أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية في فوضى الشرق الاوسط -2 الصراع والحرب والارهاب على كردستان -2















المزيد.....

الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية في فوضى الشرق الاوسط -2 الصراع والحرب والارهاب على كردستان -2


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1118 - 2005 / 2 / 23 - 11:25
المحور: القضية الكردية
    


كثيرة هي الآثار التي طبعها الإسكندر على كردستان. وما مدينة "بتليس" سوى من بقايا أحد قواده المسمى بـ"بالليس Ballis". يقال بأنه تخطى جبال زاغروس كالأنصار. كما ويقال بأنه كان شبه إله في الشؤون العسكرية. ومع أسفاره وحروبه، دخلت كردستان مفترق طرق جديد، لتكون مركز الصراعات الشرقية – الغربية. بالإضافة إلى أن كردستان كانت المركز الذي غلبت عليه المعارك الدائرة بين الإمبراطورية البارثية المبنية على أنقاض البرسيين في إيران (250 – 216ق.م) والمَلَكيات الهيلينية اللاحقة لعهد الإسكندر. هذا وقد دخلت المَلَكيات الأرمنية أيضاً في الميدان. ويتم تناقل حق الفتح بين الأجيال كأساس لكل الحقوق الأخرى. وتُجهَّز شواطئ نهرَي دجلة والفرات بالقلاع الحصينة. وتتخذ كل المدن الدفاع أساساً لتُحصِّن نفسها بالقلاع والأسوار. مرة أخرى تبرز الأهمية الخاصة للمماليك كوماغنا (مركزها ساموسات) وآبغار (مركزها أورفا) وبالميرا (مركزها مدينة بالميرا)، في عهد المماليك الهيلينية؛ لتخلق آثاراً نخبة من التركيبة الجديدة الشرقية – الغربية. أما من الناحية الذهنية، فتتميز هذه الفترة باختلافها عن سابقاتها ولاحقاتها، بحيث يمكن نعتها بالمرحلة اللامعة البرّاقة للحضارة. وتشاهَد التأثيرات الإيرانية (البارثية) والهيلينية متداخلة في تلك الأثناء. في حين كان التبادل الثقافي حيوياً وفعالاً بقدر حيوية التبادل التجاري.
كانت أبواب كردستان – مرة أخرى – مأوى للحواريين، لدى هروبهم من بطش وإرهاب روما بعد عهد سيدنا عيسى؛ ليقطنوا في مدن أنطاكية وأورفا ونصيبين. بالمقدور القول أنه تم آنذاك ولوج مرحلة يتبدى فيها الإرهاب السياسي والديني حديثاً. حيث فتحت إمبراطورية روما في أعوام 50م بالأكثر، كل أراضي بلاد الأناضول وسوريا وإسرائيل ولبنان، وتخطت ضفاف الفرات. أما المجموعات المسيحية البارزة حديثاً، فبعد صَلب سيدنا عيسى تأوي إلى أجواف الجبال، والملاجئ تحت الأرضية، والمغاور والبراري. إنها مرحلة نصف سِرّية. ولربما كان الإرهاب السياسي طُبِّق لأول مرة بشكل جماهيري على المؤمنين المسيحيين. لهذا السبب كانت جبال كردستان المركز الأول الذي أواها. لقد بلغت إمبراطورية روما، التي استولت على كل المَلَكيات الهيلينية، تخوم الإمبراطورية البارثية. ولدى الحظي بالقائد الروماني الشهير "كراسوس Crasus" ميتاً (في أعوام 50م) احتفى البارثيون والأرمن بهذه المناسبة، وأظهروا رأس "كراسوس" أياماً عديدة في مدينة "كتاسيفون Ktesifon" في كردستان.
واعتباراً من القرن الثالث الميلادي، يأتي الدور على الصراعات بين الإمبراطوريتين الرومانية والساسانية. وتدور رحى أفتك الحروب في التاريخ على ساحة كردستان ثانيةً، لتكون حدودها نهر دجلة فينة، ونهر الفرات فينة أخرى. وتُهدَم المدن تكراراً ومراراً، كديار بكر ونصيبين، ويأتيها حكام متبدلون. وتتجزأ كردستان على الدوام. لذا، لن يكون منطقياً انتظار حدوث التطورات في المنطقة التي طالما يتقيأ فيها العنف والنهب والسلب في أحضان الحضارة. وبينما استمرت الحياة في الجبال على شكل أكوام وجماعات (Kom)، باتت مراكز المدن مقرات للاستيلاء. ويتبدى تمايز حاسم بين المجتمع الإثني والمجتمع العسكري. أما الحلقة الوسطى التجارية، فهي الكامنة بين الغزاة الطغاة والمجموعات الإثنية. تشهد المنطقة فترة معتمة داكنة في القرنين الرابع والخامس، بسبب الحروب المتتالية بين كلتا الإمبراطوريتين. اللهم فيما عدا الأنشطة الدعائية التي قامت بها المجموعات المسيحية والمانوية، في ظل رعب الإرهاب؛ كنشاط اجتماعي هو الوحيد في جديته. لربما كان انهيار مماليك بالميرا وأبغار وكوماغنا، هو بداية هذه المرحلة الداكنة. إنها أواخر مرحلة العبودية الكلاسيكية.
تقوم المسيحية على التبشير بالمرحلة الجديدة، ونشر العقيدة القائلة بمجيء النور بعد الظلام, وسيادة المَلَكية الإلهية على الدوام. لقد تطورت أيديولوجية التحرر والخلاص، وتأسيس جيش التحرير الاجتماعي، لتنهار كلتا الإمبراطوريتين من داخلهما. في حين أن الهجمات القاسية للإثنيات من الخارج ستعمل أولاً على تقسيم روما، لتمهد لانهيار قسم منها. هكذا غدت الإمبراطورية البيزنطية (روما الثانية) تهرع إلى ميزوبوتاميا وتطمع فيها. وبإضافة الاشتباكات بين المذاهب المسيحية، يتولد انقسام أشبه بالانقسام السني والعلوي الراهن. بالتالي، تنضم الصراعات الدينية المذهبية إلى الصراعات السياسية. وبتقمص الصراع الاجتماعي للرداء الديني، تتبدى الصراعات الإثنية بمظهر الأمة. أما الكهنة السريانيون (خوري)، وبالأخص النسطوريون منهم، فهم كالمحاربين العلماء بكل معنى الكلمة. تتماشى الصراعات الدينية والمذهبية مع الصراعات السياسية والعسكرية. وتمر هذه المرحلة بعقد الآمال على عودة المهدي، المسيح، وأنبياء اليوم الآخر، إلى العالَم الأرضي مرة أخرى.
إن سيدنا محمد قدير وكفء في جس نبض الزمان. ويزداد الاعتقاد تدريجياً بأن النبي المنتَظَر هو سيدنا محمد بالذات. ويَلِدُ كالشمس الساطعة وسط ظُلُمات الجاهلية التي تمر بها القبائل العربية المتصارعة. بات عصر السعادة على الأبواب. لقد شهد القرنان السادس والسابع مرحلة ولادة الإسلام وانتشاره العظيم. قل جاء الحق وزهق الباطل. أشرقت الشمس وزال الظلام. تتحقق الفتوحات المتعاقبة لتصل أبواب كردستان، ولكن من الجنوب في هذه المرة. ودارت الحرب، لكن، لا لأجل السلالة أو المَلَكية، بل في سبيل الدين والإسلام.
تتركز الفتوحات الإسلامية في كردستان، بعد فشلها الذريع في معركة القادسية في عام 642م. وتبدأ مرحلة أسلمة المنطقة بلدةً بلدة. وبينما جهد الإيرانيون للحفاظ على تعددياتهم عبر المذهب الشيعي، سعى الكرد لمواصلة وجودهم كقوم وإثنية، بالإصرار على الزرادشتية، أو بالعلوية كأضعف غطاء إسلامي. أما الكردياتية السُّنّية، فهي كردياتية مهزومة وخائنة.
الإسلام في حقيقته أيديولوجية حرب وطنية عربية مؤثرة، رغم أنه ككلمة يعني "السلام". حيث يطمح إلى العولمة العالمية، كما هي حال العولمة الراهنة. العبادة العظمى فيه هي الجهاد. كل شيء مفتوح في سبيل الجهاد (الحرب) يكون لك، فإن شئتَ استعبدْ المهزومين، وإن شئت حظيتَ بالنساء فوراً. أي أن الإسلام لا يكتفي بالفتح العسكري فقط – تماماً كطراز السلطنة الراهنة – بل يبسط نفوذه على كافة القيم الاجتماعية والاقتصادية والعقائدية المفتوحة. الأرجح هنا هو الهيمنة الذهنية. فالإسلام، باعتباره أيديولوجية الإقطاعية، يطمح ويعزم على إعادة تشكيل المجتمع الشرق أوسطي برمته. إنه يُعِدُّ الأرضية الاجتماعية للإمبراطورية الإسلامية، التي ستتنامى على التوالي، بمفهوم الأمة المؤمنة الواحدة. وما الأيديولوجية التوحيدية المخلوقة والمصوغة بمهارة فائقة، إلا أرضية أيديولوجية للسلطنة كسلطة وحيدة تمتلك جميع الصلاحيات. ولربما كان الإسلام، الذي خلق القاعدة المؤمنة والقمة السلطانية بكل مهارة، هو النظرية الأكفأ مهارة للإقطاعية المركزية في العالم أجمع.
تقوم الإثنية العربية بإحدى أعظم انطلاقاتها في التاريخ مع الإسلام، بعد أن كانت عاجزة عن الخروج بأي شكل من الأشكال من شبه الجزيرة العربية، منذ أيام السومريين. وتُطفِئ جذوة غليلها للسلطة، والتي كانت متأججة لآلاف السنين، بِدَكِّها دعائم البيزنطيين والساسانيين؛ لتؤسس مدنية إقطاعية عظيمة ومدهشة. يشكل الأمويون (650 – 750م) والعباسيون (750 – 1258م) ذروة الإمبراطورية العربية. التوسعات صوب كردستان وطيدة بالطبع. حيث يصلون حواف جبال طوروس وزاغروس، متسببين خلالها بالمجازر الكبرى. إنها مسيرة حلاّجية (نسبة إلى الحلاّج) بنمط إسكندراوي (نسبة إلى الإسكندر). حيث يُبدون القدرة على التوغل حتى تخوم بلاد القفقاس وهنديقوش وبيرانا وإسطنبول.
وبوصولنا أعوام 1000م، نجد الديانة الإسلامية بلغت أوجها. حيث قامت القبائل العربية في أعوام 1000م بما قامت به القبيلة العبرية في أعوام 1000ق.م. ويبرز إلى الميدان أتراك الأوغوز، ومن ثم السلاجقة فالعثمانيون. حيث استلم السلاطين من الأصول التركية إدارة شؤون الحرب الأخيرة الكبرى، تحت اسم الإسلام والسُّنّة. ويمر خط الصراع التقليدي مرة أخرى من كردستان، في عهد العباسيين والسلاجقة. حيث تدير القوى البيزنطية والسلطانية معظم حروبها في مناطق كردستان؛ تستولي عليها تارة، وتتخلى عنها للطرف الآخر تارة أخرى. هكذا تكتمل عملية أسلمة كردستان. وتُدحَر القوى البيزنطية منها في معركة ملازكرت (1071) على يد السلطان السلجوقي ألب أصلان. وتقطع الحضارة الإسلامية أشواطاً ملحوظة في التقدم، رغم وجود الصراعات والاشتباكات بين السلاطنة الأيوبيين والإمارات التركية. ويبرز الإسلام في الصدارة في مناطق عديدة مثل أورفا، ماردين، ديار بكر، سيرت، ملاطية، وآل عزيز؛ ليدفع بالوجود المسيحي والسرياني والأرمني إلى المرتبة الثانية.
وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر، تؤدي الغزوات المغولية والصليبية إلى الدمار والقتل الجماعي في المنطقة كسرب الجراد. وتستمر الهجرات واللجوء إلى الجبال. وترتَجُّ المنطقة ثانية. ويتحقق التجزؤ التقليدي المعروف، ويُرسَم خط الحرب فيما بين الصفويين (مركزهم إيران) والعثمانيين (مركزهم البلقان والأناضول). هكذا يتجدد حدوث ضرب من الثنائية البيزنطية – الساسانية. وتُرسَم الحدود الشرقية الكلاسيكية في أقصى الشرق مع انتصار ياووز سليم في معركة جالديران في عام 1514 (بالاشتراك مع الشرائح الكردية السُّنّية). وتُوضَع في كردستان لَبَنات الانقسام المستمر حتى حاضرنا. رغم تواجد الهجمات المتعاقبة من تخوم الحدود نحو الداخل، إلا أنه، وبإبرام معاهدة قصر شيرين في عام 1639؛ حصل انقسام كردستان المستمر حتى راهننا، وخُطَّت الحدود الرسمية واعتُرِف بها، بين كل من القوتين الأناضولية والإيرانية، بحيث تبقى غالبية الكرد وأراضي ميزوبوتاميا ضمن حدود الإمبراطورية العثمانية.
تمر مرحلة هادئة نسبياً حتى بدايات أعوام 1800، ضمن التوازنات المقامة بين العثمانيين والإمارات والحكومات الكردية. وبينما تتطور الحضارة الإسلامية على الخط السُّنّي، اضطر الكرد الزرادشتيون والعلويون إلى الإيواء في ذرى الجبال وتفضيل العيش في زوايا العراق، وهم في حالة شبه متمردة. وبسبب هاجس الصفويين الذي يقض مضجع ياووز سليم، يقوم الوزير الأعظم لديه "مراد باشا البئري" برمي 40 ألف شخصاً علوياً في البئر وهم أحياء، ويعدم "بير سلطان عبدال"؛ ليرتكب بذلك أشنع الأمثلة دلالة على الإرهاب، والتي تركت بصماتها في التاريخ. قبل ذلك أيضاً، كان ثمة أمثلة مهمة تشير إلى الإرهاب، كإنهاء الحركة المتطلعة إلى بناء نظام مشاعي بزعامة الشيخ بدر الدين، وقمعها بالمجازر، ومن ثم إعدام زعيمها الشيخ. وما قمع تمردات الجلاليين، الذين ثاروا على الفقر والفاقة، وعلى التجنيد الإجباري وجبي الضرائب؛ سوى دلائل تفيد بمدى تصاعد موجة الإرهاب في الأرستقراطية الإسلامية. لقد كان الإرهاب العثماني فتّاكاً ومجحفاً، بقدر الاعتداءات الخارجية، بأقل تقدير.
إلى جانب ذلك، يُشكِّل قتل أولياء العهد الأشقاء، وإعدام الصدر الأعظم، عمليات إرهابية متفشية. جلي تماماً أن الإرهاب تفشى وطُبِّق بترهيب فظيع في قلاووز (دليل) السُّنّة، الذي يُعتَبَر التفسير الرسمي للإسلام في عهد العثمانيين. هذا وقد مورست أسفار الإرهاب الدائمة على العشائر التركمانية الجبلية أيضاً.
تمر كردستان من مرحلة مشحونة في غالبيتها بالتمردات والممارسات القمعية، اعتباراً من بدايات أعوام 1800 وحتى انهيار الإمبراطورية. أي أن القرن التاسع عشر مر من بدايته وحتى نهايته بالتمردات والقمع. وبتأثير من المبشرين الإنكليز والفرنسيين، تتزايد أسفار القمع والتنكيل في هذا القرن على السريانيين والأرمن الذي ساءت علاقاتهم مع الإمبراطورية. ومع نهايات القرن التاسع عشر وحلول بدايات القرن العشرين، يكاد هذان الشعبان الأقدم في التاريخ يُمحَيان من على وجه البسيطة. وتبدأ النعرات القوموية المؤجَّجة على يد الرأسمالية، بإعطاء ثمارها السامّة رويداً رويداً. ويعود عدم تعرض الكرد للعاقبة الوخيمة عينها، إلى اختلاف الدين، وإلى مقاوماتهم الشاملة.
لقد خلَّفت الاشتباكات والصراعات الدينية والمذهبية السائدة في العصور الوسطى آثاراً تخريبية، تماثل في حِدّتها ما خلَّفته الاشتباكات والحروب المندلعة في العصور الأولى، بأقل تقدير. وجلي استحالة تطور الحضرنة في كردستان، بدافع من تلك الاشتباكات والحروب. أما الإثنية الساعية لصون وجودها في أجواف الجبال على الدوام من جهة، وبُنى المدن التي غدت مقراً للاستيلاء والغزو والاحتلال من جهة أخرى؛ فلم تكونا في وضعية تخولهما لبلوغ مستوى من العلاقات الجدلية. وكاد كل قسم منهما يغرق في تخلفه وعزلته المفروضة عليه.
إذا ما حفرنا قليلاً ونبشنا في وجه "السلام" لـ"الإسلام"، سنجد بروز القوة الظالمة والطاغية والاستغلالية الممتدة إلى آلاف السنين. حيث يعمل السلطان وخَدَمُه على تسيير نظام ظالم فتاك واستعماري، مموَّه بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ومتقمص شتى أنواع الصفات الإلهية. وبينما يكون الأشقياء العُصاة أفظاظاً ومكشوفي الوجوه، يكون أولئك الذين في المدن وفي مقاليد الحكمـ مرتدين الثوب الديني الفضفاض والعَمامة، ومتواريي الوجه وملتويي الأفواه؛ ليقوم جميعهم في النهاية بممارسة الظلم والكبت والاستغلال ذاته؛ بعد مصادقة الإله عليه!. الفرق هنا يكمن في الشكل، لا الجوهر.
يتميز صون الشعب الكردي وجوده بقيمة عليا وثمينة في أوساط الصراع والحرب والإرهاب التي عمت أرجاء كردستان، والتي ابتدأت بالصراعات ذات الطابع الاجتماعي في العهد النيوليتي؛ وتصاعدت مع حروب العبودية في العصور الأولى، لتتكاثف على الدوام مع الحروب والعمليات الإرهابية الإقطاعية في العصور الوسطى. تعد المقاومة الإثنية، ورغم كل قصورها وثغراتها، العامل الأولي المحافظ على وجود الكرد في غضون هذه المرحلة التاريخية القاسية والمجحفة؛ وإنْ لم تكن بقدر تلك التي تبرز في ظل الحضارات القوية والتقدمية.
تجزأت كردستان مرة أخرى، وأُقحِمَت في أجواء العنف، بعد تشتت الإمبراطورية العثمانية. حيث سادت – أو بالأحرى فُرِضَت – هيمنة جمهورية تركيا وشاهنشاهية إيران ومونارشية العراق والإدارة السورية – الفرنسية على كردستان؛ بموجب خريطة الشرق الأوسط التي خَطَّت حدودَها كل من إنكلترا وفرنسا المتصاعدتان كقوة إمبريالية واستعمارية حديثة. وتكاثَفَ الإرهاب وتفشى أكثر، مع اندلاع شرارة الحركات التمردية المحدودة المعتمدة على الإثارات والتحريضات بالأرجح؛ والنابعة من التطلع إلى الحكم الذاتي القديم من قِبَل الشريحة الكردية العليا المتواطئة، التي ضاق الخناق على منافعها أكثر فأكثر في ظل الأنظمة الجديدة.
لقد كانت الانتفاضات بعيدة عن أن تنادي بالمطاليب الوطنية والديمقراطية. بل كانت صراعاً شنته الشريحة الإقطاعية الكردية المتواطئة، والمتحسرة لأيامها الامتيازية الماضية؛ وذلك بغرض المطالبة بحصتها من النظم الجديدة. لكن ما رسخته هذه النظم الجديدة المعتمدة على الرأسمالية والمتأثرة بالأيديولوجية القوموية، في تعصبها للقوم الواحد واللغة الواحدة والدولة المركزية الواحدة؛ كان نصيب الكرد منه هو تعريضه للإنكار بشكل أنكى وأسوأ من السابق، وللقمع والكبت المستمرين، وتركه يتخبط في ظلمات العصور الوسطى، بإقامة المجازر وممارسة الصهر الإرغامي عليه. لقد أُدخِل الكرد في مِكبَس مطوِّق، بكل ما للكلمة من معنى. بالإمكان القول أن الكرد كانوا الشعب والإثنية والكيان الظاهراتي المتعرض لأكثف أنواع إرهاب القوموية الشوفينية في العالم. وهم في ذلك يأتون في المرتبة الثانية بعد اليهود، على الصعيد الإقليمي. من أقبح وجوه القرن العشرين هو ذاك الوضع الذي مر به الكرد وعايشوه، من حيث تركهم يتخبطون في التخلف الإقطاعي على يد خونتهم المتواطئين، وعجزهم عن إعطاء أي معنى للحركات القومية الديمقراطية المعاصرة.
كانت السياسة التي مارستها تركيا على كردستان التي تحت هيمنتها، تسمى رسمياً بـ"حركة السيل الجارف". حيث ساد القبول بمدى "جودة" مضغ وسحق كل مكان تمر عليه. كان ذلك محمَّلاً بالآلام الناجمة عن ضياع الإمبراطورية أيضاً. لذا، كان لا بد من إتباع الأجزاء المتبقية بصهر مطلق. فحتى حظر اللغة الكردية الأم طُبِّق في نظام 12 أيلول، بما لا مثيل له في أي نظام أو أي بقعة من العالم. كما دُثِّرت جميع القيم الاجتماعية، وكل ما يمكنه أن يعكس الروح الكردياتية، بغطاء أسود داكن، إضافة إلى نشوب الصراعات الاجتماعية المعاشة على مر آلاف السنين، والحروب الاستيلائية والاحتلالية والاستيطانية الفتاكة والمجحفة. لا يمكن كشف الوجه الحقيقي للحقائق المخفية، إلا بالمساعي والجهود الدؤوبة والمُرَكَّزة جداً لعلم الاجتماع والآداب، بشأن حياة الكرد في ظل الوضع القائم لجمهورية تركيا.
لم تكن الممارسات التي طبقتها الشاهنشاهية البهلوية المتصاعدة كسلالة إمبراطورية حديثة في إيران، مختلفة عن تلك التي في تركيا الجمهورية. حيث تم القضاء، وبكل سهولة، على التحركات الكردية المتكررة، بدءاً من انتفاضة "سمكو اسماعيل" وحتى تجربة جمهورية مهاباط الكردية؛ وذلك لأسباب أيديولوجية وطبقية مشابهة. بذلك سادت التقربات الفاشية والقوموية الخاصة بالقرن العشرين، مع تطبيق نظام إرهابي مكثف. أما ممارسات كل من إنكلترا وفرنسا على كردستان العراق وسوريا، فكانت على شاكلة بسط نفوذ نفس النظام القمعي والاستعماري، بالاعتماد على السلالات العربية المتواطئة.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط والح ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثالث الفوضى في حضارة الشرق الاوسط ، وا ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني 3- العودة الى الأيكولوجيا الاجتما ...
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني -2 تحرير الجنسوية الاجتماعية
- الدفاع عن شعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع) بصدد ال ...
- الدفاع عن الشعب الفصل الثاني ب- افكار تخطيطية (مشاريع )بصدد ...


المزيد.....




- مخيّمات المهاجرين في تونس: صفاقس.. -كاليه- التونسية؟
- منظمات إغاثة: عملية إسرائيل في رفح تعطل الخدمات الطبية
- منظمات إغاثة دولية: تعطل الخدمات الطبية بعد بدء إسرائيل عملي ...
- الأمم المتحدة تنتقد قرار إخلاء مدينة رفح وتعتبره -غير إنساني ...
- الجيش الأمريكي يعلق على اعتقال جندي أمريكي في روسيا
- صحيفة إسرائيلية: السجون لم تعد تتسع للمعتقلين الفلسطينيين
- NBC: اعتقال عسكري أمريكي في روسيا
- إعدام دفعة جديد من المدانين بـ-جرائم إرهابية- في العراق
- عاجل | مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار العملية ...
- اليونيسيف تحذر : الهجوم البري على رفح الفلسطينية سيهدد 600 أ ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - الدفاع عن شعب الفصل الرابع الظاهرة الكردية ، القضية الكردية في فوضى الشرق الاوسط -2 الصراع والحرب والارهاب على كردستان -2