسام بالمفهوم المشار إليه كتهديد وخروج عن المشروع الوطني فقد أل حال السلطة ونهجها لحالة انقسام وخروج عن المشروع الوطني . كان اخطر ما نتج عن ربط المشروع الوطني بقراري 242 و338 تحديدا هو إفقاد هذا المشروع لاستقلاليته الوطنية وهي الاستقلالية التي دخلت المنظمة دفاعا عنها عدة حروب ومواجهات مع أكثر من دولة عربية.مع توقيع اتفاقية أوسلو تم الانتقال من مشروع وطني مستقل-نسبيا- ومقاوم، لمشروع وطني خاضع لشروط تسوية غير متوازنة أو تسوية مغامرة مما أدى لحدوث تصدع للإجماع الوطني حول هذا المشروع وبالتالي غياب لإستراتيجية فلسطينية واضحة سواء إستراتيجية سلام أم إستراتيجية مقاومة، وأصبح المشروع الوطني رهينة عملية سلمية انحرفت عن مسارها، وما أنتجت من اتفاقات، والأخطر من ذلك أن النظام السياسي الذي مثلته السلطة أصبح أسير الموافقة الإسرائيلية حتى يجوز القول بأن إسرائيل أصبحت أحد مكونات النظام السياسي الذي مثلته السلطة الفلسطينية، فلم يعد من الممكن إنجاز هذا المشروع الذي يقول بدولة مستقلة في الضفة وغزة إلا بانسحاب إسرائيل من هذه الأراضي، والانسحاب مرتبط بنجاح عملية التسوية ونجاح العملية السلمية في ظل التوازنات الدولية الراهنة مرتبط بالموافقة الإسرائيلية،وما يجعل الشرط الإسرائيلي شرط لزوم وضرورة لقيام المشروع الوطني هو الجغرافيا السياسية، حيث تفصل أراضي إسرائيل ما بين الضفة وغزة، وبالتالي استحالة التواصل ما بين شطري المشروع الوطني إلا بموافقة إسرائيل. ولنتصور أن الفلسطينيين في الضفة وغزة قاموا بتحرير هاتين المنطقتين من الاحتلال أو أجبر المنتظم الدولي إسرائيل على الانسحاب منهما، فكيف سيحدث التواصل بين المنطقتين دون موافقة إسرائيل؟.
لم يقتصر الانقلاب والانقسام الناتج عنه الذي أوجدته السلطة وخصوصا بعد تحولها من سلطة مؤقتة لسلطة دائمة بعد مايو 199 على أهداف المشروع الوطني وآليات نحققه بل تجاوز ذلك للمسميات،فبحسن نية من البعض وبسوء نية من آخرين تم الانتقال من مصطلح حركة المقاومة الفلسطينية والثورة الفلسطينية وهو التوصيف الذي كان يطلق على الحالة الفلسطينية إلى مصطلح النظام السياسي الفلسطيني،وكأن اعتماد المصطلح الثاني يعني تجاوز مرحلة الثورة والمقاومة والدخول في مرحلة الدولة،لأن للنظام السياسي أسس ومرتكزات وآليات عمل تتعارض مع أسس وآليات عمل الثورة وحركة التحرر.ونحن نفضل إن كان لا بد من استعمال مصطلح النظام السياسي الفلسطيني أن نقصره على السلطة الوطنية فقط فيما الحالة الفلسطينية ككل ما زالت في مرحلة التحرر الوطني.
إذن نتيجة أخطاء صاحبت ممارسات السلطة وزيادة خضوعها لشروط الاحتلال وعجزها عن فرض شروط السلام العادل أصبحت المسافة تتباعد ما بين واقع السلطة واستحقاقات المشروع الوطني بل أصبحت في بعض أوجهها معيقة لإنجاز هذا المشروع.هذه الحالة الارتدادية أو الانقلابية لمسناها خصوصا بعد انتهاء المرحلة الانتقالية في مايو 1999 المنصوص عليها في اتفاقية أوسلو،بحيث أصبح كل لقاء أو اتفاقية أو مؤتمر أو جلسة مفاوضات تتم في السنوات الأخيرة تحت عنوان التسوية في الشرق الأوسط، إلا وتشكل عائقا حقيقيا على الأرض أمام السلام الحقيقي وتُضعف من موقف وموقع دعاة السلام لصالح المتطرفين وأعداء السلام، وباتت كل خطوة نحو السلطة أو لتكريسها وحمايتها، مرتبطة بالإرادة الإسرائيلية والأمريكية وتخدم سياستهما، أو بدافع المصلحة الشخصية والحزبية الضيقة، وبالتالي تكون على حساب المشروع الوطني وهو ما يعزز حالة الانقسام الفلسطينية.
ممهدات الانقسام والانقلاب على المشروع الوطني بدأت تتضح منتصف يونيو 2002 عندما حاصرت القوات الإسرائيلية مقر الرئيس أبو عمار بالمقاطعة يوم 7 يونيو ،وفي 14 يونيو ألقى الرئيس بوش خطابا أعلن فيه مقاطعة أبو عمار وطالب الشعب الفلسطيني بالبحث عن قيادة جديدة،في تلك الفترة لم يكن أبو عمار محاصرا فقط من طرف الجيش الإسرائيلي في المقاطعة وسياسيا من طرف واشنطن ودول عربية رفضت السماح له بمخاطبة شعبه والعالم تليفونيا أثناء عقد قمة بيروت، بل تمت محاصرته داخليا من تيار كان بتشكل بصمت من قيادات جهاز الأمن الوقائي وقيادات فتجاوية وغير فتحاوية شهرَّت بأبي عمار وشوهت صورته وحاولت أن تلصق به كل سلبيات وأخطاء حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة،وبدأت تشكل قيادة بديلة لقيادة أبو عمار ونهجه،قيادة متصالحة مع التوجهات الأمريكية والأوروبية وغير متصادمة مع إسرائيل .منذ ذلك التاريخ بدأ الانقسام حول المشروع الوطني يظهر داخل حركة فتح حيث سادت حالة من الانفلات الأمني والصراع على السلطة ما بين أبو عمار من جهة، المتمسك بآخر خيوط المشروع الوطني التي بدأت بالانفراط ،ومن جهة أخرى تيار من فتح متحالف مع نخبة جديدة أرادتها قطيعة مع المشروع الوطني كمشروع حركة تحرر وطني مقاوم .في تلك المرحلة ظهر تياران داخل السلطة وداخل حركة فتح :العرفاتية من جانب والعباسية من جانب آخر ويبدو أن الغَلبَة كانت للتيار الثاني الذي لم يكن مجرد وجهة نظر مخالفة بل شكل حالة انقسام وانشقاق عن نهج في التفكير والممارسة مثلته العرفاتية .
في تلك الفترة برز وبقوة شخص محمد دحلان الذي ترأس وأسس جهاز الأمن الوقائي في غزة وتولى لاحقا منصب وزير داخلية ومنصب مستشار الرئيس للأمن القومي.لم يكن ظهور دحلان مجرد تعبير عن قيادات سياسية شابة كما حاولت جماعته الترويج، بل برز كتيار سياسي مدعوم بقوة عسكرية قائمة بذاتها تربطها علاقات ملتبسة بأجهزة السلطة وبقوات فتح العسكرية. فبالإضافة لهيمنته على جهاز الأمن الوقائي فقد شكل فرقة الدعم والإسناد والتي سماها المواطنون (فرق الموت) وميلشيات عسكرية تابعة له مباشرة أو غير مباشرة من خلال التمويل والتسليح و كان له رأي في تشكيل الحكومات،الأهم من ذلك أن هذه القوة لدحلان تركزت في قطاع غزة فقط حتى أُطلق على قطاع غزة أسم (دحلانستان) وكانت شكوك قوية تدور حول هذا التمركز لقوة دحلان في قطاع غزة متزامنا مع مشروع شارون للانسحاب من قطاع غزة ومع حالة الفوضى والانفلات الأمني التي سادت القطاع مع الدور الغامض لجهاز الأمن الوقائي، هذا الجهاز الذي تم تأسيسه أصلا ليضمن انقلاب السلطة على المشروع الوطني وليقمع كل من يفكر باستنهاض المشروع الوطني كحركة تحرر .
بدت مرحلة حكومات تسيير الأعمال برئاسة الدكتور سلام فياض وكأنها امتداد وتعبير عن انتصار نهج الرئيس أبو مازن ،إلا أن الدكتور فياض كان من خارج البيت الفتحاوي وله مشروعه الخاص وهو ما تأكد عندما دخل الانتخابات التشريعية الأخيرة على رأس قائمة مستقلة وهي قائمة المستقبل التي حصلت على صوتين كان سلام فياض احدهما،وعليه وما أن تمكن الدكتور فياض من رئاسة الوزراء بعد انقلاب حماس على السلطة حتى بدا يشتغل مستقلا عن حركة فتح ومستغلا ضعفها وتهلهلها وتطلُّع بعض قياداتها لمواقع وامتيازات سلطوية دون الاهتمام بقيادة السلطة والشعب في أصعب المراحل التي يحتاج فيها الشعب لحركة فتح ولمنظمة التحرير،وبالتالي شكل سلام فياض وحكوماته وخصوصا الحكومة الحالية وحلفائها حالة انقسام وانقلاب جديد على المشروع الوطني وعلى حركة فتح ومنظمة التحرير، فأن تعلن حركة فتح والجبهة الشعبية وحزب الشعب بالإضافة لحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي أنهم لا يعترفون بهذه الحكومة ولا يقرون بشرعيتها،فمن تمثل هذه الحكومة ؟وما هو مشروعها؟ .
ما آل إليه حال السلطة والتسوية شكل حالة تهديد للسلام الحقيقي لأن المفاوض والحكومة أعجز من أن يفرضا سلاما عادلا واعجز من أن يقررا الخروج من العملية التفاوضية الجارية أو يغيرا من شروطها. أصبحت السلطة الراهنة تشكل أيضا حالة تهديد لمشروع المقاومة من حلال التنسيق الأمني المكثف مع الإسرائيليين ومحاصرة المقاومة فكرا وسلوكا.في ظل وجود السلطة تزايد الاستيطان وعمليات الاغتيال والاعتقالات بشكل غير مسبوق وتراجع التأييد الدولي للقضية الفلسطينية بالإضافة لتفجر الفتنة والحرب الأهلية والصراع على سلطة فقدت وظيفتها الوطنية وقيمتها الأخلاقية وأصبحت عبئا على المشروع الوطني بشقيه: السلمي والمقاوم.إن كانت السلطة بواقعها الراهن غير قادرة على فرض التسوية العادلة وغير قادرة على أن تعود كمشروع حركة تحرر ،فما هو مبرر وجودها ولمصلحة من؟.

رابعا:الانقسام المُركب الذي أحدثته حركة حماس وتأثيره على المشروع الوطني.

انقلاب السلطة على المشروع الوطني وتوفيرها لمناخ انقسام متعدد الأبعاد فيه وعليه، لم يكن بخطورة الانقسام الذي أحدثته حركة حماس.لا شك أن الانقسام الذي أحدثته سلطة خرجت عن المسار الوطني ساعد حركة حماس في انقلابها على المشروع الوطني إلا أن الفكرة والمخطط كانا متواجدين منذ تأسيس حركة حماس التي كانت تعمل كل ما فيه إساءة وإفشال للمنظمة وللسلطة وللمشروع الوطني،و كل متابع للأحداث منذ أن بدأت الحركة عملياتها الاستشهادية داخل الخط الأخضر عام 1996 ثم عندما قررت المشاركة بالانتخابات المحلية ثم التشريعية وبعد ذلك فوزها بهذه الانتخابات ،سيلمس أن قيادة الحركة في الخارج كانت تسعى لإفشال مشروع السلطة وتأسيس نظام سياسي جديد ومرجعية جديدة يقطعان مع المشروع الوطني ومع مجمل التاريخ النضالي الوطني ويرتبطان بمرجعية حركة حماس وأصولها أي بجماعة الإخوان المسلمين، ،وجاءت الأحداث الأخيرة المصاحبة للعدوان على قطاع غزة في يناير 2009 لتكشف ما خفي من الأمور وخصوصا دعوة السيد خالد مشعل حول بتشكيل قيادة عمل وطني جديدة.
لم تعلن حركة حماس موقفا قاطعا عند نشأتها عام 1987 من المنظمة ومشروعها الوطني،ونعتقد أنها قصدت الغموض لكونها كانت ضعيفة ولا تستطيع مواجهة التيار الوطني علنا، ولذا تفاوتت المواقف ما بين القبول المشروط بالمنظمة والرفض المبدئي وبينهما مواقف مبهمة.فميثاق حماس أشار للمنظمة بصورة غامضة عندما قال:( بان المنظمة من اقرب المقربين إلى حركة المقاومة الإسلامية ففيها الأب والأخ أو القريب أو الصديق وهل يجفو المسلم أباه أو أخاه أو قريبه أو صديقه ؟فوطننا واحد ومصابنا واحد ومصيرنا واحد وعدونا مشترك) ولكن هذا القول المطمئن يتلاشى عندما يرفض الميثاق الطابع العلماني للمنظمة بالقول أننا لا نستطيع أن نستبدل إسلامية فلسطين الحالية والمستقبلية لنتبنى الفكرة العلمانية ... ويوم تتبنى المنظمة الإسلام كمنهج حياة فنحن جنودها ووقود نارها التي تحرق الأعداء .هذا الموقف يؤشر لأول مظهر وسبب للانقسام وهو للانقسام الأيديولوجي،و في مقابلة مع الشيخ ياسين أثناء وجوده في السجن قال بان المنظمة تمثل فلسطينيي الخارج فقط ولا تمثل فلسطيني الداخل و بذلك أضاف عنصر جديد للانقسام.
منذ بداية التسعينيات عرفت العلاقة بين الطرفين مدا وجزرا ، ففي مذكرة وجهتها حماس للمجلس الوطني في نيسان 1990 حددت حركة حماس الشروط التي على أساسها يمكن الدخول بالمجلس الوطني الفلسطيني وهي عشرة شروط أهما اعتبار فلسطين وحدة واحدة من البحر للنهر والتأكيد على الكفاح المسلح وشروط أخرى أهمها أن تُمثل بالمجلس بنسبة تتراوح بين 40 و 50 بالمائة . عندما أبعدت إسرائيل 400 شخصية فلسطينية إلى مرج الزهور بلبنان في ديسمبر 1992 توترت العلاقة بين الطرفين مجددا وتوسطت السودان بين الطرفين وجرت مفاوضات في الخرطوم وطالبت حماس بنسبة 45%من مقاعد المجلس مما أدى لانهيار الحوار وحمَّل أبو عمار المسؤولية لممثلي حماس بعمان مشيرا إلى وجود تباين في المواقف بين جناح الداخل وجناح الخارج في الحركة ، مما دفع بمحمد نزال أحد قادة حماس في الخارج للمطالبة باستقالة قيادة المنظمة ،إلا أنه في يونيو تراجعت حماس عن موقفها المتشدد وأعلنت على لسان إبراهيم غوشة بان المنظمة هي الإطار السياسي لجميع أبناء الشعب. مع مدريد تعمقت الخلافات بين الطرفين ،وانتقدت الحركة قرارات المجلس الوطني في الجزائر في أيلول 1991 وهي الدورة التي أقرت المشاركة في مؤتمر مدريد حيث اعتبرت الحركة أن المجلس الوطني الفلسطيني بتشكيلته الحالية غير مؤهل لاتخاذ قرارات مصيرية ،بل وصل الأمر للتحفظ على شرعية تمثيل المنظمة وهو ما ظهر خلال لقاء حماس وفتح في الخرطوم في يناير 1993.
ما بين 1994 و2004 حيث قرار حماس بالمشاركة بالانتخابات البلدية مارست حركة حماس كل ما من شأنه تعزيز حالة الانقسام الفلسطيني من خلال رفض المشاركة بالسلطة ورفض الاعتراف بشرعيتها وشكلت دولة داخل الدولة:مستشفيات ومدارس وجامعات وجمعيات ومليشيات خاصة بها بالإضافة إلى علاقاتها وتحالفاتها الخارجية المستقلة عن السلطة.بقيت الأمور بين الطرفين تتصاعد لدرجة الاحتكام للسلاح وما يشبه الحرب الأهلية بين الطرفين وجاءت خطة شارون للخروج من غزة وخروجه في سبتمبر 2005 في ظل حالة الاحتقان الداخلي والفوضى وخصوصا في قطاع غزة حيث الحضور العسكري والسياسي للحركة أكبر بكثير مما هو في الضفة ثم يليها مباشرة انتخابات تشريعية قبل التوصل لمصالحة وطنية أو اتفاق على الثوابت والمرجعيات الوطنية،لتثير تساؤلات عميقة حول علاقة الخروج من غزة والانتخابات بالانقلاب اللاحق ثم الانقسام؟ وهل أن خطة شارون جزء من مخطط متعدد الأطراف كانت حركة حماس مشاركة به بطريق غير مباشر ومن وسطاء، وهو مخطط وعد حركة حماس بإمارة أو حكومة في قطاع غزة مقابل وقف عملياتها العسكرية ضد إسرائيل في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر؟ .
كان يُفترض أن تكون الانتخابات حلا لأزمة النظام السياسي- المشروع الوطني والسلطة- ولكن وحيث أنها لم تنطلق من حسن نية ولا من منطلق الإيمان بالديمقراطية ولأنه لم يسبقها الاتفاق على ثوابت النظام السياسي،فقد أدت الانتخابات لتعميق الانقسام حيث فسرت حركة حماس فوزها بالانتخابات التشريعية وكأنه تفويض لها بقيادة الشعب الفلسطيني وبالتالي تغيير أسس ومرجعيات السلطة والنظام متجاهلة أن مرجعية السلطة هي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وإن ما فازت بها هي انتخابات لأعضاء مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي ناتجة عن اتفاقات وملتزمة بها،ويبدو أن حركة حماس أرادت أن توظف آلية ديمقراطية لتنفيذ مخططها الانقلابي على السلطة.عندما فشل الانقلاب عن طريق صناديق الانتخابات وتم فرض الحصار على الحكومة التي شكلتها حركة حماس تراجعت وقبلت بنتائج تفاهمات مكة وشكلت حكومة توافق وطني، إلا أن معسكر الانقسام وتداخل الأجندة الخارجية وخصوصا إسرائيل كان أقوى من معسكر التوافق والمصالحة الوطنية فكان اللجوء للحسم العسكري والانقلاب .
لا نشكك بأن حركة حماس فازت بجدارة ولا نشكك بحقها بناء على ذلك بتشكيل الحكومة،ولا ننفي أن وضع السلطة قبل الانتخابات كان من التردي بما يبرر التغيير بالانتخابات أو غيرها من الوسائل،ولكن النوايا المسبقة عند حركة حماس والتي أشرنا إليها والفصل الجغرافي الواقع ما بين الضفة وغزة، جعل الانتخابات عاملا معززا للانقسام وأطلق رصاصة الرحمة على مشروع السلطة والمشروع الوطني المرتبط بالتسوية.لقد منحت الانتخابات شرعية نظرية إضافية لنهج ومشروع حركة حماس ولكنها خلقت الانقسام والفصل بين غزة والضفة وهو الانقسام الذي أضعفت إمكانية بناء إستراتيجية وطنية للمقاومة أو للسلام والتسوية.
مع سيطرة حركة حماس على السلطة في القطاع انتهى المشروع الوطني الفلسطيني بمحدداته ومرجعياته التي صاغتها وثيقة الاستقلال عام 1988 ثم مشروع السلام الفلسطيني المبني على الشرعية الدولية، على الأقل على مستوى قطاع غزة وبالنسبة لحركة حماس،وأصبحت غزة وكأنها تحت حكم جماعة الإخوان المسلمين والمعركة الدائرة في غزة وكأنها معركة الإخوان المسلمين حيث نحشد هذه الأخيرة كل جهودها على مستوى العالم لرفع الحصار عن غزة.أيضا مع الانقلاب استطاعت إسرائيل فرض معادلة خطيرة وهي إسرائيل في مواجهة عسكرية دموية مع أهل غزة وحركة حماس ،و إسرائيل في مواجهة السلطة ودعاة التسوية في الضفة الغربية،وبمقتضى هذه المعادلة لم يعد الصراع كما كان سابقا ،إسرائيل في مواجهة كل الشعب الفلسطيني وهو ما كان عليه الحال طوال تاريخ القضية الفلسطينية وهو ما لمسناه خلال انتفاضة 1987 ثم انتفاضة الأقصى ، بمقتضى هذه المعادلة أصبحنا نسمع عن حرب إسرائيل ضد قطاع غزة والعدوان على قطاع غزة فيما تتم عملية إخراج الضفة من ساحة الحرب المباشرة،حتى شعارات المتظاهرين في العالم أصبحت تقول لبيك غزة ونصرة غزة وليس لبيك فلسطين ونصرة فلسطين .
نخلص فيما يتعلق بعلاقة حركة حماس بالمشروع الوطني أن غموض والتباس موقف الحركة لا يخفي حقيقة أنها ظهرت أصلا كبديل لمنظمة التحرير بل يمكن القول إن ما يجري اليوم من انقسام وسعي من حماس بالتفرد بدولة أو إمارة دينية في قطاع غزة كان واردا منذ فترة طويلة عند قادة حركة حماس ليس فقط من خلال استعداد الشيخ احمد ياسين بالقبول بدولة في حدود 1967 وهو الموقف الذي تكرر على لسان السيد خالد مشعل في القاهرة أخيرا،بل واضحا من كتابات لقادة ومفكرين من حماس منذ بداية التسعينيات،فالدكتور احمد يوسف تحدث عام 1990 عن دولة التمكين التي تحكمها نخبة ملتزمة بالإسلام سلوكا ودستورا ومنهاج حياة.
صيرورة الانقسام حكومتين وسلطتين فلسطينيتين متناحرتين وتحت الاحتلال يعتبر تدميرا للمشروع الوطني التحرري بكل صياغاته من خلال:-
1- تذرع إسرائيل ومعها الولايات المتحدة بغياب شريك فلسطيني للسلام وبالتالي تهرب إسرائيل مما عليها من التزامات.
2- أضعف مشروع السلام الفلسطيني لأن الرئيس أبو مازن أصبح ضعيفا على طاولة المفاوضات لأنه لم يعد فادرأ على التكلم باسم كل الشعب الفلسطيني وخصوصا عندما تتحدث عنه حركة حماس كرئيس منتهية صلاحيته.
3- الانقسام أبطل من قيمة وإمكانية تطبيق قرارات الشرعية الدولية حول فلسطين لان الشرعية الدولية تتحدث عن الضفة وغزة كوحدة واحدة .أيضا أضعف من حق عودة اللاجئين فهذا الحق يعتمد على قرار دولي وحركة حماس لا تقر بالشرعية الدولية ولا بقراراتها.
4- مكن الانقسام إسرائيل من التفرغ للاستيطان بالضفة وتهويد القدس بشكل غير مسبوق،كما مكنها من اتخاذ قرارات عنصرية كيهودية الدولة بدون ردود فعل دولية.
5- اضعف الانقسام من خيار المقاومة وحتى الانتفاضة بشكلها السلمي بسبب انقطاع التواصل ما بين الضفة وغزة،وبما سببه من غياب مرجعية واحدة يمكن أن توجه الحالة النضالية .
6- التشكيك بقدرة الشعب الفلسطيني في حكم نفسه بنفسه وهذا ما شجع على طرح مشاريع الوصاية والخيار الأردني وهو ما ستشير إليه لاحقا .
7- فقد المقاتل الفلسطيني والسلاح الفلسطيني احترامه وهيبته أمام العالم وأمام الشعب عندما أصبح السلاح الفلسطيني يوجه للفلسطيني وأصبح المقاتل الفلسطيني رجل أمن أو ميليشيا مهمته قمع الفلسطيني ومطاردته وأهانته.
8- تحويل القضية من قضية شعب يناضل من اجل الحرية والاستقلال لصراع على السلطة بين من يُفترض أنها فصائل حركة تحرر وطني.
9- تراجع الاهتمام الدولي بالقضية كفصية سياسية إلى مجرد اهتمامات إنسانية من إغاثة ومساعدات غذائية ورفع للحصار الخ.
10- الانقسام لم يعد سياسيا وجغرافيا فقط بل امتد ثقافيا واجتماعيا وقانونيا،ذلك أن حركة حماس تمثل مشروعا سياسيا ودينيا وبالتالي تنتج ثقافة مغايرة لثقافة القوى السياسية الأخرى وخصوصا في قطاع غزة فقد وصل الأمر لحد التخوين والتكفير وإعادة النظر برموز تعد من التراث والثقافة الوطنية،وهناك نظم وتشريعات قانونية تصاغ في غزة مختلفة عما هو موجود في الضفة،علاقة المواطنين مع بعضهم بعضا تغيرت حيث ثقافة الكراهية والحقد والإقصاء ووصل الأمر حتى للزواج حتى باتت بعض الأسرة تسأل عن الفتاة أو الفتى إن كان من فتح أو حماس قبل الزواج.
11- في ظل الانقسام لا يمكن بناء إستراتيجية عمل وطني أو تشكيل قيادة عمل وطني وهذا ما ستكون له نتائج خطيرة ليس فقط على فلسطينيي الضفة وغزة بل على فلسطينيي الشتات ومستقبل القضية.
12- زيادة تأثير التدخلات الخارجية في القضية الوطنية سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين وإسرائيل أو بأطراف إقليمية كالدول والتنظيمات التي ترفع شعارات الممانعة أو المسماة بدول الاعتدال.لا شك أن التدخلات الخارجية حالة مزمنة في القضية الفلسطينية ولكنها في ظل الانقسام أصبحت أكثر حضورا لضعف الجبهة الداخلية.

خامسا:استشراف مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني بعد الانقسام

إن كنا نتمنى أن تنجح جهود المصالحة في التوصل لحكومة توافق وطني وقيادة وإستراتيجية عمل وطني لمشروع وطني محل توافق وطني،إلا أن الخوف ينتابنا بأن حالة الانقسام قد تستمر لحين من الزمن وفي هذه الحالة يمكن استشراف مستقبل المشروع الوطني ضمن الأوضاع السيئة التالية:
1- من التقسيم إلى التقاسم (إدارة الانقسام)
بدءا من الجولة الثانية لحوارات القاهرة التي بدأت قي يناير 2009 يبدو أن الحوارات بدأت تتجه نحو تفاهمات حول إدراره الانقسام وليس حله ،فتداخل وتعقد الملفات المطروحة والأمر الواقع الذي أنتجه الانقسام وتعثر عملية التسوية وتهرب إسرائيل من استحقاقاتها وعدم صرامة الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل بالإضافة إلى عدم رغبة الأطراف المتحاورة والدولة المضيفة بإعلان الفشل ،كل ذلك يدفع هذه الأطراف لسياسة حرق الوقت وتقليل سقف التوقعات من خلال التأجيل المتكرر لجلسات الحوار وطرح حلول مؤقتة كاللجنة المشتركة أو تسريب حديث عن كونفدرالية بين الضفة وغزة.
التقاسم الوظيفي الفلسطيني المؤقت يمكن التفكير به إن كان حلا مؤقتا ،وذلك بان تساعد السلطة حركة حماس وتمكنها من رفع الحصار و بناء قطاع غزة بعيدا عن الاحتلال وعن الوصاية،وفي مقابل ذلك تتوقف حركة حماس والمشايعون لها عن معاكسة السلطة في الضفة ومساعيها لتحقيق انسحاب إسرائيل من الضفة عن طريق المفاوضات ،مع وجود قيادة أو مرجعية مشتركة لكل الشعب في جميع أماكن تواجده.الخشية من هذا السيناريو في حالة نحققه أن يكرس القطيعة ويتحول الانقسام لحالة دائمة
2- عودة الوصاية العربية على الفلسطينيين
أطراف عدة عبرت مؤخرا عن تخوفاتها من إنهاء المشروع الوطني وإعادة ربط قطاع غزة بمصر وما تبقى من الضفة الغربية بالأردن ،والموضوع ليس أوهام بل ناقش الكنيست فكرة وطن للفلسطينيين في الأردن مما أثار حفيظة الأردن وتم استدعاء السفير الإسرائيلي بعمان نهاية شهر مايو وتبليغه الاحتجاج الأردني .
من المعروف أن الضفة الغربية تم ضمها لشرق الأردن بعد حرب 48 و أهلها حملوا الجنسية الأردنية ولم يحدث فك الارتباط بين الضفة الغربية والأردن إلا عام 1988 وكان إداريا ،وما زالت غالبية سكان الضفة بالإضافة إلى فلسطينيي الأردن يحملون الجنسية الأردنية ،أما قطاع غزة فقد خضع للحكم العسكري المصري منذ 1948 حتى عام 1967،وبالرغم من ذلك استنهض الفلسطينيون الحالة الوطنية وتمردوا على الوصاية وعلى تغييب الشخصية والهوية الوطنية وانطلقوا بثورتهم الوطنية مع حركة فتح ومنظمة التحرير التي شكلت تحالفا لقوى العمل الوطني من كل المشارب والانتماءات وهم تحت الحكم العربي.
هذا الاحتمال مفروض شعبيا وأي نظام عربي يعتقد انه قادر اليوم أن يعيد الشعب الفلسطيني لوصايته هو نظام لا يعرف الشعب الفلسطيني ،وإن فكر أي نظام عربي بالمشاركة بهذه المؤامرة نتيجة ضغوط أو إغراءات أمريكية وأوروبية فإنه سيحكم على نفسه بالانهيار،فان تمد هذه الأنظمة نفوذها أو سيادتها على الشعب الفلسطيني أرضا وشعبا وهي التي تعاني أصلا من أزمة شرعية داخلية وعلاقاتها متوترة مع شعوبها فهذا هو الانتحار السياسي،أيضا فلا الشعب المصري أو الأردني سيقبل بان يشارك بهذه المؤامرة ولا أهل غزة والضفة سيقبلون بذلك هذا ناهيك عن الرفض الشعبي العربي لهذا المخطط.
ومن جهة أخرى هناك قرارات دولية تعترف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وهي قرارات لا تسقط بالتقادم كقرار التقسيم لعام 1947 وهو القرار الدولي الوحيد الذي منح الشرعية لوجود دولة إسرائيل بجانب دولة للفلسطينيين ،وقرار 194 الذي يتص على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لمدنهم وقراهم التي هُجِروا منها وقرارات أخرى حول حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره السياسي،أيضا فإن منطلق مؤتمر مدريد للسلام ومن بعده اتفاقية أوسلو وخطة خارطة الطريق ومؤتمر انابولس ووعد بوش للفلسطينيين بدولة مستقلة... وبالرغم من تحفظاتنا على هذه القرارات والاتفاقات وخصوصا من جهة عدم وضوح مفهوم الدولة الدولة الفلسطينية إلا أنها تؤكد على الجانب السياسي للصراع مع العدو الصهيوني ،وعليه كيف يمكن تجاهل هذه الشرعية الدولية؟وضمن أية شرعية أو مرجعية قانونية يمكن إدراج مخطط الوصاية العربية على الضفة والقطاع؟.إذا كان الشعب الفلسطيني في الشتات والمنافي البعيدة وبعد أكثر من ستين عاما من النكبة لم ينس وطنه ولم يتخل عن هويته ،فكيف بالفلسطينيين الذين يعيشون على أرض فلسطين أو مجاورين لها وخصوصا أن هؤلاء يُحمِلون الأنظمة العربية مسؤولية عن المعاناة والمجازر التي تعرضوا لها على يد الصهاينة؟ .
3- إمارة إسلامية في قطاع غزة واستمرار الاحتلال بالضفة
لم يعد مجالا للشك بان حركة حماس امتداد لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين ،وبالتالي فإن مشروع حركة حماس وحكومتها في غزة هو مشروع الإخوان المسلمين الذي يُغلب متطلبات هذا المشروع على أي مشاريع أخرى بما فيها المشروع الوطني والدولة الوطنية. فصل غزة عن القطاع وتأسيس سلطة إسلامية بالقطاع وهو ما يعتبره القائلون بالمشروع الوطني تهديدا للمشروع الوطني هو بالنسبة لحركة حماس وللإخوان المسلمين نصر و قاعدة ومنطلق لتأسيس المشروع الإسلامي الذي تحلم به جماعة الإخوان المسلمين منذ أكثر من ثمانين عاما ،وبالتالي فإن دولة في قطاع غزة وإن كان يعني إنهاء المشروع الوطني لمنظمة التحرير فإنه من وجهة نظر حركة حماس يعني إقامة إمارة أو دولة في القطاع تكون بمثابة الإقليم /القاعدة لمشروع جماعة الإخوان المسلمين.
وإن كنا لا نعارض قيام سلطة فلسطينية مستقلة مؤقتة في القطاع فيجب أن لا يكون ذلك على حساب الضفة والقدس ونعتقد أن إسرائيل وواشنطن والغرب سيقترب من حكومة حماس في غزة بقدر ابتعادها عن المقاومة وعن مد نفوذها للضفة،وقد سمعنا من أكثر من مسئول في حماس من قبول قيام دولة غزة واعتبار الضفة والقدس أرض محتلة مثلها مثل بقية فلسطين،وهذا يعني في نظرهم حل السلطة والحكومة في الضفة والتعامل مع الضفة كأراضي محتلة.

4- حالة ألا حرب وألا سلم
إن كانت حركة حماس لا تريد الاعتراف بإسرائيل ، ولا بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير مع إسرائيل ، ولا بالمبادرة العربية ، ولا بقرارات الشرعية الدولية،وإذا كانت التسوية الشاملة ستبقى متعثرة بسبب الانقسام وبسبب الممانعة الإسرائيلية وإذا كانت المقاومة المسلحة لتحرير الوطن غير ممكنة في ظل الظروف القائمة،فماذا تريد حركة حماس وما هو توصيف الحالة بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال الفترة الحالية والمنظورة؟.
من السيناريوهات المحتملة ان حركة حماس وما أنتجه انقلابها من وقائع يؤسس لحالة من ( ألاَّ سلم وألاَّ حرب ) ، هذه الحالة هي أيضاً الوضع المناسب لإسرائيل والولايات المتحدة ، وعلى هذا الأساس فإن إسرائيل والولايات المتحدة غير منزعجين لوجود حركة حماس على رأس حكومة في غزة بل يمكن القول بأنهم غير متعجلين ولا راغبين بأن تعترف حكومة حماس بإسرائيل وبالاتفاقات الموقعة ، وهذا يعني أنهم لن يعملوا على إسقاط الحكومة الحمساوية بل من مصلحتهم إطالة عمرها ، ولكن في ظل استمرار حالة الحصار والتجويع لتبقى حكومة تمنح المبرر لإسرائيل للزعم بعدم وجود شريك فلسطيني مما يمكنها – إسرائيل – من الاستمرار بتنفيذ سياستها للفصل الأحادي الجانب ، أيضاً لتُبقي الشعب الفلسطيني مشغولاً بهمِّه الغذائي وبمشاكله اليومية في الصراع حول السلطة والتراشق بالتهم ، أيضاً لأن إسرائيل والولايات المتحدة ودول الجوار يريدون الحفاظ على وجود حكومة أو حكومات فلسطينية ولكن تحت الضبط .

إذن هناك مصلحة مشتركة بين طرفين هم في الجوهر أعداء ولكن تجمعهم مصلحة مشتركة، في استمرار حالة من ألا حرب وألا سلم ، وكلاهما يراهن على المستقبل ، إسرائيل تعتقد بأن المستقبل لصالحها ، حيث ستستمر بسياستها التوسعية بذريعة غياب الأمن ووجود طرف فلسطيني يرفض السلام والتسوية ، أيضاً تراهن بأن استمرار الحصار وعدم الحل السياسي سيجعل مناطق السلطة مناطق طاردة للفلسطينيين وللكفاءات بدلاً من أن تكون مناطق جذب وعودة ، أيضاً حالة ألا سلم وألا حرب هي الحالة التي تتوافق مع الإستراتيجية الأمريكية ، إستراتيجية إدارة الأزمات وليس حلها لأنه لو حُلت كل مشاكل المنطقة العربية لتفرغت الشعوب العربية للبناء والتعمير وهذا ما لا ترغب به أمريكا والغرب ، وحالة ألا حرب وألا سلم حالة مواتية لحركة حماس التي تدرك بأن اعترافها بإسرائيل سيجعلها مساوية لغيرها من القوى السياسية التي كانت تنتقدها بل تشكك بوطنيتها ، والاعتراف بإسرائيل سيسقط عنها الهالة الدينية التي تميزها عن غيرها ، أيضاً تعتقد حركة حماس بأن المستقبل لصالحها مراهنة على نهضة إسلامية آتية لا محالة في نظرها وأن هناك وعداً إلهياً بنصرة المرابطين في أرض الرباط ، وأن المشروع الصهيوني مشروع غير قابل للحياة... الخ .

من الآن وإلى تحقيق النصر فإن الشغل الشاغل لحركة حماس سيكون كيفية الحفاظ على وجودها كحكومة في قطاع غزة مع الزعم بأنها الحكومة الشرعية والممثلة لكل الشعب الفلسطيني ، وحتى تحافظ على وجودها فستمارس نوعاً من البراغماتية والغموض في الخطاب والممارسة دون أن يصل الأمر لكسر حالة ألا حرب وألا سلم ، وهي في ذلك لن تجد كثير ممانعة من دول الجوار ومن الولايات المتحدة الأمريكية ومن الأوروبيين وحتى من إسرائيل ، هذه الأطراف ستسمح بوصول الدعم الاقتصادي والمالي للفلسطينيين ليس حباً بحماس وبالشعب الفلسطيني ولكن لضمان استمرار الانقسام و أملاً بفتنة فلسطينية داخلية ، ولأن وجود سلطتين وحكومتين فلسطينيتين يبعد عن إسرائيل صفة دولة احتلال ويعفيها من تبعات ومسؤوليات دولة الاحتلال .

خلاصة

في ظل حالة الانقسام وبالتالي تراجع فرص التسوية العادلة وفرص العودة لمقاومة مسلحة و شعبية واسعة،ومع عدم قدرة أي حزب أو جماعة فلسطينية على التفريط بالحقوق الفلسطينية و كذا فشل أي مشاريع وصاية على الشعب الفلسطيني، فإن مصير القضية الفلسطينية خلال المرحلة المقبلة سيعتمد على قدرة النخبة السياسية على تجاوز الخلافات والتوصل لمصالحة جادة على مشروع وطني يتعامل دوليا وضمن مشروع سلام لا يتعارض مع الحق بالمقاومة ،في حالة فشل المصالحة في إنهاء الانقسام فالخشية من الاتفاق على إدارة الانقسام وفي هذه الحالة ستدخل القضية الوطنية والصراع مع العدو بحالة أشبه بحالة لا حرب ولا سلم ،ونخشى أن تكون إسرائيل أكثر قدرة في توظيف هذه الحالة لصالحها.
‏08‏/06‏/2009



#إبراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمير قطر يقطع شعرة معاوية في غزة
- التصعيد على قطاع غزة يضع حركة حماس أمام خيارات صعبة
- كتاب : النظرية السياسية بين التجريد والممارسة
- ما وراء عودة الحديث عن دولة ثنائية القومية في فلسطين
- الشرعية الدولية تمنحنا أكثر من مجرد قرار غير ملزم
- نحو علم اجتماع سياسي فلسطيني
- مراجعة لكتابنا (المشروع الوطني الفلسطيني من استراتيجية التحر ...
- الوطنية الفلسطينية بين قوى إسلامية ناكرة لها وقيادة تاريخية ...
- كفى مكابرة ولنقلها صراحة، لقد فشلت تسوية أوسلو
- الرئيس أبو مازن والسباحة ضد التيار
- قطاع غزة : أدوار وظيفية ومراهنات متعددة
- هل المشروع الوطني الفلسطيني كبش فداء صعود الإسلام السياسي إل ...
- النخبة السياسية الفلسطينية: صناعة الانقسام وأوهام الانتصار ( ...
- النخبة السياسية الفلسطينية: صناعة الانقسام وأوهام الانتصار ( ...
- من يحمي الفلسطينيين من اشقائهم العرب؟
- النخب السياسية الفلسطينية : صناعة الانقسام واوهام الانتصار
- فساد النخبة وإفساد الكتاب والمثقفين
- فلتذهب دولة غزة إلى الجحيم
- استشراف مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي ما بعد (الربيع العرب ...
- ما وراء طرح فكرة الشراكة السياسية في الساحة الفلسطينية


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - إبراهيم ابراش - الانقسام الفلسطيني وتأثيره على المشروع الوطني