أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم أغا - ذئب المحيط















المزيد.....

ذئب المحيط


سمير عبد الرحيم أغا

الحوار المتمدن-العدد: 3822 - 2012 / 8 / 17 - 11:29
المحور: الادب والفن
    


بيوت قريتي المتباعدة .. المتناثرة تحسب لها ألف حساب عند الاقتراب منها وقد تثور ثائرتها حين تظفر بك... تقلب دفاترها ، وأنت ليس أدنى مثقال من أنفاس أهلها ، اما أن كنت غير ذلك فأنها تخبو في حنين أمامك ، الصباحان التي تأتي بها كفراشة تغفو تارة ، و تسافر تارة أخرى
على ضفة نهر قريتي قادتني خطاي الى هذا المكان مرغما .. أبحث عن( فرحة) في ذلك اليوم المدرسي الطويل ، وأنا في مثل هذا السن الذي لايتجاوز الثانية عشر ، لا أعرف من الخوف الا جنونه ، ومن الصمت الا وحشته ، أكره أقدار الدنيا ، وأحب النخل والماء والفتيات التي تردد أغان شعبية ، لايوجد ما أحتمي به ، ريح تطاردني وكأنها تتحسس نبض خطواتي ، أسرع في لمس أقدامها ( أين ذهبت فرحة ؟ ) الوقت يهرب معها ، الافق يدنو للمغيب ، الوجوه تعبر أمامي ، أعرفها وتعرفني ، حتى أصبحت لا أميز من يمر بجانبي ، ( أبي هددني بعدم المجيء إلى البيت بدون فرحة ) قواي لا تعينني في البحث يا أبي ، الطرق ملتوية في القرية وكل طريق في نهايته خائفا ، كأن العذاب موكل بي ، قلت معاتبا _ الشاة ربما تختبئ في مكان ما ، سأختبئ هنا حتى تعود البيت .
في الصباح تلعب معي ، أطاردها في الحوش الكبير بكل قواي ، فتاة عذبة تطارد صبي ندي ، يرى فيها الحبيبة ، حتى العصافير تتناثر حولنا بعيون الانشراح وتطير ساعة الطيران ، ولو مسنا التعب ، نعود كل الى داره ، ونعلق التعب على أغصان السحر والحب ، أذكر اليوم الذي تعبت فيه وبالذات حين خرجت من مكانها بدون حركة بمغامرة مني ، فما كان من أبي ألا أن يسارع بمعالجة الأمر ليفرح قلبي كما العصافير .. ، وما ذلك الا بداية خوفي عليها ، ثم جاءت تسميتها ( فرحة ) خارج عن طواعية القلب ،
عند بداية الجسر الوحيد يحاول نظري مسائلة الأشجار ،( أين ذهبت )صور تمر أمامي الا صورتها ، عيوني تعبت بل لم تستطع تمييز الأشياء ، فصار دمي سلما لأرتعاشات مشوهة ، هناك وجه مشوه توسط الطريق ، ينظر بحماقة بكلتا عينيه الصغيرتين ، توجهت عيناي نحوه ، هيئته غريبة لم ألفها في القرية ، كأن له أنياب تلصف متى ما سقط الضوء عليها ، وكذلك في أرجله تستوطن مخالب ، على جبهته بصمة دم ، أذناه طويلتان تعلو رأسه ، أهو أنسان أم حيوان ؟ الخوف يطيل الكلمات ، فتخفق في قامتي صيحتان ، الاولى ماذا أقول ؟ والثانية صيحة النجدة ، توقف الزمن... ماذا يريد ؟ هل أهرب ؟ كل شيء جائز برهن العقبة التي تمر ، بقيت أنظر إليه بذهول متواصل ، على رقبته علقت سكين ، كل الذي شدني وأشعل رهبتي ، أنه ذئب كما وصفته ورأيته ، قد يكون تقمص هيئة ذئب ( ماذا سأقول لأبي ؟ ) ناديت فرحة فلم تجب ، تقدمت نحوه قلت
ما الي جاء بك الى هنا ؟
رد ببرود : هذه قريتي
كشر عن نابان في مقدمة أسنانه
قل نعم هذه قريتك . بخوف مذموم قلت نعم ، ما الذي جاء بك إلى هنا .. ؟ لم أعرف قصده ، هل أقول له أنني أبحث عن فرحة . هذا ذئب : وأن كان ذئب بهيئة بشر ، رائحته مقرفة حادة تزكم الأنف ، أطاول نفسي على هذه الرائحة ، قلت له بخوف : من أين أنت ؟
رد ببرود شديد : لقد جئت من وراء المحيط ، نبرة صوته تهدد وتخبئ حقد وانتقام ، قلت مرة أخرى : لماذا جئت إلى هنا وبالذات هذه القرية ؟ رد وعينيه تشفع فيها النار : هذه الأرض هي التي جاءت بي . سخرت لذلك ، شيء ما يؤلمني ، صدأ الخوف بثوبي ، هل جئت على ناقة ؟ قلت له ، رد بسخرية : جئت على ظهر الدبابة ، لم أفهم ماذا يقصد ، شبح أم ظل ما كان او يكون ، كيف لي أن أهرب ، وأنا الذي عبرت كل ربوة وساقية أبحث عن خميلة بيضاء ، عفوا( فرحة بيضاء ) هكذا كان لونها ، كأنني أبحث عن بذرة زيتون ضيعها هنا أبي , فوجدت بشرا .. يلبس قبعة حمراء ، قد يلحق بي في اول خطوة ، يريد أن يسحبني جانبا ثم يحفظني في خزانة الأسرار ، حتى الافق تلون بلون غريب ، شرر تتطاير صوب وجهي ، رائحته النتنة تزكم أنفي ، أصبر على كل الذي يلقى ، أن أتمرد وأن مت ، كلانا واجم لذاته ، من وحشة طريقه رغبة عارمة في استدعاء قدره ، ولو كلفه حياته ، ستكون المواجهة سريعة وحادة ، خوفي بلغ ذروته حين رأيته يتقدم نحوي ويمد يده قائلا : لماذا لا نتعارف ؟ ( العودة ومعي فرحة ذلك مطلب أبي ) هل أفرح كما العصافير ؟ بعودة فرحة ، جاء الليل يا فرحة ، أتى موسم الخوف الحقيقي ، يطلق الرجل الذئب صرخة ، أشعلت كل غابات سخطي ، أندفاعه نحوي هذه المرة سريعا ، بدون أن يثير أي جدال أو أثار ، حاولت إيقافه ، لم أستطع ، مسك بيديه كتفي ، هل أضربه ، لا أستطيع ، ضربة واحدة منه تنهي حياتي بل القرية كلها ، لم أجد من يقف معي ، بقي واقفا أمامي كالجدار الأسمنتي ، ( صورة أبي تتقدم أمامي ) لقد حرك هذا الوجه بما نم من نية مخيفة غامضة ،
كل شي يوحي بالعزلة حبى أصدقائي وأحبابي ، والصفصاف جاء يواسيني ، فكلانا يترقب الموت ، في هذه العتمة الموحشة , أمر البحث عن فرحة لا خلاص منه ، صوتها ينعشني ، كلما رأيت الرجل الذئب ، نعم رأيتها تتجه نحوي ، مددت يدي من فتحة ضيقة سمح لي بها ، ربما غافلته في أزدحام القادمين والراحلين في القرية ،ولكن قد يتمكن من فرحة ، فما يكون يكون ، يقوم الذئب بدور الانسان في الوقت الذي لا نستنكر فيه مطلقا من أي أنسان يقوم بدور الذئب ، بدايات غيظ تأكل لحمي ، الغيظ أذن غيظ وافد والذئب غريب جاء قريتي ، ماذا تفعل الالسن المكتومة التي تتربص بالفرص ، وأنا لا أستطيع دفعه خطوة عن مكانه , فأنا وحدي هكذا ما كنت أدري أيقظوني و لم أزل صغيرا ، قال
هيا أضربني ..
تعجبت لذلك، قوته فوق قوتي، جسدي بات واهنا، بقوته يفعل ما يريد،
لأ أعرف ما الذي حصل في هذا العالم الكبير ذئاب في النهار والليل ،سكين وجرح وضماد وموت جاء من صمت الضحايا ، أين أهلي ، أنا واقع في الأسر
من انت ؟
أنا جئت من وراء المحيط
لماذا جئت ؟
جئت لا أتصدى لكم من الذئاب
ضحكت وقلت هو ليس ذئبا سميه كما شئت ، أشد ما يجذبه إلى الضحية هو بالضبط نفس الأسباب التي تقع غيره من الذئاب ، آه يا جرحي المكابر ، دمعتي في الحلق ، انا ابحث عن فرحة والتي تبحث عني سوف لا تجد سوى جبهتي ، وسأترك لها كل هذا الموت ، إنني لست مسافر ، مشهد كهذا يمكن أن يتكرر ، كما يهز بعضهم رأسه لرؤيته او يبتسم ، وأذا ما استرسلت في الكلام نما في جبهتي الندم ، بعد أمتار ربما أجده ، آثرت أن أجعل من صوتي حجارة ، كل من ماتوا ومن سوف يموتون على باب النهار بسببه ، لم يكن علامة استفهام ، كأنه يذكرني بحقد سنوات ، أصدر أوامر حازمة مصحوبة بتلويحه مروعة ، ترعرعت على الجرح وما قلت لأمي ، هذا الذي يجعل قريتي في الليل خيمة ، حتى الضحكات كتمت ، هي بداية خيط متصل ، ولكن من يكشف النقاب ؟ الذئب ينمو كما الأشجار , هناك من يسقيه ، ربما أخطأت في التعبير ، الرجل يفترس مثل الذئاب ، وأنا أزرع أشجاري ، على مهلي وعن فرحة أغني ، خوفي أن يفترس فرحة ، حتى يأتي دور القرية ، ستقع الواقعة ,
أنت ولد طيب
كيف ؟
تحب فرحة وتحبك
سنجعل قريتكم جنة
أنها جنة الله
لقد دخلنا الجنة أذن بدون صلاة
حسبته يضحك ، وأشار إلى الناحية الأخرى من القرية حيث تضطرب بين السراب والحقيقة ، بأي شيء أستعين ؟ آن لي أن أثبت حبي لفرحة ، كان لابد من الموت معا كي نعرف أننا توأمان ، مطلب أبي معلق برقبة الجميع وليس بي ، كل دقيقة
لها ثمنها ، لا تقول ليتنا نركض كالنهر اليها ، كأن كل شيء في محله ، اختبأت خلف نفسي ، أنت ألان محاصر ، عرفت رسالته ، الباطل يغطي الحقيقة ، كل ما تحويه القرية من شواهد لا يسد ما توطن نفسها عليه ، حاصرته ....
أخرج من قريتنا ...
خاطر غمغم بكلمات احتدم بها صدري ، أيكون ما أراه حقيقة ؟ أو بداية خدعة ، تحسرت على شيء يهوي , خرافات أبي ، ومعبد الحب الذي شيدته لفرحة ، أتعرى من دمائي ، وصمت يصلي الفجر لوحده مع الطير وأمي ان لم تمت , هل أصرخ ، أنادي ، أكتب لي حجابا يحفظني ، في الحال أخرسني الخاطر أذا أني أعرف ذلك الهاتف ، الرابض خلف كل انعطافة في قريتي ، وفي لحظة أخطر ما فيها أنه لم تعد هناك فائدة ، حتى الرعب والموت أصبح بلا أشواق ، لم يعد هناك داع للدهشة ، ولم يعد هناك داع أن أبعثر بقيتي, فقد سال على جبهتي دم فرحة ، ونما في قلبي عشب الدمار ،



#سمير_عبد_الرحيم_أغا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرهان
- ما تبقى لنا من الأمس
- أحلى لعبة
- نشيد اللقلق
- حسن وسوزان
- كنت مع السيد حراز
- مدخل بطعم البرتقال
- سر في قلب رجا
- أنا والمدير والمدرسة
- الغجرية
- يعود غدا أبو مائدة
- كنت مع الشيخ غازي
- المعلم يشوع
- نهر يعد الى السماء
- يوميات مدينة في منتهى الأحتلال
- الثورة التعليمية في الانترنيت مدارس مفتوحة وجامعات بلا ابواب
- عتبات النص الروائي


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم أغا - ذئب المحيط