أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جلال خشيب - الواقعية : العالم الحقيقي و العالم الأكاديمي / جون ميرشايمر ، ترجمة جلال خشيب















المزيد.....



الواقعية : العالم الحقيقي و العالم الأكاديمي / جون ميرشايمر ، ترجمة جلال خشيب


جلال خشيب

الحوار المتمدن-العدد: 3854 - 2012 / 9 / 18 - 19:27
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


Realism, the Real World, and the Academy / John Mearsheimer.
الواقعية : العالم الحقيقي و العالم الأكاديمي.
جون ميرشايمر / ترجمة : جلال خشيب.

مع ارتكازها الكبير على التنافس الأمني و الحرب بين القوى الكبرى فقد هيمنت الواقعية على دراسات العلاقات الدولية طيلة الخمسين سنة الماضية, و قد برزت إسهامات هانز مورغانتو و كينيث والتر بالأخص في هذا الحقل طيلة هذه الفترة, و بعد مضي سنوات الى يومنا هذا, و بعد تاريخ من الركود الذي شهده القرن العشرين كُتب كتابين هيمنا على بقية الكتب " السياسة بين الأمم" لهانز مورغانتو و "نظرية السياسة الدولية" لصاحبه كينيث والتز و لم يكن هناك إلاّ القليل من المنافسين الجدّيين.
مع ذلك فإنّ الكثير من الأمريكيين و الأوروبّيين يعتقدون بأنّ للواقعيّة مستقبل مظلم "غامض".. فمع نهاية الحرب الباردة كثير من البراهين ذهبت أدراج الرّياح, فالسياسة الدولية عرفت تحوّلا وبطريقة جذرية. فالعالم لم ينتقل ببساطة من الثنائية إلى التعددية القطبية, ولكن بدلا من ذلك فقد أقبلنا على ولوج عصر حيث أنّ هناك احتمالات ضئيلة للتنافس الأمني بين القوى الكبرى لا تشير إلى وقوع حرب, وأين لا نجد أهمية كبيرة لمصطلحات معينة كالاستقطاب و توازن القوى بإمكانها أن تساعدنا على فهم العلاقات الدّولية, فمعظم الدول لا ترى في غيرها منافسا عسكريا محتملا بقدر ما تراها كعضو في " المجتمع الدولي" , ففرص التعاون موجودة في هذا العالم الجديد و النتيجة متوقعة للازدهار المتنامي و السلام لكل الدّول في هذا النظام .
ليس من المفاجئ أن يحاجج المؤيّدين لهذا التّوقّع المتفائل بأنّ الواقعية قديمة التفكير وغير وثيقة الصلّة تماما لواقع العالم السياسي, لقد سلك الواقعيون طريق الديناصورات "أي طريق الاندثار" من غير أن يدركوا هذه الحقيقة. إنّ أفضل ما يمكن أن يقال عن الواقعية هو أنها ساعدت على فهم كيفية تفاعل الدّول مع بعضها البعض قبل سنة 1990م , لكنّها غير مفيدة اليوم لإنهاء فترة الحرب الباردة, بالرغم من ذلك فنحن بحاجة إلى نظريات جديدة تساعدنا على تكوين فهم عن السياسة الدّولية في القرن الحادي و العشرين.
لقد كان الرئيس كلينتون مؤيّدا قويا لهذه الرؤية, فعلى سبيل المثال فقد أعلن سنة 1992م بأنّه: "في عالم تسوده الحرّية, لاوجود للاستبداد ببساطة لا اعتبار للحسابات المتشائمة للقوّة السياسية المحضة ". في سنة 1997م وبمرور خمس سنوات نجده يتحدّث عن نفس الموضوع بخصوص سياسة الناتو الدّفاعية التوسعية, لقد حاجج الرّئيس بانّ تكثيف هذه السياسة من شأنه أن يعزل روسيا مرتكزاً على الاعتقاد بأنّ " الأقاليم السياسية للقوى الكبرى للقرن العشرين سوف تهيمن على القرن الحادي والعشرين, و التي قام بالطّبع برفضها, بدلا من ذلك فقد تحمّس لفكرة أنّ تنوير "إثراء" المصالح من خلال تقاسم القيم سوف يجبر الدّول على الدّفاع عن عظمتها من خلال طرق أكثر بنيوية ".
إن التقاسم الكبير للتوقعات المتفائلة كان بين الأكادميين ، ففي سنة 1989م برزت قضيتين مهمّتين أُخذت بعين الاعتبار ، فمجرّد ما آلت الحرب الباردة إلى نهاية سلمية ادّعى جون مرشايمر في مقاله : "العودة إلى المستقبل", قائلا بأنّه لا وجود لتهديد جدّي طويل للحرب بين القوى الكبرى لأن حروب من هذا النوع ستكون مميتة للغاية "حتّى من دون الأسلحة النووية" للحصول على أي منفعة سياسية, في القرنين أو الثلاثة قرون الأخيرة, فالحروب الرئيسية بين الدّول السّائرة في طريق النمو أخذت نهايتها تدريجيا منحى سلبيا, فحروب القوى الكبرى لا تقدّم غايات مجتمعية مفيدة وطويلة الأمد, بل تبقى كمجرّد مبارزة و استعباد .
فرانسيس فوكوياما بدوره قدّم تطوّرا مماثلا في مقاله الشهير "نهاية التاريخ؟" , فقد حاجج بأنّ:" النزاع العميق لابدّ وان يورّط عدد كبير من الدّول تبقى متمسكة بزمام التّاريخ , وهي ما تبدو عليه من خلال المسرح الدولي ".
مع انهيار الإتّحاد السوفياتي:"لاوجود لصراع أو نزاع حول القضايا الكبرى, و نتيجة لذلك فلا حاجة بنا إلى جنرالات أو رجال دولة , ما تبقى شكل رئيسي و هو النشاط الاقتصادي".
إنّ الإدّعاءات التي أثيرت عن الواقعيّة إدّعاءات مخطئة, حقيقة فمن المحتمل أن يهيمن المنظرون الواقعيون على النقاشات المرتبطة بالسياسة الدّولية خلال القرن المقبل, على كل حال فقد كان لها ذلك على الأقل منذ الأيام المبكّرة على للحرب الباردة.
ما يخبّئه المستقبل للواقعية سيكون له وظيفة مهمة بناءا على اعتبارين اثنين :
أولا: ما ستخبرنا به الواقعية عن أحداث العالم الحقيقي لأن السياسة الدّولية هي دراسة امبريقية "تجريبية", فالمعيار الأمثل لتقديم أهمية أي نظرية يرتبط بكيفية تفسيرها لسلوك الدّولة.
لقد عرفت الواقعية لمدّة طويلة باعتبارها منظورا مهيمنا في العلاقات الدّولية, حتى من قبل أولئك المناوئين لها, لأنّها تقوم بمهمّة جيّدة فيما يرتبط بما تقدّمه من تفسيرات سياسية بين الدّول أكثر من أي نظرية أخرى.
ثانيا: أي نوع من الاحترام ستبديه الدّراسات الأكاديمية تجاه الواقعية ــ أحد المؤسسات المفتاحية لدى أي مجتمع لتشجيع التفكير و"البحث " حول السياسة العالمية ــ الإشكالية المحتملة التي بإمكانها أن تواجه الواقعية هو أنّ هؤلاء الأكاديميين يحاولون في بعض الأحيان تشويه وإسكات الأفكار المناوئة لهم , حتّى وإن سلّطت هذه الأفكار الضوء على الموضوعات المهمة .
يبدو أن الواقعية مقبلة على مستقبل مشرق في القرن الحادي والعشرين فللأسف لازلنا نعيش في عالم شرّير ووحشي أين تُنافس القوى الكبرى بعضها البعض من أجل القوّة.
إنّ التّهديد الممكن الوحيد الذي يواجه الواقعية محتمل أن يأتي من داخل الدّوائر الأكاديمية أين تتعرض الواقعية بشكل مستمر للانتقاد, لكن أي محاولة داخل الأكاديمية لإسكات الواقعية سيكون مآلها الفشل, ببساطة لأنه من الصّعب إجبارها على كبح أو إقصاء حججها بالخصوص في الولايات المتحدة.

الواقعية :
يتكوّن المنظور الواقعي من مجموعة من النظريات التي تتقاسم ذات المعتقد, خصوصا تلك التي تقول بأنّ الدّول هي الفواعل الأساسية في السياسة الدّولية ولا وجود لسلطة عليا فوق سلطتها, فغياب هذه الهراركية في النظام الدّولي هي ما يسمى بالفوضى و التي لا تعني تلك الفوضى المرادفة للعنف و لكن تعني ببساطة أنّ للدّول سيادة سياسية فعلية. الأكثر من ذلك فإنّ حسابات القوّة تهيمن على تفكير الدّولة, كما أنّ الدّول تُنافس بعضها البعض من أجل القوّة, فهناك صيغة صفرية لهذا التنافس و التي تكون في بعض الأحيان شديدة و غير متسامحة. من المؤكّد تعاون الدّول مع بعضها البعض لكن في الأصل هناك صراع على المصالح بينها لا تناغم حول هذه المصالح. أخيرا, فإنّ الحرب تعدّ وسيلة شرعية تتّبعها الدّول, يختصرها كلاوزفيتز في مقولته الشهيرة: " الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى".
وبالرغم من هذه الاعتقادات المشتركة بين النظريات الواقعية فإنّ هناك اختلافات هامّة بينها, على سبيل المثال, فقد حافظ مورغانتو على الاعتقاد القائل بأنّ الدّول مدفوعة بنهم وتلهّف لاكتساب القوّة, هذا ما يدفعها للبحث عن طريقة لتعظيم تقاسمها للقوّة العالمية, في المقابل ركز والتز على اعتبار أنّ بنية النظام الدّولي تدفع الدّول إلى التنافس من أجل القوّة لكن هذه الدّول لا ينبغي لها أن تكافح من أجل زيادة القوّة و حسب ولكن بدلا من ذلك فهي تسعى للإستلاء على القوّة.
الأكثر من ذلك فإن هناك إخلاف بين الواقعيين الدفاعيين "روبرت جارفيس, ستيفن فان افيرا" و بين الواقعيين الهجوميين " أنا وراندلال شويلر "
لكن ليس هدفي في هذا المقال هو تقديم مدى أهلية و"استحقاق" منظرين واقعيين معينين و لكن إلى حدّ ما من أجل حسم مستقبل أكثر منظورات الواقعين العامّة ذات الصّلة.
العالم الحقيقي
The real world
بالرغم من نهاية الحرب الباردة ، لم تعرف بنية النظام الدولي تغييرا كبيرا ، فقد ظلّت الدول هي الفواعل المفتاحية في السياسة العالمية ، كما استمرت في العمل ضمن نظام فوضوي، إذ أنه لمن الصعب إيجاد دارس جدّي يبرهن بأنّ الأمم المتحدة أو أي مؤسسة دولية بإمكانها أن تكره القوى الكبرى على فعل ما أو من المحتمل أن تحملها على ذلك في أي وقت قريب ، الأكثر من ذلك ليس هناك حتى من بديل جدير عن الدولة في الأفق القريب، لكن في أي مكان من العالم ، فإن هناك قليل من الاهتمام لفعل ذلك مع الدولة و وضع إعدادات سياسية عوضا عنها ، بالطبع فليس هناك شيء يستمر للأبد ، لكن هناك سبب قوي يدفع للإعتقاد بأن زمن سيادة الدولة لم ينتهي بعد .
بما أن البنية القاعدية للنظام الدولي لم تتغير منذ سنة 1990 ، فلا يجب علينا توقع حدوث اختلاف كبير لسلوك الدولة في القرن الجديد كما كانت عليه في القرون الماضية .
في الحقيقة هناك الكثير من الأدلّة تشير إلى أنّ الدول لازالت تهتم بعمق بتحصيل القوة و بأنّها ستتنافس عليها في المستقبل القادم ، علاوة على ذلك يبقى الخطر قائما بإمكانية أن يقود التنافس الأمني إلى الحرب حتى بعد تراجعه مع اختفاء الاتحاد السوفياتي .
فالنتأمل سلوك الو.م.أ لتوضيح هذه النقطة ، فقد خاضت الأخيرة حربين منذ نهاية الحرب الباردة –العراق 1991 - كوسوفو 1999- و قد كان من الخطورة بمكان لو أنّها أنهت ذلك بدخولها في حرب ضد كوريا الشمالية سنة 1994 ، و بالرغم من أن الو.م.أ تُنفق على الدفاع أكثر من الدول الست الأخرى في الأمم المتحدة، فلا يبدو أنها تعتقد أن ذلك يبدو كافيا.
في الحقيقة أن كلا مرشحي الحملة الرئاسية لسنة 2000 دعيا إلى إنفاق الكثير من الأموال على البانتاغون و بالتالي فإن هناك سبب ضعيف للاعتقاد بأن الدول لا تهتم طويلا بأمنها.
علاوة على ذلك فإنّه من الصعب تصور أنّه بإمكان أي كان أن يبرهن بأن الحرب و التنافس الأمني أصبحت من الماضي في جنوب آسيا أين يتسلح الهند و باكستان ، العدوان اللذوذان، بالأسلحة النووية و يتمسك كل منهما بشدة بإقليم كاشمير ....في الخليج الفارسي نجد كلّ من العراق و إيران عازمتين على حيازة الأسلحة النووية من دون أن تبدو اي ملامح عن تحولهما إلى قوى راسخة ، أمّا في إفريقيا فلا تزال النزاعات البينية تظهر بشكل متنامي منذ نهاية الحرب الباردة لكن هناك مسألة واحدة حريٌّ بنا أن نسلم بها ، هي أن هذه الأقاليم تبقى مستعصية على القيام بالنشاطات المعهودة.
"One might concede , however , that these, regions remaim mired in the old way of doing buisiness ."
و السبب في حقيقة الأمر هو الحرب و التنافس الأمني بين القوى الكبرى و ليس بين القوى الصغرى كباكستان و إيران ، فذلك أمر مرّ و انقضى ، لذلك فأمكنه كأوروبا و شمال شرق آسيا أين توجد مجموعة من القوى الكبرى هي مناطق لن يطول فيها المنطق الواقعي كثيرا .
Therfore , Europe , and north east Asia , where there are clusters of great powers , are the places where realist logic no longer has much relevance .
لكن هذه الحجّة تفتقر إلى الدقة فهناك أسباب واسعة ترتبط بالأمن في شمال شرق آسيا بعد الحرب الباردة كما أن أغلب الكتّاب يعترفون بأن سياسة القوة تكمن في الإقليم و هذا سبب جيد يدفع للقلق بشأن النزاعات المسلحة . تفكير اليابان الجدّي في إعادة تسليح القوات يشير الخوف في قلب كلّ دولة في آسيا " the thought of japan seriously rearming Strikes fear in the heart of virtually every country in Asia ".
وإذا تواصل نمو الصين الاقتصادي و العسكري في ظلّ العقود القليلة القادمة، فمن المحتمل أن يكون هناك تنافس أمني شديد بين الصين و جيرانها، و بالتالي بينها و بين الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكننا القول بناء على تنبؤ أساسي أنّه بإمكان الصين " أن تصبح الصين الكنيسة العليا للسياسة الواقعية في حقبة ما بعد الحرب الباردة " .
يبدو أن الصينيين لم تصلهم بعد عبارة مفادها أنّ الواقعية قد أزيحت إلى مزبلة التاريخ الأكثر من ذلك فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في موضع من الممكن أن تجد فيه نفسها في حالة حرب ضد كوريا الشمالية أو ضد الصين بشأن قضية تايوان .
خلاصة القول أن شمال شرق آسيا هي منطقة خطر محتملة ، أين يُعد التنافس الأمني عنصر مركزي للعلاقات البينية للدول .
من الممكن القول أنّ الدليل الأمثل بأنّ سياسة القوة تبقى متأصّلة في شمال شرق آسيا هو محافظة الولايات المتحدة الأمريكية على مائة ألف جندي في الإقليم و تخطيطها لإبقائهم هناك مدّة أطول ، فإذا كانت منطقة شمال شرق آسيا منطقة سلام فينبغي أن تكون هذه القوات الأمريكية غير ضرورية و بالتالي من الممكن تسريحها و إرسالها إلى الديار و إنقاذ دافعي الضرائب الأمريكيين و توفير قدر من المال عليهم ، في الحقيقة إنّ الإبقاء عليهم في تلك المنطقة هو من أجل المساعدة السلمية في إقليم محتمل التقلّبات .
جوزيف ناي Joseph Ney ، أحد المهندسين الرئيسيين للسياسة الأمريكية في شمال شرق آسيا لفترة ما بعد الحرب الباردة و هو باحث يحظى بسمعة جيدة و مكانة مستقرة كمنظّر ليبرالي للعلاقات الدولية "و ليس كمنظّر واقعي" أثار هذه النقطة سنة 1995 في مقال له في مجلة السياسة الخارجية ، حين كتب قائلا :" سيكون من اللائق القول أن العالم بعد الحرب الباردة انتقل من عصر سياسة القوة إلى عصر الجيوايكونوميك geoconomics ، يعكس مثل هذا السيناريو التحليل الضيق "المحدود" ، فالسياسة و الاقتصاد مترابطان و النظام الاقتصادي الدولي يستند على النظام السياسي الدولي" ، ثم يورد حجة هادئة فيقول :"إنّ رئيس الولايات المتحدّة الأمريكية يدفع في آسيا إلى تحقيق الاستقرار و الحيلولة دون بزوغ قوى مهيمنة " ... فليس التطلّع إلى نشر القوات في آسيا فقط بإمكانه أن يضمن الاستقرار الإقليمي الواسع ، و لكن أيضا من المهم قيام دول الإقليم بالمساهمة "التبرع" من اجل تحسين المكاسب الاقتصادية و السياسية" باختصار فإنّ :" الولايات المتحدة الأمريكية تُعّد متغيرا حاسما في المعادلة الأمنية لشمال شرق آسيا ."
ماذا عن أوروبا إذن ، حيث يعتقد الكثير من الكتّاب أنّها أفضل منطقة للبحث عن دليل يؤكد أنّ سياسة القوة تلاشت بين القوى الكبرى ؟ .
لقد اعتقد كثيرون في بداية التسعينيات أنّ روسيا تمرُ بفترة تحوّل جذري فيما يتعلق بتصوراتها للسياسة الدولية ، إذ آمن الكثير من قادتها و فهموا أنّ مواصلة البحث عن القوّة ليس من المحتمل أن يعزّز الأمن الروسي ، و هذه أفضل طريقة في نهاية المطاف لتحقيق العمل المشترك مع الغرب جنبا إلى جنب من اجل إيجاد نظام أمني سلمي عبر كامل أوروبا ، الأكثر من ذلك يُحاجج البعض أنّه مع اندلاع الحرب الباردة فقد جهز الإتحاد الأوروبي الأسس من اجل إقامة نظام سياسي مستقر في غرب أوروبا ، و من ثمّة عبر كامل القارة .
لكن يبدو جليّا أنّ هذه المسائل خرجت عن هذا المسار في أوروبا ، فقد اعّد "جهّز" حلف الناتو و ليس الإتحاد الأوروبي قواعد الإستقرار في النصف الغربي من القارة ، و الناتو كما هو معروف عبارة عن مؤسّسة عسكرية ، الأكثر من ذلك فقد أزعج توسع الناتو شرقا الروس ، الذّين يبدو أنّهم بدؤوا يفكرون و يتصرفون تماما بمنطق الواقعين القدماء ، بالتأمل فيما قاله الرئيس فلاديمير بوتين عن مفهوم الأمن القومي للفدرالية الروسية حسب الوثائق السياسية المتصوّرة التّي وقعتها في العاشر من جانفي سنة 2000 حيث كتب أنّ : " شكل العلاقات الدولية مصحوب بالتنافس و أيضا بطموح عدد من الدول من أجل التمّكن من تقوية مدى تأثيرها في السياسة العالمية بما يتضمن إيجاد أسلحة الدمار الشامل ، و تبقى القوة العسكرية و العنف تمثّل المظاهر المادية للعلاقات الدولية ".
لكن مثلما هو الحال في شمال شرق آسيا ، فربّما يمكننا القول كذلك أنّ الدليل الأمثل بأنّ سياسة القوة لم تختفي بعد من أوروبا ، هو احتفاظ الولايات المتّحدة الأمريكية بمائة ألف جندي في الإقليم ، و هذه الأماكن لها أهمية كبرى في إبقاء الناتو سالما "حيويا". and it places great Importance on keeping Nato intact"
فلو أسّست أوروبا على السلام فإمكان الناتو أن يُسرّح و أن يُرسل القوات الأمريكية إلى الديار ، في الحقيقة إنّ تمركزها في المنطقة راجع إلى احتمال انطلاق تنافس أمني شديد في أوروبا و قد حسمت الولايات المتحدة الأمريكية أمرها في الحفاظ على الأمن و الحيلولة دون انفلاته .
إلى جانب ذلك لماذا تُنفق واشنطن كل عام مئة مليون دولار للحفاظ على حضور عسكري واسع في أوروبا ؟
يبدو انّ الكثير من الأوروبيين يعتقدون أنّ الو.م.أ تُحافظ على غطاء التنافس الأمني في إقليمهم ، فيما بين سنة 1990 و 1994 قام روبت آرت بأكثر من مائة مقابلة مع نخب سياسية عسكرية أوروبية ، النتيجة أنّه وجد أنّ الأغلبية يعتقدون بأنّه :" إذا ما سحب الأمريكيون مظلّتهم الأمنية من أوروبا فإنّ دول غرب أوروبا بإمكانها العودة بسهولة إلى سياسة القوة الهدّامة الذّين قضوا للتو الخمسة و الأربعين سنة الأخيرة محاولين إبعادها عن قارتهم " .
و حتى نلقي نظرة ختامية بشأن كيف أنّ العديد من الأوروبيين يفكرّون بالتواجد الأمريكي في أوروبا فالنتأمل نظرة كريستوف برترام christoph bertron المدير السابق للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن و أحد مفكري الاستراتيجيا الأساسيين في ألمانيا كتب سنة 1995 قائلا :" بتسريح الناتو الآن سوف نُعرض أوروبا إلى حالة عميقة من اللاأمن ...حقيقة بإمكانها أن تكون كارثة إستراتيجية " .
و قد ذهب إلى القول أنّه :" في حالة ما إذا أدارت الولايات المتحدة الأمريكية ظهرها لأوروبا سوف ينهار الناتو، و ستصل أوروبا إلى نقطة اللاتكامل ، سوف تبرز ألمانيا كقوة مهيمنة في غرب أوروبا ، بينما ستبرز روسيا كقوة مزعجة في شرقها ، سوف تفقد الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من سلطتها الدولية ، لذلك فهو الوسيلة الأمثل للمساعدة على حماية الاستقرار الأوروبي من النزاعات الدولية المشتعلة مجددا" .
ختاما نقول أنّ التنافس الأمني و الحرب بين القوى الكبرى مازال له وجود في النظام الدولي ، و من المحتمل أن تستمر الدول عبر العالم في التنافس فيما بينها من أجل القوة ، هذا يعني أنّ لدى المنظرين الواقعيين الكثير ليقولوه بشأن السياسة الدولية في القرن الحادي و العشرين .


العالم الأكاديمي
The Academy

لا يتأتى التهديد الجدّي للواقعية من خلال العالم الحقيقي، بل من داخل الجامعات أين تتفشى كراهية الواقعية، عادة وبعمق، بالأخصّ بين النظريات الليبرالية في العلاقات الدولية.
نجد المثال الجيّد لهذه العدوانية في مقال كُتب مؤخرًا في المجلة الأمريكية للعلوم السياسية من طرف جون فاسكاز. John Vasquez a member of the millenial reflections panel on realism held at the International studies association s 2000 convention .
فبعد استعراضه للأهمّ الكتّاب الواقعيين خلال العشرين سنة الماضية، خلص إلى أنّ الواقعية منظور آيل إلى الانحلال، - خلافًا لتقدّم المنظور -، بالطبع لقد قلّب بحث حقيقةً من أجل تقديم هذه الرؤية، لكنّه ذهب في اقتراحه إلى أنّ الأبحاث المنجزة من قبل دارسين ينتمون إلى المدرسة الواقعية لا تستحق متابعة التمويل، الدعم والنشر ... الخ ، كما كان يعتقد كذلك بأنّ كليّات العلوم السياسية من الأفضل لها عدم توظيف استخدام الواقعيين ... هذه العبارة تدلّ على تعصُّبٍ في نظرته.
من الصعب حقيقةً فهم كيف كان يتعامل الناشرون في المجلة الأمريكية للعلوم السياسية، فمن المؤكّد أنّه لو أُخبِر أحدهم عن النظريات الليبرالية السارية أو عن أحد الأشكال والنماذج الأخرى خارج المدارس العالمية الشهيرة ، كان الناشرون سيخبرون الكتّاب أنّ هجومات تشهيرية علنية من هذا النوع ليس لها مكان في مجلة العلوم السياسية ... لكن يبدو أنّ هكذا معايير تختلف تمامًا عندما يتعلّق الأمر بالواقعية. بالفعل هذا المثال مثال فريد، لكنّ الواقعيين يعلمون كلّ ذلك بشكل جيّد كقاعدة جامعية مألوفة، فقد تكهّن مورغانثو على سبيل المثال حقيقةً بأنّه لن يتسلّم الولاية في جامعة شيغاغو سنة 1946 إذا تمّ نشر كتابه الأوّل الأكاديمي -رجل العلم- في مواجهة السلطة السياسية المتميّز بأفكاره الواقعية، والذّي كان في صدد الطباعة في الوقت when the tenure decision was made الذّي كان فيه قرار التعيين.
في سنة 1989 نشر كتاب عن السيرة الذاتية من طرف 34 دارس في مجال العلاقات الدولية، تكرّر فيه اسم مورغانثو أكثر من أي اسم آخر ، مع ذلك سجّل الناشرون على هذه الصفحات العديد من المراجع ذات نبرة سلبية ، بدى بأنّها تثير انتقاده حتّى من قبل أولئك المؤيدين له ...، كينيث والتز الزعيم الآخر للمدرسة الواقعية ولَّدَ أيضًا عدائية مماثلة، إذْ سجّل فريد زكريا على سبيل المثال قائلا: إنّها شعيرة، في معظم ملتقيات العلاقات الدولية، أصبحت انتظر كطالب دراسات عليا في هارفرد، المتكلّم في بعض الأحيان، ليرسل كيْل من الاتهامات لأعمال والتز .
بين مزدوجتين، نقول إنّها نقاط ذات قيمة وأهمية، فعلى الرغم من اعترافنا بالمعرفة الواسعة المهيمنة للأجندة الفكرية الواقعية في العلاقات الدولية، لم تُوظّف إدارة قسم هارفرد المنظرين الواقعيين منذ مغادرة هنري كيسنجر سنة 1969، الأدهى من ذلك أنّها لم تبذل أي جهد لاستخدام أي من مورغانثو أو والتز أحد أكثر منظريّ العلاقات الدولية تأثيرًا خلال الخمسين سنة الماضية.
الكراهية الواضحة لجامعة هارفرد تجاه الواقعية لم تكن الوحيدة، فقسم جامعة ييل للعلوم السياسية لا يحوى أي منظّر واقعي تتميّز به هذه الكليّة وذلك منذ تقاعد أرنولد وولفر سنة 1957.
روبيت غيلبين المنظّر الواقعي الذّي لا يزال يزاول أبحاثه في جامعة برينستون إلى الآن، حافظ على التعصّب اللبرالي للواقعيّة، والذّي يملك تاريخًا طويلاً وحافلاً تنامى مؤخّرًا بسبب رفض الواقعيين الاعتقاد بأنّه مع: هزيمة الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة سيعمّنا السلام، الألفية البرالية الديمقراطية، الأسواق الحرّة ... .
في الحقيقة هناك الكثير من الأدلّة التّي تأرّق الواقعية عقب الحرب الباردة، فلنستشهد ببعض الأمثلة ... ففي سنة 1995، كُتب مقال في مجلة الدراسات الدولية" لم يتنبأ بالموت الوشيك للواقعية وحسب، لكنّه استنتج أيضًا أنّ البحوث المستقبلية يجب أن: تتفحصّ بعمق لماذا بقى أتباع السياسة الدولية خلال العقود الماضية مفتونون بنظرية خاطئة ... لقد احتجّ الباحث البريطاني الشهير سنة 1994، بأنّ العديد من الموضوعات المركزية للنظرية الواقعية بدت مألوفة فهي سليلة العسكرية والداروينية الاجتماعية العنصرية التي عرفتها عقود التسعينات الأخيرة وبداية القرن العشرين.
ختاما، صرّح ستانلي هوفمان البروفيسور في جامعة هارفارد لصحيفة النيويورك تايمز في مارس 1993 بأنّ النظرية الواقعية: ما هي اليوم إلاّ هراء تام .
هناك سبب بسيط يجعلنا نعتقد أنّ مثل هذا العداء تجاه الواقعية سوف يخمد في القريب العاجل، فبرّغم ممّا قيل فإنّ هذا التعصّب من غير المحتمل أن يضع نهاية للأجندة الواقعية البحثية، لسبب أساسي، وهو أنّ الواقعية تقدّم أيضًا العديد من الاستشرافات المهمّة حول السياسة الدولية، والتي بقيت طيّ الكتمان لمدّة طويلة.
" To be silenced for long"
... لقد أدرك المعارضون للواقعية أنّه ومهما حاولوا فإنّه من غير الممكن في أغلب الأحوال وضع حدّ لصوت الحُجج في الولايات المتّحدة ... إنّ النظام الجامعي الأمريكي هو نظام واسع وغير مركزي وبالتالي فإنّ الدارسين الجدّيين أصحاب الأفكار المثيرة للجدل، بإمكانهم دومًا العثور على بعض المؤسسات التي بإمكانها تقديم الدعم اللاّزم لهم. ليس بإمكان الواقعية بأن تُهمّش إلاّ إذا توقفت عن الخوض في القضايا المهمّة في السياسة الدولية ... ولكن مثلما تناقشنا آنفًا، فإنّ هذه الحالة غير محتملة الحدوث.
كخلاصة نقول أنّ الجماعة التي تخشى على العالم الحقيقي سوف تستمر في الاعتماد على التنبؤات والاستشرافات التي يحتجّ بها أصحاب النظرية الواقعية، وسيستمر الطلبة في التأثّر بالتفسيرات التي تصنّفها الواقعية عن سلوك الدولة.
سوف تندثر الواقعية فقط، في حالة ما إذا حدث تحوّل ثوري في بنية النظام الدولي، لكن هذه الحالة غير محتملة الحدوث في أي وقت.


جلال خشيب باحث مهتم بالدراسات الدولية و الإستراتيجية ، الجيوبوليتيكا و الفلسفة السياسية ، جامعة منتوري قسنطينة / الجزائر .



#جلال_خشيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا وُجدنا ؟ أسئلة الإستخلاف و رسالة المثقف المسلم في الحي ...
- إمبريالية مُصمّمة/ جون ميرشايمر
- نظرة خاصة لمفهوم الأمن / مجرد فكرة .
- زبيغنيو بريجانسكي و الماكيندرية الجديدة
- التوجهات الكبرى للإستراتيجية الأمريكية بعد الحرب الباردة
- سوريا في مهّب التحولات الدولية
- فلسفة الإستراتيجية الأمريكية
- سوريا في مهب التحولات الدولية .. دراسة جيوبوليتيكية نظرية
- صعود الإسلام و روح المدنية الغربية الجديدة


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جلال خشيب - الواقعية : العالم الحقيقي و العالم الأكاديمي / جون ميرشايمر ، ترجمة جلال خشيب